"الشام الجديد".. هل تنجح مصر والأردن والعراق في تنفيذ المشروع؟

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

طالما أعلن قادة عرب منذ خمسينيات القرن الـ20 عن مشروعات تكامل ووحدة عربية سياسية واقتصادية، إلا أن أغلبها باءت بالفشل.

آخر المشروعات العربية كان اقتراح "الشام الجديد"، الذي يضم العراق والأردن ومصر، ويحمل آمالا كبيرة لشعوب الأقطار الثلاثة؛ لكنها آمال محفوفة بمخاوف أكبر.

أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت هلال خشان، كتب مقالا في “geopolitical futures”، الأميركية، عن المشروع ومآلاته واحتمالات نجاحه وفشله والعقبات التي تواجهه، قبل الآمال المعلقة به.

خشان، كاتب ومحلل في شؤون الشرق الأوسط، ومؤلف لـ6 كتب، بينها: "حزب الله: بعثة إلى لا مكان"، ويقوم حاليا بكتابة كتاب بعنوان "السعودية: معضلة الإصلاح السياسي ووهم التنمية الاقتصادية".

وقال الكاتب: في أغسطس/ آب 2020، كشف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، عن مشروع "الشام الجديد"، كمبادرة تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين العراق ومصر والأردن، تمهيدا لتعاون سياسي وأمني وعسكري واسع النطاق.

ويرى أن هذا المسعى على خطى مجلس التعاون العربي قصير العمر، الذي أسسه العراق والأردن ومصر وشمال اليمن عام 1989، لكنه انهار بعد غزو العراق للكويت عام 1990.

ووصف الخطتين بأنهما متطابقتين تقريبا في نطاقهما ومضمونهما، وعلى غرار ميثاق "جامعة الدول العربية"، عام 1945، الذي دعا لتعزيز التعاون العربي البيني.

وألمح إلى أنه "مع ذلك، من غير المرجح أن يكون مشروع الكاظمي، أفضل بكثير من سابقيه، إذ يفتقر الموقعون الثلاثة على مشروع الشام الجديدة، إلى الإرادة السياسية والعزم على إتمامه".

البحث عن حلفاء

الكاتب اللبناني، عاد بالذاكرة إلى الوراء، لعام 1954، وقتما أكد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، بأن التنمية الاقتصادية في مصر تتوقف على تطوير علاقات وثيقة مع الدول العربية في غرب آسيا.

حينها، أعرب عن رغبته في دمج القوى العاملة الماهرة في مصر مع النفط العربي، ليكون ذلك مفتاحا لتحديث المنطقة؛ لكن ولسوء الحظ، فشل عبدالناصر في تحقيق هدفه وانتهى به الأمر إلى معاداة جميع الحكام العرب تقريبا، وفق خشان.

الذي واصل سرده موضحا أنه في العام 1989، خرج العراق منتصرا -على الرغم من تدميره اقتصاديا- من حربه مع جارته الشرقية إيران التي استمرت 8 سنوات.

وبسبب رفض مجلس التعاون الخليجي انضمام بغداد للكيان الخليجي، تطلع العراق الحصول على الدعم من حلفائه وقت الحرب، وتحديدا مصر والأردن واليمن الشمالي، خاصة وأنه كان لدى هذه الدول قضايا مماثلة.

أهم تلك القضايا، بحسب الكاتب هي: حرمان العراق، من الوصول إلى دول مجلس التعاون الخليجي، و"العزلة الإقليمية"، المفروضة عربيا لمدة 10 سنوات على مصر، التي أرادت إعادة الانخراط مع العالم العربي وتلافي آثار توقيع الرئيس المصري أنور السادات اتفاقية السلام "كامب ديفيد" مع إسرائيل.

الخروج من الأزمات

وقال: اليوم، تواصل هذه البلدان التعامل مع مشاكلها السياسية والاقتصادية، إذ فشلت مصر، التي تعتبر علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي أقل من الودية، في التأثير على إثيوبيا بأزمة سد النهضة، وتشعر بأنها مهجورة إقليميا ودوليا.

الأردن، من جانبه يتعامل مع انقسام وجودي بين أفراد العائلة المالكة الهاشمية ويشعر بالتهديد من سياسة إسرائيل في الضفة الغربية، وفق خشان.

وأشار إلى أن الكاظمي العراقي، يأمل في استخدام مشروع الشام الجديد، الذي طوره بدافع أميركي، لوقف هيمنة إيران على بلاده بتعزيز العلاقات مع جيرانها العرب.

ويعتقد أن الأساس المنطقي للمشروع هو أنه يمكن أن يساعد في ربط القوى العاملة المصرية الهائلة وثروة العراق النفطية الوفيرة وموقع الأردن الإستراتيجي.

النفط والكهرباء والعمالة

الهدف الكبير للكاظمي، هو تحويل العراق إلى وسيط بين القوى الإقليمية بدلا من ساحة للمنافسة، حسب الكاتب اللبناني.

وأضاف: انطلاقا من مسلمة المصير العربي المشترك، بغداد حريصة على الترويج لتحالف يضم، بالإضافة إلى مصر والأردن، السعودية وسوريا، التي جرى تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية عام 2011.

وتابع: لكن في 27 يونيو/ حزيران 2021، حضر ملك الأردن عبدالله بن الحسين، ورئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، قمة في بغداد أسفرت عن  بعض النتائج الملموسة، إذ إنها أول زيارة لرئيس مصري للعراق منذ عام 1990.

الكاظمي، وعبدالله، والسيسي، أصدروا إعلانا ضعيفا فشل في تعزيز التعاون الاقتصادي على غرار الاتحاد الأوروبي، وفق رؤية خشان.

ولكنه أشار إلى الربط بين شبكات الكهرباء المصرية والعراقية، وحركة العمال والسياح غير المقيدة عبر الحدود.

وألمح إلى أن العراق، من جانبه يقول: إنه مستعد لتزويد مصر بإمدادات النفط بأسعار منخفضة مقابل الكهرباء.

وأكد أن السيسي، يهتم بالاستحواذ على جزء من سوق المواد الغذائية الكبير والمربح في العراق، خاصة لقطاع الغذاء والتغذية الذي يهيمن عليه الجيش في مصر.

وعلى مدار الأيام الماضية من يوليو/ تموز 2021، يعاني العراق من أزمة كبيرة في الكهرباء أدت لانقطاع التيار عن عدد كبير من المدن والبلدات العراقية، إثر قرار إيراني بوقف إمدادات الكهرباء للعراق.

تنافس تركي مصري

وعاد خشان، مجددا إلى الذاكرة العربية وتحديدا بعد الغزو الأميركي في عام 2003، مؤكدا أن العراق فقد مكانته كدولة منتجة.

ولكنه جزم بأن هناك فرصة ضئيلة في أن تتمكن مصر من منافسة الأطعمة التركية وغيرها من المنتجات، والتي تعتبر أرخص وذات جودة أفضل من السلع المماثلة من مصر.

إجمالي صادرات البضائع التركية إلى العراق في 2020، بلغ نحو 20 مليار دولار، وهو ثاني أكبر إجمالي بعد ألمانيا.

وقال الكاتب اللبناني، لا يمكن للعراق احتواء نفوذ تركيا وإيران ببساطة من خلال الانفتاح الاقتصادي على مصر والأردن.

ووفقا لأرقام العام 2017، يحتل الاقتصاد التركي المرتبة الـ17 على مستوى العالم، بينما تحتل مصر المرتبة الـ44، والأردن في المرتبة الـ88 عالميا.

حتى الاقتصاد الإيراني، الذي تم فرض عقوبات عليه يتقدم بكثير على مصر، إذ يحتل المرتبة الـ26 على مستوى العالم.

تشكك وعقبات

العديد من المصريين يتشككون في اقتراح الكاظمي، بتزويد مصر بالنفط مقابل عمال يمكنهم المساعدة في إعادة إعمار العراق، وفق رؤية الكاتب اللبناني.

وذكر أن الآلاف من العمال المصريين قتلوا على أيدي جنود عراقيين مسلحين بحثا عن وظائف بعد الحرب الإيرانية العراقية عام 1988.

ويعتقد أنه من غير المحتمل أيضا أن يهتم العمال المصريون بالعمل في بلد به معدلات بطالة عالية للغاية، لا سيما بالنظر إلى المخاطر المتزايدة على سلامتهم،  حتى كعمال مهرة.

وعلى الجانب الآخر، ألمح إلى أن مفاوضات العراق مع دول مجلس التعاون الخليجي لربط شبكات الكهرباء الخاصة بهم مستمرة منذ تسع سنوات.

وأكد أن بغداد، لم تقبل بعد عرضا سعوديا قد يكلف حوالي 20 بالمئة، مما تفرضه إيران حاليا.

وجزم بأن وكلاء إيران في العراق، ولا سيما قوات "الحشد الشعبي"، يمنعون توقيع أي اتفاق مع الرياض.

ولفت إلى عقبات أخرى، أمام ربط شبكتي الكهرباء العراقية والمصرية، الذي لم يبدأ بعد، ثلاث سنوات على الأقل، بشرط ألا يعرقل السياسيون العراقيون الموالون لإيران وقوات الحشد الشعبي العملية.

ومع ذلك يرى أنه من المرجح أن يضاف مشروع الشام الجديدة إلى القائمة الطويلة لمشاريع التكامل العربي غير المدروسة والتي لم يتم تنفيذها على الإطلاق.

وقال: إن فشل دول الجامعة العربية في التعامل مع غزو العراق للكويت عام 1990، أدى إلى تدمير العراق كقوة إقليمية.

وأوضح أن ذلك جعل إيران وتركيا، بالإضافة إلى إسرائيل، القوى المهيمنة في المنطقة، وبما أن هذه القوى الثلاث ليست عربية، فلا مجال للعراق في ميزان القوى الإقليمي.