السودانيون ينتفضون ضد السيسي.. كيف يتدخل بشؤونهم؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"قل للسيسي دا السودان، أنت حدودك بس أسوان"، شعار رفعه المتظاهرون السودانيون، من أمام السفارة المصرية في الخرطوم، احتجاجا على تدخل رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في شؤون بلادهم.

ففي 26 أبريل/ نيسان 2019، انطلقت مسيرة من الثوار، صوب السفارة المصرية، معترضين على ما اعتبروه تدخلات مصرية سافرة في شأن السودان، وذلك في إطار ما أطلق عليه المتظاهرون اسم "مليونية السلطة المدنية".

وتصاعد الغضب في الأوساط السودانية على خلفية رصدهم لتورط النظام المصري بقيادة السيسي في محاولات التحكم في مسار الأوضاع، والانحياز إلى المجلس العسكري القائم بقيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه حميدتي، مع التمهيد لهم إقليميا ودوليا.

استضافت القاهرة القمة التشاورية للشركاء الإقليميين للسودان في 23 أبريل/ نيسان 2019، ووافقت على منح المجلس العسكري الانتقالي في السودان مهلة 3 أشهر للانتقال السلمي للسلطة، ثم طالب البيان المشترك للقمة التي دعا إليها عبد الفتاح السيسي، بصفته رئيسا للاتحاد الأفريقي، مجلس الأمن التابع للاتحاد بأن "يمدد الجدول الزمني الممنوح للسلطة السودانية 3 أشهر".

وهو الأمر الذي أثار حفيظة الشارع السوداني المنتفض، ورفضوه شكلا وموضوعا، خاصة مع تخوف مستمر من تكرار نموذج الثورة المصرية، التي غدت مضربا للأمثال، بعد وأدها على يد الجيش، بالانقلاب العسكري الذي نفذه السيسي يوم 3 يوليو/ تموز 2013، وإطاحته بأول نظام منتخب تحت قيادة الرئيس الأسبق محمد مرسي، ليصبح ذلك السيناريو بمثابة فزاعة يُخشى من تكرارها في مواطن الثورة والتغيير.

موقف السيسي

في 23 أبريل/ نيسان 2019، قال السيسي خلال القمة التشاورية للشركاء الإقليميين للتباحث حول الشأن السوداني: إن "أهمية العمل على وضع تصور مشترك لتحقيق الاستقرار في السودان، بما يضمن الملكية الكاملة للشعب السوداني لبلورة العملية السياسية بالبلاد، ويحافظ على مؤسسات الدولة"، منوها في هذا الصدد إلى "ضرورة قيام الزعماء الأفارقة بتبني موقف موحد لمساعدة الشعب السوداني الشقيق خلال الظرف الراهن عن طريق إيصال رسالة إلى العالم تؤكد ملكية دول القارة لوسائل حل النزاعات والخلافات بها بعيدا عن التدخلات الخارجية".

وأضاف رئيس النظام المصري، أنه "في ظل حساسية الحدث التاريخي في السودان، وأهمية تحديد المسار السياسي ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية على الساحة السودانية، فإنه يتعين على المجتمع الدولي إبداء التفهم وتقديم الدعم والمساندة، للمساهمة في تهيئة المناخ المناسب للتحول الديمقراطي السلمي الذي ينشده الشعب السوداني، إضافة إلى أهمية دور المجتمع الدولي في تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية الضاغطة، التي تمثل عقبة حقيقية أمام تحقيق الطموحات المنشودة وتقوض من فرص تحقيق الاستقرار، لذا يقع على عاتق الدول الشقيقة والصديقة للسودان، وكافة الأطراف الدولية، تقديم الدعم والمساعدات لتمهيد الطريق أمام انطلاق السودان لرسم مستقبل جديد".

وأكد السيسي، أهمية قيام رئيس الاتحاد الأفريقي بمواصلة الحوار مع جميع أطراف القضية السودانية، قائلا: "طالبنا السلطات السودانية بمواصلة انخراطهم في البناء مع الاتحاد الأفريقي".

وفي 23 أبريل/ نيسان 2019، أعرب رئيس المجلس العسكري السوداني عبدالفتاح البرهان عن شكره لثقة وتعاون عبدالفتاح السيسي مع المجلس، كما شكر البرهان الاتحاد الأفريقي والسعودية والإمارات على ما اعتبره مد يد العون للسودان.

رجال السيسي في السودان

في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2018، وصل إلى العاصمة السودانية الخرطوم، مدير جهاز المخابرات العامة المصرية عباس كامل، ووزير خارجية مصر سامح شكري، وجاءت هذه الزيارة أثناء اشتعال الثورة في جميع أرجاء السودان، ومطالبة المتظاهرين برحيل وإسقاط نظام عمر البشير.

وأفاد بيان الخارجية السودانية في ذلك الوقت، بأن الزيارة تأتي لحضور اجتماعات بين الجانبين، وتعزيز سبل العلاقات الثنائية، والقضايا الإقليمية المشتركة بين البلدين.

غير أن "تجمع المهنيين السودانيين" الذي يقود المظاهرات، إضافة إلى النشطاء أبدوا انزعاجهم، وطالبوا السيسي بعدم التدخل في شؤون بلادهم، وحذروا من نتائج هذه الزيارة على الاحتجاجات الشعبية.

ولكن جسر الزيارات الأمنية والدبلوماسية لم يتوقف بين البلدين، ففي 5 يناير/ كانون الثاني 2019، استقبل السيسي نائب الرئيس السوداني محمد الميرغاني، وقال له: إن "الاستقرار السوداني جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري".

السيسي والبشير

في أوج الاحتجاجات التي شهدها السودان، توجه البشير إلى القاهرة، في محاولة منه لإنقاذ نظامه، عله يجد السند من الجارة الشمالية، وفي 27 يناير/ كانون الثاني 2019، وصل الرئيس السوداني المعزول إلى مصر، وخلال مؤتمر صحفي أمام نظيره عبد الفتاح السيسي، صرح البشير بأن "هناك محاولات لزعزعة الاستقرار في بلاده، من خلال محاولة تكرار تجارب الربيع العربي"، وأقر قائلا: "إن هناك مشكلة في البلاد، ولكنها ليست بالحجم الذي يعكسه الإعلام، وهناك محاولة استنساخ الربيع العربي في السودان بنفس المواقف والشعارات".

على الجانب الآخر، أعلن السيسي أن "لقاءآته المتكررة بالبشير تؤكد التنسيق الكامل بين الدولتين والسعي المستمر والدؤوب لدعم المصالح المشتركة بين الشعبين والدولتين في كل المجالات وعلى جميع الأصعدة".

وقال السيسي: إن "لقائي بأخي فخامة الرئيس عمر البشير اليوم يعد اللقاء الثامن الذي يجمعني به منذ يناير 2018، كما شهد العام الماضي العديد من الزيارات المتبادلة بين كبار المسئولين من البلدين؛ الأمر الذي يؤكد التوجه الذي بات ثابتا وواضحا في سياسة الدولتين الشقيقتين، وهو التنسيق الكامل بينهما والسعي المستمر والدؤوب لدعم المصالح المشتركة بين الشعبين والدولتين في كل المجالات، وبما يتناسب مع الروابط التاريخية والمصالح المشتركة بينهما والتي يندر أن تتكرر بين بلدين على مستوى العالم".

ماذا يريد السيسي من السودان؟

في 14 فبراير/ شباط 2019، نشر مركز "كارنيغي للشرق الأوسط"، تقريرا عن العلاقات المصرية السودانية، تحت عنوان "ماذا يريد السيسي من السودان؟" أورد فيه: "أن  النظام المصري يخشى من أنه إذا استمرت الاحتجاجات السودانية لفترة طويلة، فإن استمرار العنف والفوضى سوف يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية على طول الحدود".

وأوضح المركز: "فعلى سبيل المثال، في تشرين الأول/أكتوبر 2017، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على ثلاثة مشتبه بهم بحوزتهم 106 أسلحة نارية و20 ألف طلقة ذخيرة تم تهريبها من السودان إلى محافظة قنا في صعيد مصر، كما يأخذ المهربون مواطنين من دول أفريقيا جنوب الصحراء عبر الحدود المصرية السودانية، ولاسيما اللاجئين الإريتريين الذين يسعون للوصول إلى إسرائيل، وهكذا، فإن السيسي يدعم البشير بدافع القلق من أن عدم الاستقرار سيزيد التهريب إلى مصر، ومن أجل ضمان دعم البشير لتشديد الأمن على طول الحدود".

أكد التقرير، أن "السيسي يحاول عبر تقديمه الدعم إلى البشير، حماية حكمه، ولكن وزارة الخارجية المصرية تُذكّر البشير، من خلال تسليط الضوء على دعمها للاستقرار السوداني، بأنها تستطيع سحب هذا الدعم في أي وقت، وهذا يسمح لمصر باستغلال الاحتجاجات لزيادة الضغط على البشير، وتحديد أكبر عدد ممكن من التنازلات"

عقبات مفصلية

محاولات السيسي التدخل والتحكم في الشأن السوداني مستمرة، باعتبار أن السودان هي الحدائق الخلفية لمصر، وجزء بالغ الأهمية في أمنها القومي، إضافة إلى خشية النظام المصري من فكرة إعادة تصدير ثورات الربيع العربي، ولا شك أن أكبر ما يواجه سعي السيسي هو استمرار الاحتجاجات الرافضة للمجلس العسكري، وتحديدا الاعتصام القائم أمام مقر الجيش في العاصمة الخرطوم.

ومن العقبات التي تقف حائلا أمام رئيس النظام المصري، الوضع المتدهور لحقوق الإنسان في بلده، وهو ما  يضاعف حذر السودانيين من عاقبة تكرار النموذج المصري لما بعد الثورة.

كما أن محاولات السيسي جاءت ضمن صراع بدأ من الخارج على السودان، لاستباق الثورة ومحاولة وقف وصول حكومة منتخبة قد تغير الكثير من المعادلات في المنطقة، وهو الهدف الذي تعمل القاهرة، والرياض، وأبوظبي على منعه في كل الظروف.