وسط خلافات حادة.. هل تكون قمة الناتو المنعقدة في لندن الأخيرة؟

يجتمع قادة دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" الـ29 في لندن، اليوم الثلاثاء، للاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس الحلف الدفاعي، إلا أن قمتهم تخيم عليها نزاعات حول الغرض من الناتو واتجاهه الإستراتيجي في وقت يشكك فيه قادة من داخل حلف الشمال الأطلسي نفسه بجدواه وفاعليته.
ومن أبرز منتقديه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي هاجم بعض قادة الدول الأعضاء، واصفا حلف الشمال الأطلسي "الناتو" بأنه في حالة "موت سريري".
وتشمل أجندة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في لندن حضور قمة "الناتو"، وقمة رباعية أخرى، مع كل من رئيس وزراء بريطانيا والمستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي فيما يتعلق بقضية اللاجئين والقضية السورية، كما طلب وفد كل من اليونان وبولندا عقد لقاء قمة منفصل معه.
تحديث نفسه
يأتي هذا فيما دعا أردوغان "الناتو"، إلى تحديث نفسه في ظل التهديدات التي تواجهه. خلال مؤتمر صحفي عقده قبيل توجهه إلى العاصمة البريطانية لندن، وقال: "التهديدات التي تواجهنا اليوم تفرض على حلف الناتو تحديث نفسه". وأوضح أن على حلف "الناتو" تقوية نفسه أكثر في مواجهة التهديدات، حتى لا تضطر الدول الأعضاء للبحث عن بدائل.
وتعليقا على الموضوع، قال الكاتب سامي كوهين في مقال نشرته صحيفة "ميلييت" التركية: إن القمة ينتظرها الكثير من المفاجآت ومنها الخطة الدفاعية المتعلقة ببولندا حيث لم توافق عليها أنقرة.
وبيّن أن معارضة تركيا ليس لأنها ضد عرقلة التدخل الروسي في أوروبا الشرقية، مضيفا: أنه من حيث المبدأ هناك إجماع داخل هذا التحالف، لكن في المقابل تريد أنقرة التأكيد على وجود تهديد تواجهه هي الأخرى في خاصرتها الجنوبية من قبل عناصر حزب العمال الكردستاني والوحدات الكردية، المتمركزة شمال سورية، وبذلك فعلى الدول الأعضاء عدم تقديم الدعم لتلك المليشيات، بل والوقوف في صف تركيا تجاه هذه "المنظمات الإرهابية".
ولفت الكاتب إلى أن الولايات المتحدة وثماني دول أخرى عارضت هذا الرأي ولذلك كان تصرف أنقرة على هذا النحو و"انتقمت أنقرة من داخل حلف الناتو، متصرفة بمعنى "المعاملة بالمثل" أي أن أنقرة تقول للغرب "إذا لم تدعمنا في مواجهة التهديدات، فلن ندعمك في ظل ظروف مماثلة". وعليه بعد هذا الموقف الاستثنائي من تركيا كيف سيكون مستقبل الناتو ليس واضحا حتى اللحظة؟
مخاوف أنقرة
وفي السياق ذاته، أوضح، الكاتب سادات إرجين في صحيفة "حرييت" التركية، أن دول الناتو مجبرة في الأساس على قبول مخاوف أنقرة الأمنية، بناء على "معاهدة شمال الأطلسي" حيث دول الحلفاء ملزمة بالمساعدة في الدفاع عن بعضها البعض في مواجهة أي هجوم؛ ومما لا شك فيه أن هذا يستلزم التعاون في مواجهة جميع أنواع التهديدات لأمن بعضنا البعض، بما في ذلك الإرهاب.
وأشار إلى أن الوضع هنا غريب في الحقيقة، فواشنطن لديها اتفاقيتها المتعددة مع أنقرة بما فيها المكافحة للإرهاب وتبادل المطلوبين بين الدولتين، ولكن في المقابل واشنطن نفسها لديها اتفاقيات مع عناصر "بي كاكا" التي تقاتلها أنقرة في شمال سورية، حيث الولايات المتحدة نفسها في تحالف عسكري مع وحدات حماية الشعب الكردية المشتقة من حزب العمال الكردستاني في المنطقة، حيث تنتشر شرق الفرات جنوب هذه الحدود.
وفي الاثناء لفت إرجين إلى أن أنقرة نفسها لجأت لشراء صواريخ روسية في خطوة لا تعبر عن روح التعاون الذي ينادي بها الحلف، بالنظر إلى أن الناتو يواصل اعتبار روسيا تهديدا ذا أولوية في وثائقها الرسمية وتخطيطها العسكري، في حين أن أنقرة تنادي بتغيير نظرة الحلف إلى روسيا أنها عدو.
وهذا كله بحسب الكاتب، يخلق أوضاع معقدة داخل حلف شمال الأطلسي. ومع ذلك كله تركيا تفضل البقاء داخل حلف الناتو فهي لا تريد التعامل منفردة مع روسيا ولا أن يتعامل الحلف مع روسيا دون وجود لتركيا.
حلف مستمر
الكاتب حسن بصري يالتشين كتب في صحيفة "صباح" التركية، أنه من السهل القول: إن الناتو حلف مستمر، وها هو يعقد قمته الـ70 منذ فوزه في الحرب الباردة بل أمام الاتحاد السوفييتي وعضويته تزداد منذ ذلك الوقت على الرغم أنه من العادة أن تكون الاتفاقيات ذات الخلفيات العسكرية قصيرة الأجل، تنتهي بانتهاء التهديد، لكن وعلى الرغم من أن التهديد الذي واجه دول الناتو انتهى منذ عقود طويلة، لكنه بقي واستمر بل واستمر بالنمو.
ومع ذلك أضاف الكاتب: تنظر أمريكا إلى حلف الناتو على أنه عبء وليس فرصة، لأنها لم تعد تعتبر مهمة لمصالحها الخاصة، ما يعني أن فرصة انتهاء الحلف ممكنا وذلك لأن العدو تغير من روسيا إلى الصين، والتهديد الجغرافي ليس من أوروبا ولكن من آسيا،
ورغم ذلك، أكد الكاتب: لا يمكن القول أن أمريكا قد جعلت تقييمها الإستراتيجي نهائي، على العكس من ذلك، فإن أمريكا تعاني من العمى الإستراتيجي والبطيء العملياتي على حد تعبير الكاتب، فعلى الرغم من أن هناك جهود بالفعل لمواجهات التهديدات الصينية، لكن تلك الجهود ليست مخططة و شاملة وبدلا من ذلك، يمكن القول إنها نتاج لسياسة شعبية تتأثر بالمناقشات السياسية والدبلوماسية اليومية.
ارتياح ترامب
في السياق ذاته، ذكر الكاتب برهان الدين دوران في مقال نشرته صحيفة "صباح" التركية، أن الرئيس أردوغان، سوف يعقد اجتماعا رباعيا مع ماكرون وميركل وجونسون، بعدها سيحضر غدا قمة الاحتفال بالذكرى السبعين لحلف الناتو، وفي اليوم التالي سيفتتح مسجدا في كامبريدج.
يتفق دوران مع من سبقه من الكتاب على أن الأزمة في الناتو جد كبيرة، فلا ترامب ولا ماكرون ولا حتى أردوغان راضون عما آل إليه الوضع في الحلف، غير أن استعداد الدول الأوروبية لدفع المزيد من تكلفة تماسك الناتو يشعر ترامب بشكل خاص بشيء من الارتياح، وفي الواقع يمكن للقادة الأوروبيين إعطاء ترامب حجة لاستخدامها في الانتخابات.
وأضاف أن الأيام الأخيرة التي شهدت مشادات كلامية متبادلة بين كل من أردوغان وماكرون، غير أن الأخير كان منفتحا على لقاء قمة يجمعه مع نظيره التركي، في وقت يحمل أردوغان مع جميع من سيقابلهم قضايا تتعلق بالأمن القومي لبلاده وخطة المنطقة الآمنة شمال سورية.
وتطرق دوران إلى الاتفاقية البحرية بين تركيا وليبيا، مشيرا إلى أن أكثر من اعترض على هذه الاتفاقية هي اليونان، حيث من المحتمل أن تقوم بطرح ذلك في القمة وهي الدولة العضو في الناتو، حيث وبناء على تلك الاتفاقية باتت 41 ألف كم من المساحة البحرية شرق المتوسط تسيطر عليها كل من تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية وفي تصعيد لافت، هدد وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس أمس الاثنين بطرد السفير الليبي في أثينا إذا لم يكشف تفاصيل الاتفاق العسكري الذي وقعته طرابلس مع أنقرة الأسبوع الماضي.
وصرح ديندياس أن بلاده تريد الاطلاع على الاتفاق في مهلة أقصاها يوم الجمعة، مهددا باعتبار إن السفير شخص غير مرغوب فيه وسيغادر البلاد". وقال أيضا: "لا يقتصر الأمر على عدم إطلاعنا على مضمون (الاتفاق) بل يتعداه إلى إخفائه عنا"، مضيفا: أن أثينا شعرت بأنها "خُدِعت" بعدما أبلغتها طرابلس في سبتمبر/أيلول أن أي اتفاق من هذا النوع لن يوقّع.
وفيما يبدو أن أنقرة ورغم كل هذه التوترات لن تتراجع كثيرا في مسألة الاتفاقية على العكس أعلنت دعمها لحكومة طرابلس يعززها الاتفاقية الثانية والمتعلقة بالجانب الأمني والعسكري.