سباب في كل العواصم.. ماذا بينك وبين الشعوب العربية يا سيسي؟

"هنا القاهرة من دمشق، هنا مصر من سورية، لبيك لبيك يا مصر"، كلمات بثها الإذاعي السوري عبد الهادي البكّار، عبر أثير الراديو معبرا عن تضامن الشعوب العربية مع مصر ضد العدوان الثلاثي (بريطانيا، فرنسا، إسرائيل) عام 1956.
في الوقت الراهن، نجح رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي في أن يوحد العرب مرة أخرى، لكن على كراهيته المطلقة، وبغضه الكامل، فلا يوجد شعب عربي يخرج في حراك أو ثورة أو انتخابات إلا ويصب لعناته وسخطه على السيسي؟.
ماذا بين السيسي وبين الشعوب العربية والإسلامية كي يوحدوا هتافهم ضده، ويجمعوا أمرهم ويسبونه بأحط الألفاظ وأقذرها؟.
الحاضر الغائب
مع انتفاضة الشعب اللبناني في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، واعتصام عشرات الآلاف في ساحة رياض الصلح، أمام مقر الحكومة ببيروت، ووسط هتافات غاضبة، وعبارات لاذعة وجهوها لرؤساء الحكومة، وقادة الأحزاب والفصائل، كان حضور السيسي في خضم الهتافات الساخطة ملفتا، ونال وابلا من الشتائم، وتطور الأمر إلى تدشين هاشتاجات، وكوميكس ساخر منه.
واستدل اللبنانيون على أن قرارات حكومتهم التي يرونها خاطئة وأضرت بهم ودعتهم للخروج في الاحتجاجات مشتقة من سياسة السيسي، التي أصبحت نموذجا للحكومات المستبدة والفاشلة في منطقة الشرق الأوسط.
في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، التقى السيسي برئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري للوقوف على مستجدات الأوضاع في بيروت بعد استقالته المفاجئة من الرياض.
وفي 13 فبراير/ شباط 2017، قام الرئيس اللبناني ميشال عون، بزيارة رسمية إلى القاهرة، واستقبله السيسي، وقال عون حينها في مدح السيسي: "تجربتكم في التنمية نموذج يحتذى به في المنطقة".
وفشلت الحكومات اللبنانية المتعاقبة في القيام بإصلاحات بنيوية وتأهيل المرافق العامة وتحسين الخدمات والبنى التحتية. ويجد اللبناني نفسه مضطرا لأن يدفع كلفة الخدمات الأساسية مضاعفة كالكهرباء والمياه التي لا تتوفر دائما. كما تعد كلفة الاتصالات الخلوية في لبنان من الأكثر ارتفاعا في المنطقة.
"عدو الله"
في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، آلاف التونسيين احتشدوا في الميادين الرئيسية بالعاصمة، إثر انتهاء عملية الاقتراع وإعلان المرشح الرئاسي "قيس سعيّد" فوزه بالانتخابات.
وفي خضم الاحتفالات هتف التونسيون ضد السيسي، قائلين: "لا إله إلا الله.. محمد رسول الله.. السيسي عدو الله".
ونشرت سمية، نجلة رئيس حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي، فيديو الهتافات المسيئة لرئيس النظام المصري، في حسابها الشخصي على تويتر.
وعلق المذيع التونسي عبد الله الماهي، على الحدث ساخرا: "محبوب جدا السيسي لدى الشعب المصري والشعوب العربية.. علشان كده بيدعوا عليه في كل مكان، إن ربنا ياخده!".
وتسبب الهجوم على السيسي في تونس، بحالة غضب داخل الأوساط الإعلامية المصرية المحسوبة على النظام، وكان في مقدمة الغاضبين، الإعلامي عمرو أديب المقرب من السيسي مستنكرا هتاف التونسيين ضد رئيسه.
وقال أديب منفعلا ومستنكرا: "عندي سؤال واحد بس حاجة غريبة شيء غريب أنا ما أقدرش أفهم أبدا أن يبقى عندي انتخابات هنا مثلا في مصر ويفوز فيها رئيس فأنزل أهتف ضد رئيس تونس".
وتساءل أديب: "ليه؟! أنا عايز أفهم المنطق في الحكاية إيه؟ الناس دي ليلة فوزهم يعني المفروض ليلة الفوز بتاعتك بقى ورئيسك، وترنو إلى مستقبل وعندك مطالب، وفي تحديات اقتصادية فتطلع تهتف ضد الرئيس المصري.. ليه يا جماعة ؟ إحنا بنقرب لكم؟ إحنا بندّخل في شؤونكم؟ إحنا لينا أي دعوة بيكم؟.
الأكاديمي المصري الدكتور عطية عدلان قال لـ "الاستقلال": "ليس غريبا ولا عجيبا أن نرى الشعوب العربية في فعالياتها المختلفة تهتف ضد السيسي ونسمعها تردد: (لا اله الا الله محمد رسول الله.. السيسي عدو الله)".
وأردف: "ليس غريبا ولا عجيبا؛ لأن الشعوب العربية أمة واحدة؛ فعدو بعضها عدو لها كلها بل وعدو لربها الذي تعبده.. إن الشعوب العربية شعوب واعية تدرك أن السيسي عندما قام بانقلابه أحدث انقلابا كبيرا في مسيرة التغيير كلها".
وأكد المفكر عدلان أن: "الشعوب العربية إذا تحركت فإن الشارع يكون مصدر إلهام لها فتنطق بالحكمة، شتمها للسيسي وإهانتها له هي الحكمة بعينها، فمن أحب أن يلهم الصواب فليردد مع زئير الشعوب ويهتف ضد السيسي معلنا العداوة له والبراءة منه".
الجزائر الثائرة
منذ 22 فبراير/ شباط 2019، أظهر الجزائريون في حراكهم، مع خروج عشرات الآلاف إلى الميادين، للمطالبة بإسقاط النظام، ورحيل الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة من الحكم، كراهية بادية للسيسي، وهتفوا ضده في مظاهراتهم.
وفي 21 يونيو/ حزيران الماضي، بعد أيام من وفاة الرئيس محمد مرسي، وقف الجزائريون بصوت موحد وهادر، ورددوا بوسط العاصمة الجزائر هتاف "لا إله إلا الله محمد رسول الله والسيسي عدو الله"، رافعين صور الرئيس الراحل محمد مرسي خلال تظاهراتهم الأسبوعية.
وفي 30 سبتمبر/ أيلول الماضي، خلال مباراة شباب بلوزداد الجزائري وضيفه بيراميدز المصري في إياب الدور الـ32 من مسابقة كأس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، تعرض السيسي لهتافات غاضبة من الجماهير الجزائرية في المدرجات.
وفي الدقيقة 78 من المباراة هتفت الجماهير قائلة: "لا إله إلا الله. محمد رسول الله. السيسي عدو الله"، وكأن هذا الهتاف أصبح موحدا، ومعتمدا في دول المغرب العربي ضد السيسي.
المحلل السياسي الجزائري الدكتور إدريس ربوح قال لـ "الاستقلال" تعليقا على الهتافات ضد السيسي في سائر أنحاء الوطن العربي: "الشعوب العربية أصبحت أكثر وعيا ودراية من ذي قبل، فالسيسي أجهض التجربة الديمقراطية لأكبر بلد عربي، والشعوب العربية تعرف أن مصر بلد أساسي في المنطقة، وهي ثلث العرب، والتي تقود المنطقة منذ قديم الأزل، فلا يمكن أن يتم فصلها، وعزلها عن بقية الشعوب، الغاضبة مما يحدث لمصر، من انتكاسة وتدهور على يد جنرالها العسكري".
وأكد: "السيسي ورط مصر في التطبيع مع المشروع الصهيوني بدلا من مواجهته، وكان الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي، يمثل انتكاسة حقيقية للربيع العربي، والجماهير تنفر وتكره كل ما يرمز لهذه الانتكاسة، وعلى رأسهم عبد الفتاح السيسي".
وذكر ربوح، أن: "السيسي قدم صورة لا تليق بمصر، والشعوب اعتبرته رمزا للتدهور، وضعف الدولة، والانقلابات، والتزوير، ومن هنا تأتي الهتافات من عمق الشعب العربي، إلى مصر، فلا يوجد بلد عربي لا يرتبط بالشعب المصري عن طريق السياسة، والسينما، والتعليم، والعمل".
واختتم السياسي الجزائري حديثه: "مع صحوات الديمقراطية، ورفض النظام العسكري، حتى في البلدان النامية، ومجاهل إفريقيا، قدم السيسي أسوأ صورة لحاكم ونظام عربي، وبالتبعية تخشى الشعوب تكرار هذا النموذج الفج في بلادها".
السودان يحتج
في 26 أبريل/ نيسان 2019، انطلقت مسيرة من الثوار، صوب السفارة المصرية، معترضين على ما اعتبروه تدخلات مصرية سافرة في شأن السودان، وذلك في إطار ما أطلق عليه المتظاهرون اسم "مليونية السلطة المدنية".
ورفع المتظاهرون شعار "قل للسيسي دا السودان، أنت حدودك بس أسوان" من أمام السفارة المصرية في الخرطوم، احتجاجا على تدخل السيسي في شؤون بلادهم.
وتصاعد الغضب في الأوساط السودانية على خلفية رصدهم لتورط النظام المصري بقيادة السيسي في محاولات التحكم في مسار الأوضاع، والانحياز إلى المجلس العسكري القائم بقيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه حميدتي، مع التمهيد لهم إقليميا ودوليا.
في 23 أبريل/ نيسان 2019 استضافت القاهرة القمة التشاورية للشركاء الإقليميين للسودان، ووافقت على منح المجلس العسكري الانتقالي في السودان مهلة 3 أشهر للانتقال السلمي للسلطة بدلا من 15 يوما، ثم طالب البيان المشترك للقمة التي دعا إليها السيسي، بصفته رئيسا للاتحاد الإفريقي، مجلس الأمن التابع للاتحاد بأن: "يمدد الجدول الزمني الممنوح للسلطة السودانية 3 أشهر".
الأمر أثار حفيظة الشارع السوداني المنتفض، ورفضوه شكلا وموضوعا، خاصة مع تخوف مستمر من تكرار نموذج الثورة المصرية، التي غدت مضربا للأمثال، بعد وأدها على يد الجيش، بالانقلاب العسكري الذي نفذه السيسي يوم 3 يوليو/ تموز 2013، وإطاحته بأول نظام منتخب تحت قيادة الرئيس الأسبق محمد مرسي، ليصبح ذلك السيناريو بمثابة فزاعة يُخشى من تكرارها في مواطن الثورة والتغيير.
وفي 17 أغسطس/ آب الماضي، احتفل سودانيون على مواقع التواصل الاجتماعي بخبر اعتذار السيسي عن الحضور إلى الخرطوم للمشاركة في حفل توقيع الاتفاق النهائي بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير.
"الخبيث" في المغرب
في 13 فبراير/ شباط 2019، هاجمت جماهير الرجاء البيضاوي المغربي، عبد الفتاح السيسي، والمدرب التونسي فوزي البنزرتي في لافتة رفعتها خلال مباراة الديربي أمام الوداد. ورفعت جماهير النسر الأخضر، "لافتة مهينة" ضد المدرب التونسي فوزي البنزرتي، تذكره بموقفه المساند للسيسي.
وكتب في اللافتة التي رفعت بمدرجات مركب محمد الخامس بالدار البيضاء: "لولا اسم الرجاء الرياضي لذهبت يا ط... في داهية"، وذلك على وزن "لولا عبد الفتاح السيسي لذهب العالم العربي في داهية".
وقالت الصفحة الرسمية لفصيل "الإيغلز" المساند للرجاء البيضاوي: إن هذه الرسالة جاءت ردا على مدرب الوداد الجديد، فوزي البنزرتي الذي أساء للشعب المصري الشقيق والشعوب العربية بسبب قوله: "لولا اسم عبدالفتاح لذهب العالم العربي في داهية".
وتابع الفصيل الرجاوي: "الخبيث يساند الخبيث، والرجاء من تصنع الأسماء، ولن يفلح المرتزقة خارج أسوارها".
وفي 27 يونيو/ حزيران الماضي، ودع جمهور نادي الوداد المغربي الرئيس الراحل محمد مرسي، خلال احتفالهم بالفوز بالبطولة المغربية لكرة القدم عبر رفع صورة ضخمة مرسومة له.
وقامت الجماهير بالهتاف لمرسي وترديد هتافات ضد السيسي على رأسها هتاف "السيسي عدو الله لا إله إلا الله مرسي حبيب الله".
المصادر
- تونسيون يهتفون ضد السيسي خلال احتفالات بفوز قيس سعيد [فيديو]
- السيسي حاضراً في هتافات التونسيين أيضاً: "عدوّ الله"
- سودانيون يحتفلون باعتذار السيسي عن زيارة الخرطوم: بركات الثورة
- مظاهرة بالخرطوم تندد بـ"تدخل السيسي في الشأن السوداني"
- الجزائريون يتفاعلون مع المظاهرات ضد السيسي: عين على حراكهم والأخرى على مصر
- كيف علقت الجماهير المغربية على إعدامات السيسي؟
- جمهور الرجاء المغربي يهاجم "السيسي" والبنزرتي
- «السيسي عدو الله».. هكذا ودعت جماهير الكرة المغربية مرسي
- أزمة بين مصر وتونس بعد هتاف تونسيين ضد السيسي