رغم رفض شعبي واسع.. لهذا يصر المغرب على تعزيز التطبيع مع إسرائيل

ليلى العابدي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يلتزم المغرب في توطيد علاقته مع إسرائيل بسياستي الصمت الرسمي والتضييق على أي تعبير للمجتمع المدني والحقوقي الرافض لمسار العلاقات المغربية الإسرائيلية. 

وهذا الأمر يثير غضب قطاع كبير من الشعب المغربي ويجبره على استقاء المعلومات حول تطورات التطبيع من الإعلام الدولي عامة والإسرائيلي خاصة.

فيما يدافع قطاع آخر عن السياسات الحكومية ويؤكد أن موقف المغرب بشأن القضية الفلسطينية واضح لم يتغير، وسعيه لتعزيز مصالحه العليا بشراكات تعود بالنفع على البلاد هو الأولوية".

وفي اتفاق ثلاثي مغربي أميركي إسرائيلي، أعلن نهاية عام 2020 استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وتل أبيب بعد توقفها عام 2002، ومنذ ذلك الحين شهدت العلاقات عدة تطورات، أبرزها افتتاح سفارة لإسرائيل بالرباط، كما أعيد افتتاح مكتب الاتصال المغربي في تل أبيب وتدشين خط طيران مباشر بين البلدين.

وبالتزامن مع تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، اعترفت واشنطن بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه منذ عقود بين الرباط وجبهة "البوليساريو"، المدعومة من الجزائر.

زيارة استثنائية

ووصل وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 إلى العاصمة المغربية، في أول زيارة رسمية هي الأولى من نوعها لوزير دفاع إسرائيلي.

وفي أول نشاط رسمي له في المغرب، زار غانتس قبري الملكين الراحلين محمد الخامس ونجله الحسن الثاني.

وحكم محمد الخامس المغرب بين عامي 1927 و1961، وخلفه نجله الحسن الثاني حتى وفاته عام 1999، ليحكم البلاد منذ ذلك الوقت نجل الأخير، الملك محمد السادس.

وعقب ذلك وقع المغرب وإسرائيل مذكرة تفاهم دفاعية، تهدف إلى تنظيم التعاون الاستخباراتي والمشتريات الأمنية والتدريب المشترك.

وبحث وزير الدفاع المغربي، عبد اللطيف لوديي، مع غانتس سبل  تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، بحسب بيان للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية المغربية.

وأشاد الوزيران بحسب البيان بـ"التقدم المحرز في مجال الدفاع بإبرام اتفاق يتعلق بحماية المعلومات في مجال الدفاع ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال الأمن السيبراني".

وتشمل المذكرة تفاهما في مجال الدفاع، وتبادل التجارب والخبرات، ونقل التكنولوجيا، والتكوين، وكذا التعاون في مجال الصناعة الدفاعية.

كما استقبل المفتش العام للقوات المسلحة الملكية قائد المنطقة الجنوبية، بلخير الفاروق، غانتس في الرباط بحضور مسؤولين عسكريين سامين من القوات المسلحة الملكية.

رفض شعبي

ولم تكن الزيارة محط ترحيب من عدد من الجمعيات المناهضة للتطبيع، التي نظمت وقفة أمام البرلمان المغربي عشية التوقيع على مذكرة التفاهم، جابهتها السلطات المغربية بالمنع.

ودعت فعاليات سياسية ونقابة وحقوقية تنشط في "الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع" لوقفة أمام مقر البرلمان المغربي، احتجاجا على زيارة غانتس إلى الرباط.

وقال الطيب مضماض منسق سكرتارية "الجبهة الوطنية لدعم فلسطين وضد التطبيع" إن السلطات لم تمنع الوقفة فقط، بل وقمعتها، وتم الاعتداء على المشاركين وتعنيفهم.

 

وأضاف مضماض لـ"الاستقلال" أن "هذا القمع لا يُكذب فقط ادعاءات الدولة المغربية حول دعم القضية الفلسطينية بل يخل بالالتزامات التي أخذتها الرباط على نفسها في مجال حقوق الإنسان، والحق في التظاهر السلمي".

وشدد على "عدم إمكانية دعم القضية وفي نفس الوقت أن نستقبل مقترفي جرائم حرب بل من المفروض اعتقالهم، خاصة أنهم يتبجحون بما قاموا به، ومثال ذلك تغريدة لوزير الدفاع يتحدث فيها عن إرجاع غزة لعصور غابرة من شدة الدك والهدم الذي طال المباني". 

وغانتس كان وزيرا للدفاع بالحكومة الإسرائيلية السابقة المسؤولة عن العدوان الوحشي الأخير على أراضي السلطة الفلسطينية والبلدات العربية بإسرائيل، الذي أسفر عن 279 شهيدا، وآلاف الإصابات.

واعتبر مضماض أن موقف السلطة بمثابة "سياسة أصبحت الدولة المغربية معتادة على ممارستها من بعد فتح قوس قليل من الحريات الذي كان هشا جدا سرعان ما تم التراجع عنه".

وأضاف أن الجبهة ومنذ تأسيسها قبل عام تقريبا قامت بكثير من الخطوات، وهي مقبلة على تنظيم وقفات في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، تزامنا مع اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، للتعبير عن رفض التطبيع واستقبال مجرمي الحرب ببلادنا.

وكشف مضماض عن تنظيم محاكمة رمزية للمطبعين في 25 ديسمبر/كانون الأول المقبل، لتوضيح أنه "ومن خلال القانون المغربي والقانون الدولي استقبال الصهاينة هو جريمة تستحق المحاكمة، حيث سيشارك فريق قانوني سيسهر على هذه المحاكمة الرمزية".

منع الوقفات 

من جانبها قالت شامة درشول الخبيرة المغربية في التواصل إن "منع الوقفات المناهضة للتطبيع يسيء للمغرب".

واعتبرت درشول في تصريح لـ"الاستقلال" أن "هذا المنع يدفع إلى إظهار المغرب على أنه يسير باتفاق بين الشعب والدولة نحو التطبيع، وأن الشعب يوافق على قرار الملك باستئناف العلاقات، وهذا خطأ".

وفسرت ذلك بالقول: "لأن من مبادئ الديمقراطية هو الاختلاف وحرية التعبير، ومن الطبيعي أن يختلف جزء من الشعب مع قرار الحاكم أو الحكومة وجزء آخر يتفق". 

وتابعت درشول أن "المنع هو سلوك ديكتاتوري قمعي، لا يتوافق مع الدول الديمقراطية أو ذات الانتقال الديمقراطي".

"فلا يعقل أنه في قلب إسرائيل يمكن أن تقام مسيرات من اليهود أنفسهم ضد قرارات الحكومة الإسرائيلية وتجاوزات الجيش، وهنا في المغرب تمنع فئة كبيرة كانت أو صغيرة من التعبير عن موقفها فقط لأنه يخالف موقف الحاكم". 

وأوضحت درشول على أن "المغرب يحتاج لهذا الاحتجاج، بل عليه أن يحافظ عليه كورقة في يده يضغط بها على إسرائيل، خاصة وأن نظامها السياسي غير مستقر وحكوماتها متغيرة". 

وأضافت أن "الاحتجاج ورقة يحمي بها المغرب نفسه، ومكانته، وعلاقته، من الانزلاق نحو التبعية المجانية، ويمنح نفسه مصداقية تؤهله للعب دور الوساطة، خاصة أمام عودة مصر إلى الساحة الفلسطينية الإسرائيلية". 

أزمة إعلامية

وتعليقا على إعلان جل تفاصيل الاتفاقيات المبرمة خلال زيارة غانتس من طرف الإعلام الإسرائيلي، أكدت درشول أن "ضعف التواصل المغربي عن الزيارة يضعف موقف الرباط".

وأضافت أن "هذا الضعف يظهر خاصة في ظل استيلاء أبوظبي على عدد من المنابر الإعلامية المغربية التي توظفها للترويج لاتفاقيات التطبيع العربية، ولخدمة أجندة التحالف الإماراتي الإسرائيلي".

وأشارت درشول إلى أن ضعف تواصل الجانب المغربي يأتي في ظل حرية الصحافة التي تتميز بها إسرائيل وتمنح صحفها الحق في انتقاد علاقة بلدها بالمغرب، وهذا ما يفسر سبب هجوم صحيفة هآرتس المحلية على ملك المغرب في عدد من التقارير بعد استئناف العلاقات.

وتساءلت عن الصحافة المغربية القادرة على خوض معركة الدفاع عن المصالح المغربية من خلال الإعلام، وإيصال الصوت المغربي إلى داخل المجتمع الإسرائيلي المتنوع.

وقالت درشول إن "هذا المجتمع المتنوع لا يعرف المغرب إلا عبر الإسرائيليين من أصل مغربي الذين بدورهم يوصمون بسمعة سيئة داخل إسرائيل".

موقف رسمي

فيما قال محمد بودن رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية (غير حكومي) إن "الموقف المغربي بشأن القضية الفلسطينية واضح لم يتغير، إن كان في الجانب الشعبي أوالرسمي، ودليل ذلك الاتصال الذي أجراه الملك مباشرة بعد الاتفاق الثلاثي مع الرئيس محمود عباس".

وأضاف بودن لـ"الاستقلال" أن "الموقف المغربي كما تم التعبير عنه في العديد من الفرص يعتبر القضية الفلسطينية بمنزلة قضية الصحراء المغربية".

وفسر العلاقات بين المغرب وإسرائيل بالقول "أنا أتصور أن عملية السلام هي شبيهة بعملية الحرث عبر فتح الآفاق والاعتناء بالبذرة ومتابعتها حتى تثمر رغم ما يمكن مواجهته من ظروف وتحديات".

واعتبر بودن أنه وفي إطار مناخ تعددي يسمح بالتعبير عن آراء مختلفة فمن الطبيعي أن نشهد آراء مرحبة بما يحصل من تقارب وآراء رافضة للأمر.

في المقابل عبر عن تصوره بوجود "قناعة مغربية على كون المصلحة الوطنية لها الأولوية القصوى، والمغرب عليه أن يعزز مصالحه العليا بشراكات تعود بالنفع على البلاد، ويمكنه أن يبحث عنها في أي مكان، بما يتوافق مع منطقه وسياسته الخارجية".

وحول زيارة غانتس، قال بودن إن "زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي إلى المغرب خطوة مهمة في مسار العلاقة على بعد سنة تقريبا من توقيع الاتفاق الثلاثي".

واعتبر أن "هناك سيرا لإحياء الذكرى الأولى للاتفاق الثلاثي، برصيد مهم بعد تنامي الشراكات الاقتصادية بين البلدين، بالإضافة للبناء على ما هو تاريخي بين المغرب والجالية اليهودية المغربية بإسرائيل".

وتابع بودن أنه "وبعد الشراكات الاقتصادية التاريخية والثقافية اليوم نحن أمام بناء طوابق، والطابق الأمني مهم ، خاصة مع الخبرة التي تتمتع بها إسرائيل أمنيا وخاصة في مجال الأمن السيبراني، والأمن الطاقي، أي الأمن بالمفهوم الشامل.

 ولفت إلى أن "المغرب اختار تطوير الجانب الصناعي في اقتصاده، خاصة في ظل النموذج التنموي الذي يقود المغرب نحو 2035، عبر الاتجاه للصناعات العسكرية والدوائية، والشراكة مع إسرائيل تدخل في باب الاستفادة من خبرتها في ذلك".

وأضاف أن المغرب يقدم على الأمر في إطار مواجهة "تحديات الجريمة المنظمة والإرهاب وتدفق المهاجرين، وهو ما يحتاج أقمارا صناعية وتبادل التدريبات والأفكار، وهو أمر مهم للمغرب". 

قوة إقليمية

بينما قال محمد شقير الخبير المغربي المهتم بالشؤون الأمنية والعسكرية إن الاتفاق الدفاعي مع إسرائيل يدخل في باب الاتفاق الثلاثي بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.

وأضاف شقير لـ"الاستقلال" أن "المغرب سيستفيد من الناحية العسكرية، لكونه يركز بشكل أساسي على نوع معين من الأسلحة، وهو الطائرات من دون طيار، والمعروف أن الصناعة الإسرائيلية متطورة في هذا المجال".

واعتبر أن "مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين ستسهم في تصنيع هذا النوع من الطائرات، ما سيمكن المغرب من تخفيض التكلفة، خاصة أنه من المعروف أن المغرب اقتنى 24 طائرة بدون طيار من تركيا".

 وتابع شقير أن "انخراط المغرب في تصنيع هذه الطائرات سيجعله قوة إقليمية".

 كما أوضح أن "الاتفاق سيشمل اقتناء أنظمة دفاعية يحتاجها المغرب لتعزيز موقفه في ظل علاقته المتوترة مع البوليساريو والجزائر".

وأشار شقير إلى أن المذكرة تشمل أيضا الجانب الاستخباراتي، حيث إن "المغرب دولة لديها سمعة وخبرة في هذا المجال، وإسرائيل أيضا من القوى التي تملك أجهزة استخباراتية فعالة".

"وما يعكس ذلك هو أن برنامج وزير الدفاع الإسرائيلي بالمغرب شمل زيارة مقرات المديرية العامة للدراسات والمستندات (المخابرات الخارجية)".

وأردف شقير أن المغرب يواجه في الجانب الأمني والاستخباراتي ظاهرة الإرهاب والمشاكل التي تعاني منها دول الساحل، و"بالتالي هو يحتاج لتعميق قدراته، وهذه بشكل عام أبعاد الزيارة، التي ما هي إلا بداية لتعاون أظن أنه سيتوثق خلال الأيام والأعوام القادمة". 

وفي إطار زيارة غانتس، وقع المغرب اتفاقية ثانية مع إسرائيل، لشراء مسيرات وأنظمة أسلحة متقدمة إسرائيلية.