الصدر "ينسحب" من انتخابات العراق.. لماذا يشكك كثيرون في جدية إعلانه؟
.jpg)
لم يكن حديث زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، عن انسحابه من الانتخابات العراقية كافيا لإقناع المراقبين للمشهد العراقي، بتنفيذ قراره ذلك، بل إن العديد منهم أكد أن إعلانه جاء لأسباب سياسية، وأنه "سينكص على عقبيه" لاحقا.
وفاجأ مقتدى الصدر، الجميع بإعلان الانسحاب من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المبكرة وذلك قبل شهرين من إجرائها، إثر تعهدات عديدة سبق أن أطلقها بمنع تأجيلها رغبة منه بحصول تياره على رئاسة الحكومة المقبلة.
الصدر، برر خلال خطاب تلفزيوني في 15 يوليو/ تموز 2021، الانسحاب من الانتخابات بـ"الحفاظ على ما تبقى من الوطن، وإنقاذ الوطن الذي أحرقه الفاسدون ومازالوا يحرقونه"، مؤكدا بالقول: "أعلمكم بأنني لن أشترك بهذه الانتخابات، فالوطن أهم من كل ذلك".
أسباب محتملة
حديث زعيم التيار الصدري، رغم تضمنه دوافعه للانسحاب من الانتخابات، إلا أن محللين مختصين قرؤوا توقيت إعلانه وأرجعوه لعدة أسباب، ولا سيما أنه جاء بعد أزمات عدة عصفت بالعراق، وواجه على إثرها الصدريون انتقادات حادة.
رئيس مركز "التفكير السياسي" في بغداد إحسان الشمري، يقول خلال حديث صحفي في 16 يوليو/ تموز 2021: إن "قضية انسحاب الصدريين مرتبطة بطبيعة الأحداث الأخيرة، والاتهامات للتيار الصدري بتحمله جزءا من الفشل الحالي".
ويضيف: "ويبدو أنه لا يريد أن يتحمل تبعات الانتخابات المقبلة، خصوصا أن قوى التزوير ما زالت فاعلة".
من جهته، يرى الزميل المشارك في معهد واشنطن، حمدي مالك، أن إعلان الصدر يهدف فيما يبدو إلى النأي بنفسه عن السخط الشعبي من حرائق المستشفيات، وانقطاع الكهرباء والمياه، التي فجرت احتجاجات عراقية.
مالك يضيف في حديث صحفي في 15 يوليو/ تموز 2021، أن "الصدر يحاول أن ينأى بنفسه عن الإدارة البشعة للمسؤولين العراقيين".
وتوقع أن يشارك حزب الصدر ويحقق نتائج جيدة في الانتخابات على الرغم إعلانه عدم الترشح شخصيا.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية العراقي سعدون الساعدي، فإن "قرار الصدر في حال لم يتم التراجع عنه، ستكون له تداعيات كبيرة على المشهد السياسي في العراق والمنطقة، لأنه يمتلك ثقلا واضحا في الشارع".
ويرجح الساعدي في حديث صحفي في 15 يوليو/ تموز 2021، أن سبب اتخاذ الصدر لقرار الانسحاب هو "خشيته من عدم الحصول على المقاعد التي وعد بها جمهوره في الانتخابات والتي تصل لـ100 مقعد".
السبب الثاني، وفقا للساعدي، يتعلق بـ"وصول معلومات مؤكدة للصدر عن فساد مقربين ومنتمين لتياره، وبالتالي يريد رفع الغطاء عنهم وإعادة النظر في مستقبل التيار الصدري السياسي وتخليصه من الشوائب والفساد".
ويلفت الساعدي، إلى أن "الصدر وصل إلى قناعة يحاول من خلالها الحفاظ على تاريخ ونزاهة عائلته وعدم التضحية بإرثها من أجل مجموعة فاسدين ومنتفعين، لذلك هو يرى أن إعادة ترتيب الأوراق باتت مسألة مهمة".
وكالة "رويترز" نقلت في 15 يوليو/ تموز 2021، عن مصدر مقرب من الصدر قوله: إن "القرار جاء في أعقاب حملة شنتها جماعات شيعية مدعومة من إيران لتشويه سمعة التيار الصدري خوفا من أن يكتسح الانتخابات".
المصدر، يقول للوكالة: إن الصدر أبلغ أتباعه في اجتماع عقد في الآونة الأخيرة أن "هناك مجاميع لديها الاستعداد لإحراق العراق لمنع الصدريين من تشكيل الحكومة القادمة"، في إشارة إلى منافسيه المدعومين من إيران.
قرار الصدر، يأتي بعد ثلاثة أيام فقط من المأساة التي حدثت في مستشفى "الحسين" في الناصرية، عندما تسبب حريق في عنبر مخصص لمرضى كورونا بمقتل نحو 93 شخصا.
والحادث هو الثاني الذي يلتهم مستشفى في العراق، إذ أدى حريق اندلع في أبريل داخل مستشفى "ابن الخطيب" في بغداد المخصصة لعزل مرضى كورونا إلى مقتل 82 شخصا وإصابة العشرات.
حريق "ابن الخطيب"، أثار ردود فعل غاضبة واسعة دفعت وزير الصحة آنذاك حسن التميمي، المدعوم من التيار الصدري، للاستقالة.
كما أنه عقب كارثة مستشفى الناصرية استقال مدير صحة الناصرية صدام الطويل المدعوم من التيار الصدري أيضا.
تداعيات كبيرة
الكاتب العراقي إياد العنبر، رصد تأثير انسحاب الصدر من الانتخابات البرلمانية العراقية، في مقال نشره بموقع قناة "الحرة" الأميركية في 18 يوليو/ تموز 2021.
وكتب يقول: "لا يمكن التكهن بالخطوات العملية التي يمكن أن تترتب على انسحاب التيار الصدري، إلا بعد حسم قضيتين أساسيتين".
ويضيف العنبر: "الأولى أن يكون هذا القرار حاسما وقاطعا لا رجعة عنه. والثانية ألا يكون قرار الانسحاب مقتصرا على سحب دعم مقتدى الصدر من القيادات والشخصيات التي تنتمي للتيار في حال بقاء مشاركتهم بالانتخابات".
على مستوى العملية الانتخابية، يرى العنبر أنه "حال استمرار مقاطعة الصدريين، ستكون شرعية الانتخابات في مأزق حقيقي. إذ ستكون نسبة المشاركة في أدنى مستوياتها".
ويتابع: "رغم عدم وجود نص قانوني يحدد نسبة مشاركة يستند إليها في اعتبار الانتخابات متصفة بالمشروعية القانونية، إلا أنها من حيث الواقع السياسي سيكون من السهل الطعن بتمثيلها للمجتمع السياسي".
ويشير إلى أن ذلك المجتمع "بدأ يتذمر من الانتخابات كونها لا تغير من واقع التوافقات والصفقات السياسية".
أما من زاوية العملية السياسية، يضيف العنبر، أن الانسحاب يمكن أن يساهم في إعادة تحديد ملامح منظومة العمل السياسي.
ويوضح أن القوى السياسية طوال الفترة الماضية، ومن ضمنها التيار الصدري، تعمل بازدواجية المشاركة بالحكومة وادعاء معارضتها.
ويردف: "أما عدم المشاركة بالانتخابات فإنه يعني حسم القرار مسبقا بالذهاب نحو المعارضة فعليا، ومن ثم سنكون أمام نوع جديد من المعارضة التي سيكون ميدانها الشارع بعد أن عجز البرلمان عن إنتاج معارضة حقيقة وفاعلة في الإطار المؤسساتي".
ويرى الكاتب أن "ثبات الصدر وتياره على عدم المشاركة في الانتخابات سيقلب الموازين السياسية".
ويضيف: "إذ سنكون نحو توجه جديد في العمل السياسي، يحرج خصوم ومنافسي التيار السياسيين، ويجعلهم مسؤولين عن الحكومة القادمة التي ستعمل في ظروف صعبة جدا".
وعلى نحو مماثل، يرى المحلل السياسي الشمري، أن للانسحاب "تداعيات كبيرة، وربما تبدأ بأزمة سياسية".
ويعتبر أنه "حال تمسك الصدر بقرار الانسحاب ربما نرى مبادرات قريبة لتأجيل الانتخابات المقبلة بهدف إقناع المقاطعين بالعودة لاحقا".
ويتابع: "ليس الصدريون فقط بل القوى المدنية والقوى القريبة من تشرين (المتظاهرين)، خصوصا أن تصاعد دعوات المقاطعة لن يعطي شرعية للانتخابات المقبلة، وستبقى شرعيتها محط جدل".
تكتيك سياسي
وفي المقابل، يقول الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر: إن "هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها الصدر مقاطعة الانتخابات، ففي عام 2013 أيضا أعلن مقاطعتها وعاد وتراجع عن ذلك".
ويعرب البدر عن اعتقاده في حديث صحفي في 15 يوليو/ تموز 2021، أن "هذه المرة أيضا سيكون الأمر مشابها، فهذا الإعلان على الأغلب هو بالون اختبار سياسي وتكتيك لا أكثر".
من جانبه، يشير الخبير القانوني والمحلل السياسي العراقي، طارق حرب، في حديث صحفي إلى أن "الانتخابات لن تجري في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، دون مشاركة التيار الصدري تحت أي مسمى أو آلية يتم الاتفاق عليها".
حرب يقول: إن "السيناريو المؤكد هو عدم إجراء الانتخابات في موعدها دون تراجع الصدر عن موقفه بالمقاطعة".
ويبين أن "السيناريو الثاني هو عدول الصدر عن موقفه عبر ضغوط حكماء القوم".
السيناريو الثالث: "دخول سائرون ككتلة سياسية بعد عدم ممانعة الصدر عن دخولها لكن لا يتم اعتبار تبعيتها للصدر".
ويعتقد الخبير القانوني أن "جميع تلك السيناريوهات مقبولة".
أما الكاتب العراقي، يحيى الكبيسي، فيرى عبر مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" في 15 يوليو/ تموز 2021، أن "التيار الصدري منذ عام 2005 مارس/ آذار في علاقته مع السلطة لعبة باتت واضحة اليوم".
ويوضح أنه "في الوقت الذي كان يجاهر فيه بموقفه ضد الاحتلال الأميركي للعراق، كان له ممثلون في الحكومة الانتقالية التي شكلها إبراهيم الجعفري عام 2005".
ويتابع: "ثم في حكومة المالكي الأولى عام 2006 وهي حكومات تشكلت تحت الرعاية الأميركية الكاملة، وقد كان نصيب الصدر فيها حينها 4 وزراء".
ويفيد: "قبل أن يقرر وزراء التيار الصدري الاستقالة بعد أحداث (صولة الفرسان) التي شنها المالكي ضد جيش المهدي (مليشيا تابعة للصدر) في حكومة المالكي الثانية".
ويبين الكاتب أنه "وبعد ممانعة طويلة في القبول بولاية ثانية للمالكي عام 2010، توصل التيار إلى صفقة مع المالكي بوساطة إيرانية".
ويشير إلى أنها "جعلت الصدر يتراجع عن ممانعته، ويصوت لصالح المالكي مقابل حصوله على ضعف حصته من الوزارات (8 وزارات)".
وفي عام 2014، يضيف الكبيسي، أن "الصدريين كانوا حاضرين بقوة في حكومة حيدر العبادي، من خلال دعم الانشقاق الذي حصل في حزب الدعوة، ثم استحواذهم على مناصب رئيسة في الحكومة (نائب رئيس الوزراء مع 4 وزراء)".
ويتابع: "قبيل انتخابات عام 2018 طرح مقتدى الصدر ما أسماه (الحكومة الأبوية) وبعد إعلان نتائج الانتخابات وحصول التيار الصدري على 52 مقعدا (من مجموع 54 مقعدا حصل عليها تحالف سائرون)".
ويلفت إلى أن "التيار، أبرم بعد ذلك صفقة مع تحالف الفتح في سبتمبر/أيلول 2018 نسفت مجموعة الشعارات التي انضوت تحت مسمى (الحكومة الأبوية غير المتحزبة)".
"ومنحت التيار منصب النائب الأول لرئيس البرلمان، ثم اتفق بعد ذلك مع الفتح على تسمية عادل عبد المهدي رئيسا لمجلس الوزراء"، وفق الكبيسي.
ويزيد: "أثمر الاتفاق أيضا على حصول التيار على منصب الأمين العام لمجلس الوزراء، وكالعادة بدت مفردة (الأبوية) مجردة من أي معنى ما عدا معنى الهيمنة على البرلمان وعلى الحكومة في الوقت نفسه".
الكبيسي، يشير إلى أن "الصدر تعلم، من خلال مواجهاته الثلاثة مع الدولة في الأعوام 2004 و2007 و2008، بأن وجوده في السلطة هو وحده الضامن للإبقاء على التيار الصدري ككيان سياسي من جهة".
ويوضح أنه أيضا "الضامن الوحيد لتأمين الموارد الضرورية لإدامة تياره عبر (لجان اقتصادية) داخل الوزارات ومؤسسات الدولة المختلفة".
ويخلص الكاتب خلال حديثه إلى أن "هذه الإستراتيجية هي نفسها التي ستجعل، بالضرورة، الصدر يتراجع عن قراره المتخذ، ولكن من خلال توقيت يختاره هو شخصيا ليحول الأمر مرة أخرى إلى أداة للتحشيد الانتخابي".
المصادر
- العراق.. مقتدى الصدر يعلن مقاطعة الانتخابات المقبلة
- انسحاب الصدر من الانتخابات: تعزيز احتمالات تأجيلها وإضعاف الحكومة
- بعد انسحاب الصدر من الانتخابات.. ثلاث سيناريوهات هي الاقوى للمرحلة المقبلة
- مقاطعة الصدر للانتخابات العراقية.. مناورة أم قرار حاسم؟
- الانسحاب من الانتخابات.. 3 أسباب وراء "رسالة الصدر غير المباشرة"
- هل يفعلها مقتدى الصدر؟
- العراق: التيار الصدري ولعبة الانسحاب