مناورات عسكرية وجولات دبلوماسية.. ماذا تريد واشنطن من إفريقيا؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

دلالات عديدة حملتها الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لإفريقيا، التي شملت ثلاث دول تمثل أهمية كبرى للولايات المتحدة وغيرها من اللاعبين الدوليين البارزين في القارة السمراء.

زيارة بومبيو لكل من أنجولا والسنغال وإثيوبيا، تزامنت مع بدء التدريب العسكري الأمريكي المشترك والأكبر "فلينتلوك 2020"، مع عدد من الدول الإفريقية في موريتانيا، كما أنه تزامن مع تزايد الحديث عن تقليل القوات الأمريكية من وجودها العسكري في القارة السمراء، وخاصة في دول الساحل وغرب إفريقيا.

التحليلات التي تحدثت عن زيارة بومبيو قالت: إنها جاءت متأخرة بعض الشيء، وأن الهدف منها ليس دعم الوجود الأمريكي في القارة، وإنما لمحاصرة النفوذ الصيني المتصاعد في ربوع إفريقيا، بالإضافة للوجود الروسي والتركي والإيراني.

تأخر أمريكي

وفقا للعديد من الآراء فإن الزيارة التي تأخرت 22 شهرا منذ تولي بومبيو لمنصبه، تأتي وفقا لخطة وضعها مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون قبل 14 شهرا، عن أهمية الوجود في إفريقيا، لوقف النفوذ الصيني والروسي داخل القارة التي لا تعيرها أمريكا الاهتمام المفروض.

وحسب تحليل لوكالة الأنباء الفرنسية فإن زيارة بومبيو هي محاولة لإعادة تقديم الولايات المتحدة باعتبارها الشريك الأكبر الذي يهتم بالدول الأصغر، بعد أن قدمت كل من روسيا والصين أنفسهم لإفريقيا بشكل أكثر قوة من واشنطن، على الصعيد الاقتصادي والسياسي والعسكري.

وهذا الأمر كان ظاهرا في جدول الأعمال الذي اهتم بموضوعات رئيسة منها تشجيع التجارة البينية مع الولايات المتحدة والحكم الرشيد وسيادة القانون، بالإضافة إلى حث المسؤولين الأفارقة وقادة الأعمال على تجنب الاستثمار الصيني.

ويؤكد محللون تحدثوا للوكالة الفرنسية، أن طريق بومبيو ليس مفروشا بالورود، وأنه سيواجه رياحا معاكسة، بسبب سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب التي لم تكن في صالح القارة، مثل اقتراحه بتخفيض الميزانية المقررة للبرامج الداعمة لإفريقيا، وتوسيع حظر سفر الرئيس ليشمل ما يقرب من ربع سكان القارة، وأخيرا تقليص وجود الجيش الأمريكي.

وهي الحالة التي وصفها "أحمدو علي مباي"، أستاذ الاقتصاد بجامعة الشيخ أنتا ديوب في السنغال، بأن القادة الأفارقة يريدون أن يسمعوا ما ستفعله الولايات المتحدة لمساعدتهم على تمويل نموهم الاقتصادي لمواجهة الزيادة السكانية المتزايدة في بلادهم.

توزان المواقف

وترى الخبيرة السياسية "كريستا لارسون" من وكالة "أسوشيتد برس"، أن الزيارة تأتي في الوقت الذي يفكر فيه الجيش الأمريكي بتقليص وجوده بمنطقة الساحل في غرب إفريقيا، بينما يوسع تنظيما الدولة والقاعدة من وجودهم بغرب إفريقيا بشكل يمثل تهديدا لحلفاء واشنطن.

ووفق "لارسون" فإن بعض الزعماء الأفارقة يشعرون بخيبة أمل إزاء سياسة إدارة ترامب في التعامل مع دول القارة، حيث تعتمد واشنطن على سياسة "نحن أو هم"، في نظرتها للوجود الصيني هناك.

وهو ما اعتبره عدد من دول القارة إهانة لهم، بينما تعامل آخرون مع السياسة الأمريكية بشكل "براغماتي"، قائم على المصلحة والعمل وفق السياسة التي تحددها الإدارة الأمريكية.

ويدعم تحليل لموقع "الجزيرة الإنجليزي"، الرأي السابق، خاصة وأن واشنطن تضع قدمها في إفريقيا، وعينيها على النفوذ الصيني في القارة، وفي الوقت نفسه فإن الإستراتيجية الأمريكية تجاه القارة ما زالت غامضة ومرتبكة.

ووفق الآراء السابقة فإن اختيار الدول الثلاث للزيارة وهي السنغال وأنجولا وإثيوبيا، لم يكن عشوائيا، وإنما لما تتمتع به الدول الثلاث من علاقات قوية مع الصين، التي قدمت مؤخرا 60 مليار دولار دعما ماليا مختلفا للقارة خلال قمة الحزام والطريق التي نظمتها بكين العام الماضي.

ووصف جوزيف أوتشينو، المحلل السياسي السنغالي، تصريحات بومبيو التي استبق بها الزيارة وتحذيره من أن الاستثمار الصيني في إفريقيا "يغذي الفساد ويقوض سيادة القانون"، بأنها تصريحات "منافقة تقريبا".

ونقلت "الجزيرة" عن أوتشينو: "لا أعتقد أن الولايات المتحدة يمكنها أن تخبر إفريقيا أن الشركات الأمريكية هي بالضرورة الأنظف عندما يتعلق الأمر بالقارة"، في إشارة إلى فضائح الفساد السابقة والمحسوبية المتعلقة بشركات أمريكية في إفريقيا.

بين واشنطن وبكين

محللون أفارقة تعاملوا مع تناقض المواقف الأمريكية تجاه القارة، بريبة، خاصة وأن حديث بومبيو عن أهمية الشراكة مع دول القارة، استبقته الإدارة الأمريكية بعدة خطوات تسير في اتجاه معاكس للتصريحات التي أطلقها بومبيو في السنغال وأنجولا وإثيوبيا.

وحسب الباحث السياسي الإثيوبي "سيمون ماركس"، فإنه بدلا من أن يتحدث بومبيو عن تجديد المصالح التجارية الأمريكية في القارة ومواجهة سنوات الهيمنة الصينية، أُجبر على شرح سلسلة من الرسائل المتناقضة، بدءا بالتهديدات بسحب القوات الأمريكية من منطقة الساحل التي مزقتها الحرب إلى حظر السفر الذي يقيد تأشيرات الهجرة للمواطنين من إريتريا ونيجيريا والسودان وتنزانيا.

والأكثر من ذلك كما يرى "ماركس" في تحليل نشره بموقع "بولتيكو"، فإن نضال أمريكا لتزويد إفريقيا بخطة إستراتيجية واضحة لعلاقتها المستقبلية مع الولايات المتحدة يتناقض بشكل صارخ مع المحور الأوروبي الأخير في المنطقة.

كما وصف "ألفونسو ميدينيلا" مسؤول السياسة في المركز الأوروبي لإدارة سياسات التنمية، السياسة الأمريكية تجاه القارة، بأنها ليست تعبيرا عن إستراتيجية أو طموحات متكاملة للولايات المتحدة للشراكة مع إفريقيا.

ويعقد ماركوس مقارنة بين رؤية واشنطن لإفريقيا، ورؤية بكين لها، حيث تعتبر الأولى إفريقيا "مشكلة يتعين حلها"، بينما نظرت بكين إلى القارة كمنطقة تزخر بالفرص، وهو ما جعل الصينيين خلال العقدين الأخيرين، أكثر جدية في ارتباطهم بالقارة، بينما تلعب أمريكا دورا أساسيا لمجرد اللحاق بالركب.

أهداف أخرى

ذهب الأكاديمي الغاني المختص بشؤون الأمن "فلاديمير أنتوي دانسو"، إلى أن "واشنطن لاحظت مؤخرا أنها بحاجة إلى مزيد من الانخراط في إفريقيا لصالحها، خاصة وأنها فقدت عددا من قواتها في النيجر ومالي وأدركت أنه - ربما - حان الوقت لإعادة توجيه علاقاتها بإفريقيا".

ويستدل "دانسو" في حديثه لشبكة "دويتشه فيله" الألمانية، بتصريحات بومبيو خلال زيارة السنغال، بأن حكومته تعمل على تحديد مستوى القوات العسكرية الأمريكية اللازمة في غرب إفريقيا لمواجهة تصاعد العنف المتطرف في المنطقة، وأنهم ملتزمون بالحصول على الأمن في هذه المنطقة، لأنه سيسمح بالنمو الاقتصادي.

يعتبر "دانسو" أن زيارة بومبيو للسنغال، تأتي في إطار تشجيعها للتجارب الديمقراطية في القارة، كما أن زيارته لأنجولا ليست بهدف تشجيع معركة الحكومة ضد الفساد، وإنما لأنها بلد غني بالموارد.

ويقول: "إذا تمكنت أمريكا من كسب أنجولا، فسوف تكسب كل جنوب إفريقيا، كما أن أنجولا بلد رئيسي لمواجهة تأثير الصين، إذا ما وضعنا في الاعتبار أنها اقترضت 40 مليار دولار من الصين بين عامي 2005 و2019 ، وهو ما يمثل حوالي نصف ديونها الخارجية، ولذلك لم يكن مستغربا أن يناقش بومبيو مع الرئيس الأنجولي دور بكين".

غموض عسكري

رغم أن زيارة بومبيو للدول الإفريقية الثلاث، تزامنت مع بدء التدريب العسكري الأمريكي الضخم، "فلينتلوك 2020"، في موريتانيا، بمشاركة جيوش 34 دولة إفريقية، خلال الفترة من 17 إلى 28 فبراير/ شباط الجاري، فإن الحديث عن قيام أمريكا بتغيير سياستها العسكرية في إفريقيا، كان مثار جدل بين المختصين والسياسيين، كما أنه كان ملفا بارزا في المحادثات التي أجراها بومبيو في زياراته الثلاث.

وتأتي أهمية الملف العسكري الأمريكي في إفريقيا، بعد الموضوع الذي نشره موقع "ناشونال إنترست"، عن تقرير المفتش العام الأول في الولايات المتحدة، والذي قدمه للكونجرس،.

ووصف الموقع العمليات العسكرية الأمريكية في إفريقيا بأنها سرية. ووفقا لـ "ماثيو بيتي"، محرر الأمن القومي بالموقع، فإن الأمريكيين لا يعرفون شيئا عن حجم ما ينفقه الجيش الأمريكي على عملياته السرية هناك.

كما أن غياب المعلومات عن وضع القوات الأمريكية في النيجر، وغيرها من دول القارة الأفريقية التي تشهد مواجهات مع تنظيمي الدولة والقاعدة، أثار الشكوك حول جدوى وجود هذه القوات من الأساس.

وتقرير المفتش العام الأول في الولايات المتحدة، الذي قدمه للكونجرس، في النصف الثاني من يناير/ كانون الثاني 2020، هو أول تقرير من نوعه رفعت عنه السرية بشأن العمليات الأمريكية لمكافحة الإرهاب في إفريقيا، والتي كشف التقرير أنها فشلت في مواجهته.

في المقابل حذرت تقارير أوروبية من خطوة تقليل أمريكا وجودها العسكري في إفريقيا، لأنه يمثل ضغطا متزايدا على أوروبا، حسبما أشار تقرير لشبكة "دويتشه فيله" الألمانية.

بينما كشف تقرير آخر لراديو "صوت أمريكا" الحكومي كتبه "جيف سيلدين"، إلى أن الولايات المتحدة لم تنسحب وإنما بدأت في تغيير موقع قواتها في إفريقيا، حيث أعادت جزءا من لواء المشاة واستبدلت بمدربين عسكريين متخصصين.

وصف مسؤولو البنتاغون هذه الخطوة بأنها الأولى من بين خطوات أخرى، سيعمل من خلالها الجيش الأمريكي في القارة، حيث يحول تركيزه من مكافحة الإرهاب إلى منافسة القوى الكبرى، وهو ما أشار إليه بيان رسمي للبنتاغون، بأن عملية الإحلال والتجديد سستساعد واشنطن "على التنافس بشكل أفضل مع الصين وروسيا في إفريقيا".