بالتنمية والاقتصاد.. هل يربح المغرب ورقة إقليم الصحراء بعد "الكركرات"؟

سلمان الراشدي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عاد معبر "الكركرات" الحدودي بإقليم الصحراء، الرابط بين المغرب وموريتانيا، إلى واجهة الأحداث الدولية، بعد حراك دبلوماسي للرباط نجح في تحقيق أهدافه.

و"الكركرات" هو المعبر الحدودي بين المغرب وموريتانيا، وتتنازع الرباط للسيطرة عليه، في مواجهة عناصر من "البوليساريو". ومنذ 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، تعرقل عناصر الجبهة، مرور شاحنات مغربية عبر المعبر إلى موريتانيا.

ولكن، بعد نجاح هذا الحراك الدبلوماسي بفتح قنصليات تابعة لدول إفريقية وعربية في الصحراء، أعلن المغرب في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، "تحرك" جيشه لإبعاد عناصر لجبهة "البوليساريو".

وأعلنت عدة دول عربية دعم المغرب في تحركه الأخير ضد جبهة "البوليساريو" بمنطقة "الكركرات" الواقعة في إقليم الصحراء.

ومنذ 1975، هناك صراع بين المغرب و"البوليساريو" حول إقليم الصحراء، بدأ بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة. وتحول الصراع إلى مواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وتوقفت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، اعتبر "الكركرات" منطقة منزوعة السلاح.

وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين من الإقليم المتنازع عليه.

ومع استئناف حركة النقل بين المغرب وموريتانيا عبر "الشريان" الوحيد الكركرات، وتلقي الرباط الدعم من دول عربية لإبعاد عناصر "البوليساريو"، انتقلت المملكة لمرحلة "كسب الرهان" بـ"التنمية والاقتصاد" في إقليم الصحراء، فهل ستنجح في ذلك؟.

مشاريع جديدة

خلال الأيام الأخيرة، وبعد بناء "الجدار الرملي" في المنطقة العازلة بالكركرات بهدف التأمين النهائي لحركة المرور، رصد المغرب مبالغ مالية كبيرة لإطلاق مشاريع تنموية جديدة، بدأها بترميم وتنظيف المعبر، وتأسيس منطقة صناعية؛ لجذب المستثمرين.  

تتضمن الخطة، تعزيز شبكة الطرقات، عبر مجموعة من الأوراش، منها الطريق السريع "العيون والداخلة"، والطريق بين مدينتي "تزنيت والداخلة"، وإنشاء وتطوير موانئ للحد من الأزمات المتكررة عند معبر الكركرات.

وذكرت مصادر إعلامية، أن "المغرب خصص ميزانية قدرها 105 ملايين درهم (11 مليون دولار)، ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2021 من أجل مواصلة توسيع ميناء أمهيريز، الذي يبعد عن معبر الكركرات 80 كيلومترا، فيما تبلغ تكلفة ميناء الداخلة الأطلسي 10.2 مليارات درهم (1 مليار دولار)".

وأضافت: أنه "حتى مارس/آذار 2020، جرى إنجاز 158 مشروعا بالمنطقة، بمبلغ 11.68 مليار درهم  (1.1 مليار دولار)؛ في حين يوجد 318 مشروعا قيد الإنجاز بكلفة مالية قدرها 40.64 مليار درهم (4 مليارات دولار)".

كما  رصد المغرب 48 مليار درهم (4.8 مليارات دولار)، لتنفيذ 305 مشاريع أخرى ضمن البرنامج الجديد لتنمية المدن التابعة لإقليم الصحراء.

وتهدف هذه المشاريع إلى تحويل المنطقة لـ"قطب اقتصادي أكثر جاذبية" للاستثمارات المحلية والأجنبية الطامحة للعبور نحو أسواق القارة الإفريقية.

وفي السياق، قال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبد الحكيم كريم: إن "المغرب حقق تحولا إستراتيجيا في السنوات الأخيرة، كما أن مرحلة ما بعد الكركرات أحدثت وضعا جديدا".

وأوضح في حديث مع "الاستقلال" أن "السياق الدولي والإقليمي ساعد المغرب على تحقيق مكاسب هامة في ملف استكمال وحدته الترابية، سواء على المستوى السياسي والدبلوماسي أو على مستوى الوضع الميداني والعسكري".

وأكد كريم، وهو أستاذ زائر في جامعة محمد الخامس بالرباط، أن "الدينامية الاقتصادية والتنموية التي غيرت طبيعة المنطقة، ساهمت في ربط المناطق الحدودية ومدن الصحراء بالاقتصاد الوطني والدولي، مما أحدث وضعا جديدا للقضية في بعدها الدولي".

واعتبر أن "المغرب بحكمته وتبصره، يتعامل مع التحرشات شبه العسكرية لميليشيات البوليساريو بما يتوافق وتلك التحولات الدولية والإقليمية؛ مما يزيد من عزل الجيش الجزائري ومليشياته في أرض المعركة، وفي المؤسسات الدولية ذات الصلة بقضية الصحراء المغربية"، وفق تعبيره.

وأضاف كريم: "في المقابل يكرس المغرب حقوقه المشروعة على أرضه بممارسته جميع  أعمال السيادة وبإقرار من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي".

سلاح القنصليات

قبل "التحرك الأخير" لإبعاد عناصر البوليساريو من معبر الكركرات، شهد المغرب حراكا دبلوماسيا متسارعا، من خلال فتح قنصليات دول إفريقية وعربية في إقليم الصحراء وصل إلى 16 قنصلية، مما اعتبره مراقبون "سلاحا جديدا" و"فعّالا" أعطى للمملكة شرعية في أحقيته بالصحراء، بالمقابل "قَتل" تحركات "البوليساريو" وأضعف مواقفها.

هذه الدول هي: كوت ديفوار، جزر القمر، الغابون، ساو تومي وبرينسيبي، إفريقيا الوسطى، بوروندي، بوركينا فاسو، غينيا بيساو، غينيا الاستوائية، زامبيا، مملكة إسواتيني، غامبيا، غينيا، جيبوتي، ليبيريا، والإمارات.

وبدا واضحا أن الرباط نجحت في توظيف "سلاح القنصليات"، حيث أعلنت أكثر من 10 دول دعم المغرب في تحركه الأخير ضد جبهة "البوليساريو" بمنطقة "الكركرات"، ما أربك "البوليساريو" والجزائر التي تأوي عشرات الآلاف من اللاجئين من الإقليم‎.

ورأى مراقبون مغاربة أن فتح القنصليات إستراتيجية دبلوماسية وتنموية جديدة تنتهجها الرباط، لتعزيز سيادتها على الإقليم، واكتساب دعم إقليمي ودولي يقوي طرحها للحكم الذاتي.

وفي السياق، أشار الباحث كريم، في حديث لـ"الاستقلال" أن "تعامل الأمم المتحدة مع فتح قنصليات عدد من الدول الإفريقية والعربية وأميركا اللاتينية، كحدث قانوني لا يتعارض والقانون الدولي، أحدث تحولا في المركز القانوني، منح المغرب شرعية طبقا لقواعد القانون الدولي العام، باعتبار الأقاليم الجنوبية جزءا لا يتجزأ من ترابه الوطني".

 رهان التنمية

بعيدا عن التخيلات الذهنية بأن الصحراء "مكان قاحل"، يتميز الإقليم بثرواث طبيعة هائلة ومجالات استثمارية، منها ما هو قيد التنقيب كالغاز، وما هو قيد الإنتاج كالفوسفات والتسويق كالصيد البحري.

ومع ثورة إعادة إحياء المنطقة، بالتسريع في استكمال المشاريع السابقة المتوقفة، تطمح السلطات المغربية لتغيير "ملامح" منطقة الكركرات الحدودية بعد سنوات من التهميش بسبب ملف قضية الصحراء المعقد.

ونقلت وسائل إعلام محلية مغربية عن مصادر في وزارة الداخلية أن "تعليمات الملك محمد السادس، أكدت على تعزيز الخدمات الأساسية، التي من شأنها إحداث ثورة تنموية في الإقليم بشكل عام".

واعتبرت أن "هذه المجهودات الكبيرة لتنمية مدن إقليم الصحراء، من خلال بناء مناطق صناعية لاستقطاب الشركات الاقتصادية الكبرى، يعكس الرغبة في عدم التفريط في منطقته الجنوبية".

إلى جانب المشاريع التنموية، أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، البدء في تشييد مسجد كبير بمنطقة "الكركرات" بميزانية 8.8 ملايين درهم (963 ألف دولار)، وأن عملية بناء المسجد ستستمر لمدة عام.

وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قال عبد الرحمن الجوهري، محافظ "أوسرد" بإقليم الصحراء، في تصريحات إعلامية: إن مساحة المسجد تبلغ  3767 مترا مربعا، وسيحتوي على مختلف المرافق.مكاسب للجميع

الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، كريم، شدد على أن "رهان المغرب على التنمية الاقتصادية وتسهيل تنقل البضائع والأشخاص مع الجارة موريتانيا، من شأنه تعظيم مكاسب الجميع، وهو ما اتضح من خلال انزعاج نواكشوط من إغلاق معبر الكركرات، الذي تستفيد منه اقتصاديا".

وأكد أن "الاختراق الذي أحدثته الرباط باستعادتها منطقة الكركرات كاملة وإدارته للحدود مع موريتانيا، من شأنه أن يعزز مكاسب الطرفين فضلا عن تعميق الروابط الاجتماعية والثقافية التاريخية العريقة بين المغرب وعمقه في إفريقيا".

وفي إطار إستراتيجيته المتعددة الأبعاد يواصل المغرب إنجاز مشاريع مهيكلة بالمناطق الجنوبية (الطريق السريع، ميناء الداخلة الأطلسي، منطقة صناعية لإنتاج الأسمدة، وتطوير الزراعة) مما سيمكن من تحقيق تنمية جهوية تربط المنطقة بمحيطها الدولي وتكون معبرا للتجارة الدولية، يقول كريم.

واعتبر أن "هذه التحركات تخدم الأهداف الجيوسراتيجية للمغرب، بمنع الجزائر ومليشيات البوليساريو من محاصرة المغرب سواء على المستوى البري أو البحري عبر الوصول للمحيط الأطلسي".

واختتم كريم تصريحه بالقول: إن "الدينامية الاقتصادية والتنموية التي بدأها المغرب ولا يزال مستمرا فيها، فضلا عن السياق الدولي والإقليمي الحالي، ساعدا المملكة في أشهر قليلة على كسب مساحة كبيرة جدا، لم يربحها طوال 30 سنة من الجهد الدبلوماسي المتواصل".