رغم دعوته.. هذه أسباب رفض المغرب حضور "برلين 2" بشأن ليبيا

مطلع يونيو/حزيران 2021، وجهت ألمانيا دعوة إلى المغرب، للمشاركة في مؤتمر "برلين 2" الدولي بشأن ليبيا، الذي عقد في 23 من الشهر نفسه، إلا أن وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، غاب عن المؤتمر الذي تشارك فيه لأول مرة الحكومة الانتقالية الليبية.
وتعرف العلاقات الدبلوماسية بين برلين والرباط حالة من التوتر، حيث أعرب المغرب عن استغرابه لإقصائه من النسخة الأولى من مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا، في 19 يناير/كانون الثاني 2020.
ومطلع مارس/آذار 2021، أعلن المغرب قطع علاقاته مع السفارة الألمانية في الرباط؛ جراء ما قال إنها "خلافات عميقة تهم قضايا مصيرية"، في إشارة إلى قضية إقليم الصحراء الغربية.
وفي مؤتمر صحفي حضره بوريطة في 25 يونيو/حزيران 2021، برر غيابه عن "برلين 2" بوجود "اعتبارات للمملكة مرتبطة بطبيعة علاقاتنا مع البلد الذي يستضيف الاجتماع وما تشهده هذه العلاقة".
من جهتهم، أشار مراقبون إلى أن المغرب يريد أن يحافظ على خصوصية مبادرته في القضية الليبية، لا أن يصبح جزءا من مبادرة أخرى.
خط الامتناع
الخارجية الألمانية، وجهت دعوة رسمية خاصة إلى بوريطة، بقصد المشاركة في المؤتمر الذي سجل حضور ممثلي ليبيا، الجزائر، الصين، الكونغو الديمقراطية (رئيس الاتحاد الإفريقي)، مصر، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، هولندا، روسيا، سويسرا، تونس، تركيا، الإمارات، المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
كما شارك في المؤتمر ممثلون عن الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.
لكن قبل المؤتمر بأيام وتحديدا في 11 يونيو/حزيران 2021، أجرى بوريطة مباحثات هاتفية مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، يان كوبيش، حول التحضيرات لمؤتمر "برلين 2".
وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إن هذا التباحث يدخل في إطار سلسلة المشاورات التي يجريها المبعوث الخاص للأمم المتحدة مع "الأطراف الفاعلة" على الصعيدين الوطني والدولي للتحضير لمؤتمر برلين الثاني حول ليبيا.
وفي 25 يونيو/حزيران 2021، خلال ندوة صحفية جمعته مع رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، بالرباط، قال بوريطة إن "المغرب لم يستدع لمؤتمر برلين 1 وكان له موقف حينها، وجرى استدعاؤه في الموعد الثاني وهو حاضر في الملف الليبي".
وأوضح بوريطة، أن "الحضور في المؤتمرات ليس هدف المغرب، بل دورنا يتجلى في الوقوف مع الليبيين أولا، وأن نواكب ما يريده الليبيون لإيجاد حل لأزمتهم، ثم إن المغرب كان دائما يشتغل مع المؤسسات الليبية".
وخلص الوزير إلى القول أن "المغرب لا يرى دوره في الملف الليبي خارج مظلة الأمم المتحدة والمجهود الدولي، سواء حضر أو لم يحضر؛ لكن هذه اعتبارات المملكة مرتبطة أيضا بطبيعة علاقاتنا مع البلد الذي يستضيف الاجتماع (ألمانيا) وما تشهده هذه العلاقة".
وترجع "سوء العلاقة" إلى 6 مايو/أيار 2021، حين استدعت الرباط سفيرتها لدى برلين، زهور العلوي، على خلفية موقف ألمانيا "السلبي" من قضية إقليم الصحراء (المتنازع عليه بين الرباط وجبهة البوليساريو)، و"محاولتها استبعاد" المغرب من الاجتماعات المتعلقة بالملف الليبي.
وآنذاك، قالت الخارجية المغربية، في بيان: إن "ألمانيا راكمت المواقف العدائية التي تنتهك المصالح العليا للمملكة".
لقاءات متزامنة
أيام بعد مؤتمر "برلين 2"، أجرى رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، مباحثات مع كبار المسؤولين في المغرب تتناول العلاقات الثنائية، وتفعيل اتحاد المغرب العربي.
وبدأ الدبيبة في 27 يونيو/حزيران 2021، زيارة إلى العاصمة الرباط، تعد الأولى من نوعها للمملكة، منذ تسلمه السلطة في مارس/آذار 2021.
ووصف رئيس الحكومة، العلاقات المغربية الليبية بـ"القوية والمتميزة"، وأشاد بـ"جهود المملكة لتوحيد مؤسسات ليبيا واستقرارها سياسيا وأمنيا".
ودعا الدبيبة المغرب، في 28 يونيو/حزيران 2021، إلى دعم ليبيا في تحضيرها للانتخابات المقبلة، خلال اجتماع مع رئيس البرلمان، الحبيب المالكي.
وسبق أن احتضن المغرب 5 جولات من الحوار الليبي، تم خلالها الاتفاق حول آلية تولي المناصب السيادية، فيما قال الدبيبة إن زيارته للمغرب "تأتي للتواصل من أجل تعزيز التعاون في جميع المجالات وتطويرها".
من جهته، أوضح بوريطة أن بلاده تريد مواكبة مجهود الشعب والمؤسسات الليبية للتحضير لهذه الاستحقاقات المهمة.
وأضاف أن المغرب لا يفكر بالمرحلة الحالية فيما سيحصل عليه من ليبيا "إنما يضع نفسه رهن إشارة الليبيين لمساعدتهم على الخروج من المرحلة الصعبة".
وفي 11 يونيو/حزيران 2021، التقى بوريطة في الرباط وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الليبية، نجلاء المنقوش، في سياق مواكبة المملكة للحوار الليبي ودعم فرص التواصل والحوار بين مختلف الفرقاء، ودفع المصالحة الليبية، والتحضير لمؤتمر "برلين 2".
واستنادا إلى مصادر ليبية، توقع موقع "العربي الجديد"، في تقرير له عن المباحثات، أن تعرف بحث عودة عمل سفارة المملكة في طرابلس واستئناف نشاطها المتوقف منذ أبريل/نيسان 2015 جراء هجوم مسلح تعرضت له وتبناه "تنظيم الدولة"، مشيرة إلى أن إعادة فتح السفارة سيكون خطوة نحو تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين.
ويحظى الملف الليبي باهتمام العاهل المغربي محمد السادس، الذي أكد في 31 مارس/آذار 2021، في رسالة خطية أرسلها إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، دعم بلاده للسلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا لإنجاح المرحلة الانتقالية.
رفض منسجم
الأستاذ في جامعة القاضي عياض بمدينة مراكش، هشام برجاوي، رأى أن "المغرب قد بادر منذ اندلاع الصراع في ليبيا (عام 2011)، إلى الوساطة بين الفرقاء الليبيين بغية التوصل إلى توافق ينهي العنف".
وأوضح لـ"الاستقلال"، أنه "في مساعيه نحو حلحلة الأزمة الليبية، لم يعارض المغرب مبادرات دول أخرى، ولم يقم بتبخيسها سواء من حيث الخطاب أو الممارسة".
لكن ألمانيا، يتابع خبير العلاقات الدولية، باعتبارها إحدى الدول التي تتوسط في الملف الليبي، "أقدمت على فعل مسيء للمغرب من خلال عدم دعوته إلى لقاء برلين الأول (في يناير/كانون الثاني 2020)".
واعتبر برجاوي أن "هذا الفعل لم يكن عفويا أو غير مقصود، إذ لا مكان للعفوية في العلاقات بين الدول، وإنما كان متعمدا، بل إنه يترجم تماهيا بين ألمانيا والجزائر التي لا يخفي مسؤولوها امتعاضهم ورفضهم للوساطة المغربية في ليبيا"، وفق قوله.
وأفاد بأن "ما يزيد من قوة هذا الاستنتاج، الموقف الألماني المعادي للوحدة الترابية المغربية (قضية الصحراء)، خصوصا بعد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء (في ديسمبر/كانون الأول 2020)".
وختم برجاوي حديثه بالقول: "أعتقد أن رفض الرباط المشاركة في لقاء (برلين 2) نابع من موقف دبلوماسي مهني ومنسجم مع نفسه، إذ من غير اللائق، على الأقل في خضم الوضع الحالي للأمور، أن يشارك المغرب في النسخة الثانية من لقاء تتزعمه دولة أساءت إليه من خلال عدم دعوته للنسخة الأولى، وفي نفس الوقت تعادي قضيته الوطنية الأولى (الصحراء)".
المصادر
- وزيرة خارجية ليبيا في الرباط تحضيراً لمؤتمر "برلين 2"
- ملك المغرب يؤكد مساندة بلاده لإنجاح المرحلة الانتقالية في ليبيا
- الدبيبة يدعو المغرب إلى دعم ليبيا لإنجاز الانتخابات
- رئيس حكومة ليبيا يجري مباحثات في المغرب
- ألمانيا تدعو المغرب لمؤتمر "برلين 2" حول ليبيا
- الأزمة بين المغرب وألمانيا تغَيب بوريطة عن مؤتمر "برلين 2" حول ليبيا