فيكتور هوغو.. أديب فرنسي أيد الثورة وأخرج إبداعاته في العزلة

باريس - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"البؤساء"، "أحدب نوتردام" و"عمال البحر"، كلها عناوين لأبرز أدباء القرن 19، فيكتور هوغو، والتي تناولت قضايا سياسية واجتماعية في عصره وترجم لأكثر من لغة. 

صاحب مقولة "عندما يصير الطغيان واقعا، تصبح الثورة حقا مشروعا" بدأ ثورته من داخل الأسرة عندما تمرد على آراء والدته المؤيدة للملكية عقب ثورة 1848 الفرنسية وصار من مؤيدي الجمهورية.

ولد فيكتور ماري هوغو لعائلة مسيحية كاثوليكية، بمدينة بيزانسون في فرنسا، يوم 26 فبراير/ شباط 1802، كان الابن الثالث والأصغر. عمل والده ضابطا عسكريا، ثم أصبح جنرالا تحت قيادة نابليون وكان يعتبره مثلا أعلى.

بينما كانت والدته صوفي كاثوليكية مُتدينة، ومن مؤيدي النظام الملكي، إلى أن أدى اختلاف وجهات النظر السياسية بينهما إلى المفارقة والخصام.

مارس مهنة المحاماة قبل توجهه إلى الأدب، ورغم دراسته للحقوق وتدريبه على العمل في المجال، اختار الأدب مهنة له، فأصبح أحد أبرز الشعراء والروائيين والكتاب المسرحيين الفرنسيين.

الأديب الثائر

ألّف هوغو أهم أعماله الأدبية التي كانت سببا في شهرته الواسعة خلال وجوده في عزلة تامة اختيارية استمرت لعقدين كاملين في ساحل النورماندي. 

وهو ما قال عنه هوجو: إن "أعظم أعمال الإنسان تظهر في الصراعات الصغيرة، الحياة، البلاء، العزلة، الهجر، الفقر، كلها ميادين معارك لها أبطالها، وهم أبطال مغمورون، لكنهم في بعض الأحيان يكونون أعظم من الأبطال المشاهير".

عام 1851 شن لويس نابليون انقلابا سياسيا على خاله نابليون بونابرت، خرج هوغو وقتها إلى الشوارع مطالبا بالهجوم على بونابرت، وعندما لم تنجح الثورة هرب الأديب إلى بلجيكا، ثم إلى جزر القنال البريطانية ومنها إلى ساحل النورماندي.

سخر قلمه طيلة فترة عزلته لانتقاد سياسة لويس نابليون بعدما دعمه في البداية، ما جعل كتاباته تحظر في فرنسا.

دخلت رواية "البؤساء"، التي لا زالت مرجعا يؤرخ لتلك الحقبة، إلى لائحة الأعمال المحظورة التي تصدرها الكنيسة الكاثوليكية، بعد أن كانت ضمن اللائحة رواية "أساطير السيسل" ومجموعة من المقالات سميت "الهجائيات" التي كانت تشحذ همم الثوار.

تحول هوغو إلى أيقونة ترمز للمثل الجمهورية بعد انهيار الملكية وبعد أن غزت الحروب شوارع فرنسا.

اشتهر الأديب في فرنسا باعتباره شاعرا في المقام الأول ثم روائيا، ألّف العديد من الدواوين، أشهرها ديوان "تأملات" وديوان" أسطورة العصور".

أما خارج فرنسا، فهو مشهور لكونه كاتبا وروائيا أكثر من كونه شاعرا، كما اشتهر في حقبته بكونه ناشطا اجتماعيا إذ كان يدعو لإلغاء حكم الإعدام في كتابه الشهير "اليوم الأخير في حياة محكوم بالإعدام".

ثمار العزلة

وهو في العزلة، كتب هوغو جزءا كبيرا من روايته "البؤساء" أشهر روايات القرن التاسع عشر، ويؤرخ فيها للظلم الاجتماعي بفرنسا في الفترة بين سقوط نابليون عام 1815 والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب عام 1832.

في المقدمة كتب: "تخلق العادات والقوانين في فرنسا ظرفا اجتماعيا هو نوع من جحيم بشري. فطالما توجد لا مبالاة وفقر على الأرض، كتب كهذا الكتاب ستكون ضرورية دائما".

تصف البؤساء حياة عدد من الشخصيات الفرنسية طول القرن التاسع عشر الذي عرف حروب نابليون، مركزة على شخصية السجين السابق جان فالجان ومعاناته بعد خروجه من السجن.

تعرض الرواية طبيعة الخير والشر والقانون في قصة أخاذة تظهر فيها معالم باريس، الأخلاق، الفلسفة، القانون، العدالة، الدين وطبيعة الرومانسية والحب العائلي.

تأثر فيكتور هوغو بشخصية المجرم/الشرطي فرانسوا فيدوك، لكنه قسم تلك الشخصية في روايته إلى شخصيتين.

رواية البؤساء ظهرت على المسرح والتليفزيون حاملة نفس الاسم، وأيضا تحولت إلى فيلم سينمائي عام 2012، حقق مبيعات مذهلة وحصل على عدة جوائز.

تدور أحداث الرواية عن الحياة الاجتماعية البائسة التي عاشها الفرنسيون بعد سقوط نابليون عام 1815، والثورة التي حكم عليها بالفشل ضد الملك لويس فيليب عام 1832، حيث يصور الكاتب المعاناة التي عاشها الفرنسيون من خلال شخصية جان فالجان الذي عانى مرارة السجن وعانى أيضا بعد خروجه منه.

"شكسبير الرواية"

لم يؤثر هوغو في السياسة فقط، بل في الحب أيضا، ارتبط ضد رغبة والدته بأديل فوشير، حبيبته منذ الطفولة وتزوجا لاحقا بعد وفاة والدته، ورزقا بطفلهما الأول عام 1823، لكنه لم يعش ثم رزقا لاحقا بليوبولدين ثم تشارلز، وفرانسوا فيكتور وأخيرا أديل.

توفيت ليوبولدين في سن 19 عاما بعد وقت قصير من زواجها، غرقا في نهر السين وتوفي زوجها محاولا إنقاذها، بعدها فقد هوغو زوجته ثم اثنين من أبنائه.

اتسمت أعماله إثر ذلك بالكآبة، وركزت على مفاهيم الألوهية والشيطان والموت. وفي عام 1878، أُصيب بالاحتقان الدماغي (عبارة عن انتفاخ جزء من الدماغ أو كله، بسبب تراكم سوائل في التجويف داخل الخلايا، وبالأساس في التجويف خارج الخلايا).

وفي 1831 أبدع هوغو في الأدب الرومانسي عبر رواية "أحدب نوتردام" التي دارت أحداثها في العصور الوسطى، وتُوَجِّه انتقادات قاسية للمجتمع الذي يهين وينبذ الأحدب "كوازيمودو". واعتبرت الرواية أحد أشهر أعمال الأديب، ووُصف هوغو بعد صدور الرواية بـ "شكسبير الرواية".

وقع الأحدب في حب شابة جميلة محاولا التضحية بحياته عده مرات من أجلها، وبدا أنه حب رجل لامرأة وارتفع الكاتب بمستواه بالقدرة على التصوير، لكن الواقع أن الأحدب بعاهته والنكران والقمع الذين عانى منهما، وقع في حب دفء الجمال الإنساني المحروم منه، جمال ظهر أمامه في صورة امرأة، عطفت عليه ولم تسخر من عاهته أو تشويه جسده، وليس مجرد حب رجل لامرأة.

لقد ظل أحدب نوتردام قابعا خلف جدران الكاتدرائية، منعزلا عن العالم، عاجزا عن أي اتصال خارجي، كرمز لعاهة تبعده عن العالم، وكاتهام لمجتمع يعزل العاهة ويخفيها ويحتقر الضعيف وينهش المحرومين.

تحول الأحدب إلى منعدم وعاجز حتى تأتي الشرارة التي أنارت ما بداخله المتمثلة في الجمال الإنساني (المرأة) فيحدث التغيير ويمتلك القدرة على تغيير مجرى الأحداث.

الرواية وما سبقها من أعمال رشحت هوغو ليصبح أحد أبرز الشخصيات الأدبية في فرنسا عام 1840، عندما انتخب في العام الموالي عضوا بالأكاديمية الفرنسية الأدبية ورشح لمجلس النبلاء عام 1845.

توفي فيكتور هوغو في باريس في 22 مايو/ أيار 1885، وشيعت جنازته بحضور الملايين قبل أن يوضع جثمانه أسفل قوس النصر لفترة، ثم يدفع في مقبرة العظماء "بانتيون".