"حوار إستراتيجي".. ما هدف واشنطن من إعادة رسم العلاقة مع بغداد؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تستعد الولايات المتحدة والعراق إلى عقد حوار مشترك منتصف يونيو/ حزيران 2020، لتنظيم العلاقات بين البلدين من خلال بحث جميع القضايا الإستراتيجية السياسية والاقتصادية والثقافية، والأهم من ذلك كله مستقبل الوجود العسكري الأميركي في البلاد.

الحوار الإستراتيجي، طرحته واشنطن بشكل رسمي على بغداد عن طريق سفيرها ماثيو تولر خلال لقائه برئيس الحكومة الحالي عادل عبدالمهدي، في 5 أبريل/ نيسان 2020، ثم أكده وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بعد 3 أيام، وأشار إلى أن الحوار سيحدد مستقبل وجود قوات بلاده العسكري بالعراق.

على الصعيد الرسمي رحبت العراق بالمبادرة الأميركية، وقال وزير الخارجية محمد علي الحكيم: "المفاوضات التي اقترحتها واشنطن مبنية على المفاهيم المطروحة في الإطار الإستراتيجي وإجراء مراجعة شاملة حول مستقبل العلاقات في المجالات الاقتصادية والثقافية والتبادل التجاري والأمني ثنائيا وإقليميا. نرحب بهذه المبادرة وسوف نحدد موعدا مناسبا".

ولعل التساؤلات الأبرز بعد طرح المبادرة الأميركية، تتلخص في الأسباب التي دفعت واشنطن إلى طلب الجلوس مع بغداد لإعادة ترتيب العلاقة بين البلدين، وما هو المتوقع أن يتوصل إليه الجانبان في المحادثات التي ستبحث في جوانب عدة، ولا سيما الوجود العسكري الأميركي بالعراق.

"البقاء بالعراق"

رأى نواب عراقيون أن الأسباب الحقيقية وراء العرض الأميركي، هي محاولتها إعادة رسم العلاقة مع العراق من جديد، عن طريق تفعيل أو تعديل "اتفاقية الإطار الإستراتيجي" التي وقعها الطرفان عام 2008.

وقال النائب في البرلمان أحمد الحاج رشيد في حديث لـ"الاستقلال": "الولايات المتحدة تريد البقاء في المنطقة، وأن يجري التعامل مع العراق بشكل جديد، وهذا ما دفعها إلى طرح موضوع الحوار".

ولفت إلى أن "واشنطن لا تريد أن تسير في خطوات تؤذي العراقيين، وأنها تنتظر من رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي مواقف تجاه إيران ورأي واضح تجاه فصائل الحشد الشعبي".

وفي المقابل، نوه النائب إلى أن "الطرف الآخر وهم الإيرانيون ينتظرون من الكاظمي توطيد العلاقات معهم وإعطاء مزيد من الدور للحشد الشعبي لممارسة مهامه" وتساءل: "هل يستطيع الكاظمي اختيار كلا الجمرتين".

أما النائب حسن فدعم، فرأى في تصريحات صحفية، أن الحوار مع الولايات المتحدة الأميركية سيشمل العديد من الملفات. وأضاف: أن "وجود القوات الأجنبية قد يستفز إيران وبعض الفصائل في الداخل العراقي، في حين أن الحوار سيشمل العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياسية".

وشدد على ضرورة بناء العراق دون وجود قوات أجنبية وسيادة كاملة، خاصة أن الاستثناء الذي حدث كان بسبب تنظيم الدولة، إلا أنه وبعد الهجمات الأخيرة التي استهدفت قادة الحشد الشعبي، وقرار البرلمان بات من الضروري تنظيم العلاقة مع الولايات المتحدة كباقي دول العالم، القائمة على السيادة.

ويرى مراقبون أن تحديد الولايات المتحدة منتصف يونيو/ حزيران 2020، لإجراء الحوار الإستراتيجي مع بغداد، هدفه إعطاء مهلة لرئيس الحكومة الجديد الذي يعقب المستقيل عبدالمهدي، وطبيعة توجهاته السياسية، وتحديدا من الصراع الدائر بين واشنطن وطهران.

وذلك تفسيرا لما تحدث به بومبيو خلال مؤتمر صحفي بواشنطن في 8 أبريل/ نيسان 2020، إن "الولايات المتحدة ترغب في رؤية قائد عراقي ينفذ الإصلاحات ويحرر البلد من سيطرة الفساد والنظام الطائفي، ويمثل العراقيين الذين كانوا يتظاهرون للمطالبة بالإصلاحات".

منتصف يونيو/حزيران 2020، أعلن بومبيو، في تصريحاته أن بلاده اقترحت إجراء حوار مع الحكومة العراقية، لبحث القضايا الإستراتيجية، ومنها مستقبل الوجود العسكري الأميركي في العراق.

وتأتي تصريحات وزير الخارجية الأميركي على وقع عمليات انسحاب القوات الأميركية من قواعد عدة في العراق، والتي بررتها واشنطن بأنها إعادة انتشار لقواتها وغيرها من قوات التحالف الدولي، وأنها توجد بالعراق لـ"حماية السيادة"، بحسب بومبيو.

"تغيّر الظروف"

لكن سياسيين أكدوا أن تغير الظروف في العراق دفع الولايات المتحدة إلى الرغبة في إعادة ترتيب العلاقة بينها وبين بغداد، وعلى رأسها الحد من النفوذ الإيراني، الذي تحاربه واشنطن في بلدان المنطقة.

وقال السياسي العراقي عبدالكريم عبطان لـ"الاستقلال": "بغداد وواشنطن أبرما في السابق اتفاقية الإطار الإستراتيجي، ولا يملك الطرفان أن يتنصلا من التزاماتهما تجاه الطرف الآخر إلا بطلب، وربما لا يحصل ذلك".

وأعرب عبطان عن اعتقاده بأن "ما دفع واشنطن للطلب من بغداد عقد حوار إستراتيجي، هو تغير الظروف الحالية، والتدخل الإيراني في العراق، وعملية سياسية يرفضها الشارع في احتجاجات شعبية مستمرة، توقفت حاليا بسبب كورونا".

وحسب النائب السابق، فإن "واشنطن تريد أن تضع الخطوط العريضة مع الحكومة العراقية، للحد من النفوذ الإيراني بالشأن العراقي، وتطبيق الاتفاقيات الإستراتيجية التي أبرمت مع العراق سياسية واقتصادية وغيرها، ولا أعتقد أنها تسحب قواتها من البلد".

ورأى عبطان أن "من مصلحة العراق أن تبقى القوات الأميركية فيه، لأن البلد لا يزال في وضع هش، وأجواء غير مسيطر عليها، والحدود منفلتة ومفتوحة، وتهريب لثروات البلد، ولا سيما النفط وغيره، لذلك يجب النأي عن الصراع الأميركي الإيراني والتفكير بمصلحة العراق".

من جهته، قال المحلل السياسي عدنان السراج في تصريحات صحفية: "العرض الأميركي يحمل في طياته العديد من علامات الاستفهام حول مسألة الوجود الأميركي بالعراق".

وأوضح أن "واشنطن تريد أن تقود حوارات من نقطة ضعف الطرف الآخر، لأن قواتها موجودة على أرض العراق، ووزيرها يدلي بتصريحات حول شكل الدولة وطبيعة النظام ومن يكون رئيسا للوزراء، إضافة إلى تصنيف القوى السياسية وفق حساباتها".

ونوّه إلى أن الولايات المتحدة تحاول بالفعل إعادة تفعيل اتفاقية الإطار الإستراتيجي التي تشمل 7 محاور، وإعادة التفعيل مقرون بترتيب الأولويات، والدخول بحوارات إستراتيجية مع بغداد.

وأشار السراج إلى أن "اتفاقية الإطار كتبت بعد خروج القوات الأميركية عام 2008، وأن إعادة تفعيلها يجب أن يكون بإعادة صياغة سياسة الولايات المتحدة بالعراق، لكني أعتقد أنها مناورة أميركية لا تصب في حوارات حقيقية".

"رفض مليشياوي"

ورغم الترحيب الرسمي العراقي، بمبادرة الحوار بين واشنطن وبغداد ورسم العلاقة بين الجانبين، إلا أن مليشيات مسلحة موالية لإيران في العراق، رفضت أي حوارات من هذا النوع ووصفتها بأنها "سخيفة، ومحالة أميركية للسيطرة على القرار السياسي للبلد".

وأعلن المتحدث باسم "كتائب سيد الشهداء" كاظم الفرطوسي، في 13 أبريل/ نيسان 2020، أن "الحديث عن وجود اتفاق أميركي مع المسؤولين العراقيين عن خروج قواتهم من العراق بعد عامين من الآن، لم يتضح بعد".

وأشار إلى أن "الخروج الأميركي أصبح ملزما بعد قرار البرلمان إخراج القوات الأجنبية، وسبق أن عبر الشارع العراقي عن إرادته بهذا الخصوص وكذلك فصائل المقاومة، وبالتالي لا خيار أمام واشنطن إلا الخروج من العراق في أقرب وقت".

ووصف الفرطوسي في تصريحات صحفية "الحوار الإستراتيجي الذي تسعى له واشنطن مع العراق أنه سخيف ولا معنى له"، متسائلا: "نتحاور مع من ولماذا، وموازين القوى غير متكافئة؟".

وقبل ذلك، كشف عضو المكتب السياسي لمليشيا "النجباء" حيدر اللامي، عن وجود نية لإعادة تفعيل "الاتفاقية الإستراتيجية" بين العراق والولايات المتحدة، عبر المفاوضات الجديدة المزمع إجراؤها بين البلدين.

وقال اللامي خلال تصريحات صحفية في 7 أبريل/ نيسان 2020: "الاتفاقية الإستراتيجية بين العراق وأميركا، خُرقت من الطرف الأميركي لأكثر من مرة، لا سيما بعد دخول تنظيم الدولة وطلب العراق المساعدة من واشنطن بشكل رسمي".ونوه إلى "وجود نية لإعادة تفعيل الاتفاقية الإستراتيجية، وهذه الاتفاقية مرفوضة جملة وتفصيلا، لأنها خرق لسيادة العراق من الجانب الاقتصادي، وسيطرة للجانب الأميركي على القرار السياسي، وهذا ما نلاحظه بحسب تصرفات واشنطن".

"بنود الإطار"

ومرورا على "اتفاقية الإطار الإستراتيجي" التي كثرت تصريحات السياسيين النواب عنها، فإن العراق وأميركا وقّعا في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 اتفاقية الإطار الإستراتيجي للدفاع المشترك، وتعزيز الأمن والاستقرار في العراق.

وفي القسم الثالث نصت الاتفاقية، على أنها "جاءت لردع جميع التهديدات الموجهة ضد سيادة العراق وأمنه وسلامة أراضيه، من خلال تنمية الترتيبات الدفاعية والأمنية". كما ألزمت الاتفاقية الطرفين بالتعاون في مجالي الأمن والدفاع، بشكل يحفظ للعراق سيادته على أرضه ومياهه وأجوائه.

ووفقا للاتفاقية، فإن "الطرفين يواصلان العمل على تنمية علاقات التعاون الوثيق بينهما فيما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية، من دون الإجحاف بسيادة العراق على أراضيه ومياهه وأجوائه".

كما نصّت: "يتم هذا التعاون في مجالي الأمن والدفاع وفقا للاتفاق بين الولايات المتحدة وجمهورية العراق بشأن انسحاب قوات الولايات المتحدة من العراق وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت فيه".

وتحدد الاتفاقية بموجب القسم الحادي عشر منها وتحت عنوان "أحكام ختامية" آليات تعديل أو إلغاء الاتفاقية. ونصّت أيضا: "تظل هذه الاتفاقية سارية المفعول ما لم يقدّم أي من الطرفين إخطارا خطيا للطرف الآخر بنيته على إنهاء العمل بهذه الاتفاقية".

ووفقا للنص المنشور على موقع الأمانة العامة لمجلس الوزراء، فإنه "يسري مفعول الإنهاء بعد عام واحد من تاريخ مثل هذا الإخطار". وأشارت إلى أنه "يجوز تعديل هذه الاتفاقية بموافقة الطرفين خطيا ووفق الإجراءات الدستورية النافذة في البلدين".