تقارب بفضل أزمة.. هكذا أزال "الكركرات" الجفاء بين المغرب وموريتانيا
.jpg)
عقب سنوات من الجفاء والفتور، حدث تقارب متصاعد في الفترة الأخيرة بين المغرب وموريتانيا جراء ملفات أبرزها، قضية الصحراء، واستضافة نواكشوط لقادة جبهة "البوليساريو" الساعية للانفصال عن المملكة، وإصرارها على أن ذلك يدخل ضمن نهج "الحياد".
هذا التقارب الملحوظ ساهم فيه اتصال "هام" من العاهل المغربي محمد السادس برئيس موريتانيا محمد ولد الغزواني، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عبّر فيه الملك عن استعداده لإجراء زيارة رسمية إلى موريتانيا، موجها في الوقت ذاته الدعوة للرئيس لزيارة بلده الثاني المملكة.
كما عبّر زعيما البلدين - خلال المحادثة الهاتفية - عن "ارتياحهما الكبير للتطور المتسارع الذي تعرفه مسيرة التعاون الثنائي، ورغبتهما الكبيرة في تعزيزها والرقي بها، بما يسمح بتعميق هذا التعاون بين البلدين الجارين وتوسيع آفاقه وتنويع مجالاته".
اللافت في الاتصال الهاتفي، أنه الأول من نوعه، وأنه جاء بعد أسبوع فقط من تدخل الجيش المغربي لإبعاد عناصر "البوليساريو" من معبر "الكركرات" الحدودي بين البلدين.
كما أن الزيارة المرتقبة لملك المغرب إلى موريتانيا، ستكون الثانية بعد الأولى والأخيرة في سبتمبر/أيلول 2001، ما اعتبر محللون أن الاتصال كان سببا رئيسيا في عودة المياة لمجاريها، و"حجرا ثقيلا" ألقي في بركة "الحياد" الموريتاني.
تجديد التحالف
وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال الباحث المغربي في العلاقات الدولية، نوفل البعمري: "الاتصال الملكي مع ولد الغزواني جاء من أجل وقف كل المخططات التي تحاك ضد المنطقة، ومن أجل تجديد التحالف بين البلدين اقتصاديا وثقافيا وتنمويا".
واعتبر أن "التقارب الأخير هو نتيجة تطور العلاقة بين البلدين من خلال تجاوز كل العثرات التي كانت تسود العلاقة بينهما وإزالة كل سوء الفهم الذي كان يعتريها، وقد جاءت العملية الأمنية التي قام بها الجيش المغربي في المنطقة العازلة بالكركرات، مناسبة لتثمين هذه العلاقة".
بدوره، اعتبر رئيس "المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية" في نواكشوط، ديدي ولد السالك، أن الاتصال سيعزز العلاقات القائمة بين البلدين، لأنه مفترض أن تكون علاقات عميقة لما يربطهما من روابط ثقافية واقتصادية واجتماعية".
وأشار ولد السالك أنه "في العقد الماضي شهدت العلاقات ركودا، لكن مع الاتصال الأخير وإعادة فتح معبر الكركرات، فإن العلاقات ستتعزز أكثر، لأن ذلك من مصلحة البلدين".
من جانبها، كتبت صحيفة "السبيل" الموريتانية أن الاتصال الهاتفي بين الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني، تشكل نهاية لفترة فتور 10 سنوات من حكم الرئيس السابق (محمد ولد عبد العزيز)".
الإعلامي الموريتاني المصطفي محمد محمود، أشار إلى أن "موريتانيا والمغرب ترتبطان بعلاقات جذورها راسخة في التاريخ وتدعمها الجغرافيا والمصالح المشتركة والأواصر الاجتماعية".
وأكد في مقال مقتضب على وكالة "المرابع ميديا" أن "القائدين حريصان على تعزيز الروابط، بل وتدشين عهد جديد في العلاقات بين الدولتين والشعبين الشقيقين، رغم أنف كل من يحاول أن يصطاد في المياه العكرة".
فيما قال الباحث المغربي في العلاقات الدولية حسن كريني: إن "تبادل الزيارات الرسمية من شأنه تمثين العلاقات مع موريتانيا، وله أبعاد سياسية واقتصادية على المديين القريب والطويل للتنسيق على أعلى مستوى من أجل البحث عن حل سياسي للنزاع المفتعل في جنوب المملكة".
وشدد كريني على أن "هذا الحل (لأزمة إقليم الصحراء) لا يمكن أن يتحقق دون مشاركة موريتانيا باعتبارها بلدا معنيا بصفة مباشرة، وإن كانت في السابق تختار الحياد السلبي أو الإيجابي"، وفق ما نقلت عنه صحيفة "النهار العربي" اللبنانية.
ثمن الحياد
على مدار أكثر من 40 عاما، شهدت العلاقة بين الرباط ونواكشوط، حالة من الصعود والهبوط، لتباين مواقف العاصمتين في بعض القضايا الإقليمية خصوصا ما يتعلق بملف إقليم الصحراء، واستقبال مسؤولين من "البوليساريو" في قصر الرئاسة بنواكشوط من حين لآخر.
وتؤكد موريتانيا أن موقفها من النزاع في الصحراء بين الرباط و"البوليساريو"، حيادي، يهدف في الأساس للعمل من أجل إيجاد حل سلمي للقضية يجنب المنطقة خطر التصعيد.
بعد انسحابها من الصحراء عام 1979، وجدت موريتانيا نفسها رهينة "كماشة" المغرب والجزائر، رغم اختيارها حيادا لم تستسغه البلدان الجاران، رغم أن نواكشوط كانت تمد يدا للمغرب، وأخرى للجزائر.
الباحث والكاتب السياسي الموريتاني، محمد أفو قال: "كان بودنا أن نكون محايدين، لكننا دفعنا ثمن هذا الحياد، اليوم تآكلت الشعبية المساندة لدور الحياد التي تبنته الدولة، هذه الجبهة (البوليساريو) وضعت دولتنا في أقصى اختبار للأعصاب".
وأكد في لقاء مع قناة "فرنسا 24" أن "الموريتانيين، سلطة وشعبا، يدركون اليوم أن مصلحتهم تقتضي وجود حدود جغرافية مباشرة مع المغرب، لأن مصالحنا مع الرباط لا تقارن مع أي دولة مجاورة أخرى".
من جهته، قال ولد السالك: "موريتانيا من حيث المبدأ تعلن موقف الحياد الإيجابي من قضية الصحراء الغربية، لكن من مصلحتها تسييس هذا الملف وأن يصبح حيادا فعالا، وعموما وجود زعماء البوليساريو أو شخصيات صحراوية في نواكشوط ليس غريبا لوجود روابط وعلاقات اجتماعية وقبلية".
وأكد أن "الأهم لنواكشوط أن تهتم بعلاقاتها مع المغرب وهي عمق إستراتيجي لها، وبالتالي أي علاقة مع الصحراويين يجب ألا تؤثر على علاقاتنا مع المغرب، بل يجب أن تكون هذه العلاقة إيجاد تسوية لطي هذا الملف إلى غير رجعة".
واعتبر ولد السالك أن "موريتانيا من مصلحتها أن تكون شريكا فعالا للطرفين (المغرب والجزائر) لإيجاد تسوية لقضية الصحراء، لكن قد ترتبط موريتانيا بشراكات وطيدة مع المغرب، دون أي صراع مع الجزائر، لأن موريتانيا تحاول أن تكون حيادية في هذا الملف، وستحاول أن تكون متوازنة بين الطرفين".
واستدرك قائلا: "لكن هذا لا يمنع من تأسيس شبكة علاقة إستراتيجية بين الرباط ونواكشوط، لتكون نموذجا للشراكة بين بلدان المغرب العربي والدول الإفريقية".
لغة الأرقام
بلغة الأرقام، يوميا يشهد معبر الكركرات مرور 70 شاحنة قادمة من المغرب نحو موريتانيا، وعبرها إلى دول إفريقية، كما أن 80 بالمائة من المنتجات التي تستوردها موريتانيا من البلدان الإفريقية تأتي من المغرب، وهذه الأرقام تؤكد أن البلدين الجارين بحاجة لبعضهما البعض.
هذه الحاجة المتبادلة والآنية، ظهرت بعد اتصال ملك المغرب برئيس موريتانيا بأسبوع فقط، حيث أعلن الاتحاد العام لمقاولات المغرب، أن السلطات الموريتانية "وافقت على تبسيط إجراءات الحصول على تأشيرتها للمقاولين المغاربة، كما وافقت على منحهم تأشيرة متعددة الدخول صالحة لمدة عامين".
وفي رسالة وجهها الاتحاد إلى أعضائه، شدد على "النهوض بالعلاقات الاقتصادية الثنائية، وتعزيز آليات الشراكة بين القطاعين الخاص في البلدين".
وفي السياق، أوضح الباحث المغربي البعمري أن "الأسواق الموريتانية تضررت بشكل كبير بفعل وقف إمداداتها بالمواد الأساسية، بعد قطع طريق معبر الكركرات من طرف العناصر التي دفعت بها البوليساريو للقيام بذلك (في أكتوبر/تشرين الأول 2020)".
كانت نواكشوط أكبر متضرر من إغلاق المعبر لـ3 أسابيع، حيث تسبب بأزمة اقتصادية، كادت تعصف بالأمن الغذائي القومي الموريتاني، خاصة أن 70 في المئة من الغذاء الموريتاني يأتي من المغرب.
فيما أكد ولد السالك أن "العلاقات الجيدة بين البلدين نتيجتها رابح-رابح، لأن موريتانيا تتزود بالكثير من البضائع من السوق المغربية، بل تعتمد بشكل كبير في تجارتها من المواد الغذائية، وأن تستفيد من خبرة المغرب في الكثير من المجالات، أبرزها السياحة والصناعة والزراعة والصيد البحري..".
وأضاف: أن "موريتانيا مهمة للمغرب، لأنها تشكل سوقا وبلدا غنيا بالثروات، كما أنها المعبر البري الوحيد إلى إفريقيا، والرباط له توجه ورؤية إستراتيجية نحو العمق الإفريقي".
وشدد ولد السالك في ختام تصريحه لـ"الاستقلال"، أنه "للوصول إلى الأسواق الإفريقية يحتاج المغرب وموريتانيا إلى علاقة قوية، وكلما تعززت هذه العلاقات أكثر سترقى إلى حالة ازدهار اقتصادي تشكل نموذجا لشراكة ناجحة".