فشل "علاوي".. هكذا بدت أوراق شيعة العراق مبعثرة بعد غياب سليماني

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ عام 2003، لعب قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سلماني دورا محوريا في توحيد صفوف البيت السياسي الشيعي في العراق، ومع اغتياله في يناير/ كانون الثاني 2020، وفي أول اختبار لاختيار شخصية ترأس الحكومة، ظهر جليا الفراغ الذي تركه سليماني.

لأول مرة منذ العملية السياسية التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، يظهر اختلاف الكتل الشيعية وتمردها على بعضها في حالة ربما ترسم تحولات جديدة في الخارطة السياسية للبلد الذي أصبحت فيه التقسيمات الطائفية لأعلى مناصب الدولة عرفا ثابتا.

"بالون علاوي"

سجل إخفاق رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي، حالة الفشل الأولى للقوى السياسية الشيعية في الالتئام والتوافق على شخصية سياسية تشغل المنصب التنفيذي الأول في العراق، إذ تخلف نحو 100 نائب من أصل نحو 180 نائبا شيعيا عن حضور الجلستين الاستثنائيتين للتصويت على الحكومة.

ورغم أن علاوي يحظى برعاية إيرانية إثر ترشيحه من قبل تحالفي "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر و"الفتح" بقيادة هادي العامري خلال اجتماع جمع الجانبين بمدينة قم الإيرانية في 12 يناير/ كانون الثاني 2020، إلا أن كتلا سياسية شيعية أخرى رفضت الانصياع والتصويت لصالح تمرير الحكومة.

وقال النائب جاسم البخاتي عن كتلة "تيار الحكمة" بقيادة الزعيم الشيعي عمار الحكيم: إن "تشظي البيت الشيعي وابتعاد السنة والكرد كانت السبب في عدم تمرير حكومة علاوي"، مؤكدا أن "استمرار التشظي داخل البيت الشيعي لن يسهل تمرير الحكومات".

ولفت البخاتي في مقابلة تلفزيونية مع قناة "دجلة" العراقية إلى أن "نواب المكون الشيعي لو حضروا جلسات البرلمان لمُررت الحكومة"، داعيا "القوى السياسية الشيعية إلى إعادة لملمة شملهم، واختيار شخصية ليست جدلية وتحظى بمقبولية الشارع وإنهاء حالة الاحتقان فيه".

وفي السياق ذاته، غرد الكاتب والباحث السياسي فرات ناجي، قائلا: "تشظي البيت السياسي الشيعي في العراق، هو إحدى تداعيات غياب قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، فقد كان علاوي أول بالون اختبار لهم منذ 2003 وحتى 2020".

وتساءل الكاتب العراقي، قائلا: "هل نحن مقبلون على حالة وطنية صحية، أم سيأتي البديل كي يرص الصفوف من جديد؟"، في إشارة إلى تهيئة شخصية إيرانية جديدة لتخلف سليماني في مهمته.

ومن أبرز الكتل والأحزاب السياسية الشيعية التي رفضت علاوي وتمردت على الإجماع السياسي الشيعي: ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتحالف النصر بقيادة حيدر العبادي، وكتلة صادقون بزعامة قيس الخزعلي، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم.

الباحث السياسي الدكتور سعدون التكريتي يفسر في حديث لـ"الاستقلال" الانقسام الشيعي، بالقول: "إيران تعاني من فقدان سليماني، وإمكانية الاستعاضة عنه قد تأخذ أشهرا طويلة، وبطبيعة الحال يؤثر ذلك على البيت الشيعي العراقي".

ولفت التكريتي إلى أن "الكتل السياسية الشيعية تفتقر إلى انعدام الثقة فيما بينها، وأغلبهم يخشى أن يسيطر التيار الصدري على الاستحقاق السياسي الشيعي بالكامل، ولذلك لم يدعم علاوي في وقت كان الصدر من أشد الداعمين والحريصين على تمرير حكومته".

"فراغ سليماني"

واتساقا مع ذلك، نشر الكاتب مصطفى فحص مقالا في صحيفة "الشرق الأوسط" الأربعاء 4 مارس/ آذار 2020، قال فيه: "خُلع محمد توفيق علاوي من التكليف، فتخلعت أبواب البيت السياسي الشيعي، وكُشف قاطنوه بأنهم منشغلون بقسمة الغرماء واتسعت معاناتهم بعد غياب رب البيت، فظهرت أحوالهم وأهوالهم بعد غياب ناظم العلاقات ومهندس الأحجام بينهم وبين شركائهم في السلطة".

وأكد فحص أنه "لم يكن ممكنا لهذا المشهد السياسي العراقي المتعثر والشيعي المتأزم أن يخرج إلى العلن بهذه الحدة لولا غياب الجنرال قاسم سليماني؛ غياب دفع ببعض الأقوياء المحليين إلى محاولات ملء الفراغ ولعب الدور الذي كان يلعبه... أراد البعض استعراض قوتهم وفرض هيمنتهم، فسقطوا سريعا في امتحان التجربة".

ولفت إلى أنه بعد انسحاب علاوي وغياب سليماني، عادت ثنائية "الفتح – سائرون" إلى حجمها، وعاد معها صراع على الكتلة الكبرى ومن يمتلك الحق الدستوري في تسمية المكلف الجديد، وباتت هذه الثنائية في مواجهة البيت الداخلي بعد تمرد "دولة القانون" وتحفظ "تيار الحكمة" و"تحالف النصر"، وفي مواجهة ثنائيات أخرى ترفض وصاية البيت السياسي الشيعي على العملية السياسية، وتستثمر في انقساماته وخلافاته التي تهدد ما تبقى من استقرار داخلي.

ورأى فحص أن فشل علاوي في تقديم كابينته الوزارية وضع نظام 2003 أمام تحديين: الأول "انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وعدم قدرة أي مرشح جديد من هذا النظام على تجاوز شرعيتها.

أما التحدي الثاني-بحسب الكاتب- فهو "العودة المُكلفة" إلى تاريخ 2 أكتوبر/ تشرين الثاني 2018، تاريخ تكليف عبدالمهدي بتشكيل الحكومة وفقا لسياقات توافق المكونات ونظام المحاصصة الحزبية، وهو ما يكشف مستوى العقم السياسي الذي يعاني منه نظام 2003، خصوصا البيت الشيعي غير القادر على إعادة إنتاج نفسه.

"حفظ الحاكمية"

وعلى وقع الفشل في الالتفاف حول قيادة سليماني التي كانت ترتب أوراق البيت الشيعي، حذرت مجموعة من البرلمانيين الشيعة من خطورة استمرار التشظي، معلنة وضع رؤية مشتركة للخروج من الأزمة الراهنة من أجل حفظ ما أسمته "حاكمية الشيعة".

وتداولت وسائل إعلام محلية ورقة عمل تمثل "رؤية مشتركة" لقوى برلمانية بعد اجتماع عقد في منزل زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، من أجل الخروج بحلول للأزمة الراهنة ووضع خطط وتصورات عملية لمعالجة الانسدادات السياسية وخصوصا فيما يتعلق بالواقع السياسي الشيعي.

وأكدت هذه القوى، أنها خلصت بعد عدة لقاءات وحوارات إلى ضرورة الخروج من المستوى النظري والمباشرة بالخطوات العملية على قاعدة "حفظ حاكمية الشيعة وتمتين أسس الدولة العراقية الحديثة التي يمثل الشيعة قطب الرحى فيها بحكم حجمهم في التركيبة السكانية".

وأوضحت أن "المجموعة البرلمانية" تسعى إلى توسيع دائرتها أولا، والتنسيق مع زعماء القوى الشيعية من أجل وضعهم في صورة ما يجري واقتراح ومناقشة الحلول معهم وكذلك العمل الدؤوب لتنفيذ ما تقرره القيادة الشيعية بشكل سريع ومنهجي لإصلاح ما فسد ومعالجة إخفاقات وأخطاء التجربة السياسية بكل ما فيها.

وبعيدا عن "الرؤية المشتركة" للبرنامج الحكومي وترتيب الملفات المهمة للحكومة خلال المرحلة المقبلة، فإن "المجموعة البرلمانية" وضعت آلية لاختيار رئيس وزراء يمثل إجماع المكون الشيعي.

ونصت الآلية على أن يجري اختيار 7 أسماء لمرشحين محتملين لرئاسة الحكومة يمتلكون خبرة وطاقه لإدارة المرحلة، وتعرض باقي الأسماء على القوى الشيعية الرئيسية، وهي: "الفتح، سائرون، دولة القانون، الحكمة، النصر".

وأشارت إلى أن كل مرشح يحصل على 3 أصوات من أصل الخمسة يتأهل للمرحلة القادمة ومن يحصل على 3 أصوات رافضة يخرج من المنافسة، ويتم حصر المرشحين فقط اثنان أو ثلاثة كحد أعلى بالتداول بين القوى الشيعية. وعلى ضوء ذلك يتم التفاهم مع الكرد والسنة على هؤلاء المرشحين.

وحثت الآلية أيضا على جمع النواب الشيعة وإجراء عملية انتخاب سري بين المرشحين بجولة واحده أو جولتين ومن يحصل على أصوات أكثر من نصف الحاضرين يلتزم الجميع بدعمه والتصويت له، وبعدها يرفع اسم الفائز  إلى رئيس الجمهورية باسم جميع الشيعة ليتم تكليفه بتشكيل الحكومة.

كما وضعت الورقة المتفق عليها آلية لاختيار الوزراء من جميع المكونات ضمن مواصفات يتفق عليها، واشتراطات بتنفيذ البرنامج الحكومي، مشددة على ضرورة أن تلتزم القوى الشيعية بذلك، ومن لا يلتزم يتم عزله من الإجماع الشيعي.