تضاعف موجات الهجرة.. هكذا تهدد أزمة نقص المياه في إيران الداخل والخارج

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أزمة المياه في إيران، فجرت احتجاجات حاشدة شارك فيها الآلاف من المزارعين في مدينة أصفهان (وسط)، منددين بحكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، بل تعدى الأمر إلى الهتاف ضد المرشد الأعلى في البلاد، علي خامنئي، حسبما نقلت وسائل إعلام محلية معارضة.

وأفاد التلفزيون الرسمي الإيراني في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بأن آلاف المزارعين وأنصارهم خرجوا في تجمع حاشد بمدينة أصفهان، احتجاجا على نقص المياه بالمنطقة التي تضربها موجة جفاف "غير مسبوقة" منذ نحو عام كامل.

تضييق حكومي

المتظاهرون رددوا هتافات من قبيل: "دعوا أصفهان تتنفس مرة أخرى.. أعيدوا الحياة (لنهر) زيانده رود"، وتجمعت الحشود في قاع النهر الذي تيبس بفعل الجفاف، وأقاموا "مدينة من الخيام"، فيما حملت لافتة رفعتها امرأة عبارة "أطفالنا يريدون الماء ليقدموا الغذاء لأطفالكم".

وذكرت قناة "إيران إنترناشيونال" المعارضة، أن احتجاجات الأهالي والمزارعين في أصفهان، تخللها صيحات الرفض والاستهجان عند سماعهم اسم المرشد خامنئي.

وأفادت في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بأنه تزامنا مع التجمعات الاحتجاجية للأهالي والمزارعين، قطعت السلطات الإيرانية الإنترنت في مكان التجمع، حيث تظاهرت أعداد غفيرة من سكان أصفهان إلى جانب المزارعين لليوم الـ12، بسبب عدم تخصيص حصص المياه لنهر "زيانده رود".

وانضم العديد من الممثلين والرياضيين البارزين إلى الحركة السلمية في أصفهان، وحثوا الحكومة على التدخل لمساعدة المزارعين الذين يعانون بشكل متزايد من الجفاف الذي تفاقم على مر السنين.

فيما وعد مسؤولون حكوميون بالعمل على حل المشاكل التي تثير احتجاجات أهل أصفهان، ثالث كبرى مدن إيران، ويبلغ عدد سكانها نحو مليوني نسمة، وتتضمن ساحة "نقش جهان" (رسم العالم) المدرجة على لائحة التراث العالمي لمنظمة "اليونسكو".

وقال نائب رئيس الجمهورية، محمد مخبر، للتلفزيون الرسمي في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إنه "طلب من وزارتي الطاقة والزراعة اتخاذ إجراءات فورية لإدارة المسألة"، مشددا على أن الحكومة "تبحث جديا عن حل للمشكلة لتجاوز هذه المرحلة الصعبة".

من جهته، تقدم وزير الطاقة علي أكبر محرابيان بـ"اعتذار لكل المزارعين الأعزاء لأننا غير قادرين على توفير المياه لمحاصيلهم، ونأمل في التمكن من معالجة هذه الثغرات خلال الأشهر المقبلة بمشيئة الله".

وأشار محرابيان خلال تصريحات في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إلى أنه تم تكليف "وزارتي الصناعة والزراعة بالعمل جنبا إلى جنب مع وزارة الطاقة للحد من الأضرار التي تعرض لها بعض المزارعين".

سوء إدارة

رغم أن السلطات الإيرانية ترمي باللوم في نقص المياه على أسوأ موجة جفاف تشهدها البلاد منذ 50 عاما، إلا أن منتقدين يشيرون أيضا إلى سوء إدارة الأزمة من الجهات الحكومية.

وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أفادت وكالة أنباء "تسنيم" التابعة للحرس الثوري الإيراني، نقلا عن أحدث تقرير رسمي لشركة إدارة الموارد المائية الإيرانية، عن انخفاض بنسبة 27 بالمئة من احتياطيات المياه في سدود البلاد مقارنة بالعام 2020.

ووصل احتياطي المياه في السدود في جميع أنحاء إيران حاليا إلى أقل من 40 بالمئة، حيث أكد التقرير أن مخزون المياه في سدود البلاد بلغ نهاية 29 أكتوبر/تشرين الأول 2021، 18 مليار متر مكعب، بينما كانت كمية احتياطي المياه في سدود البلاد في الفترة نفسها عام 2020 نحو 25 مليار متر مكعب.

وتبلغ سعة خزانات السدود في إيران أكثر من 50 مليار متر مكعب، إذ يوضح هذا الاختلاف أنه في الوقت الحالي، فقط 36 بالمئة من سعة السدود ممتلئة و64 بالمئة من هذه السعة فارغة.

ونقلت وكالة أنباء "إسنا" الإيرانية عن محمد شهرياري، أحد مديري شركة مياه طهران، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قوله إن وضع موارد المياه في العاصمة "أكثر خطورة مما يُتوقع، وإذا لم نجد علاجا من الآن، فسنواجه العديد من المشاكل في المستقبل".

ونظرا لانخفاض معدل هطول الأمطار بنسبة 97 بالمئة مقارنة بالعام 2020، فقد انخفضت احتياطيات سدود طهران الخمسة بحلول نهاية سبتمبر/أيلول 2021 بمقدار 314 مليون متر مكعب، والعاصمة على قاب قوسين أو أدنى من نقص المياه، حسب تقرير شركة "إدارة الموارد المائية".

وقال المدير العام لمكتب إدارة "مستجمعات المياه والحفاظ على التربة" في إيران، هوشنك جزي، خلال مقابلة تلفزيونية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن إدارة الموارد في السنوات الأخيرة "اقتصرت على إغلاق الأنهار وجمع المياه".

كما اعتبر "جزي" تجفيف الأنهار والأراضي الرطبة، ودخول التربة إلى خزانات السدود وتحولها إلى غير قابلة للاستخدام، نتيجة "عدم الاهتمام بمناطق المنبع في بناء السدود"، مشيرا إلى أن هذه المشاكل "ترجع إلى حد كبير لفشل المسؤولين في التصرف في الوقت المناسب".

تداعيات خطيرة

من جهته، يعتقد مستشار رئيس منظمة حماية البيئة الإيرانية، بهرام طاهري، أن "أزمة المياه صارت مشتركة بين إيران ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والخروج منها لن يكون إلا بجهود وبرامج عمل مشتركة".

ولفت خلال تصريحات صحفية في 30 يوليو/ تموز 2021 إلى أن "أزمة المياه في إيران خطيرة للغاية، حيث أصبحت درجة الحرارة أكثر دفئا بنحو 1.2 درجة مئوية عن المتوسط ​​السابق، ما يعني أننا بحاجة إلى حوالي 11 مليار متر مكعب من المياه الإضافية للزراعة، ومع ارتفاع درجة الحرارة في العديد من المناطق، سينخفض هطول الأمطار وإمكانية الوصول للمياه".

وأشار طاهري إلى أن "أسبابا عدة وراء أزمة المياه، حيث أدى النمو السكاني، والتنمية الحضرية، والتغيرات في أسلوب حياة الناس، إلى زيادة استخدام المياه والموارد الطبيعية، وكذلك هدر المياه في طرق النقل والتوزيع، بالإضافة إلى تغير المناخ، وارتفاع درجات الحرارة، وسوء إدارة الموارد المائية في البلاد".

وفي عام 2015، حذر وزير الزراعة السابق، الرئيس الحالي لمنظمة حماية البيئة، عيسى كلانتري، من وصول الجفاف إلى نقطة تتعرض فيها حياة البلاد وحضارتها للتهديد، مما قد يدفع حوالي 50 مليون مواطن (60 بالمئة من السكان) إلى الهجرة في المستقبل القريب.

وهناك أيضا قلق بشأن جفاف مناطق الأراضي الرطبة والأنهار، مما قد يؤدي إلى حدوث "عواصف ترابية خطيرة"، حسبما أفاد تقرير لشبكة "بي بي سي" البريطانية في 2 أغسطس/آب 2021.

وأصبحت بحيرة "أورميا" الإيرانية، التي كانت ذات يوم واحدة من أكبر بحيرات المياه المالحة في العالم، رمزا لـ"كارثة بيئية"، فتلك البحيرة التي كان منسوب المياه فيها ذات مرة 1930 ميلا مربعا، تقلص إلى عُشر هذا الحجم بحلول عام 2015.

ولتغذية التوسع الزراعي السريع في المنطقة والجفاف الذي حل في التسعينيات، لجأ المزارعون إلى ضخ المياه الجوفية لمحاصيلهم وبناء العديد من السدود.

وتوجد المياه الجوفية في الطبقات الصخرية التي تحفظها تحت سطح الأرض، وهي مصدر رئيسي للمياه في إيران، لكنها تعاني من أحد أسوأ معدلات نضوب المياه الجوفية في العالم، إلى جانب الهند والولايات المتحدة والسعودية والصين.

وكان الرئيس الإيراني رئيسي الذي تولى مهامه في أغسطس/آب 2021، وعد في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بالعمل لحل مشاكل المياه في محافظات وسط إيران، أصفهان ويزد وسمنان.

وأشار رئيسي إلى أنه سيتم "تشكيل لجنة ومجموعة عمل من أجل دراسة الموضوع وإعادة الحياة إلى نهر زيانده رود وحل المشاكل الناتجة من ذلك، مثل ترهل التربة في المناطق الوسطى من البلاد".

وفي السياق ذاته، قال المرشد خامنئي في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 إن "مشكلة المياه هي مسألة وطنية"، في تصريحات خلال استقباله عددا من النخب والمواهب العلمية المتفوقة، وفق ما أورد موقعه الإلكتروني الرسمي.

وكانت محافظة خوزستان (جنوب غرب) الغنية بالنفط والحدودية مع العراق، شهدت في يوليو/تموز 2021 احتجاجات واسعة على خلفية الشح في المياه، قتل على هامشها أربعة أشخاص على الأقل، وفق ما أفادت وسائل إعلام محلية رسمية.

واعتبر المرشد الأعلى في حينه أنه "الآن وقد أعرب الناس عن انزعاجهم لا يمكن لومهم"، معتبرا أن "مشكلة المياه ليست صغيرة خاصة في ذلك المناخ القاسي لخوزستان"، داعيا السكان في الوقت نفسه إلى "عدم توفير ذريعة لأعداء إيران"، وفق قوله.