"خلع الأنياب".. لماذا قلص السيسي مدة بقاء قادة الجيش في مناصبهم؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تكن جماعة الإخوان المسلمين لتستعصي على رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي رغم ظهيرها الشعبي؛ إلا أن هاجس القيادات العسكرية كان ومازال هو خوفه الأكبر، ولذا وخلال 8 سنوات اتخذ قرارات وأصدر قوانين لخلع أنياب كبار العسكريين قبل أن تتوغل في الجيش.

ففي خبر أثار تساؤلات وتكهنات المصريين حول دوافعه وتوقيته، نشرت الجريدة الرسمية المصرية يوم 15 يوليو/ تموز 2021، خبر تصديق رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، على قانون جديد يتضمن إدخال تعديلات في ثلاثة قوانين تخص القوات المسلحة.

المادتين الأكثر أهمية وإثارة في القانون (رقم 134 لسنة 2021)، الذي سبق وأقره "مجلس النواب" 27 يونيو/ حزيران 2021، تقول الأولى منهما بـ"تقصير مدة بقاء قادة الجيش في مناصبهم لعامين فقط بدلا من 4 سنوات ما لم يقرر الرئيس مد خدمتهم".

المادة الثانية، تمنح السيسي سلطة استحداث قوات جديدة أو تعديل الحالية، حسب نص "الفقرة "4 من "المادة 2" من القانون.

تمرير القانون على عجل، فسره مراقبون بأنه يأتي استمرارا لحالة القلق التي يعيشها السيسي، مما جرى لمن قبله ممن عزلهم الجيش، ووسط سعيه لتحصين كرسي الحكم بترسانة قرارات وقوانين متلاحقة.

رغم تخلصه من 24 من أعضاء المجلس العسكري الـ26 منذ انقلاب 2013، وتعيينه قادة الجيش والأفرع المختلفة، وسيطرته على الأجهزة السيادية والقضاء والإعلام، لا يزال السيسي قلقا على كرسي الحكم.

أحد تفسيرات تعديل القانون، تشير لإصرار السيسي على مواصلة ترسيخ هيمنته وبقائه كحاكم عسكري منفرد، وسد ثغرات سبق أن أطاحت بحكم من سبقوه، ومنع تكون مراكز قوى ضده داخل الجيش.

تفسير آخر، يتعلق بحالة الغضب الشعبي المتصاعدة إثر أزمة مياه النيل، وما يعتبره مصريون تضييعا من السيسي لنهر النيل وتفريطا في أمن مصر المائي وفشلا في ملف سد النهضة الإثيوبي.

وهي الحالة التي ربما يتبعها تململ بعض قادة في الجيش، خاصة بعدما أصبح المصريون يهاجمونهم أيضا ويتهمونهم بالخيانة والتواطؤ مع السيسي.

قانون الولاء

تعديلات القانون الجديدة شملت سبع مواد قديمة مع إضافة مادتين جديدتين، وإلغاء مادة سابقة.

أبرز تلك النقاط، تعديل مادة واحدة بقانون "القيادة والسيطرة على شؤون الدفاع عن الدولة" والتي أصبحت تتضمن تقليل مدة بقاء رئيس أركان حرب الجيش، وقادة الأفرع الرئيسة، والمساعدين لوزير الدفاع وما يعادلهم، إلى سنتين بدلا من 4 سنوات.

وكذلك؛ جواز مد السيسي خدمتهم لمدة سنة قابلة للتجديد "لمن اكتسبوا خبرة أثناء شغلهم هذه الوظائف"، مع استمرار منحهم امتيازات الإحالة للمعاش لرتبتي "اللواء" و"الفريق".

متابعون، رأو أن إبقاء السيسي على من يرغب من العسكريين في منصبه بعد عامين أو عزله، يشير لتقديمه "سياسة الولاء" على أي اعتبار وطني آخر داخل مؤسسة الجيش. 

نص القانون على استحداث قوات عسكرية جديدة أو تعديل القوات الحالية بقرار من السيسي وموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، دفع لطرح العديد من التساؤلات حول الغرض من تلك القوات، وهل هي لتوفير حماية خاصة له في مواجهة الجيش؟.

السيسي، حين كان وزيرا للدفاع، أنشأ في مارس/ آذار 2014، "قوات التدخل السريع" المشكلة من فرق المشاة والمدرعات والدفاع الجوي والمدفعية والاستطلاع والشرطة العسكرية وعدد من الطائرات المقاتلة والقوات الخاصة المجهزة.

قيل حينها: إن هدفه "مواجهة المخاطر والتهديدات الإرهابية المحتملة ضد الأهداف والمنشآت الحيوية وكيفية التصدي لها بالأسلوب الأمثل داخل وخارج البلاد".

التعديلات الأخيرة طرحت أيضا تساؤلات أخرى عدة، منها: هل يخطط السيسي للتخلص من آخر عضو في المجلس العسكري القديم وهو رئيس الأركان؟

وذلك لأن أحد آليات الإطاحة به ربما تتم عبر رئيس الأركان، أو المخابرات الحربية، وفق مراقبين يرون أنه لهذا سعى لتغيير مدير المخابرات الحربية، ورئيس الأركان مرتين في أوقات سابقة.

ومن سلسلة التساؤلات المطروحة: هل يستعد السيسي، لإحداث تنقلات هامة بين القادة في الحركة المقبلة لقادة الجيش في ديسمبر/ كانون الأول 2021، أو ربما إبعاد قادة قدامى وتعيين جدد لضمان السيطرة والولاء؟

لكن وبشكل عام فإن تلك التغييرات كشفت أن السيسي، من يسير كل شيء في الجيش، والمجلس العسكري، وزمام القيادة العسكرية بات في يده وحده، والجيش مجرد بيدق يحركه بعدما كان المجلس العسكري المحرك للرئيس في سنوات سابقة؟

هكذا أسس لسلطته

قلق السيسي من صراعات مراكز القوى المختلفة في الجيش، والأجهزة السيادية، ومخاوفه من انقلاب محتمل عليه كما فعل مع الرئيس الراحل محمد مرسي، ربما دفعته جميعها إلى الإصرار على تحصين نفسه وكرسي الحكم بوسائل إقصائية.

إذ إن ذلك ليس بجديد على السيسي الذي سعى للتخلص من حكم المجلس العسكري إلى حكم الفرد العسكري، بالتخلص تدريجيا من أعضاء المجلس الذين دعموا انقلابه عام 2013، ولم يبق حاليا سوى 2 من نحو 26 قيادة.

بالفعل لم يتبق من جميع قيادات المجلس العسكري الذي شاركه وأد تجربة ثورة 25 يناير 2011، الديمقراطية، سوى رئيس الأركان الحالي محمد فريد حجازي، الذي كان يتولى منصب أمين عام وزارة الدفاع وقت الانقلاب.

وأيضا، مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقانونية، اللواء أركان حرب ممدوح شاهين، الذي يتولى "هندسة" التشريعات التي يريدها الجيش لإدارة مصر، وتمريرها برلمانيا وإعطاءها صبغة شرعية. 

لاحقا قام السيسي، بالتنكيل بالقيادات العسكرية الأقدم منه، والتي فكرت في منافسته بقيادة الدولة مثل الفريق أحمد شفيق في انتخابات 2014 ، والفريق سامي عنان بانتخابات 2018.

السيسي، سعى كذلك لإضعاف الأجهزة السيادية والسيطرة عليها، خاصة جهاز المخابرات العامة الذي كان المنافس الرئيس للسيسي وقتما كان مديرا للمخابرات الحربية.

الغموض الذي واكب وفاة رئيس الجهاز السابق ونائب حسني مبارك (لمدة 12 يوما فقط) اللواء عمر سليمان، وما سبقه من محاولة لاغتياله يوم 29 يناير/ كانون الثاني 2011، عقب حلفه اليمين الدستورية نائبا لمبارك مباشرة، تشير أصابع الاتهام فيه إلى السيسي.

كذلك خروج المعتدين من سيارة إسعاف وإطلاقهم النار على موكب سليمان، جرى في نفس توقيت قيام ما عرف حينها بـ"الطرف الثالث" بعمليات تخريب لإفشال ثورة يناير، وهو الطرف الذي تبين لاحقا أنه المخابرات الحربية بقيادة السيسي.

كل الروايات التي قيلت عن وفاة عمر سليمان 19 يوليو/ تموز 2012، في مستشفى "كليفلاند" بأميركا أثناء عملية جراحية بالقلب، أو مقتله في تفجير مقر مخابرات في سوريا كان داخله، كما قال ضابط المخابرات السابق اللواء سمير زاهر، لم تحسم وفاته الغامضة.

وفي سعيه للسيطرة على جهاز المخابرات العامة، وتطويعه لصالح "الحربية"، أطاح السيسي باللواء محمد رأفت شحاتة، مدير الجهاز أثناء فترة حكم الرئيس محمد مرسي، ثم أطاح باللواء خالد فوزي لما قيل عن رفضه ترشيح السيسي بانتخابات 2018.

في إطار هذه السيطرة على المخابرات العامة، تخلص السيسي من عشرات الضباط بالمخابرات العامة ونقل أنصاره بالحربية لها، ثم ولى ساعده الأمين عباس كامل مسؤولية الجهاز، ويعاونه نجله محمود السيسي.

خلال الفترة من 2 ديسمبر/ كانون الأول 2013، وحتى 26 يونيو/ حزيران 2015، رصدت "الاستقلال" خمسة قرارات جمهورية للتخلص من قرابة 57 لواء ووكيلا بجهاز المخابرات من فريق عمر سليمان.

واكب هذا سلسلة قوانين أصدرها السيسي تمنحه حق تعيين رؤساء الأجهزة الرقابية وإقالتهم، وتعديلات دستورية يعين بموجبها القضاة، وترتيبات لشراء والسيطرة على كافة وسائل الإعلام.

نقل أم إبعاد؟

جرت العادة أن يشهد الجيش المصري حركتين للتنقلات في صفوف القادة والضباط بمختلف مستوياتهم مرتين كل عام، الأولى في يونيو/حزيران، والثانية في ديسمبر/ كانون الأول.

ومنذ تولي السيسي السلطة سعى عبر حركات التنقلات تلك للتخلص من المنافسين أو الوجوه ذات الشعبية، أو المعارضين والمناوئين ومن يخشى منهم على كرسي الحكم.

لكن، المشهد يوحي بأن تلك التنقلات تحولت في الآونة الأخيرة لمحاولة "عدم تكوين كبار الضباط مراكز قوى تهدد حكمه والتخلص من القادة بشكل دوري لضمان ولاء الجدد".

وذلك حسب رؤية الباحث في الشؤون العسكرية محمود جمال، والتي نشرها في  21 أبريل/ نيسان 2021، عبر دراسة بعنوان "القوى المناوئة للسيسي وسياسات إدارة الفرص".

ويركز السيسي في حركة التنقلات هذه على قادة المناطق المركزية خاصة القاهرة، الذين يغيرهم بشكل شبه روتيني كل عام، وكذا قادة أفرع الجيش، فضلا عن رئيس الأركان الذي تغير ثلاث مرات منذ تولي السيسي السلطة.

في حركة تنقلات الجيش الأخيرة يونيو/ حزيران 2021، كان لافتا استمرار السيسي في التخلص من قادة المناطق العسكرية الذين يمكن أن تنطلق منها أي تحركات ضده.

جرى استبعاد اللواء أركان حرب خالد شوقي من قيادة المنطقة المركزية العسكرية (تضم القاهرة والجيزة والقليوبية) بعد عام واحد من رئاسته لها، وتعيين اللواء أركان حرب عاصم عاشور بدلا منه.

واستبعاد لواء أركان حرب خالد لبيب من قيادة المنطقة الجنوبية بعد عام واحد من تعيينه قائدا للمنطقة الجنوبية، واستبداله باللواء أركان حرب محب حبشي.

وقرر نقل اللواء أركان حرب ياسر الأسريجي من قيادة المنطقة الشمالية (الإسكندرية) بعد عام واحد فقط من تعيينه، ليتولى إدارة جهاز الشؤون المعنوية.

 

وأنهى عمل اللواء أركان حرب عماد عبد القادر يماني من قيادة الشرطة العسكرية بعد 6 أشهر من تعيينه، ليصبح نائبا لقائد الحرس الجمهوري.

جرى أيضا نقل اللواء أركان حرب محمود العيدروس من إدارة سلاح الإشارة بعد 6 أشهر من تعيينه، ليعينه نائبا لمدير المخابرات العسكرية.

كما جرى تغيير مسمى "المخابرات الحربية" إلى "هيئة الاستخبارات العسكرية"، وتوسيعها لتضم 8 أجهزة.

إذ كانت تضم 4 أجهزة فقط هي: الأمن الحربي، الاستطلاع والمعلومات، المخابرات البحرية، جهاز الأمن للبحوث والتطوير، وأضيف إليها أجهزة: الإشارة، والحرب الإلكترونية، والنظم، والشؤون المعنوية.

سبق هذا التخلص من مدير المخابرات الحربية محمد الشحات (بعد شغله المنصب 3 سنوات) في ديسمبر/ كانون الأول 2018، وتعيين المدير الحالي اللواء خالد مجاور.

برغم هذا يحرص السيسي على إدارة العلاقات مع الجيش، بالاعتماد على تكتيكات تتضمن توسيع بيزنس العسكر والسيطرة العسكرية على أجزاء كبيرة من الاقتصاد/ مقابل الولاء له. 

بحسب دراسة لـ"معهد كارنيجي"، في 17 مارس/آذار 2021، يسعي السيسي مقابل امتيازات الجيش لقلب الصيغة الأساسية للعلاقات المدنية العسكرية المصرية بزيادة سيطرته الشخصية على الجيش، عبر سياسة "الباب الدوار في القيادة".

يربط السيسي بين إبقاء الجيش سعيدا بهذه الامتيازات وبين حمايته له والدفاع عنه، وسيطرته على المناصب داخله، بحسب الدراسة.

لا ترشح ولا كلام

لا تقتصر السيطرة على العسكريين على حركة التنقلات والتعيينات، بل عبر سلسلة قوانين مختلفة تضمنت امتيازات لهم لإرضائهم، وأخرى لمنعهم من الترشح لانتخابات الرئاسة أو المجالس النيابية والمحلية إلا بموافقة المجلس العسكري.

في يوليو/ تموز 2020، أقر مجلس النواب تعديلات على قوانين شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة، تمنع الضباط الموجودين بالخدمة أو من انتهت خدمتهم من الترشح للانتخابات.

التعديلات طالت القانون "رقم 232 لسنة 1959"، الخاص بشروط الخدمة والترقية لضباط الجيش والقانون "رقم 1968"، بشأن القيادة والسيطرة على شؤون الدفاع عن الدولة، والقانون "رقم 30 لسنة 2014"، لإنشاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

بخلاف منعهم من الترشح للانتخابات، لعدم تكرار تجربة منافسة الفريق سامي عنان، للسيسي عام 2018، تم حظر إبداء الضباط أي آراء سياسية أو حزبية أو الاشتغال بالسياسة أو الانتماء إلى الأحزاب أو الهيئات أو الجمعيات أو المنظمات السياسية.

 

القانون منح الحق للضباط للطعن (شكليا) على قرارات منعهم أمام "اللجنة القضائية العليا لضباط القوات المسلحة"، ولكن "لا يجوز الطعن في قرارات اللجنة أو المطالبة بإلغائها بأي وجه من الوجوه أمام أي هيئة أو جهة أخرى".

مراقبون، يرون كذلك أن التعديل يهدف لقطع الطريق على أي مرشحين محتملين في مواجهة السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، سواء من ضباط الجيش الحاليين أو السابقين، على غرار ما حدث في السنوات الماضية.

وعبر موقع "تويتر"، اعتبر الدكتور إبراهيم سويلم، أن تقليص فترة رئيس أركان القوات المسلحة المصرية لعامين بدلا من 4 "دليل واضح على وجود أمر ما داخل القوات المسلحة".

 

 

الناشط والحقوقي أسامة رشدي، أرجع قرار السيسي إلى "الخوف الذي لا يفارقه"، من أن يكرر الجيش معه ما فعله وينقلب عليه، مشيرا لتشريد قطاعات الجيش بعيدا عن المنطقة المركزية، ومنح نفسه سلطة استحداث قوات جديدة لحمايته.

 

 

لكن نشطاء ربطوا بين قرار السيسي بتقليص مدة بقاء كبار قادة الجيش، وبين الغضب الشعبي من تخاذل السيسي ومعه الجيش إزاء كارثة النيل وسد النهضة الإثيوبي.

وانتشرت سلسلة هاشتاجات تنتقد قادة الجيش وتخاذلهم مثل : #قاده_الجيش_خونه،#جيش_النيل_بيحمي_عميل،#حل_السد_تطهير_الجيش،#الجيش_خان_وهنشرب_من_المجاري.