آخرها قانون "الجنسية".. إلى أي حد صعدت الهند من عدائها للمسلمين؟

ألغى رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، زيارة كانت مقررة إلى الهند في 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري، إثر تصاعد الاحتجاجات بعدة مدن هندية، رفضا لقانون يمنح الجنسية للمهاجرين من غير المسلمين الذين واجهوا الاضطهاد لسنوات في بلدانهم.
المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، قالت: إن قانون المواطنة الجديد في الهند قائم على تمييز واضح ضد المهاجرين المسلمين، وقال المتحدث باسم المفوضية جيمي لورانس: "القانون يمنح الأقليات الجنسية، لكنه لا يمنح نفس الحماية للمسلمين".
وأضافت المفوضية: إنها "تشعر بالقلق إزاء ذلك القانون، مؤكدة أنه يقوض الالتزام بقانون المساواة المنصوص عليه في الدستور الهندي، وكذلك الاتفاقيات الدولية التي تنص على القضاء على التمييز ضد أي جماعات عرقية أو إثنية أو دينية، والتي تعد الهند أحد الموقعين عليها"، ودعت إلى إعادة النظر في القانون.
رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان انتقد إقرار البرلمان الهندي مشروع قانون المواطنة الذي يستثني المسلمين، وقال: إن "سياسات رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تشبه إلى حد كبير السياسات العنصرية للنازيين خلال الحرب العالمية الثانية، وحكومة مودي تنفذ سياساتها العنصرية بشكل متسارع".
.jpg)
الجريدة الرسمية
الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري، صادق البرلمان الهندي على مشروع قانون يمنح الجنسية الهندية للمهاجرين غير المسلمين الذين واجهوا الاضطهاد لسنوات في بلدانهم. وفقا لما نشرته الجريدة الرسمية في الهند.
وبموجب القانون، سيسمح للمسيحيين والبوذيين والهندوس والجينيين والبارسيين والسيخ، الذين هاجروا من باكستان وبنجلاديش وأفغانستان قبل العام 2015، بالحصول على الجنسية الهندية.
حكومة مودي، هي من تقدمت بمشروع القانون الذي وصف المصادقة على القانون "بالحدث التاريخي بالنسبة للهند" وأن القانون "سيخفف من معاناة الكثيرين الذين واجهوا الاضطهاد لسنوات، ويوفر ملاذا لهم من الاضطهاد الديني".
وأُقرت التعديلات في قانون المواطنة، وسط معارضة قوية من الأحزاب السياسية المعارضة، والتي وصفت القانون بأنه "غير دستوري"، لكن القانون دخل حيز التنفيذ بعد تصديق الرئيس الهندي رام ناث كوفيند عليه الخميس 12 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
وتعتبر الهند ثاني أكبر دولة من حيث عدد المسلمين في العالم (نحو 200 مليون) من إجمالي عدد سكان الهند البالغ مليارا و297 مليون نسمة.
ولقي القانون معارضة قوية من قبل الأحزاب السياسية المعارضة، حيث وصفت القانون بأنه "قائم على التمييز الديني ضد المسلمين، وهو الأمر الذي ينتهك الدستور الهندي الذي يجرم أي شكل من أشكال التمييز".
وبالإضافة إلى معارضة الأحزاب السياسية، اندلعت احتجاجات عنيفة منددة بالقانون في عدة مدن هندية، الأمر الذي اضطر السلطات إلى فرض حظر التجول ونشر عناصر الجيش، وقطع الإنترنت عن الهواتف المحمولة، خصوصا في مدينتي تريبورا وأسام.
وعقب تصاعد الاحتجاجات، استخدمت الشرطة الهندية الغاز المسيل للدموع وأسلحة صاعقة لتفريق الحشد في جواهاتي، عاصمة ولاية أسام الهندية، ومن المتوقع أن تشهد البلاد مزيدا من التصعيد والتوتر خلال الأيام القادمة.

سلسلة عدائية
لم يكن هذا الإجراء هو الوحيد الذي اتخذ ضد المسلمين في الهند، بل كان ضمن سلسلة إجراءات اتخذتها حكومة مودي المعادية للمسلمين، منذ وصول رئيس الوزراء الهندوسي القومي إلى السلطة عام 2014 وإعادة انتخابه في مايو /أيار الماضي، كان أبرز تلك الإجراءات إلغاء الحكم الذاتي لإقليم كشمير ذي الأغلبية المسلمة.
اللافت في الأمر أن الخطوة التي اتخذها رئيس الوزراء الهندي بإلغاء الحكم الذاتي لكشمير تزامنت مع زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى الإمارات التقى خلالها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
وأعربت الإمارات عن تأييدها لقرار الهند بإلغاء الحكم الذاتي لكشمير، معتبرة أنها خطوة تشجع على "الاستقرار والسلام" وعلى تحسين ظروف السكان، وقام عقب ذلك و قام بتقليده أرفع وسام إماراتي.
ونقلت صحيفة غولف نيوز الإماراتية الناطقة باللغة بالإنجليزية عن أحمد البنا سفير أبوظبي في نيودلهي قوله: "الخطوة التي اتخذتها الهند لإلغاء الحكم الذاتي لكشمير ستشجع على المزيد من الاستقرار والسلام"، مؤكدا أن المسؤولين الإماراتيين بالهند قدموا دعمهم لهذا القرار.
ورغم تعرض مسلمي كشمير إلى استهداف متواصل من قبل متشددين هندوس، إلا أن السلطات الهندية المحلية غالبا ما تتجاهل محاسبة المعتدين.
ولم تقتصر العنصرية على المسلمين بل طالت حتى الرموز الإسلامية، ففي ملف ترشيح الحكومة الهندية لمدينة جايبور لقائمة اليونسكو، قدمت الحكومة وصفا للمدينة الشهيرة لم يخل من عنصرية ضد المسلمين، حيث تقول الوثيقة: "جرى تخطيط جايبور وفقا للمبادئ الهندوسية لتخطيط المدن" وهو ما نتج عنه "نموذج يميل أكثر للعالمية وأكثر تقدما وأكثر تطلعا للمستقبل من مدن الهند الإسلامية" التي طُورت "في سياق سياسي يهيمن عليه الحكم الإسلامي".
بالإضافة إلى ذلك أعيدت كتابة كتب التاريخ المدرسية، مع حذف الشخصيات التاريخية المسلمة أو شيطنتها، في ولاية راجاستان وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة حزب بهاراتيا جاناتا اليميني الهندوسي الحاكم.

تجريد من الجنسية
من ضمن حلقات العداء الأبرز التي اتخذتها السلطات الهندية ضد المسلمين، هو قرار التجريد من الجنسية لملايين من المواطنين الهنديين ذي الأقلية المسلمة، ففي يوليو/تموز 2018 أسقطت الهند الجنسية عن أكثر من 4 ملايين مسلم هندي، من سكان ولاية أسام، بحجة أنهم مهاجرون غير شرعيين أتوا من بنجلاديش قبل أكثر من 40 عاما، وقالت السلطات الهندية في الولاية: إن من يثبت أنه كان يسكن في هذه الولاية قبل 24 مارس 1971، (وهو تاريخ استقلال بنجلادش عن باكستان)، فله الحق في تقديم إثباتاته وأوراقه ليتم إلغاء قرار إسقاط الجنسية عنه.
وفي أغسطس/آب الماضي نشرت المحكمة العليا في الهند قائمة أخرى تضم أسماء نحو 1.9 مليون شخص سيجردون من جنسياتهم، من سكان ولاية آسام الحدودية مع بنجلادش، في حملة تم النظر إليها بأنها موجهة ضد الأقلية المسلمة ارتدت غطاء قانونيا.
وقال ناشطون لـ "بي بي سي": إن مكتب السجل الوطني يستخدم ذلك القانون ذريعة لهجوم مزدوج (من قبل القوميين الهندوس والمتشددين الآساميين) لمنع الولاية من تسوية وضع الجالية البنغالية المسلمة.
وبات الملايين الذين تم تجريدهم من الجنسية الهندية بعد عقود من إقامتهم، بل وولادة بعضهم فيها، عرضة لخطر الاستبعاد من الهند، بعد تجريدهم من حقوقهم في الانتخابات وتعرض أملاكهم للخطر.
وتحدث عدد من الضحايا لـ"بي بي سي"، وإحداهن سيدة مسلمة تبلغ من العمر نحو 47 عاما، بأنها تعيش منذ طفولتها المبكرة في الهند، وتزوجت وأنجبت وعاشت في الهند، والآن تجد نفسها فجأة مواطنة أجنبية ومهاجرة غير شرعية.
ما يرجح أن تلك الحملة تستهدف المسلمين على وجه التحديد، أن القانون الصادر الشهر الجاري، منح كل الأقليات الحق في الحصول على الجنسية، واستثنى الأقلية المسلمة، ما يعني أن من قضى القانون بتجريده من الجنسية ولم يكن من الأقلية المسلمة، فله الحق بالحصول على الجنسية بموجب القانون الجديد، وهو التفاف واضح يستهدف المسلمين بقانون يشملهم في التجريد من الجنسية، ولا يشملهم في قرار التجنيس الأخير.
في مقال للكاتب أنيس أحمد، بصحيفة نيويورك تايمز، يقول: "الإجراء الأخير حلقة من حلقات الاستهداف الممنهج الذي تتبعه حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، التي لم تدخر جهدا منذ انتخابه في سبيل استهداف المسلمين والتضييق عليهم، حيث أقدمت حكومته على إغلاق إقليم كشمير وإلغاء الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به".
وأشار إلى أن الحكومة الهندية لا تبذل الكثير من الجهد لتنفي عن نفسها تهمة استهداف المسلمين، مستشهدا بوصف رئيس حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم أميت شاه في وقت سابق من هذا العام، المهاجرين بـ"المتسللين"، كما وصفهم بـ"النمل الأبيض" وهدد بإلقائهم في خليج البنغال.

تقارب هندي إسرائيلي
شهدت العلاقات الهندية الإسرائيلية تقاربا وتحسنا ملحوظا منذ صعود مودي للحكم، وانعكس ذلك التقارب بشكل سلبي ضد المسلمين إجمالا، وفلسطين على وجه الخصوص.
دراسة نشرها معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أشار إلى أن "صعود مودي إلى الحكم كان مؤشرا إلى تغيير السياسة الهندية للأفضل تجاه إسرائيل، وللأسوأ تجاه الفلسطينيين".
ومنذ وصول مودي إلى منصب رئيس الوزراء في الهند 2014، وهو يسعى لفرض الهند كقوة إقليمية، بالتقارب مع العديد من الحلفاء الذين يعتقد أن بإمكانه الاستفادة منهم في كبح جماح الصين وباكستان، وشهدت فترته في ذات الوقت، تغيرا في السياسة الهندية تجاه المسلمين.
مدير مركز بيغن – السادات للدراسات الإستراتيجية السابق، أفرايم إنبار، علق على العلاقات الهندية الإسرائيلية بقوله: "الأمر أكثر من عقود دفاعية، فهو يتعلق ببرنامج إستراتيجي مشترك يشمل الخوف من التطرف الإسلامي ومخاوف من اتساع الحضور الصيني، وبالطبع لا يمكن تجاهل الإمكانات الاقتصادية الضخمة لكلا البلدين".
المواجهة بين الاحتلال الهندي وحركات التحرر الكشميرية وفرت أرضية مشتركة للتعاون الإستراتيجي بين نيودلهي وتل أبيب، وهو ما أكده السفير الهندي في القاهرة بقوله: "إسرائيل لديها خبرة يمكن الاستفادة منها في مقاومة المرتزقة الذين يتسللون من جامو وكشمير ويقاومون السلطات الهندية هناك".
المصادر
- الهند تمنح الجنسية للمهاجرين ما عدا المسلمين
- رغم الاحتجاجات.. رئيس الهند يقر قانونًا يمنح الجنسية لغير المسلمين فقط
- الأمم المتحدة: قانون المواطنة الهندي يتضمن تمييزا واضحا ضد المسلمين
- الأمم المتحدة: قانون الجنسية الجديد في الهند ينطوي على "تمييز" ضد المسلمين
- الأمم المتحدة: قانون الجنسية الجديد في الهند ينطوي على "تمييز" ضد المسلمين
- ما مصير 1.9 مليون مسلم بعد تجريدهم من جنسيتهم الهندية؟
- الهند تجرد ملايين المسلمين من جنسيتهم في إقليم أسام
- الإمارات تمنح ”وسام زايد“ لرئيس وزراء الهند مودي
- الإمارات والهند.. علاقات متجذرة تتجه بقوة وثقة نحو المستقبل
- الإمارات تؤيد قرار الهند ضم كشمير
- بعد نحو 70 سنة... الحكومة الهندية تلغي الحكم الذاتي لولاية كشمير
- الصين والهند وميانمار يمحون الآثار الإسلامية
- نيويورك تايمز: لماذا تجرد الهند مواطنيها من الجنسية؟















