أول ضربة في عهد بايدن.. رسائل استهداف المليشيات الإيرانية بسوريا

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في أول عملية عسكرية لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ردا على الهجمات الأخيرة على مصالح غربية في العراق، وجهت الولايات المتحدة، في 26 فبراير/ شباط 2021، ضربة جوية استهدفت تجمعات لمليشيات موالية لإيران داخل الأراضي السورية.

تسببت الضربة، بمقتل 22 عنصرا غالبيتهم من جماعة "كتائب حزب الله" العراقية، في استهداف 11 مبنى في البوكمال شرقي سوريا، تستخدمها الجماعة التي يعتقد أنها مسؤولة عن هجمات وقعت مؤخرا في العراق، وفقا للمتحدث باسم البنتاغون جون كيربي في 27 فبراير/ شباط 2021.

وتأتي الضربة ردا على هجوم استهدف قاعدة بلد الجوية شمالي العراق، التي تضم خبراء أميركيين في 20 فبراير/شباط 2021، بعد 5 أيام من هجوم طال قاعدة جوية في أربيل بإقليم كردستان، أسفر عن مقتل متعاقد مدني أجنبي وجرح 5 آخرين، إضافة إلى جندي أميركي.

رسالة أميركية

وفي تعليقه على القصف، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن خلال تصريحات في 27 فبراير/ شباط 2021، أن الضرباتِ الجوية التي نفّذتها بلاده ضد مواقعَ للمليشيات الإيرانية شرقي سوريا "كانت ضرورية لتقليل خطرِ المزيدِ من الهجمات"، وتحمل رسالة مفادها بأن واشنطن "تصر على حماية مواطنيها".

بايدن حذر إيران من توقع إمكانية الإفلاتِ من العقاب، وقال إن تلك الضربات يجب أن تنظر إليها طهران على أنها تحذير وتحمل رسالة مفادها بأن إدارته تصرّ على حماية مواطنيها. وأضاف موجها حديثه إلى إيران: "لن تُفلتوا من العقاب. احذروا".

وفي اليوم نفسه، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، أثناء مؤتمرها الصحفي اليومي: "بايدن يبعث برسالة لا لبس فيها بأنه سيتحرك لحماية الأميركيين. وعندما يتم توجيه التهديدات، يكون له الحق في اتخاذ إجراء في الوقت والطريقة اللذين يختارهما".

من جهته، رأى السياسي السوري المعارض، فراس قصاص خلال تصريحات صحفية في 26 فبراير/ شباط 2021 أن الهجوم جرى بإقرار وموافقة بايدن، الأمر الذي يؤشر بقوة وعلى العكس من بعض السياسيين والمراقبين إلى صلابة الإدارة الأميركية الحالية في مواجهة إيران هذا من جهة.

وبرأي قصاص، فإن "استهداف مليشيات إيران فوق الأراضي السورية أيضا مهم لجهة توظيف الردع الأميركي الحاصل لإيران في استهدافها للولايات المتحدة في العراق وتوظيفه في سوريا بما يصب في مصلحة الوضع السوري".

مضيفا: "ويظهر أيضا إستراتيجية بايدن بالمعنى الواسع للكلمة في مواجهة إيران وملفها النووي بحيث تشمل الوقوف في وجه التدخل الإقليمي لإيران إلى جانب منع حيازتها للأسلحة النووية".

السياسي السوري أشاد بالاستهداف الأميركي ضد مليشيات إيران في سوريا، مشيرا إلى أن هذا الرد غير المباشر على طهران يوازي ما تقوم به الأخيرة من هجمات على المصالح الأميركية عبر أذرعها.

وأكد قصاص أن القصف الأميركي يؤشر على إصرار واشنطن على إخراج إيران من مسرح الحدث السوري، واهتمامها بتقويض التدخل الإيراني في المجال الإقليمي، لافتا أن هذا التقويض مهم بالنسبة للولايات المتحدة في بناء أي إستراتيجية للاتفاق مع إيران وحلحلة الملف النووي الخاص بها.

اختبار حاسم

وسائل إعلام أميركية وعدد من مراكز الأبحاث، اهتمت بالضربة الجوية، فقد أعلنت محطة "سي إن إن" في 26 فبراير/ شباط 2021 أنها رسالة محددة من الرئيس بايدن إلى إيران، بأنها لا يمكنها التصرف في المنطقة من دون التعرض للعقاب، وعليها أن تكون حذرة.

ورغم أن المواقع التي قصفتها الطائرات الأميركية لم تكن مرتبطة بشكل مباشر بالهجمات التي وقعت في العراق، فإن المسؤولين الأميركيين أكدوا أن ضربها كان ضروريا، لعدة أسباب، سياسية ولوجيستية، وفقا للقناة الأميركية.

وأجمعت التعليقات على وصف الضربة بالاختبار الأوّلي الحاسم لإدارة بايدن، في محاولة منه لإقامة توازن مع إيران التي بالغت في تقدير حصانتها من التعرض لعقاب، مراهنة على حرصه على العودة إلى الاتفاق النووي معها.

لكن تلك الضربة قد لا تُثني إيران عن مواصلة تكتيكاتها واستفزازاتها، ما دامت لم تتلق حتى الآن عرضا مقنعا.

وأكد تقرير لمعهد "بروكينغز" في 27 فبراير/ شباط 2021 أن هجمات المليشيات الموالية لإيران كانت اختبارا حقيقيا لإدارة بايدن، وأن الرد الأميركي كان مرحّبا به ومدروسا جيدا.

مضيفا: "لأنه يوازن بين الحاجة إلى الرد على الهجمات التي تنفذها المليشيات بالوكالة عن إيران، مع ضمان عدم غرق دول مثل العراق في عنف واسع النطاق وعدم استقرار يمكن لإيران وحلفائها استغلاله لتعزيز نفوذهم".

وأفاد تقرير المعهد بأنه: "ليس من الضروري أن تتبنى إدارة بايدن السياسة التي اعتمدتها إدارة الرئيس ترامب تجاه إيران، ولكن يمكنها أن تمارس استخدام القوة ضد الجهات التي تهدد الأفراد الأميركيين، وأن ذلك يمكن أن يعزز المفاوضات الدبلوماسية حول برنامجها النووي".

سياسة جديدة

ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" خلال تقرير لها في 26 فبراير/ شباط 2021 تحليل معلقين على الغارات الأميركية، وصفوها بأنها "ردّ محسوب" على إطلاق الصواريخ على المنشآت الأميركية في العراق، لكنهم قالوا إنه من المحتمل أن يكون لها "تأثير عملي ضئيل"، ذاك أنها تجنّبت "المناطق الأكثر حساسية" التي تسيطر عليها المليشيات المدعومة من إيران.

ورأت الصحيفة أن الضربات تزامنت مع سعي إدارة بايدن لاتباع سياسة جديدة مع إيران، لإحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، ورغبته في تقليص الأنشطة العسكرية الأميركية المستمرة منذ عقود في الشرق الأوسط، غير أن إيران قرأت ذلك بشكل مختلف.

ونقلت الصحيفة نفسها عن، تشارلز ليستر، الزميل البارز في "معهد الشرق الأوسط" قوله: "اهتمام إدارة بايدن الواضح بإعادة صياغة اتفاق نووي مع إيران، أعطى الأخيرة فرصة لاستخدام وكلائها كوسيلة لشراء النفوذ والوقت"، موضحا أن طهران تجيد "التفاوض واختبار الخطوط الحمراء"، في إشارة إلى مسؤوليتها عن الهجوم على أربيل.

وفي قراءة للضربة الجوية على سوريا، قالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في تقريرها 26 فبراير/ شباط 2021 إن "بايدن يسير على خطى دونالد ترامب الذي أمر بضرب أهداف في سوريا بعد 77 يوما له في البيت الأبيض، إلا أن بايدن أمر بالضربة العسكرية بعد شهر".

وأضافت: "ما يجمع بين تحركي الرئيسين هو أنهما ليسا فعل حرب، ولكن رسالة. وفي حالة بايدن هي محاولة لوضع حدود ما هو مقبول من الجماعات الوكيلة عن إيران وما يمنع التصعيد".

ونقلت المجلة عن ولي نصر، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة "جونز هوبكنز" قوله: "الغارات الجوية ستغير بالتأكيد من حسابات إيران عندما تعود إلى اتفاقية العمل المشتركة الشاملة"، مستبعدا أن "تغلق الباب أمام الدبلوماسية".

وبمعنى آخر قد تساعد الغارات على الدبلوماسية، كما يقول نصر: "سيفكر الإيرانيون عندما يعتقدون أن أميركا قلقة من سلوكهم المشاكس ويدفعهم نحو طاولة المفاوضات أسرع. وتريد أميركا منع إيران من عمل أشياء قد تعقد عملية العودة للطاولة من خلال الرد بشكل حاسم ومبكرا".

تعليق عبري

وعلى صعيد الموقف الإسرائيلي من الهجوم الأميركي، رحب مسؤولون إسرائيليون في تصريحات لوسائل الإعلام العبرية بالغارات الجوية الأميركية على المليشيات الموالية لإيران في منطقة البوكمال شرقي سوريا.

ونقل موقع "والا" الإخباري العبري عن هؤلاء المسؤولين في 26 فبراير/ شباط 2021، قولهم: "إسرائيل تشعر بارتياح بالغ إزاء هذا الهجوم، وترى فيه مؤشرا إيجابيا بشأن موقف إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إزاء إيران".

وأعرب المسؤولون عن قناعتهم بأن هذه الغارات التي طالت فصائل مدعومة من إيران بعثت رسالة إلى طهران بشأن ضرورة أن تضبط النفس وتكبح جماح حلفائها في المنطقة.

مشيرين إلى أن السلطات الإسرائيلية سبق أن بحثت مع الإدارة الأميركية الجديدة مخاوفها المتعلقة بـ"الاستفزازات الإيرانية المتصاعدة" في المنطقة، لاسيما تلك التي تنفذ بالوكالة.

ونقل "والا" عن أحد المسؤولين (لم يسمه) قوله: "لم يدرك الإيرانيون أن بايدن ليس (الرئيس الأمريكي الأسبق باراك) أوباما وأنهم، إذا واصلوا سلك سبيل الأخطاء هذا، سيتعرضون للضرب في نهاية المطاف". فيما أشار التقرير إلى أن واشنطن أبلغت الحكومة الإسرائيلية مسبقا بخطتها شن هذه الغارات.

وفي مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونت" في 26 فبراير/ شباط 2021، قال  محلل الأمني الإسرائيلي، رون بن يشاي: "القراءة الإسرائيلية للهجوم الأميركي على الحدود السورية العراقية وضعت جملة أهداف أساسية".

أولى تلك الأهداف، بحسب يشاي، أنه "وسيلة من إدارة بايدن لإبلاغ جميع الفاعلين الإقليميين بأن الولايات المتحدة قد تعلمت من أخطاء الرئيس أوباما، صحيح أنها تحاول تحقيق أهدافها بالوسائل الدبلوماسية، لكن الخيار العسكري الأميركي يبقى مطروحا على الطاولة، وهو حقيقي ومؤلم".

وأضاف: "ثاني الأهداف الأميركية وفق ما يتداوله الضباط الإسرائيليون في الساعات الأخيرة بشأن هدف الهجوم، أنه في المقام الأول يسعى لإعادة تأهيل الردع العسكري الأميركي في المنطقة".

وهناك هدف ثالث لا يقل أهمية، "يتعلق بأن إيذاء الأميركيين سيقابل برد فوري سيؤذي الجناة بمجرد تحديدهم على وجه اليقين".

وأكد يشاي، أن "الهدف الرابع من هذا الهجوم موجه للإيرانيين في سياق المشروع النووي، ومشروع الصواريخ الباليستية طويلة المدى، والاستيلاء على دول في الشرق الأوسط من خلال أذرعها في المنطقة، والرسالة مفادها أننا جادون في الجهود المبذولة لمنع الأسلحة النووية في إيران من خلال الدبلوماسية والحوار".

وأشار إلى أن "الهدف الخامس موجه لإسرائيل، مفاده بأنها إذا حاولت إيران اقتحام النادي النووي، فيمكن لإسرائيل الاعتماد على المساعدة الأميركية، من خلال مشاركتها العملياتية في الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية".

مضيفا: "قد يقول البعض إن هذا استنتاج بعيد المدى، لكن هناك دلائل أخرى على أن الولايات المتحدة بقيادة بايدن لا تستبعد تماما استخدام الوسائل العسكرية ضد إيران، في حالة الضغط على حلفاء الولايات المتحدة".

وأكد يشاي أن "هدفا سادسا قرأته إسرائيل في ذلك الهجوم الأميركي، باعتباره تهديدا موثوقا به ضد تطلعات الصين نحو تايوان، ومحاولاتها للسيطرة على بحرها الجنوبي، وكل ذلك يؤكد أن واشنطن، وإن لم تقل ذلك صراحة، لكن لا تزال تعتقد أن الخيار العسكري الأميركي مطروح على الطاولة".

وختم كلامه بالقول إن "الهجوم الأميركي المشار إليه يعني بالنسبة لكثير من الأوساط الإسرائيلية أن يرفعوا القبعة لإدارة بايدن".