الاعتراف الدولي بـ"الإدارة الذاتية" في سوريا.. لماذا تسعى إليه فرنسا بقوة؟

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن حلم الاعتراف الدولي الذي تسعى إليه ما تسمى "الإدارة الذاتية" الكردية شمال شرقي سوريا، لم يجد آذانا صاغية سوى من فرنسا التي فتحت المجال لمناقشة الفكرة وإن كان ضمن "أهداف بعيدة" ترنو إليها باريس.

ورغم أن الحضور الفرنسي في سوريا يوصف بـ"المحدود" والمقتصر على نحو 200 عنصر يتمركز معظمهم في قواعد تشرف عليها وتحميها قوات أميركية بصفتها إحدى قوات "التحالف الدولي"، فإن المؤشرات تدل على رغبة باريس في امتلاك أوراق قوة جديدة في سوريا.

وشكل قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب قوات بلاده من سوريا، بداية عودة فرنسا لإيجاد موطئ قدم لها في سوريا، وتحديدا في شمال شرقها حيث النفط والغاز والزراعة والتي تسيطر عليها قوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من التحالف الدولي.

وتعد قوات "ي ب ج" الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، والأخير هو الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني المتشدد (بي كا كا) الموجود جنوبي تركيا وشمالي العراق.

وانطلاقا من مصير الوجود الأميركي الضبابي، أكدت فرنسا عزمها الاستمرار في تقديم الدعم لقوات "ي ب ج"، وقال الرئيس إيمانويل ماكرون في سياق تأكيده على مواصلة دعم مناطق شمال شرق سوريا: إن بلاده صرفت "أكثر من 100 مليون يورو" منذ استعادة مدينة الرقة عام 2017 من يد "تنظيم الدولة".

وتسيطر قوات حماية الشعب الكردية (ي ب ج) على 83 بالمئة من مساحة محافظة الحسكة، بينما تسيطر "قسد" على 42 بالمئة من مساحة الرقة، وعلى كامل الضفة اليسرى من نهر الفرات بديرالزور من الحدود العراقية حتى الحدود الإدارية للحسكة، إضافة إلى 9 بالمئة من مساحة محافظة حلب.

ووفقا للحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة، فإن قوات "قسد" المدعومة أميركيا، تسيطر على قرابة 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بسوريا.

قلق المعارضة

وفي خطوة أثارت غضب المعارضة السورية، استقبل ماكرون في 20 يوليو/تموز2021، وفدا ضم ممثلين عن "الإدارة الذاتية" الكردية المظلة السياسية لقوات "ي ب ج" في شمال شرق سوريا.

وضم الوفد كذلك، إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية وهو الذراع السياسي لقوات "قسد"، إضافة إلى غسان يوسف أحد قيادات المجلس المدني بمناطق سيطرة "قسد" في محافظة ديرالزور.

ودعا ماكرون خلال لقائه هؤلاء الممثلين إلى "ضرورة مواصلة العمل من أجل إرساء استقرار سياسي في شمال شرق سوريا وحوكمة شاملة"، وفق ما قالت الرئاسة الفرنسية في بيان.

وأكد الرئيس الفرنسي أيضا على أن بلاده "ستستمر في محاربة الإرهاب إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية"، وفق البيان.

من جهتها، قالت المسؤولة في "الإدارة الذاتية" بيريفان خالد التي شاركت في الاجتماع لوكالة "فرانس برس"، إن النقاش ركز بشكل خاص على "دعم فرنسا لاعتراف المجتمع الدولي بالإدارة الذاتية الكردية".

وفور إطلاق المسؤولة في "الإدارة الذاتية" تلك التصريحات من فرنسا، ندد الائتلاف الوطني السوري المعارض بها، واعتبر أن استقبال باريس لذلك الوفد بأنه "أمر مؤسف ويبعث على القلق".

وحذر الائتلاف في بيان له صدر 20 يوليو/تموز2021 من "أن كل من يفتح الطريق للتعامل مع هذه المليشيات فهو يعلن عن علاقة مباشرة مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي PKK".

وقال البيان: إن "هذه المليشيات ارتكبت بحق الشعب السوري جرائم تهجير وتغيير ديموغرافي وانتهاكات جسيمة، وسيطرت على موارد سوريا وجيرتها لتحقيق أجندات دخيلة غير وطنية".

وأوضح أن "سياسات وخطط هذه المليشيات الإرهابية منسجمة ومستقاة من نظام الأسد، وهي في مجملها ضد مطالب الشعب السوري وتتناقض مع حقوقه وتطلعاته".

وشدد الائتلاف على أن "المطالبة بالاعتراف بهذه المليشيات التي تفرض نفسها على الشعب السوري بالحديد والنار، تمثل انتهاكا لوحدة التراب السوري" مبينا أن "الإصرار على هذه الخطوة سيسهم في تعقيد القضية السورية وإبعادها عن مسار الحل".

وحدد بيان الائتلاف السوري المعارض الخيار الوحيد الذي يجب على الجميع دعمه وهو خيار "الانتقال السياسي الذي ينهي سيطرة النظام، ويسهم في خروج المليشيات الإرهابية من سوريا وفقا للقرارات الدولية، وصولا إلى دولة مواطنة يعيش فيها جميع السوريين متمتعين بخيرات الوطن بحرية وكرامة".

بدورها، استنكرت وزارة الخارجية التركية لقاء ماكرون بأعضاء "مجلس سوريا الديمقراطية"، موضحة أن "تعامل فرنسا مع هذا التنظيم الإرهابي الدموي الذي يمتلك أجندة انفصالية، يضر بجهود تركيا الرامية لحماية أمنها القومي ووحدة سوريا السياسية وسلامة أراضيها وضمان الاستقرار في المنطقة".

وسبق زيارة هؤلاء الممثلين توجيه القائد العام لقوات قسد، مظلوم عبدي، في فبراير/شباط 2021 طلبا للإدارة الأميركية الجديدة بدعم "الإدارة الذاتية"، وقال لإذاعة "صوت أمريكا": "نرى أننا سنتمكن من القضاء على تهديدات تنظيم الدولة إن تم الاعتراف بالإدارة المدنية هنا".

كما كان "عبدي" على رأس الحملة التي أطلقتها "الإدارة الذاتية" في 18 يوليو/تموز 2021، على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو فيها المجتمع الدولي إلى "اعتراف دولي بمناطقها وإضفاء الشرعية على المؤسسات والقوات العسكرية المنتشرة هناك".

وفي أكثر من موقف طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واشنطن بتسليم بلاده "مظلوم عبدي"، وأكد أردوغان أن قائد قسد مطلوب بالنشرة الحمراء لدى منظمة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" لقيامه "بأعمال إرهابية عديدة استهدفت قوات الأمن التركية، وجيش عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) والمدنيين".

حدود ساخنة

ودلت كثير من المؤشرات على تكثيف "الإدارة الذاتية" تحركاتها لدفع واشنطن ودول أوروبية للاعتراف بها؛ عبر قيامها بإنشاء مجموعات ضغط خاصة لهذا الغرض وافتتحت مكاتب لها في عدد من دول أوروبا.

وفي هذا السياق، ذهب المتحدث باسم مجلس القبائل والعشائر السورية المعارضة، مضر حماد الأسعد، خلال تعليقه لـ"الاستقلال" على زيارة وفد "الإدارة الذاتية" لباريس للقول: إن "فرنسا من خلال دعمها لمليشيات (ي ب ج - وقسد) تلعب على وتر الماضي وربطه بالحاضر".

وأوضح الأسعد أن "فرنسا هي من جلبت أغلب العشائر الكردية الموجودة في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا، والتي كانت موجودة جنوب تركيا وتحديدا في المناطق التي تعتبر ضمن الدولة العربية وفق اتفاق آنذاك مع الحكومة الأتاتوركية".

وأرجع المتحدث باسم مجلس القبائل والعشائر محاولة فرنسا جلب الاعتراف الدولي لـ"الإدارة الذاتية" الكردية شمال شرقي سوريا؛ لـ"الخلافات الحادة بين أنقرة وباريس".

واستدرك قائلا: "فرنسا تعمل على إزعاج تركيا من خلال دعم تلك المليشيات الكردية وإنشاء كانتون جنوب تركيا من طرف الحدود السورية وهذا ما يقلق أنقرة لكونها لن ترضى بذلك".

وأردف الأسعد أن "فرنسا لديها غاية في إبقاء المناطق الحدودية بسوريا والمتاخمة لتركيا ساخنة ومتوترة وهذا ما ينعكس سلبا على الأمن القومي التركي".

موضع قدم

تنشيط باريس اتصالاتها مع القوى الكردية بمعزل عن المعارضة السورية، تراه صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، بأنه محاولة من فرنسا لتعظيم دورها في سوريا عبر الاستعداد لإدارة المناطق الشمالية الشرقية الخاضعة لتلك القوى.  

وذهبت الصحيفة في مقالة منشورة في 29 أبريل/ نيسان 2021 إلى أنه غالبا ما يتم تفسير تصرفات فرنسا في الاتجاه السوري؛ على أنها "محاولة للدفاع عن حق تاريخي بالنفوذ في منطقة الشرق الأوسط".

وأضافت الصحيفة الروسية أنه من الملاحظ أيضا "محاولة باريس لخلق توازن مع لاعبين دوليين آخرين مشاركين في الصراع وبينهم تركيا".

وهذا ما أشار إليه مدير الرابطة السورية لحقوق اللاجئين، مضر الأسعد بقوله: إن "فرنسا تبحث عن موضع قدم لها في سوريا"، معتبرا أن هذا الأمر "لن يتحقق إلا من خلال تأييدها ووقوفها مع دغدغة مشاعر الأكراد شمال سوريا، وذلك بسبب وجود المواد النفطية والثروات الزراعية والحيوانية وبعض الثروات الباطنية الأخرى".

لكن الأسعد اعتبر أن "فرنسا لن تنجح في محاولاتها هذه؛ لكونها ليست بالدولة القوية عسكريا وسياسيا حتى تستطيع أن تقنع دول العالم بالاعتراف بالإدارة الذاتية؛ وعلى اعتبار أن عملية تقسيم سوريا هي عملية مستحيلة وخاصة أن هناك كثيرا من المناطق شمال سوريا يسيطر عليها الجيش الوطني السوري ويوجد فيها الجيش التركي".

وبين أن "الجيش الوطني السوري بدعم تركي يحاول حاليا السيطرة على مناطق خاضعة لمليشيات كردية كمدن عين عيسى ومنبج والدرباسية وصولا إلى الحدود العراقية".

تجربة فاشلة

وتركيا وفرنسا خصمان في قضايا عدة، رغم مظلة "الناتو" التي تجمعهما كحلف عسكري، إلا أن تضارب المصالح بين باريس وأنقرة حاضرة بقوة وعلى رأسها المسألة الكردية التي تثير إشكالية كبيرة في العلاقة التركية – الفرنسية.

يأتي ذلك في وقت تبنت فيه فرنسا موقفا مناهضا لتركيا منذ عملية "نبع السلام" التي أطلقها الجيش الوطني السوري بدعم من تركيا ضد فروع منظمة "بي كا كا" في شمال سوريا.

وقطعت تركيا الطريق أمام محاولات قوات "ي ب ج" و"قسد" وصل شريط من القرى والمدن على الحدود السورية التركية مع بعضها تربط محافظات (الحسكة – الرقة – حلب)، لمنع قيام كيان كردي شمال سوريا على حدودها.

وتمكنت أنقرة من ذلك، عبر إطلاق عمليتين عسكريتين، الأولى بدعم من الجيش الوطني السوري، حملت اسم "غصن الزيتون" في 20 يناير/كانون الثاني 2018، جرى خلالها السيطرة على مدينة عفرين شمال حلب وتخليصها من عناصر "بي كا كا"، ووحدات حماية الشعب الكردية.

والعملية الثانية أطلقت في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وسميت "نبع السلام" وتركزت في محافظتي الحسكة والرقة، حيث جرى إبعاد قوات "ي ب ج" الكردية مسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية وبسط الجيش الوطني سيطرته على مساحة تزيد عن 4 آلاف كيلو متر مربع.

وتقدم "الإدارة الذاتية" نفسها كجسم مدني يحكم مناطق متفرقة في الحسكة وديرالزور والرقة بدعم من التحالف الدولي، وبالتالي تسعى جاهدة لنيل اعتراف دولي يثبت إدارتها على تلك المنطقة.

لكن بالمقابل، تؤكد إدارة شبكة "الشرقية 24" المحلية أن ممارسات "الإدارة الذاتية ممثلة بقوات (ي ب ج – وقسد) مطابقة لنظام الأسد من ناحية فرض سيطرتها بقوة السلاح على مناطق عربية مئة بالمئة والقيام بعمليات اعتقال لمعارضي سياستها".

إضافة إلى ما قالت الشبكة لـ"الاستقلال": "فرض تجنيد إجباري على الشباب وهذا ما يرفضه الأهالي، فضلا عن العامل الأهم والمتمثل بنهب الثروات النفطية والزراعية في الحسكة وديرالزور ومنع الأهالي من إدارة شؤونهم بنفسهم".

ولهذا تعتبر الشبكة التي تغطي أخبار محافظات (ديرالزور – الحسكة – الرقة) أن "تجربة الإدارة الذاتية في إدارة المناطق بدعم أميركي فاشلة". 

وأشارت إلى أن "محاولة المليشيات الكردية إضفاء الشرعية على وجودها غير منطقي، لكونها تستولي على مناطق هجرت سكانها العرب الأصليين منها وقتلت بعضهم، إضافة لكونها جزءا من مشروع حزب العمال الكردستاني الانفصالي".

وينظر الكثير من المراقبين إلى أن تحركات "الإدارة الذاتية" سواء نحو فرنسا أو باتجاه نظام الأسد بعد تأكيد قادتها استعدادهم للجلوس معه؛ يأتي خشية منهم لغياب مصير الوجود الأميركي في مناطق سيطرتها.

وكذلك فشل اللجنة الأميركية للحريات الدينية في تحقيق أي تقدم في تبنيها حث إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، للاعتراف السياسي بما تسمى "الإدارة الذاتية".