في ظل الاحتجاجات.. كيف يتكبد اقتصاد العراق خسائر بالمليارات؟

لم تعد الخسائر المالية التي يتكبّدها العراق بشكل يومي، منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية قبل أكثر من شهر، تقتصر على قطع خدمة الإنترنت، وإنما تجاوزتها إلى أبعد من ذلك بكثير، بعدما أصيبت مختلف المؤسسات بشلل شبه تام في بغداد وعدد من المحافظات.
تلك الخسائر دفعت رئيس الحكومة العراقية عادل عبدالمهدي، إلى إلقاء اللوم على المحتجين، بالقول: "الاحتجاجات أدت إلى توقف العاصمة بغداد وجزء كبير من جنوب البلاد"، مضيفا: أن "الاضطرابات كلفت الاقتصاد مليارات الدولارات".
ودعا عبدالمهدي في خطاب بثه التلفزيون الرسمي بعد مضي شهر كامل على انطلاق المظاهرات في العراق مطلع أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم: المتظاهرين إلى إعادة فتح الطرق والمساعدة في إعادة الحياة الطبيعية إلى البلاد.
تدهور العملة
أول من تأثر بالأوضاع التي يشهدها العراق، هو الدينار الذي شهد تدهورا كبيرا أمام الدولار، إذ وصل سعر الصرف إلى 1250 دينار مقابل الدولار الواحد، وهذا سعر قياسي مقارنة بما قبل اندلاع الاحتجاجات، فقد كان لا يتعدى الـ 1200 دينار للدولار.
وفي حديث لـ"الاستقلال" قال "أبو إبراهيم" صاحب مكتب للصرافة والتحويل المالي: إن "سعر الصرف هذا يعتبر غير مسبوق في السنوات الأربع الأخيرة على أقل تقدير، إذ كان الدولار شبه مستقر على سعر 1200 دينار".
وأوضح: أن "الارتفاع استمر بالصعود منذ بدء الاحتجاجات، إلا أنها بلغت ذروتها عندما وصل المتظاهرون قرب محيط البنك المركزي وسط بغداد، إذ قفز نحو 4 درجات مرة واحدة".
اللواء عبدالكريم خلف المتحدث العسكري باسم رئيس الحكومة، أعلن في مؤتمر صحفي: أن البنك المركزي تعرض لـ 50 هجوما خلال الأيام الماضية من "جماعات منفلتة" شخصتها القوات الأمنية.
كما اتخذت القوات الأمنية، تدابير مشددة حول مقر البنك المركزي، وعدد من البنوك خشية وقوع حالة من الفوضى والانفلات الأمني وتعرضها إلى أعمال نهب وسرقة.
لكن المتظاهرين أكدوا: أنهم لم يتعرضوا إلى البنك المركزي، وكان وصولهم إلى المبنى لمطالبة الموظفين بالدخول في الإضراب الذي أعلنته عدد من مؤسسات الدولة تأييدا للاحتجاجات.
ولفت "أبو إبراهيم": إلى أن سوق شراء العملات الأجنبية وتحديدا الدولار لا يزال يشهد إقبالا واسعا، فالكثير من المواطنين يفضلون شراء العملة الصعبة تحسبا لأي طارئ، وتداركا كذلك لأي تدهور قد يصيب العملة المحلية.
ونوه: إلى أن التجار يقبلون أيضا بشكل كبير على شراء الدولار، لأن الاستيراد يعتمد على الدولار، والتدهور الكبير في سعر الدينار يعني في المقابل ارتفاع في أسعار السلع الغذائية وغيرها من المنتجات المستوردة.
وتسببت الأوضاع التي يشهدها العراق منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول، إلى حدوث اضطراب في أداء البنوك، وإرباك في توزيع رواتب الموظفين والمتقاعدين، إذ تأخرت الحكومة أكثر من أسبوع في صرف الرواتب.
وفي حديث لـ"الاستقلال" قال صاحب أحد منافذ "كي كارد" المعنية بتوزيع رواتب الموظفين في بغداد: "البنوك الحكومية أخرت صرف المبالغ المالية التي نوزعها بدورنا إلى الموظفين، ليس ذلك فحسب وإنما رفعت المبالغ المستقطعة من الرواتب للضعف".
وأكد صحاب المنفذ (رفض ذكر اسمه): أن عملية الإرباك هذه ورفع مبالغ الاستقطاع جنى منها البنك المركزي في بغداد وحدها نحو 240 مليون دينار (201 ألف دولار). في يوم واحد فقط صرفت فيه 800 مليار دينار (671 مليون دولار) رواتب للموظفين، منتقدا في الوقت ذاته "استغلال الحكومة لأزمات البلد، بهذه الطريقة، واعتبرها إحدى طرق الفساد".
غلق الموانئ
شهدت الأسواق في بغداد وعدد من المحافظات، ارتفاعا ملحوظا في أسعار السلع الغذائية، لا سيما في أوقات فرض حظر التجوال، وانقطاع الطرق الرئيسة الرابطة بالطرق الخارجية.
وعزا رئيس الحكومة ذلك إلى أن تهديد المصالح النفطية وقطع البعض الطرق عن موانئ العراق يتسبب بخسائر كبيرة تتجاوز المليارات، ويؤخر وصول البضائع، وهذا وغيره يرفع الأسعار.
وأغلق المتظاهرون ميناء أم قصر وميناء خور الزبير اللذين يعدان من أكبر الموانئ في البلاد بعد قطع الطرق المؤدية إليهما وإغلاقها بقواطع خرسانية، مؤكدين: أن الهدف منها هو "الضغط على الحكومة وإجبارها على الاستقالة بعد فشلها في إدارة البلاد، وكذلك منع دخول أي مواد يمكن أن تستخدمها القوات الأمنية في ضرب المتظاهرين خاصة قنابل الغاز المدمع".
من جهته، أكد عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان فلاح عبدالكريم: أن إقدام المتظاهرين على غلق المنافذ الحدودية "سيؤثر سلبا على اقتصاد البلاد"، العراق يتكبد يوميا 10 مليون دولار جراء ذلك".
وقال عبدالكريم: "غلق ميناء أم قصر بمحافظة البصرة من قبل المتظاهرين له تداعيات سلبية كبيرة على الاقتصاد وسيمنع مرور الشاحنات المحملة بالبضائع التجارية والمواد الغذائية".
وأدى غلق الميناء المخصص للسلع الأولية، بحسب مسؤولين، لمدة 9 أيام إلى توقف جميع العمليات فيه، إذ يستقبل أم قصر واردات الحبوب والزيوت النباتية وشحنات السكر التي تغذي البلد الذي يعتمد إلى حد كبير على الأغذية المستوردة.
وبسبب القيود الأمنية المشددة التي تفرضها السلطات وعلى رأسها فرض حظر التجوال، باتت الكثير من المواد الغذائية شحيحة، ولا سيما تلك التي أوقف استيرادها مؤخرا، الأمر الذي أدى إلى السماح بدخول المستورد وبأسعار تتجاوز الضعفين لبعض الخضروات ومنتجات الألبان.
قطع الإنترنت
شركة "نت بلوكس" المتخصصة في مراقبة خدمات الإنترنت قدرت خسائر قطع الخدمة على الاقتصاد بنحو مليار و358 مليون دولار خلال أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، وتمثل هذه الخسارة ما يقرب من 0.5 من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وقالت الشركة في تقريرها: "اتضح من البيانات الاقتصادية أن أكبر خسارة اقتصادية فردية لم تنجم عن انخفاض الإنتاجية أو نقص العمالة، وإنما من تشويش الحكومة على شبكة الإنترنت الخاصة بها".
وأفادت تقارير نقلا عن مصادر في البنك المركزي: أن القطاع الخاص تضرر من قطع الإنترنت الذي فرضته الحكومة لمحاولة كبح الاضطرابات في البلد.
وأشارت: إلى أن "البنوك الخاصة سجلت خسائر تبلغ حوالى 16 مليون دولار يوميا منذ أول انقطاع للإنترنت في أوائل أكتوبر/تشرين الأول المنصرم".
وأكدت المصادر: أن الخسائر المجمعة للبنوك الخاصة وشركات الهاتف المحمول وخدمات تحويل الأموال والسياحة ومكاتب حجز تذاكر الطيران تتجاوز في المتوسط 40 مليون دولار يوميا، وهو ما يعادل نحو 1.5 مليار دولار خلال أكثر قليلا من شهر.
وانخفضت الاتصالات الوطنية إلى ما دون 19 في المئة، ما أدى إلى عزل عشرات الملايين من المستخدمين عن الشبكة العالمية. وطال قطع الإنترنت جميع أنحاء بغداد، كما أثر في البصرة وكربلاء ومدن أخرى.
ولجأت السلطات أكثر من مرة إلى قطع الخدمة وحجب مواقع التواصل الاجتماعي لمواجهة توسع رقعة الاحتجاجات، التي وصل عدد ضحاياها، حسب مفوضية حقوق الإنسان في العراق، إلى 301 قتيل و15 ألف جريح، منذ 25 أكتوبر الماضي.
المصادر
- مظاهرات العراق: رئيس الوزراء عادل عبد المهدي يحذر من خسائر بمليارات الدولارات
- بالأرقام.. الخسائر المالية لانقطاع الإنترنت في العراق
- عبد المهدي: خسائر العراق جراء الاحتجاجات تجاوزت المليارات
- البنك المركزي العراقي يعترف بخسائر بملايين الدولارات جراء قطع الانترنت
- خلف: البنك المركزي تعرض لـ 50 عملية هجوم
- مظاهرات العراق تمتد إلى إغلاق الموانئ.. وهذه هي الأهداف
- خسائر اقتصادية كبيرة يتكبدها العراق بعد غلق ميناء أم قصر
- مفوضية حقوق الإنسان بالعراق: وصول عدد ضحايا الاحتجاجات إلى 301 قتيل و15 ألف جريح