مع قرب إلغاء استثنائه من عقوبات إيران.. ما بدائل العراق لتوفير الطاقة؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يكاد يخرج العراق من أزمة حتى يقع في أخرى أشد منها، فمن واقع سياسي مربك ونقص بالخدمات وانتشار الفساد الذي خلّف احتجاجات عارمة، وحتى تفشي وباء كورونا وانهيار أسعار النفط، فإن شهرا واحدا يفصله عن انتهاء الاستثناءات الأميركية من عقوبات إيران.

انقضاء آخر شهر تمنحه الولايات المتحدة للعراق حتى يستورد الغاز والكهرباء من إيران التي تفرض عليها عقوبات خانقة، يأتي في ظل غياب البديل الذي كان من المقرر أن تجده بغداد خلال مدة عام، وفي حال لم توقف الأخيرة التعامل مع طهران بعد انتهاء المهلة، فالعقوبات الأميركية ستكون بالانتظار.

"بانتظار كارثة"

تداعيات انتهاء المهلة الأميركية الأخيرة للعراق، قد تقود البلد إلى موجة حراكات شعبية كبيرة أشد من سابقاتها، لأنه مقبل على فصل صيف شديد الحرارة، فضلا عن تعثر محتمل في صرف رواتب الموظفين بسبب انهيار أسعار النفط.

الخبيرة الاقتصادية الدكتورة سلام سميسم، قالت في حديث لـ"الاستقلال": إن "الاستثناءات الأميركية الأخيرة هي لمدة شهر واحد فقط، وأنها تمس أهم مفصل عراقي وهو الطاقة، ولا سيما بعد فشل المسؤولين العراقيين في إدارة ملف الطاقة طيلة السنوات الماضية".

وأشارت إلى أن فشل مسؤولي العراق في إدارة ملف الطاقة، جعلت من أكبر مصدر للنفط وممكن أن يكون مُصدرا للغاز أيضا، يستعين بدولة أخرى في تزويده بالغاز، وهذا يمثل خللا كبيرا ويشير إلى طبيعة إدارة ملفي الاقتصاد والطاقة بالبلد".

ولفتت سميسم إلى أن "نقص هذه المزودات من الغاز ستؤدي إلى انهيار منظومة الكهرباء فوق انهيارها الحالي، بمعنى أن أغلب محطات الكهرباء تعتمد على الغاز، وإذا توقف استيراده من إيران فإنها ستتوقف عن العمل".

وأكدت أن "مشكلة العراق تكمن في تزامن انتهاء المهلة مع إقبال فصل الصيف، وازدياد حاجة البلد على طلب الكهرباء، وهذا يعتبر كارثة، ستؤدي إلى انهيار جميع الملفات الأخرى، لأن الكهرباء تدخل في جميع مفاصل الحياة، من تخزين السلع وتشغيل محطات المياه إلى منظومات الإنترنت وشبكات الاتصال، وهذه كلها ستتأثر".

وأردفت سميسم: "نحن أمام توقف الحياة بالعراق، والأمر خطير، ولا سيما أن الحكومة أعلنت أنها لا تعلم ما إذا كانت ستعطي رواتب الموظفين لشهر أبريل/ نيسان 2020"، لافتة إلى أن "نقص الكهرباء والرواتب في العراق، ينذر بأن البلد مقبل  على فصل جديد من الثورة الشعبية".

ودعت الخبيرة الاقتصادية المسؤولين في العراق إلى "إيجاد مصدر آخر بديل عن إيران لاستيراد الطاقة- وهذا ربما غير متاح حاليا- وكان الأجدر بهم البحث عن ذلك قبل مدة دون أن يعتمدوا على الاستثناءات، ظنا بأن الأمور قد تنصلح في المستقبل".

ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول في مكتب الرئيس العراقي، في 26 مارس/آذار 2020، أن التمديد هو "الأخير" الممنوح لبغداد التي تقف على حافة أزمة اقتصادية مع انخفاض أسعار النفط، ما قد يؤدي إلى خسارة 65 ٪ من عائداتها النفطية التي تشكل 90 ٪ من ميزانية الدولة.

وأفاد مسؤول عراقي كبير للوكالة الفرنسية بأنه منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، "لم تف بغداد بأي شرط".

وأضاف: نتيجة لذلك كان ينبغي إلغاء الاستثناء، لكن منح مهلة نهائية أميركية يأتي بسبب "الظروف الحالية"، أي تكليف عدنان الزرفي بتشكيل حكومة جديدة، والذي لا تريد واشنطن أن تحرجه بعدم التمديد، خصوصا في ظل عدم تماهيه مع الأحزاب الشيعية.

رسائل سياسية

وانطلاقا من حديث المسؤول العراقي (لم يذكر اسمه) عن البعد السياسي الذي أخذته الولايات المتحدة الأميركية بنظر الاعتبار في منح استثناء أخير إلى بغداد، يرى رئيس مركز "التفكير السياسي" في العراق إحسان الشمري أن ذلك "يحمل رسائل سياسية باتجاهات عدة".

أولى تلك الرسائل، بحسب الشمري، أن "على رئيس الحكومة المقبل سواء كان عدنان الزرفي أو غيره، ألا يتعاطى بمرونة في استيراد الطاقة من إيران، وأن يحدد خياراته في إيجاد منافذ جديدة".

وأضاف الشمري في تصريحات صحفية: أن "الرسالة الأخرى، تتمثل في تحول الإستراتيجية الأميركية، خصوصا أنها تريد قطع الطريق على إيران من اعتبار العراق رئة اقتصادية ومصدرا للتمويل، وبالتالي حددت مدة الشهر".

كما أنها بحسب الشمري، تمثل رسالة للطبقة السياسية، ولا سيما القريبة من إيران، مفادها بأن "الجميع عليه العودة إلى دائرة التوازنات، فهو أفضل من أن يمضي العراق تحت رعاية إيرانية، لأن واشنطن تضغط باتجاه تغيير المعادلة التي انبثقت عنها حكومة عبدالمهدي، لأنها ليست عراقية".

الشمري أكد أن "الولايات المتحدة عندما منحت العراق استثناءات اشترطت على حكومة عادل عبدالمهدي، إيجاد بدائل عن إيران لاستيراد الطاقة خلال مدة عام، لكن رئيس الوزراء يدرك جيدا أنه لا يستطيع المضي بهذا المشروع، وربما هذا وضعه وسياسته في دائرة الاستفهام الأميركية".

وتابع: "إذا استمرت حكومة عبد المهدي خلال مدة الشهر أو منحت الثقة إلى المكلف الزرفي، فبكل الأحوال ستشمل العقوبات بغداد، أي أنه حتى لو وجدت حكومة جديدة ولم يلتزم العراق بهذا القرار، فالعقوبات ماضية".

ومنحت الولايات المتحدة العراق استثناءات بشرط أن تتخذ بغداد إجراءات لتقليص اعتمادها على إيران، من خلال إعادة عمل أنظمة الإمداد بالكهرباء أو من خلال إيجاد موردين آخرين.

وتواصل واشنطن منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، تمديد الاستثناء الممنوح لبغداد، لإيجاد بديل عن إيران التي تزود العراق بالكهرباء التي تعاني نقصا مزمنا، خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة التي بدأت الآن.

وبناء على ذلك، سمحت واشنطن للعراق بمواصلة استيراد الغاز والكهرباء من إيران. لكن مدة الإعفاء تقلصت من 90 و120 يوما، إلى 45 يوما، والآن إلى 30 فقط حتى نهاية أبريل/نيسان 2020، وفق مسؤولين عراقيين.

وأدى الإعفاء الأميركي إلى السماح للعراق بمواصلة استيراد حوالي 1400 ميغاواط من الكهرباء و28 مليون متر مكعب (988 مليون قدم مكعبة) من الغاز من إيران.

وتدفع بغداد ثمن الواردات عن طريق إيداع الدينار العراقي عبر المصرف العراقي للتجارة المملوك للدولة، ما يسمح مبدئيا لإيران باستخدامه لشراء سلع غير خاضعة للعقوبات.

مهدد بالعقوبات

وفي حال لم يتم تمديد الاستثناء، فيتوجب على العراق وقف استيراد الغاز والكهرباء من طهران، أو الاستمرار بالتعامل مع طهران ومواجهة احتمال التعرض لعقوبات أميركية.

يضاف إلى ذلك، نقطة أخرى قد تدفع واشنطن بالفعل إلى معاقبة العراق، وهو استياؤها من التباطؤ العراقي في توقيع عقود مع شركات أميركية كبرى متخصصة في قطاع الطاقة، بهدف تسريع فك الارتباط بإيران في هذا المجال.

وفي يناير/ كانون الثاني 2020، أفاد مسؤول أميركي في حديث نقلته الوكالة الفرنسية بأن العراقيين "رفضوا استمرار الاتفاقات مع شركتي جنرال إلكتريك وإكسون الأميركيتين".

اعتبر المسؤول الأميركي أن المسؤولين العراقيين "يختارون أن يعتمدوا على الإيرانيين، مانحين طهران موقعا مؤثرا في اقتصادهم وبنيتهم التحتية".

وطالما عملت إيران على الحد من النفوذ الأميركي في المنطقة، حيث تعد ثاني أكبر الدول المصدرة للعراق. إلا أن الولايات المتحدة تتفوق عليها من ناحية الاستثمارات المباشرة، خصوصا في قطاع النفط الحيوي وبنيته التحتية.

وتتحدث مصادر للوكالة الفرنسية في بغداد وواشنطن عن انقسام في السياسة الأميركية، حيث يبدو البيت الأبيض مؤيدا لإستراتيجية زيادة الضغوط على العراق، بينما يفضّل الآخرون اعتماد المرونة.

وفي فبراير/ شباط الماضي، قال وزير الكهرباء العراقي بالحكومة الحالية لؤي الخطيب في مقابلة مع "فرانس برس": إن على واشنطن ألا "تحشر العراق في الزاوية". لكنه أعرب في الوقت ذاته عن ثقته بأن الولايات المتحدة لن "تفخّخ" الاستثناء من العقوبات "بهدف تقويض الخدمات العامة".

وأشار الخطيب إلى أن هناك تقدما في مجال البحث عن مصادر أخرى، مشيرا إلى توقيع اتفاقيات مع الأردن ودول خليجية لدعم شبكة الكهرباء، وإلى احتمال الاعتماد على إمدادات الغاز من إقليم كردستان العراق.

لكن العراق تورط في أخطر مرحلة من الصراع الأميركي الإيراني، إذ منح البرلمان في يناير/ كانون الثاني 2020، تفويضا للحكومة لإنهاء الوجود الأميركي بالعراق، على وقع الغارة الأميركية التي أسفرت أيضا عن مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس مليشيات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.

الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التهديد في فرض عقوبات شديدة ضد العراق إذا أصر على طرد القوات الأميركية، فيما أبلغت الولايات المتحدة بغداد بأنها تفكر في تجميد حسابات مصرفية تابعة لها في مصارف الولايات المتحدة، حيث يحتفظ العراق بعائدات النفط.