حليف بارد في زمن الحرب.. لماذا تخلت الصين عن إيران والتزمت الحياد؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

وصف موقع صيني سياسة بلاده تجاه حرب إيران وإسرائيل بأنها "حيادية وموضوعية"، وهو موقف لا يرضي طهران التي أصيبت بـ"خيبة أمل"؛ لأنها كانت تتوقع دعما أكبر من بكين.

وقال موقع سوهو: إن الصين دعت الطرفين إلى الحوار مع تأكيدها على رفض استخدام القوة العسكرية، كما أجرى وزير الخارجية الصيني وانغ يي اتصالات هاتفية مع مسؤولين من الجانبين، لمناقشة سبل احتواء التصعيد.

ومع ذلك، تضمن الحديث عن إسرائيل "انتقادا طفيفا"، نظرا لمبادرتها بالهجوم دون إعلان مسبق. ويرى الموقع أن إيران كانت تتوقع دعما صينيا أكبر خاصة بعد الدور الذي لعبته بكين في تحقيق المصالحة بين طهران والرياض عام 2023.

في ذلك الوقت، قدمت الصين دعما سياسيا لإيران، كما وقّعت من قبل اتفاقية إستراتيجية طويلة الأمد لمدة 25 عاما مع طهران، وأصبحت أكبر مشترٍ لنفطها.

لذلك، وحتى مع إدراكها أن بكين لن تقدم دعما عسكريا لها، كانت إيران تتوقع أن تمارس الصين ضغطا ملموسا على إسرائيل في المحافل الدولية لوقف هجماتها، أو أن تقدم دعما أكثر وضوحا.

في هذا السياق، سلط الموقع الصيني الضوء على أسباب التوتر الخفي في العلاقة بين الصين وإيران، مستعرضا الأوضاع الداخلية الإيرانية وتأثيرها على تماسك التحالف بين البلدين.

كما كشف عن شروط صينية وضعتها بكين أمام طهران، للارتقاء بمستوى التعاون الإستراتيجي بين البلدين.

سياسة حقيرة

وعزا الموقع سلوك بكين إلى سببين رئيسين؛ الأول يكمن في سعيها للحفاظ على حيادها وعدم الانحياز لأي طرف في الصراع بين إيران وإسرائيل.

ورأى أنه "حتى لو تدخلت الصين دبلوماسيا، فإن إسرائيل، المعروفة بسياساتها العنيدة المدعومة من الولايات المتحدة، لن تستجيب على الأرجح".

إضافة إلى ذلك، يرى الموقع أن بكين أدركت أن طهران "لا تظهر جديتها في بناء تحالف طويل الأمد معها".

وتابع: "فقط عندما تأكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن جميع الطرق قد سُدّت في وجهه، أعلن فجأة في 12 يونيو/ حزيران 2025 وقبل يوم واحد من الهجوم الإسرائيلي، أنه سيتم تنفيذ اتفاقية التعاون الشامل بين الجانبين والتي وُقعت عام 2021، وتجاهلتها إيران سابقا".

وزعم الموقع أن "الحرس الثوري حوّل ميناء تشابهار، الذي بُني بمساعدة صينية إلى محطة لنقل الأسلحة، وسخر من الاستثمارات الصينية واصفا إياها بالبطيئة كالحلزون، بل واستولى على معدات الطاقة الكهروضوئية الصينية خوفا من سرقة التكنولوجيا".

واستدرك: "لكن الآن، تغير الموقف فجأة، لمجرد أن هذه الاتفاقية أصبحت القشة الوحيدة التي بإمكانها إنقاذ حياة الإيرانيين".

وأظهرت وثائق سرية مُسربة من جامعة طهران أن بزشكيان كان مُستعجلا للسفر إلى بكين لطلب المساعدة، بهدف إجبار الولايات المتحدة على تقديم تنازلات خلال 72 ساعة، أو التظاهر بتوقيع صفقة نفطية جديدة مع الصين، وفق الموقع.

وعقّب قائلا: “أليس هذا أشبه بشخص حقير، يبحث عن بديل بعد أن خُذل؟” بحسب تعبيره.

علاوة على ذلك، يعتقد الموقع الصيني أن "الأوضاع الإيرانية الداخلية تثير شكوكا كبيرة حول قدرة طهران على تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة".

وتابع: "تواجه إيران تحديات جمة؛ فالاقتصاد منهار، ووصل سعر الصرف في السوق السوداء إلى 1 دولار مقابل 110 ملايين ريال، مما يجعل شراء الخبز يتطلب حمل أكياس من النقود".

ويأتي هذا "في الوقت الذي يسيطر فيه الحرس الثوري على 60 بالمئة من الاقتصاد الوطني، وسط تفشي الفساد البيروقراطي".

وفيما يتعلق بالنهج الإيراني، استنكر الموقع "السياسة المتقلبة لطهران". فقد لعبت الجمهورية الإسلامية دور الوسيط في التوترات بين الهند وباكستان، لكنها سرعان ما وقّعت "اتفاقية شراكة دائمة" مع نيودلهي مشروطة بتقليص دعمها لممر "الصين-باكستان الاقتصادي".

وهو ما زعم الموقع أنه "أثار غضب الصين، والمواطنين الإيرانيين، حيث خرج متظاهرون يحملون الأعلام الصينية احتجاجا على توقيع الاتفاقية، مطالبين إيران بالتوقف عن الانتهازية".

يُضاف إلى ما سبق "وجود مخاطر مالية"، فرغم الحديث عن استخدام اليوان للتحرر من الدولار، فإن الحسابات الخارجية الـ 12 للجمهورية الإسلامية تقع كلها في أيدي بنوك سنغافورة حليفة الولايات المتحدة، ويمكن للغرب إغلاقها بنقرة واحدة فقط.

انقسام داخلي 

وأشار الموقع إلى "تباين في الرؤى حول نهج السياسة الخارجية الإيرانية خلال السنوات الثلاثة الأخيرة.

فبينما يرى العديد من المراقبين أن أداء إيران كان ضعيفا في المشهد السياسي الدولي، يرفض البعض وصفها بأنها مترددة أو ضعيفة.

ورأى هؤلاء أن "سياسة إيران الخارجية على مدى العقود الماضية، اتسمت بالمعارضة الثابتة للهيمنة الأميركية".

من جانبه، يرى الموقع أن "الانقسام الداخلي في إيران بين التيار المؤيد للغرب ونظيره المتشدد يعيق اتخاذ قرارات متسقة، مما يؤدي إلى سياسات متقلبة تسببت في ضرر كبير للبلاد على الساحة الدولية"؛ إذ "يرى الإصلاحيون أن الخضوع للولايات المتحدة سيؤدي إلى رفع العقوبات، وينتقدون زيارة الرئيس بزشكيان إلى الصين، معتبرين أنها محاولة لتحويل إيران إلى أداة في يد بكين".

في المقابل، "يعاني المحافظون من صراع داخلي؛ حيث يدعو البعض إلى تعميق العلاقات مع الصين وروسيا، بينما يخشى آخرون فقدان المرونة الدبلوماسية، مما تسبب في تأخير انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون لمدة خمسة أشهر".

وتابع الموقع: "أما الحرس الثوري، فيتبع سياسة ازدواجية؛ إذ يعرقل المشاريع الصينية بينما يستغل ميناء تشابهار، المدعوم من الصين، لنقل الأسلحة إلى روسيا، وسط تقارير عن خيانة داخلية أسهمت في اغتيال قاسم سليماني (قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني)".

ويعتقد أن الصين "تتعامل مع إيران بحذر شديد، وتتبنى إستراتيجية لتفادي المخاطر؛ حيث اشترطت بكين على طهران عدة شروط لتعميق التعاون المشترك"؛ إذ ترى الصين أنه "ينبغى على إيران وقف استخدام ميناء تشابهار لأغراض عسكرية، وإزالة العقبات أمام المشاريع الصينية التي يعرقلها الحرس الثوري".

وأضاف: "تريد بكين إنشاء قنوات دفع باليوان خارج نطاق البنوك السنغافورية، التي يمكن للغرب تجميدها بسهولة، لضمان عدم تعرض المعاملات المالية للعقوبات".

بالإضافة إلى ذلك، "تدفع الصين إيران إلى الانخراط بشكل أكبر في منظمة شنغهاي للتعاون، لإلزامها بقواعد المنظمة، مع استعداد بكين وموسكو لممارسة ضغوط مشتركة لمنع أي تصرفات غير منضبطة من طهران"، وفق الموقع.

مع ذلك، يشير إلى أنه "وعلى الرغم من التحديات الداخلية في إيران، تجاوز حجم التجارة بينها وبين الصين 30 مليار دولار في عام 2023".

وتستحوذ الصين على 70 بالمئة من صادرات النفط الإيراني، مما يعزز مكانتها كأكبر شريك تجاري لطهران.

ويرى مراقبون أن إيران تراهن على هذه العلاقة كطوق نجاة، بينما تتبنى الصين نهجا إستراتيجيا يركز على حماية مصالحها طويلة الأمد.

مستويات مختلفة

واستنكر الموقع مقارنة البعض إيران بباكستان، معتبرا أن "هذا أمر غير منطقي؛ إذ ينتمي البلدان إلى مستويات مختلفة تماما من حيث الأهمية الجيوسياسية".

وأوضح أن العلاقة بين الصين وباكستان "ترتكز على أساس مشترك، يتمثل في مواجهة طموحات الهند، وهي علاقة تأسست منذ فترة ما قبل الحرب الباردة".

واستطرد: "تعد باكستان شريكا إستراتيجيا موثوقا وحاسما لتأمين حدود الصين الجيوسياسية".

وأضاف: "كما أثبتت باكستان جدارتها في المواجهات العسكرية، مما يمنحها مكانة خاصة في نظر الصين لا يمكن لإيران أن تضاهيها".

في المقابل، قدّر الموقع أن أهمية إيران "تأتي في مرتبة أدنى"، مشيرا إلى أن "دور الصين في الوساطة لتحقيق المصالحة بين طهران والرياض جاء فقط كجزء من إستراتيجية مبادرة الحزام والطريق، لتعزيز الاستقرار في العالم الإسلامي والشرق الأوسط، مما يسهل تنفيذها في المنطقة".

واستدرك: "لكن خلال العامين الماضيين، تفاقمت الفوضى في الشرق الأوسط، مما أضعف أسس هذه المصالحة رغم بقائها قائمة نظريا".

وأكمل: "استهدفت هذه الاضطرابات بشكل رئيس القوى المدعومة من إيران، من حركة (المقاومة الإسلامية) حماس إلى حزب الله، وصولا إلى سوريا والحوثيين".

وانتقد كذلك سياسة طهران الخارجية، محملا إياها مسؤولية تدهور وضعها الإقليمي في الشرق الأوسط، وقال: "لو كانت إيران أكثر حسما وثباتا، لما تدهور الوضع إلى هذا الحد".

وتابع: "لو نجحت إيران في تثبيت الوضع في الشرق الأوسط، لكانت مؤهلة لتكون نصف لاعب على الساحة الإقليمية، مستفيدة من "الهلال الشيعي" الذي تدعمه، بمساعدة قوى دولية أخرى".

وتوقع أن "هذا الاستقرار كان سيسهل تقدم مبادرة الحزام والطريق، ويخفف الضغط عن روسيا، ويجعل سوريا أكثر استقرارا".

وخلص إلى أنه "لو تحقق ذلك الاستقرار، لارتقت مكانة إيران لدى الصين لتضاهي باكستان، التي نجحت في حماية أمنها القومي ومصالحها، وبالتالي حافظت على مصالح الصين".

لكن للأسف تحركت السياسة الإيرانية في الاتجاه المعاكس، ولم تحذُ حذو إسلام آباد، وفق تقدير الموقع.

الهلال الشيعي 

في هذا الصدد، لفت الموقع إلى أنه "منذ اغتيال سليماني، بدأت أصوات داخل إيران ترى أن الحفاظ على الهلال الشيعي مكلف للغاية وغير مجد".

وهو ما عده الموقع تفسيرا لـ "عدم تقديم إيران دعما جوهريا لحماس وحزب الله أثناء حربهما مع إسرائيل، مكتفية بتصريحات تحذيرية وتهديدات لفظية لم تؤثر على (تل أبيب) التي لا تأبه إلا بالأفعال الملموسة".

واستطرد: "حتى الاشتباكات المتبادلة بالطائرات المسيرة والصواريخ مع إسرائيل في عام 2024 كانت رمزية ومحدودة".

واسترسل: "وعندما سقط نظام بشار الأسد في سوريا، اكتفت إيران بمراقبة الأحداث دون تدخل فعال، مما أدى إلى انهيار المحور".

ووفقا لتقدير الموقع: "كان هذا الهلال يمثل ورقة قوية لإيران في التفاوض مع القوى الدولية، لكن الانقسامات الداخلية والنظرة قصيرة المدى جعلت طهران تتخلى عنه بدلا من تحمل تكاليف الحفاظ عليه".

ولفت إلى أن "هذا التخلي قلّص من رصيدها التفاوضي مع الولايات المتحدة وإسرائيل، مما جعل الأخيرتين تتعاملان معها بمزيد من القسوة".

"بل إن إيران حاولت استغلال اتفاقها الإستراتيجي مع الصين لمدة 25 عاما وعلاقاتها مع روسيا كوسيلة للتفاوض مع الغرب، دون أن تمتلك الجرأة لقطع العلاقات معه بشكل نهائي". بحسب "سوهو".

وذكر أن "هذه الجرأة لا تعني بالضرورة قطع العلاقات مع الغرب، بل إظهار موقف حازم يجبره على التراجع".

 لكن تردد إيران وانعدام الثبات الإستراتيجي جعلاها عرضة لمزيد من الضغوط والابتزاز من الغرب، وفقدانها لثقة القوى الدولية الأخرى، وفق الموقع.

وبخصوص الموقف الروسي من إيران، أشار الموقع إلى أن طهران "كانت تسعى في البداية إلى تعزيز تحالفها مع موسكو".

إذ اقترحت مطلع عام 2025، معاهدة أمنية روسية-إيرانية، تنص على أنه في حال تعرض أحد الطرفين لهجوم، يتدخل الآخر عسكريا.

واستدرك: لكن روسيا، في محاولة لتخفيف الضغط الأميركي في الحرب الأوكرانية، تخلت عن إيران سرا، متعهدة بعدم تقديم أي مساعدة عسكرية".

ووفق الموقع، "قطع هذا القرار الطريق أمام إيران من الشرق والغرب، تاركا إياها كمقامر معزول على الساحة الدولية".

ورغم كل هذه المعطيات، أكد أن "الصين وروسيا لن تتخليا عن إيران، لكنهما لن تقدما دعما كاملا لها، إذ إن المساعدة تعتمد على قدرة طهران على مساعدة نفسها".

ونوه الموقع إلى أنه "من الضروري بقاء إيران قوية في تعقيدات الشرق الأوسط، لأن سقوطها سيؤثر سلبا على دول أخرى مثل السعودية، التي قد تواجه ضغوطا قوية من الولايات المتحدة وإسرائيل إذا فقدت طهران تأثيرها".