"جراح قديمة".. كيف ينظر الشارع الإيراني إلى مشهد الحرب مع إسرائيل؟

الهجمات العسكرية الإسرائيلية أحدثت صدمة كبيرة في الساحة الداخلية الإيرانية
لم تقتصر الهجمات الإسرائيلية المستمرة على إيران منذ 13 يونيو/حزيران 2025 على البعد العسكري فحسب، بل تجاوزته لتلامس قضايا الأمن القومي والسيادة والهوية الوطنية، وتعيد إلى السطح جراحا قديمة من قبيل الحرب الإيرانية العراقية.
إلى جانب ذلك، فتحت الحرب الباب أمام تساؤلات واسعة حول أداء الدولة الإيرانية، وقدرتها على حماية مواطنيها ومنشآتها الحيوية، وفق ما يقول المركز الإيراني للدراسات "إيرام".
وأوضح المركز الذي يتخذ من أنقرة مقرا له أن الهجمات العسكرية الإسرائيلية أحدثت صدمة كبيرة في الساحة الداخلية الإيرانية، وأثارت تداعيات عميقة على الصعيدين الشعبي والسياسي.
فقد استيقظ الإيرانيون في 13 يونيو على أصوات انفجارات قوية نالت عدة مدن بشكل متزامن، ما ولّد حالة من الذهول والغضب.
وفي البداية، ساد الاعتقاد بأن الهجوم استهدف منشآت عسكرية فقط، لكن مع انكشاف الأضرار اللاحقة بالمناطق المدنية بدأ الغضب يتزايد، وتبدلت الرواية الرسمية في أذهان المواطنين، وفق الكاتب التركي "رحيم فرزام".

صدمة الشارع الإيراني
بالإضافة إلى ذلك، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا مركزيا في نشر المعلومات؛ حيث نقل بعض المؤثرين شهاداتهم من قلب المدن المتضررة، مما أسهم في تعميق حالة القلق الشعبي.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فور انتهاء الضربات أن هدفه هو "إنقاذ الشعب الإيراني من النظام الديكتاتوري"، مدعيا أن غايته تتقاطع مع تطلعات الإيرانيين.
غير أن المشهد الداخلي الإيراني جاء مخالفا لتلك الرواية؛ حيث أدرك الإيرانيون على نطاق واسع أنّ الهجوم هو اعتداءٌ خارجي خطير، وليس مبادرة لتحفيز تغيير داخلي.
بل إن القصف، خصوصا استهداف العلماء النوويين، قد فُهم كمحاولة مقصودة لتقويض التقدم التكنولوجي الإيراني وضرب النخبة العلمية في البلاد، وهو الأمر الذي أثار استياء واسعا, وفق الكاتب.
وفي مساء اليوم ذاته ردّت إيران بهجوم صاروخي استهدف مواقع داخل إسرائيل، ما خفّف من حدة التوتر قليلا وولّد موجة من الارتياح داخل البلاد.
وعلى إثر ذلك خرجت مظاهر الفرح في شوارع طهران ومدن أخرى، وحرص الإعلام الرسمي على بث صور سقوط الصواريخ على تل أبيب، ما عزز في نفوس المواطنين شعور "الكرامة المستعادة" والانتصار المعنوي، على الأقل من وجهة نظرهم.
ولفت الكاتب إلى أن هذا الارتياح لم يُخفِ تصاعد المخاوف والانتقادات في الأوساط الشعبية؛ إذ ظهرت تساؤلات حول قدرة إيران على الصمود حال تواصلت الهجمات، وبرزت مخاوف بشأن استهداف البنية التحتية الحيوية مثل محطات الكهرباء والماء والسدود.
كما طُرحت تساؤلات حادة حول مدى كفاءة أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، والتي بدا أنها لم تتعامل بفعالية مع الهجمات الأولى.
وامتد النقد إلى السياسات الاقتصادية؛ إذ رأى البعض أن موارد البلاد تُهدر في ملفات جانبية مثل فرض الحجاب، في حين تُهمل القضايا الأمنية الجوهرية.
وأضاف: اللافت في التفاعلات الشعبية هو وجود تيار متنامٍ يرى أن النظام الإيراني نفسه يتحمّل جزءا من المسؤولية في جعل البلاد عرضة لهذه الهجمات، وذلك بسبب سياساته الداخلية والخارجية.
وإذا استمرت الأزمة وتصاعدت الخسائر المدنية والاقتصادية، فقد تتسع دائرة المطالبات بالتغيير؛ فالأجيال الشابة خصوصا تطالب بإصلاحات شاملة في السياسة والدبلوماسية وتوزيع الموارد.

فتح مراجعة شاملة
وأردف الكاتب: شكّلت الهجمات الإسرائيلية على إيران تحوّلا دراماتيكيا في الصراع القائم بين البلدين، ليس فقط على مستوى التوازنات العسكرية والجيوسياسية، بل أيضا في عمق المشهد الداخلي الإيراني.
فقد أدّت هذه التطورات إلى حالة من الصدمة والغضب في الشارع الإيراني، وتحولت سريعا إلى موجة من التساؤلات والانتقادات حول أداء الدولة وإستراتيجيتها في مواجهة التهديدات.
ورغم أن الردّ الإيراني العسكري أثار ارتياحا نسبيا، خصوصا بعد أن بثّ التلفزيون الرسمي لقطات لصواريخ تسقط في تل أبيب، فإن هذا الشعور لم يلبث أن تراجع لصالح قلق أوسع؛ إذ تصاعدت المخاوف من احتمالات انقطاع الطاقة، واستهداف البنية التحتية الحيوية، بل وحتى من دخول أسلحة غير تقليدية على خط المواجهة.
وبدأ النقاش العام يتناول قضايا تتجاوز المواجهة الراهنة، متسائلاً عن مدى جهوزية الدفاعات الجوية، وكفاءة إدارة الموارد، بل ومُنتقدا تخصيصها لقضايا اجتماعية مثل فرض الحجاب الإجباري بدلا من تعزيز الأمن القومي.
في قلب هذا الجدل، يبرز رأيان متوازيان في المجتمع الإيراني: الأول يرى في إسرائيل المصدر المباشر للعدوان والمعاناة، والثاني يُحمّل نظام طهران مسؤولية تعريض البلاد للخطر نتيجة سياساته الداخلية والخارجية.
ومع تعمّق الأزمة، تزداد احتمالية بروز الرأي الثاني، خاصة إذا استمر الضغط العسكري أو تفاقمت الأوضاع المعيشية.
فإذا استمرت الهجمات الإسرائيلية وازداد عدد الضحايا المدنيين، فقد تهتز الثقة الشعبية بالنظام بشكل كبير، وفق تقدير الكاتب.
وفي ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية وتعقّد الحياة اليومية، توقع أن تخرج الانتقادات المكبوتة إلى العلن بشكل أقوى، كما رجَّح تعمق هذه الموجة من النقد الذاتي خصوصا بعد انتهاء الاشتباكات.
وفي ظل هذا المناخ المتوتر، يلوح في الأفق احتمال دخول إيران في مرحلة مراجعة شاملة بعد انقضاء الصراع.
هذه المراجعة قد تشمل السياسات الخارجية التي أدت إلى العزلة الدولية، ونتائج العقوبات الاقتصادية، وطريقة توزيع الثروات الوطنية، وكفاءة الإستراتيجيات الدفاعية.
وختم الكاتب مقاله قائلا: إن الأمر لا يتعلق بإيران فقط، بل قد يؤثر أيضا على التوازنات الإقليمية بأكملها؛ فالمجتمع الإيراني، خصوصا الجيل الشاب، يبدو اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من التساؤل والمطالبة بالتغيير.
ومع أن مآلات هذا الصراع لا تزال مفتوحة، يرى الكاتب أن ما بعد الأزمة لن يكون كما قبلها لا في الداخل الإيراني ولا في خريطة الشرق الأوسط.