الاحتفالات الصاخبة بالسعودية.. كيف يوظفها ابن سلمان لإخفاء مؤامرات عزل الملك؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

الاحتفالات الصاخبة التي يشرف عليها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في مهرجان الترفيه والسينما وسباق السيارات تبدو كتدشين من جانب الأمير الشاب لنهجه الجديد الانفتاحي، وتلميع صورته لدى حكام الغرب، وإرضائهم عبر تغيير هوية بلاد الحرمين.

وبعد مهرجان الرياض الترفيهي (20 أكتوبر/تشرين الأول 2021 حتى مارس/آذار 2022)، بما فيه من مظاهر تحرر وتحرش، ومسابقة السيارات "فورمولا 1"، جاء أول مهرجان سينمائي (6 ـ 15 ديسمبر/ كانون الأول 2021) في السعودية كثالث محاولة لتصوير هوية مختلفة للمملكة.

وما يفعله ابن سلمان، محاولة لتمهيد الطريق لتتويج نفسه ملكا، باحتفالات الترفيه لتغييب الشعب، وتغيير هوية المملكة، بعد أن عزز سلطته بالقضاء على خصومه السياسيين داخل العائلة الحاكمة، بحسب تقارير غربية.

هوية مختلفة

وتتحدث صحف غربية عن استعداد ابن سلمان لتولي منصب الملك سواء بوجود أبيه أو وفاته، وتوقعات أن تكون الاحتفالات الصاخبة جزءا من سعيه لتقديم نفسه ونظامه الجديد بهوية مختلفة للمملكة، ضمن أوراق اعتماده لدى الغرب. 

مصادر سعودية، مثل المغرد القريب من دوائر الحكم "مجتهد" وصحيفة "الغارديان" البريطانية، تحدثت في 15 ديسمبر/كانون الأول 2021 عن أن العاهل سلمان بن عبد العزيز "إما مريض وغائب عن الوعي أو يجرى تغييبه عمدا بواسطة نجله، تمهيدا لاعتلائه العرش رسميا".

غياب سلمان عن القمة الخليجية والحياة السياسية عموما وتواجده المستمر في مدينة "نيوم" الصحراوية منذ قرابة 500 يوم بعيدا عن القصر، يبدو جزءا من خطة ابن سلمان للاستعداد لتولي الحكم رسميا، بحسب صحيفة "بيزنيس إنسايدر".

منذ نشأة السعودية، وهي تستمد قوتها الناعمة وتأثيرها الخارجي من الحرمين المكي والمدني، لكن تحركاتها الحالية في ظل "الانفتاح" الذي يقوده ابن سلمان، تشير لبحثها عن قوة ناعمة جديدة.

وتسعى أن تستغني عن قوتها التقليدية في خدمة "الحرمين"، مقابل تشجيع السينما والترفيه، كقوى جديدة، تستهدف من ورائها بشكل أساسي إرضاء الغرب، و"تبييض صفحتها" الحقوقية على حساب مهرجان الأفلام ومسابقات أخرى، كما يقول نقاد.

على أبواب مهرجان البحر الأحمر تم كتابة لافتة "أمواج التغيير"، التي تشير ضمنا لحالة الانقلاب الحالية في القيم الثقافية للمملكة، في ظل انفتاح ولي العهد الذي يسعى للتحول من شرعية دينية لشرعية أخرى مدنية.

الحوار الذي أجراه ولي العهد السعودي مع قنوات محلية في 27 أبريل/نيسان 2021 كان واضحا أنه أعاد فيه صياغة علاقة المملكة بالدين، حين أكد أنها "ليست ملزمة بمدرسة فقهية معينة أو أشخاص مثل محمد بن عبد الوهاب".

أين الملك سلمان؟

مثلما اختفى الرئيس الإماراتي خليفة بن زايد منذ عام 2014، عقب إصابته بجلطة، ولم يظهر سوى في لقاءات عائلية عامي 2017 ثم 2018 ولم يعد يمارس صلاحياته في الحكم، اختفى العاهل السعودي سلمان منذ أغسطس/آب 2020.

وغادر سلمان (85 عاما) قصر الحكم في الرياض إلى معتكفه الصحراوي بمدينة نيوم في أغسطس/آب 2020 ولم يعد، وقيل إنه في حالة صحية سيئة، وتنتشر الشائعات بأنه "قد يعلن عن وفاته قريبا"، بينما ابنه "محمد" ينتظر وراثة العرش.

وبعد شهر من خضوعه لجراحة بسيطة في المرارة، في يوليو/تموز 2020، ذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) في 12 أغسطس/آب 2021 أن "الملك سلمان، وصل نيوم حيث سيقضي بعض الوقت للراحة والاستجمام"، ومنذ ذلك الوقت اختفى. 

مر قرابة 500 يوم متتالية على إقامة سلمان في قصره بمدينة نيوم شمال غرب المملكة، فيما تثار المخاوف بشأن صحته، حسبما قالت صحيفة "بيزنيس إنسايدر" في 7 ديسمبر/كانون الأول 2021.

وظلت الشائعات عن اعتلال صحته تطارده قبل السلطة وبعد توليها، وتقول "إنسايدر"، نقلا عن "العديد من الخبراء"، إن "(الملك سلمان) مصاب بأعراض ما قبل الخرف"، بينما تعد الحالة الحقيقية لصحته سرا يخضع لحراسة مشددة.

وعام 2015، حين تولى سلمان العرش، قالت صحيفة "واشنطن بوست" في 23 يناير/كانون الثاني 2015 إن "الملك يعاني الخرف (الزهايمر)".

لكن محامي الديوان الملكي السعودي أبلغوا الصحيفة أنه "بالتأكيد لا يعاني الخرف أو أي نوع آخر من الإعاقة العقلية".

ملك غير متوج

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عما سمته بـ"دبلوماسي غربي" في 17 ديسمبر/كانون الأول 2021 قوله إن "ابن سلمان يمنع حاليا أي ترتيب واتصال مع الديوان الملكي، ويشترط ألا يتم التواصل إلا مع مكتب ولي العهد".

وذكر أن استقبال الزعماء الأجانب وترؤس القمم الإقليمية، يقوم به ابن سلمان الذي تولى زمام القيادة من والده المسن، وأصبح "ملك السعودية غير المتوج".

غياب سلمان المثير للقلق، لأنه لم يظهر للعلن سوى مرة واحدة على مدار 20 شهرا منذ توليه، "يشير إلى أن ابنه يمسك بزمام السلطة فعليا"، بحسب صحيفة "الغارديان". 

واعتبرت الصحيفة البريطانية أن "الغياب المتكرر لسلمان يثير تساؤلات حول صحته، وكيف تحول إلى (ملك غائب) بالكاد يؤدي واجباته، ما يجعل ابنه يستغل هذه الذريعة لإبعاد والده عن العرش".

وأكدت أنه "سواء أكان سلمان، شبه منفي في نيوم، أم جالسا بمحض إرادته، أم أن وضعه خارج سيطرته، فقد أصبح بقاؤه على العرش موضع تكهنات داخل المملكة وخارجها، وخصوصا في دول الخليج".

والأرجح، بحسب الصحيفة، أن "الملك سلمان معطل عن العمل، وابنه يمهد الطريق لتتويج نفسه ملكا، بعد أن عزز سلطته بالقضاء على خصومه السياسيين داخل العائلة الحاكمة".

تلميع بالمهرجانات

تركيز المملكة على الترفيه والسياحة ومنتجعات "نيوم" و"أوكساجون" وغيرها، دون مشاريع صناعية حقيقية، دفع كثيرين للتساؤل عن هوية البلاد وإلى أين تتجه، وهل صار "الترفيه" بديلا عن "الحرمين"؟ وهل ما يجرى تلميع للملك القادم بالمهرجانات؟

صحف ومنظمات حقوقية دولية ترى أن ولي العهد يستهدف بهذه الفعاليات "تبييض" صورته والتغطية على سجله الحافل بالقمع والخروقات في مجال حقوق الإنسان.

"الغارديان" اعتبرت أن "هدف ولي العهد من المهرجان تبييض سجله السيئ في مجال حقوق الإنسان، وصرف الانتباه الدولي عن انتهاكاته داخل البلاد وخارجها، عبر بريق الأعمال الاستعراضية".

وأكدت في 11 ديسمبر/كانون الأول 2021 أن المملكة متهمة "باستخدام الفن لتبييض سجلها في مجال حقوق الإنسان"، باستضافتها سباق "الفورمولا 1" للمرة الأولى، ومهرجانا للسينما.

الباحث كريستيان كوتس، من "المركز العربي واشنطن" للأبحاث، يرى أن "ابن سلمان يحاول استعادة صورته التي انهارت واحترقت في موجة الاشمئزاز الدولي من دوره في مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018".

وأكد في مقال نشره المركز في 16 ديسمبر/كانون الأول 2021 أنه "يسعى للتخلص من وصمة العار هذه، بالمهرجانات والتحركات السياسية على المستوى الإقليمي، مثل جولته الخليجية الأخيرة (6ـ10 ديسمبر/كانون الأول 2021) التي يحاول الظهور فيها بصورة الملك الحاكم فعليا ورسميا".

ولم يقتصر الأمر على مهرجانات الرياض والفورمولا وسينما البحر الأحمر، والسعي لتحويل المملكة مقرا للسينما العالمية لتصوير الأفلام فيها، ولكن بدأت استعدادات فعلية لتنمية الحفلات الموسيقى كأحد مكونات رؤية 2030.

مجلة "فارايتي" الأميركية ذكرت في 15 ديسمبر/كانون الأول 2021 أن الحكومة السعودية تستضيف مؤتمر "XP Music"، ضمن سعيها لتصبح مركزا للموسيقى في المنطقة، وضمن محاولات ولي العهد "تلميع سجل المملكة السيئ في مجال حقوق الإنسان".

من جانبها، قالت وزيرة السياحة السعودية، هيفاء بنت محمد آل سعود، إن المملكة تخطط لاستضافة 600 حدث موسيقي عام 2022 بدعوى تحفيز السياحة.

بالتزامن مع مهرجان جدة للسينما، انتشرت في المملكة مصطلحات مثل "السعودية الجديدة" و"الانفتاح"، ويوصف ما يجرى بأنه "صفحة جديدة في تاريخ المملكة".

اقتران هذه المصطلحات بأحداث وفعاليات ترفيهية ومظاهر انحلالية فقط، ومواكبتها قمع للعلماء، جعل السعوديين "مصدومين" من هذا التحول الذي لا يرتبط بأي تقدم في معيشتهم، وإنما دغدغة مشاعر المرفهين منهم.