انفصاليو المغرب يؤسسون "حركة تحرير".. ما تأثيرها على مستقبل الصحراء؟
.jpg)
يعيش ملف الصحراء بالمغرب على إيقاع التوتر المستمر، بسبب الخلاف بين الرباط وجبهة البوليساريو المدعومة من طرف الجارة الشرقية الجزائر، والتي تفتح أبوابها دائما لمؤتمراتها ولقاءاتها.
التوتر هذه المرة جاء من داخل الأراضي المغربية، عندما قرر ما تطلق عليهم الرباط "انفصاليو الداخل" تأسيس حركة سياسية باسم "الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي"، تقودها الناشطة البارزة أمينتو حيدر.
لم تمنع السلطات العمومية في مدينة العيون المغربية الجمع العام التأسيسي، الذي انعقد في 20 سبتمبر/ أيلول 2020، لكن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالمدينة، أمر في 29 من نفس الشهر، بفتح بحث قضائي بشأن انعقاد المؤتمر.
في 28 من سبتمبر/ أيلول 2020، أكد المغرب على لسان رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، في خطابه السنوي في الدورة 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أن المغرب بقدر ما يلتزم مبادئ الأمم المتحدة، فإنه "لن يقبل استفزازات الجبهة"، مشددا على أن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد لحل الأزمة.
وفيما رأى مراقبون أن المغرب تأخر في الإجراءات القانونية، أكد محللون أن الرباط كانت لها حسابات سياسية قبل تحريك دعوى قضائية ضد الحركة السياسية الجديدة.
"الشعب الصحراوي"
أعلنت الهيئة في جمعها التأسيسي ولاءها لجبهة البوليساريو، واعتبرها "الممثل الشرعي الوحيد" لـ"الشعب الصحراوي"، وقالت أمينتو حيدر: إنها "تطمح إلى النضال من أجل استقلال وحرية الشعب الصحراوي وهو أساس وروح جميع حقوقه التي تعترف بها الشرعية الدولية".
رفضت حيدر حلول المغرب، واعتبرت أنها "لا تتضمن حق تقرير المصير للشعب الصحراوي"، ووصفتها بـ"المشبوهة".
من جهته أوضح العثماني، أمام زعماء العالم، أن "المغرب ملتزم بإيجاد حل نهائي للخلاف الإقليمي حول الصحراء المغربية في إطار وحدته الترابية وسيادته الوطنية".
وتابع: "موقف المغرب لا يشوبه أي غموض، فلا يمكن أن ينجح البحث عن حل سياسي نهائي إلا إذا كان يندرج في إطار المعايير الأساسية الأربعة".
شرح العثماني المعايير الأربعة قائلا: "أولا، السيادة الكاملة للمغرب على صحرائه، ومبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا نهائيا لهذا النزاع المفتعل، ثانيا، المشاركة الكاملة لجميع الأطراف في البحث عن حل نهائي لهذا النزاع".
المعيار الثالث، الذي جاء في خطاب رئيس الحكومة، هو "الاحترام التام للمعايير والمبادئ التي كرسها مجلس الأمن في جميع قراراته منذ سنة 2007، والمتمثلة في أن الحل لا يمكن إلا أن يكون سياسيا وواقعيا وعمليا ودائما ومبنيا على أساس التوافق".
ثم رابعا، "رفض أي اقتراح متجاوز والذي أكد الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن منذ أكثر من 20 سنة بطلانه وعدم قابليته للتطبيق، والهادف إلى إخراج المسلسل السياسي الحالي عن المعايير المرجعية التي حددها مجلس الأمن".
خطاب العثماني فتح الباب أمام حرب الردود بين الطرفين، إذ هاجمت جبهة "البوليساريو" رئيس الحكومة، بعدما تحدث عن قلق المغرب تجاه وضعية المحتجزبن في تندوف، وأكد موقف البلاد من النزاع في الصحراء.
خرجت الجبهة في بيان لها، في 28 سبتمبر/أيلول 2020، تتهم فيه العثماني بـ"تضليل المجتمع الدولي، والتغليط، وتحريف الحقائق".
في 29 من الشهر نفسه أمر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالعيون بفتح بحث قضائي في انعقاد المؤتمر التأسيسي لـ"الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي"، الذي نظمته الانفصالية أمينتو حيدر بمدينة العيون.
وجاء في بيان الوكيل العام أنه "بالنظر لما يشكله العمل المذكور من مساس بالوحدة الترابية للمملكة، وما تضمنه من دعوات تحريضية صريحة على ارتكاب أفعال مخالفة للقانون الجنائي، فقد أمرت النيابة العامة بفتح بحث قضائي في الموضوع".
وتابع: "سيترتب عن البحث اتخاذ الإجراءات القانونية الملائمة لحماية النظام العام وترتيب الجزاء القانوني على المساس بالوحدة الترابية للمملكة، بما يحقق الردع العام والخاص لضمان حماية المقدسات الوطنية".
استفزاز متعمد
صحيفة "أخبار اليوم" المغربية، نقلت عن مصدر مطلع (لم تذكر اسمه ولا منصبه) قوله: "تأسيس الهيئة الجديدة تحول كبير وجديد. إننا اليوم في مرحلة إذا لم يكن المغاربة في المستوى قد يقعون في انزلاقات".
وذهب مراقبون إلى أن تأسيس الهيئة، هو محاولة من جبهة البوليساريو للعودة إلى الواجهة بعدما خفت زخمها الإعلامي في أميركا اللاتينية وإسبانيا، وبعدما أصبحت مهمشة في سياق إقليمي ودولي له أولويات طارئة مثل مواجهة فيروس كورونا والإرهاب.
وفي حوار له مع صحيفة "ألدياريو" الإسبانية في مايو/ أيار 2018، قال خورخي ديثكايار، مدير مركز الاستخبارات الإسبانية، والسفير الإسباني السابق في كل من الرباط وواشنطن وروما: "بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، أي دولة صغيرة قبالة جزر الكناري، يقطنها عدد قليل من السكان، هناك احتمالات كبيرة في أن تصبح دولة فاشلة، أو على الأقل، ستكون دولة مخترقة من قبل قوى أجنبية".
وتابع: "في اعتقادي، لهذا السبب تطور موقف فرنسا وأميركا، وفي الأخير إسبانيا، إلى الدفاع عن حل توافقي بين الطرفين يمنح للصحراويين نوعا من الحكم الذاتي لتدبير شؤونهم، لكن دون أن يتحولوا إلى فريسة سهلة للآخرين".
مطلع سبتمبر/ أيلول 2020، أصدرت جبهة البوليساريو بيانا، أعربت فيه عن موقفها "الرافض لاستمرار وجود ثغرة الكركرات غير القانونية التي تمثل خرقا متواصلا لوقف إطلاق النار ولبنود الاتفاق العسكري رقم 1 ولروح خطة التسوية".
والكركرات منطقة جغرافية صغيرة في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، تقع على بعد 11 كم من الحدود مع موريتانيا وعلى بعد 5 كم من المحيط الأطلسي، وتقع القرية تحت سيطرة المغرب.
وطالب البيان مجلس الأمن بـ"إجبار المغرب على الغلق الفوري لهذه الثغرة غير القانونية التي تبقى مصدر توتر دائم في المنطقة قد يقود إلى ما لا يحمد عقباه".
ردا على البيان اعتبرت الرباط أن الهيئة تحاول استفزاز المغرب من خلال تحريك، بعض النشطاء التابعين لها من أجل إغلاق معبر الكركرات الحدودي الواقع في أقصى جنوب الصحراء.
أزمة الكركرات
في تقرير بعنوان "الصحراء الغربية تستنكر تهديدات المغرب" نشر في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، تبنت صحيفة "الخبر" المقربة من السلطة السابقة للجبهة، طرح البوليساريو.
وأفادت الصحيفة أن الجبهة "طالبت المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لحماية الشعب الصحراوي من الممارسات القمعية الترهيبية والخطيرة، والهادفة إلى إسكات مطالبه العادلة والمشروعة في تمكينه من حقه في تقرير المصير والاستقلال".
التقرير حمل المغرب"المسؤولية الكاملة عن كل ما أصاب المواطنين عامة في الأراضي الصحراوية، جراء هذه الممارسات القمعية الترهيبية، بما في ذلك التأليب الشوفيني الخطير والتهديد المباشر والمبطن من السلطات".
رأى مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، أن المغرب يستوعب سياق توجيه جبهة البوليساريو لانفصاليي الداخل قصد جره إلى مواجهة، عبر التطاول على قدسية الإجماع الوطني حول ملف الوحدة الترابية.
وأوضح في حوار مع موقع "اليوم 24" أن "سياق هذا التخطيط تزامن مع تحريض جبهة البوليساريو لمحسوبين عليها لقطع الطريق التجاري الدولي في معبر الكركرات، فإن الجبهة استبقت هذا التخطيط برسالة تحذيرية بعثتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة تهيؤه فيها بأن المغرب سيقوم بحملة تصعيد للتخلي عن المسار الأممي في ملف نزاع الصحراء".
لهذه الحيثيات وسياق شروع مجلس الأمن الدولي مناقشة ملف نزاع الصحراء في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، جرى إرجاء تحرك النيابة العامة عن فتح تحقيق حيال المس والتحريض على النظام العام والمس بقدسية الوحدة الترابية للمملكة.
من جهتها ذكّرت تقارير صحفية مغربية أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش طالب في وقت سابق، انفصاليي البوليساريو بعدم عرقلة حركة السير المدنية والتجارة المنتظمة بالمنطقة العازلة للكركرات، وذلك في رد فعل على استفزازات الجبهة بالمنطقة.
وقال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، في تصريح صحفي: إن منظمة الأمم المتحدة "على علم بدعوات القيام بتظاهرات جديدة بالكركرات بهدف عرقلة حركة السير المدنية والتجارية".
وأكد فرحان حق على ضرورة عدم عرقلة حركة السير المدنية والتجارة المنتظمة، والامتناع عن أي إجراء قد يشكل تغييرا في الوضع القائم في المنطقة العازلة بالكركرات.
مقاربة سياسية
اعتبر أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة محمد الأول بوجدة (شرق المغرب)، خالد الشيات، أنه من الطبيعي أن يكون للهيئة الجديدة تأثير، لكن السؤال، ما هو حجم هذا التأثير.
وتابع الشيات في حديث له مع الاستقلال: "نحن في حالة صراع من البوليساريو والجزائر منذ عقود، وأعتقد أن الأمر يعكس أكثر في هذه المرحلة، نوعا من استرجاع المكانة التي قد حظيت بها في الماضي جبهة البوليساريو في مجموعة من المناطق".
ورأى الخبير أن إعادة تأجيج الخلاف وإعادة تركيب المعطيات من جديد بعد التراجع الدبلوماسي الجزائري الكبير، الخطة تتضمن جوانب داخلية وأخرى إقليمية وأخرى دولية.
أفاد الشيات أن الهيئة مرصود لها ميزانية من جيوب دافعي الضرائب الجزائريين، وهي موجهة نحو الدعاية وتعزيز مكانة البوليساريو في مجموعة من المنظمات الدولية سواء كانت حكومية أو غير حكومية، واستعادة بعض البريق في إفريقيا بعد السياسة الناجحة للمغرب فيها.
رأى دكتور العلاقات الدولية، أيضا في تأسيس الهيئة محاولة التأثير على المجتمع المدني والأوروبي، وخاصة بعض المؤسسات لاستعادة المكانة بعد التراجع الذي حدث، خاصة على مستوى العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي في المجالات الاقتصادية.
وأضاف المتحدث: أن "التأسيس يعكس محاولة البوليساريو والجزائر التأثير، فيما كان أمام المغرب مقاربتان، الأولى قانونية وقضائية، والثانية سياسية".
ورجح الخبير أن تكون الرباط قد تأخرت في تحريك الدعوى القضائية، لاعتبارات مسطرية (قانونية) في فتح متابعات ضد الأطراف وهي مسألة شرعية لا غبار عليها، تدخل في نسق استقلالية السلطة القضائية بالمغرب وتميزها عن باقي السلطات الأخرى، كما هو محدد في دستور 2011.
وقال أستاذ القانون الدولي: "لكن هناك شق سياسي، كنت أحبذ أن تبقى هذه المسألة ذات صبغة قانونية حتى لا نكون سلبيين تجاه الصيغة القانونية، لكن فتح متابعات قد يكون له تأثير قليل جدا على القضية خاصة أنني أعتقد أن بقاء الانفصال داخل الحدود المغربية أفضل له من أن ينتقل إلى هناك".
وختم بالقول: "وإن كانت نية البوليساريو وداعميه داخل المغرب نية سيئة ومبيتة، وهي نية أشخاص باعوا ضمائرهم لعدو خارجي، وهذا أمر مستفز، لكن يجب أن تكون هناك مقاربة سياسية أكثر منها قانونية".
المصادر
- الصحراء الغربية تستنكر تهديدات المغرب
- أمينتو حيدر تُهاجم المغاربة عبر الجزائر .. والبوليساريو تلوح بالحرب
- ما يحدث بمدينة العيون تخبط مغربي وممارسة مفضوحة للسياسة الاستعمارية
- الحكومة الصحراوية تؤكد من جديد موقفها الرافض لاستمرار وجود ثغرة الكركرات غير القانونية
- النيابة العامة بالعيون تحقق في تأسيس أميناتو حيدر لـ"هيئة" مناهضة للمغرب
- انفصاليو “البوليساريو” يهاجمون العثماني بسبب خطابه عن الصحراء أمام الأمم المتحدة
- رغم استفزازاتها.. “البوليساريو” في مأزق
- الهيئة الصحراوية.. الفاتحي: تأخر الإجراءات القانونية يؤكد وجود حسابات سياسية