إشارات عديدة.. كيف تغيرت مواقف واشنطن تجاه إسرائيل منذ قدوم بايدن؟

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة تركية إن "إسرائيل حققت أحلامها التي كانت تأمل أن تراها رأي العين منذ سبعين عاما، خلال السنوات الأربع الماضية، التي أعقبت تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، بداية 2017".

وأرجعت صحيفة "يني شفق" ذلك إلى أن واشنطن نقلت سفارتها (من تل أبيب) إلى القدس، وانسحبت من الاتفاق النووي مع إيران، واعترفت بهضبة الجولان أرضا تابعة لإسرائيل.

كما بدأت مرحلة تقارب بين إسرائيل والدول العربية وعقدت صفقة القرن (خطة ترامب المزعومة للسلام في المنطقة) وفعلت اتفاقيات إبراهام (التطبيع مع دول عربية) لتجعل من تل أبيب فاعلا رئيسا في الشرق الأوسط.

ويقول الكاتب والباحث والخبير في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية حيدر أوروتش: "على الرغم من الادعاءات القائلة إنه لن يكون من الممكن التراجع أبدا عن وضع إسرائيل الإقليمي بعد هذه المكاسب، فإن التغيير الرئاسي في الولايات المتحدة وتداعياته كشف أنه من الممكن أن تفقد بعض هذه المكاسب".

وبما أن المكاسب نابعة من قوة الولايات المتحدة العالمية وأن الإدارة الأميركية الجديدة غير مستعدة لدعم إسرائيل بشكل غير مشروط، فإن ذلك يؤكد التوقعات بشأن هذه القضية، وفق الكاتب.

الإشارات الأولى

ويقول أوروتش: "ظهرت أول إشارات المرحلة الجديدة بتغير موقف الولايات المتحدة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني". وكان تعيين هادي عمرو، العربي الأصل من مواليد بيروت، نائبا للوزير المسؤول عن الشؤون الإسرائيلية الفلسطينية في وزارة الخارجية الأميركية، مؤثرا في هذا التغيير.

وأردف: "كان جاريد كوشنر صهر ترامب ومبعوثه الخاص جيسون غرينبلات يديران عملية السلام في الشرق الأوسط خلال فترة الإدارة السابقة. وهكذا ولأن كليهما يهودي، فقد تطورت العملية للأسف لصالح إسرائيل بالكامل إلى أن وصل بهم الحال إلى تجاهل الفلسطينيين تماما".

واستدرك قائلا: أما إدارة جو بايدن فقد أعلنت أنها ستسعى إلى حل أكثر مساواة بالتخلي عن المقاربة أحادية الجانب (المؤيدة لإسرائيل) والتي تم تبنيها في عهد ترامب. 

وتماشيا مع هذا القرار، جرى استئناف المساعدات التي قطعت عن الفلسطينيين خلال فترة ترامب، وتبين أن البعثات الدبلوماسية التي أغلقتها واشنطن في فلسطين، أعيد فتحها في إشارة إلى إعادة فتح قنوات الحوار. كما جرى الإعلان عن بدء العمل على خطة حل جديدة تتجاهل ما يسمى بصفقة القرن، والتي لا تعتبر صالحة بسبب رفض الفلسطينيين لها.

 أما فيما يتعلق باتفاقيات أبراهام والتي كانت الورقة الرابحة الأخيرة في يد ترامب قبل الانتخابات، فعلى الرغم من أنه لم يتم اتخاذ موقف رافض تماما إلا أن هناك إشارات تقول بأنه لن يتم تشجيع الدول المعنية كالإدارة السابقة، وفقا للكاتب.

وأضاف: من ناحية أخرى، من المتوقع أن تتجنب إدارة بايدن الوعود غير المناسبة بالنظر إلى كون الوعد الممنوح للمغرب بالاعتراف بسيادته في الصحراء الغربية مقابل التطبيع مع إسرائيل لا يتماشى مع المصالح الوطنية.

لكن التغيير الدراماتيكي الحقيقي كان في التطورات في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران. فقد بدأت إدارة بايدن محاولات العودة إلى الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في 2015 وانسحب ترامب منه بشكل فردي في 2018، تماما كما وعد بايدن خلال حملته الانتخابية.

ويعتبر عدم تراجع الولايات المتحدة عن موقفها هذا نذيرا بتشكيل نظام جديد في المنطقة في ظل محاولات الإعاقة الإسرائيلية واعتراضاتها حول هذا الموضوع الذي صرحت إسرائيل بأنه خطها الأحمر؛ قلقا من إمكانية صنع إيران لأسلحة نووية في نهاية العملية التي حددها الاتفاق.

وشرح الكاتب ذلك بالقول: كان ترامب يهدف إلى عزل إيران عن المنطقة من خلال تعريضها لسياسة الضغط القصوى إلى جانب استهدافه قطع دعمها لوكلائها من خلال تقليص قوتها الاقتصادية عن طريق العقوبات.

 لتجتمع الدول العربية السنية في المنطقة مع إسرائيل ضد التهديد الإيراني، ويتم نقل مظلة الولايات المتحدة الدفاعية إلى تل أبيب ويعطى للأخيرة دور رئيس في العمارة الأمنية للمنطقة التي يعاد تشكيلها.

وهكذا، أصبحت إسرائيل أول دولة في المنطقة تمتلك طائرات إف - 32، على الرغم من أنها لم تكن شريكا في الإنتاج، وحصلت على تفوق جوي لا يمكن إنكاره أو تجاهله. 

من ناحية أخرى، كانت دول المنطقة التي أرادت ضمان الدعم السياسي والعسكري للولايات المتحدة حريصة جدا في هذا الصدد، ورأت أن التطبيع مع إسرائيل مفتاح الباب المؤدي إلى البيت الأبيض، بحسب الكاتب.

وأردف قائلا: وهذا ما حدث بالفعل في النهاية، فقد تمكنت الدول العربية من الحصول على الدعم الذي أرادته في العديد من القضايا بحصولها على تقدير وإعجاب الإدارة الأميركية. 

وتمثل تغطية جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي والموافقة على بيع أسلحة مختلفة، بما في ذلك إف ـ 35 للإمارات أبرز الأمثلة الملموسة في هذا السياق.

الموقف الحذر

واستطرد أوروتش قائلا: أما الإدارة الأميركية الجديدة فقد اختارت طريقا مختلفا في هذا الصدد أيضا وأعادت النظر في الدعم المقدم إلى دول الخليج ومبيعات الأسلحة التي تمت في عهد ترامب. 

لتعلق مبيعات الأسلحة للإمارات وتعلن توقفها عن دعم عمليات السعودية في اليمن، وتسحب بعض بطاريات الباتريوت رغم استمرار التهديد الذي يشكله الحوثيون.

كما أعلنت إدارة بايدن أنها ستسوق الديمقراطية وحقوق الإنسان في علاقاتها مع هذه الدول. 

وعلى الرغم من عدم اتخاذ الخطوات المتوقعة، خاصة بعد أن جرى إعلان تقرير خاشقجي (الذي أظهر تورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الجريمة)، إلا أن تغير سياسة الولايات المتحدة دفع دول الخليج إلى إعادة النظر في سياساتها الإقليمية التي تضع إسرائيل في المركز، مما تسبب في تراجع الأهمية المنسوبة إلى تل أبيب.

 كما أعاق هذا التغيير عملية التطبيع بين الدول العربية الأخرى وإسرائيل، وفق تقدير الكاتب. وقد حدثت عملية مماثلة في مقاربة الولايات المتحدة للمحكمة الجنائية الدولية.

فقد وضع الرئيس الأميركي جو بايدن في الثاني من أبريل/نيسان 2021 حدا للهجوم غير المسبوق الذي شنه سلفه دونالد ترامب ضد المحكمة الجنائية الدولية، معلنا رفع العقوبات عن المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا.

وفرض ترامب العقوبات بينما كانت تجري المحكمة تحقيقات في جرائم الحرب التي ارتكبتها الولايات المتحدة في أفغانستان وكذلك الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين. 

ويضيف الكاتب: هكذا، وبعد أن قررت المحكمة الجنائية الدولية أنها تملك ولاية قضائية على الأراضي الفلسطينية بالقرار الذي تم الإعلان عنه في الخامس من فبراير/شباط، كانت التوقعات الإسرائيلية حول هذه القضية تتمثل في الحصول على دعم الولايات المتحدة لمنع المحكمة من التحقيق تسقط في الأوحال.

ويقول "إن إسرائيل التي لم تتعرض حتى الآن لأي عقوبات في جميع المؤسسات الدولية وخاصة الأمم المتحدة بفضل الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة بشكل غير مشروط، ستضطر الآن ـ وربما للمرة الأولى ـ إلى مواجهة القانون الدولي. 

وفي حال تم إجراء تحقيق فعال ضد إسرائيل، فمن المحتمل أن يكون من الممكن إصدار الأحكام على الانتهاكات التي نفذتها، الأمر الذي سيقضي على أسطورة الحصانة الإسرائيلية.

القضية الفلسطينية

ويعتبر أوروتش أن إعادة استخدام تعريف "الأراضي المحتلة" للأراضي الفلسطينية في تقرير حقوق الإنسان لعام 2020 الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية يمثل تغييرا آخر في سياسة الولايات المتحدة.

إذ جرى التخلي عن وصف الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل بعد عام 1967 بأنها "الأراضي الفلسطينية المحتلة" بعد عام 2017 في النصوص الرسمية لوزارة الخارجية الأميركية.

واستدرك قائلا: وفي الواقع كانت هذه الممارسة التي تبدو بسيطة للغاية وغير ذات أهمية، واحدة من نجاحات ديفيد فريدمان الذي تم تعيينه سفيرا لترامب في إسرائيل وأحد أهم مؤيدي المستوطنات اليهودية غير الشرعية.

 لكن ومع تغير الإدارة، فقدت هذه العقلية تأثيرها وعادت الولايات المتحدة إلى وضعها التقليدي.

ويرى الكاتب التركي أن أقوى رسالة حول موقف الولايات المتحدة من القضية الإسرائيلية الفلسطينية جاءت من وزير الخارجية الحالي أنتوني بلينكن، بالرغم من كونه يهوديا أيضا. 

فقد كشف بلنكين، الذي تحدث عبر الهاتف مع وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي، عن تغير سياسة الولايات المتحدة بالقول إنهم يعتقدون أن كلا من الإسرائيليين والفلسطينيين يجب أن يستفيدوا بشكل متساو من الحرية والأمن والازدهار والديمقراطية، بخلاف الإدارة السابقة.

ويقول: وهكذا، انتهت المرحلة التي حققت فيها إسرائيل مكاسب عليا، لتعود الإدارة الأميركية إلى سياستها التقليدية في الشرق الأوسط وتعمل الولايات المتحدة، التي يبدو أنها تحاول حل جميع القضايا في المنطقة ـ وخاصة المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية ـ على مقاربة مماثلة لعهد باراك أوباما.

يتمثل ذلك في تهيئة الأرضية المناسبة للانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، والابتعاد عن المحور التي وقفت فيه الدول العربية السنية وإسرائيل معا ضد التهديد الإيراني.

وعلى الناحية الأخرى، يبدو من غير الواضح في الوقت الحالي نوع السياسة التي ستتبعها إسرائيل في الفترة الجديدة خاصة فيما يتعلق بإيران بما أنها تمر بأيام صعبة بسبب تغير سياسة الولايات المتحدة وعدم الاستقرار الذي تشهده في سياستها الداخلية.

وأوضح الكاتب قائلا: فعلى الرغم من أنه لا يبدو من الممكن لها أن تدخل وحدها في صراع ساخن مع إيران بالنظر إلى قدرتها إمكانياتها رغما عن الولايات المتحدة، إلا أنه لا ينبغي أيضا أن نتوقع منها قبول الشروط التي تفرضها عليها واشنطن.

ويختم أوروتش مقاله قائلا: من الواضح أن الأولوية الأولى لإسرائيل ستكون في إفساد أي اتفاق محتمل من خلال استفزاز إيران. 

وعلى أي حال، يبدو أن إسرائيل ستعيش أصعب أيامها في السنوات الأربع المقبلة، وهي لذلك ستحاول الإبقاء على الدول العربية إلى جانبها لأطول فترة ممكنة، كما ستحاول تطبيع العلاقات مع العديد من الدول الأخرى بما فيها تركيا لتوسيع الجبهة المفتوحة ضد إيران.