قرداحي ليس السبب الوحيد.. ما خيارات لبنان لإنهاء الأزمة مع دول الخليج؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

توالت ردود الفعل الخليجية الغاضبة على تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي التي وصف فيها هجمات جماعة "الحوثي" على السعودية بأنه "دفاع عن النفس"، ودعا إلى إيقاف الحرب "العبثية" في اليمن، الأمر الذي فجر أزمة سياسية كبيرة مع لبنان.

الأزمة دفعت 4 دول خليجية (السعودية، الإمارات، البحرين، الكويت) إلى سحب سفرائها من لبنان، وذلك بعد شهر ونصف من تشكيل حكومة نجيب ميقاتي في 20 أغسطس/آب 2021، التي ولدت بعد مخاض عسير استمرت فيه البلاد مدة عام دون حكومة جراء استقالة حكومة حسان دياب.

وأعلن حسان دياب في 20 أغسطس/ آب 2020 استقالة حكومته المكونة من 20 وزيرا بعد أيام من فاجعة انفجار مرفأ بيروت الذي أسفر عن مقتل 160 شخصا وإصابة أكثر من ستة آلاف آخرين.

تصاعد الأزمة بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي، أثار تساؤلات ملحة عن خيارات بيروت للخروج منها، في ظل الحديث عن مزيد من العزلة ستعيشها البلاد والذي سينعكس بالضرورة على وضعها الاقتصادي الذي يشهد انهيارات غير مسبوقة منذ نحو عامين.

استقالة مستبعدة

أولى الخيارات التي طرحها سياسيون لبنانيون لإيقاف تداعيات الأزمة، كان دعوة وزير الإعلام جورج قرداحي إلى الاستقالة، لكن الأخير رفض ذلك خلال تصريحات صحفية نقلتها وسائل إعلام لبنانية في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

وقال قرداحي، في تصريح مقتضب نقلته قناة "الجديد" اللبنانية على موقعها الإلكتروني، جاء فيه: "استقالتي من الحكومة غير واردة".

ويأتي ذلك رغم أن وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، قد ذكر قبل يوم واحد فقط، أن قرداحي يدرس مقترح الاستقالة من منصبه، كاشفا عن أن لبنان طلب وساطة واشنطن لتقريب وجهات النظر مع أطراف الأزمة الحالية.

فيما دعا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى "قرار حاسم" لتجنيب لبنان أزمة حقيقية مع الخليج، في إشارة إلى ضرورة إقالة قرداحي.

وكتب جعجع على حسابه عبر "تويتر" في 29 أكتوبر/ تشرين الأول: "بعيدا من كل التنظيرات الفكرية التي نسمعها من البعض في الوقت الحاضر، هناك أزمة متدحرجة كبيرة جدا بين دول الخليج والحكومة اللبنانية. إن الأكثرية الحكومية الحالية مدعوة إلى اتخاذ قرار سريع وحاسم وواضح لتجنيب الشعب اللبناني مزيدا من المآسي".

بدوره، دعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الزعيم الدرزي وليد جنبلاط إلى إقالة قرداحي علانية.

وغرد على "تويتر" في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2021: "كفانا كوارث، أقيلوا هذا الوزير الذي سيدمر علاقاتنا مع الخليج العربي قبل فوات الأوان. إلى متى سيستفحل الغباء والتآمر والعملاء بالسياسة الداخلية والخارجية؟".

وأعلنت السعودية، في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 استدعاء سفيرها في لبنان، وأمهلت السفير اللبناني 48 ساعة لمغادرة البلاد، بعد أيام من الضجة التي أحدثتها تصريحات قرداحي بشأن اليمن، الأمر الذي دفع الحكومة اللبنانية إلى التنصل من تلك التصريحات والتشديد على أنها كانت سابقة لتوليه المنصب بنحو شهر كامل.

وبعد قرار المملكة العربية السعودية، أعلنت كل من البحرين والكويت والإمارات اتخاذ إجراءات مماثلة، فيما عقدت اجتماعات عدة بين المسؤولين اللبنانيين في محاولة لإيجاد حل للأزمة المستجدة.

وقال قرداحي في مقابلة متلفزة عرضت (سجلت في أغسطس/ آب 2021)، إن الحوثيين (حلفاء إيران) في اليمن "يدافعون عن أنفسهم ضد اعتداءات السعودية والإمارات".

تفجر التراكمات

وبخصوص أبعاد ما جرى بين لبنان ودول الخليج، أعرب الكاتب والمحلل السياسي اللبناني إبراهيم حيدر عن اعتقاده بأن "الأزمة كبيرة ومعقدة جدا، فلا يمكن حلها بقرار من هنا واتصال من هناك، وإنما المشكلة لها امتدادات سابقة، وتفجرت مع تصريح وزير الإعلام اللبناني عن اليمن".

وتوقع حيدر في حديث لـ"الاستقلال" أن "يأخذ نزع فتيل تفجير العلاقات اللبنانية الخليجية وقتا، لأن الموضوع ليس فقط متعلقا بكلام أطلقه وزير الإعلام، وإنما مرتبط بموقف دول خليجية يبدو أنها اتخذت قرارا بتفجير الوضع والمطالبة بمعالجة سياسات لها علاقة بالحكومة اللبنانية وبالسياسة الخارجية بالدرجة الأولى".

وتابع: "بالتالي يتمحور كل هذا الموضوع حول موقف سعودي يرى أن حزب الله (المدعوم من إيران) مهيمن على الحكم ويتحكم بقرارات الحكومة، وهذا العنوان الأساسي للصراع الذي شهدناه".

وأكد المحلل السياسي أنه "حتى الآن لا مؤشرات تدل على أن استقالة وزير الإعلام قد تحل المشكلة، لأنه يبدو أن هناك مطالب تتخطى ذلك ليست مرتبطة فقط بالجانب الاقتصادي، وإنما الموضوع سياسي بالأساس".

وتوقع أنه "إذا كانت الاستقالة تحل المشكلة لكان جورج قرداحي استقال، ولن يستقيل إلا إذا رأى أنها ستؤشر إلى حلحلة الأزمة".

ورأى حيدر أن "القرار اللبناني السياسي مربك فلا يستطيع رئيس الحكومة اتخاذ قرارات بنفسه ولا حتى أن يمون على وزراء الحكومة المرتبطين بمرجعيات سياسية لها اصطفافات ومحاور داخل البلد، وكذلك رئيس الجمهورية (الميشال عون) لا يستطيع ذلك أيضا، ولهذا طالب لبنان بوساطة أميركية لمعالجة الأزمة".

وخلال مقابلة مع وكالة "رويترز" البريطانية في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، إن "جذور الأزمة مع لبنان تكمن في هيمنة حزب الله على الدولة".

وأضاف: "أعتقد أن من المهم أن تشق الحكومة في لبنان أو المؤسسة اللبنانية طريقا يحرر البلاد من البناء السياسي الحالي الذي يعزز هيمنة حزب الله".

وأشار إلى أن هذا البناء "يضعف مؤسسات الدولة داخل لبنان، بما يجعل البلاد تواصل السير في اتجاه يتعارض مع مصالح الشعب اللبناني".

عواقب كبيرة

وعن خيار استقالة الحكومة بالكامل للخروج من الأزمة في حال رفض قرداحي الاستقالة منفردا، رأى الكاتب اللبناني أن "العواقب كبيرة جدا".

فالمسألة خطيرة في حال استقالت الحكومة، لأن الأمر مرتبط بوضع لبنان بشكل عام، "ففي وقت يطالب لبنان بمساعدات دولية وخليجية لانتشال وضعه من الانهيار، إذ به يصطدم بمقاطعة خليجية".

وأوضح حيدر أن "هذه الحكومة محتلة لمصلحة المحور الإيراني بالدرجة الأولى، لسبب هو أن تشكيل الحكومة جاء بتسوية فرنسية إيرانية، وبالتالي رئيس الحكومة ممنوع من الاستقالة".

وكذلك فإن الاستقالة ستؤدي إلى فراغ كبير في البلد ومن غير الممكن اليوم تشكيل حكومة جديدة خلال ما تبقى من العهد الرئاسي، وبالتالي يدخل لبنان في أزمة جديدة كبرى لا يستطيع تحملها أمام العواقب القائمة"، وفق تقدير الكاتب.

ورأى الخبير في الشأن اللبناني أنه "للخروج من الأزمة الحالية، على لبنان أن يبادر في توضيح مجموعة من الملفات والقضايا وهذا أمر مرتبط بشكل رئيس برئيس الجمهورية، للمبادرة بحل المشكلة وإبعاد بيروت عن صراع المحاور التي تشكل فيها (الأخيرة) الحلقة الأضعف، ولا تستطيع الاستمرار في هذا الموقف".

وأردف: "مع ذلك لا أعتقد أن الأمور تحل بهذه البساطة، لأن الموضوع جزء منه مرتبط بالصراع القائم في المنطقة".

وبالتالي فإن لبنان نتيجة مواقف متعددة دخل في منطق هذا الصراع وعليه أن يبادر للملمة هذه الأزمة وتوضيح موقفه، وربما يعلن على الملأ النأي بالنفس، إذا كان قادرا على ذلك، حتى لا يكون بالنهاية كبش المحرقة في صراع المحاور، بحسب حيدر.

وفي السياق ذاته، قال الكاتب اللبناني غسان شربل خلال مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 إن "من حق حكومات العالم أن تطالب الدولة اللبنانية بأن تتصرف كدولة. بمعنى ألا تسمح بأن تكون أراضيها منطلقا لدعم عمليات عدائية ضد دول أخرى".

ويشمل ذلك أن يضبط لبنان "نهر المخدرات الذي يتدفق عبر معابرها والذي صار معروفا وثابتا وشهيرا كطريق الحرير، وأن يتحلى المسؤولون في الدولة بما تفرضه علاقات الأخوة العربية لدى تحدثهم عن العلاقات الثنائية أو المواضيع الإقليمية".

وتابع الكاتب "لم يطلب من لبنان أن يكون تابعا أو مجرد صدى للمواقف العربية. طلب منه ألا يكون معاديا ومنحازا ضد الدول التي تستضيف أبناءه بأعداد كبيرة ولم تتردد يوما في مساعدته".

وواصل شربل: "يغضب العرب حين لا يتلقون جوابا مقنعا عن سؤال أو استفسار. يطالبون الدولة بأن تتصرف كدولة. اللبنانيون يغضبون للسبب نفسه، ينادون الدولة ثم يكتشفون أنها صماء لا تقرأ ولا تسمع ولا تجرؤ".

وأشار شربل إلى أنه "في العامين الماضيين بدا لبنان مدفوعا نحو عزلة عربية بسبب ابتعاد قاموسه عن التضامن العربي السابق، وزيادة الثقل الإيراني في صناعة القرار اللبناني".

وأردف: "كشفت أكثر من مناسبة أن القرار اللبناني بات يصنع خارج المؤسسات الرسمية. لهذا ظهر جليا أن الأزمة الحالية التي استلزمت قرارات سعودية وخليجية، هي أبعد من تصريحات مسيئة أطلقها وزير الإعلام اللبناني، إنها صعوبة التفاهم مع شبه دولة لم يعد قرارها بيدها أو في مؤسساتها".