دعوات لدفع اللاجئين في ألمانيا نحو سوق العمل.. ما خطة برلين؟

"هناك عقبات بيروقراطية تمنع البدء السريع في العمل"
في خطوة يتوقع أن توفر الكثير من الأموال، تزايدت الدعوات في ألمانيا لإدخال المزيد من الأفغان والسوريين في سوق العمل بدلا من الاكتفاء بتلقي المساعدات الاجتماعية الحكومية للعيش هناك.
فبعد عشر سنوات مما يعرف بموجة اللجوء الكبرى إلى ألمانيا من دول الشرق الأوسط وإفريقيا، وجدت الحكومة الألمانية أن معظم اللاجئين بلا وظائف، ولا يزالون يتمتعون بمزايا اللاجئ.
تدعيم سوق العمل
ولهذا، دعا نائب رئيس كتلة "الاتحاد المسيحي" في البرلمان الألماني ماتياس ميدلبرغ، في 27 أغسطس/آب 2025 إلى إدخال المزيد من الأفغان والسوريين المستفيدين من ميزة "إعانة المواطن" في سوق العمل.
ورأى ميدلبرغ وهو سياسي في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في حديث لصحيفة “بيلد” أن تشغيل هؤلاء اللاجئين سيسهم في خفض الإنفاق العام وتخفيف الأعباء عن ميزانية الدولة.
وارتفعت النفقات الإجمالية لإعانة المواطن عام 2024 إلى نحو 47 مليار يورو، أي بزيادة قدرها أربعة مليارات عن العام السابق.
ويريد "الاتحاد المسيحي" الذي يضم الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي خفض النفقات، وينتقد بشكل خاص ضعف مشاركة السوريين والأفغان في سوق العمل، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الألمانية.
وقال ميدلبرغ: إن"36.7 بالمئة فقط من السوريين و37 بالمئة من الأفغان يعملون في وظائف خاضعة للتأمين الاجتماعي (أي موظف مسجل رسميا ويدفع الضرائب).
وأوضح أنه في المقابل، يحصل 52.8 بالمئة من السوريين و46.7 بالمئة من الأفغان على إعانة المواطن وهذا يدل على أن هناك "إمكانات كبيرة غير مستغلة للانخراط في سوق العمل".
وأضاف: "لا يمكننا أن نقبل أن مئات الآلاف من الشباب طالبي اللجوء يبقون هنا في ألمانيا لعقود دون عمل، لذلك يجب على مكاتب التوظيف تكثيف جهودها مع هاتين الفئتين السكانيتين".
وفي مقابلة منفصلة مع قناة "فيلت" التلفزيونية، أشار ميدلبرغ إلى أن "المهاجرين من بولندا أو رومانيا لا يحصلون إلا بنسبة 6 إلى 8 بالمئة على إعانة المواطن، وهي نسبة مقاربة للألمان أنفسهم".
واستدرك: "علينا أن نصل إلى مثل هذه المعدلات – على الأقل في المدى المتوسط – بالنسبة لمن جاءوا إلينا عبر اللجوء".
وعلى الرغم من تشديد سياسة اللجوء بشكل ملحوظ التي انتهجتها الحكومة الفيدرالية الجديدة، المؤلفة من الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، لم يتغير شيء في هذا الصدد.
ومع ذلك لا يزال دمج اللاجئين وطالبي اللجوء في بعض المدن الألمانية يُمثل تحديا كبيرا للعديد من البلديات التي تُواجه صعوبات كبيرة في توفير المنازل وأماكن اللجوء.
وفي تلك المدن هناك ألمان من أصحاب الدخل المحدود، وطالبو لجوء، ولاجئون مقيمون منذ سنوات، وجميعهم يتنافسون على مساكن بأسعار معقولة، الأمر الذي يدفع السلطات لضرورة ضبط الهجرة وتنظيمها والحد منها.
على سبيل المثال، في مدينة لينيش التي يبلغ عدد سكانها 13 ألف نسمة وتقع في ولاية شمال الراين-وستفاليا، على مقربة من الحدود البلجيكية والهولندية، تواصل حكومة المقاطعة استقبال لاجئين جدد شهريا.
يعيش فيها حاليًا 260 لاجئًا، قادمين من سوريا وأفغانستان وأوكرانيا والقارة الإفريقية، ولم يتغير هذا العدد مقارنة بعام 2024.

أبرز العقبات
وأظهرت دراسة أجراها معهد أبحاث التوظيف التابع للوكالة الاتحادية للتوظيف (IAB) في أغسطس 2025 "أن الإمكانات الأكبر لزيادة فرص العمل بين اللاجئين تكمن في أيدي النساء".
ومع ذلك، تبقى إحدى العقبات الرئيسة "عدم كفاية فرص الحصول على رعاية الأطفال في بعض الأحيان".
علاوة على ذلك، غالبا ما تكون اللاجئات أقل تأهيلا تعليميا وتدريبيا، ويعانين من وضع صحي أسوأ من الرجال. إضافة إلى ذلك، غالبا ما يتأخرن في الالتحاق بدورات الاندماج.
وفقا للدراسة، كان 64 بالمئة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 عاما والمتقاعدين، والذين وصلوا إلى البلاد عام 2015، يعملون عام 2024.
وهناك فجوة كبيرة نسبيا في دخل اللاجئين مقارنة بعامة السكان في ألمانيا، فقد ارتفع وفق الدراسة ذاتها متوسط الدخل الشهري للموظفين بدوام كامل من اللاجئين من 1398 يورو عام 2016 إلى 2675 يورو عام 2023.
ومع ذلك، لا يزال هذا يمثل 71 بالمئة فقط من دخل عامة السكان، ويعني المتوسط أن نصف الموظفين بالضبط يتقاضون رواتب أعلى، بينما يتقاضى النصف الآخر رواتب أقل.
عند تفسير بيانات الأجور، أشارت هيئة التوظيف الدولية (IAB) إلى أن العديد من اللاجئين ما زالوا صغارا، وبالتالي "في بداية مسيرتهم المهنية".
ومع ذلك، تُظهر الأرقام أهمية تدابير التدريب، والاعتراف بالمؤهلات المهنية، والتطوير المهني المُستهدف لضمان "اندماج مستدام في سوق العمل وآفاق التقدم".
ووفقا لهيئة IAB، هناك أيضا العديد من العقبات البيروقراطية التي تمنع البدء السريع في العمل.
ومن النتائج الأخرى للدراسة، أنه كلما ازدادت حدة المواقف المعادية للأجانب في منطقة ما، قل نجاح اندماج اللاجئين في سوق العمل.
وتلك العقبات تتعلق بتعليق لم شمل الأسر وبإجراءات اللجوء والإقامات الطويلة في سكن مشترك، والمزايا العينية وبطاقات الدفع، ومتطلبات الإقامة.
وصدق البرلمان الألماني (البوندستاغ)، 27 يونيو/حزيران 2025، على قانون يقضي بتعليق لم شمل أسر اللاجئين الحاصلين على "الحماية الثانوية" لمدة عامين.
وقد أثار القرار جدلا واسعا داخل أروقة البرلمان، وشكل أولى الخطوات ضمن حزمة قوانين جديدة يسعى وزير الداخلية الاتحادي، ألكسندر دوبرينت، إلى تمريرها بهدف الحد من تدفق المهاجرين واللاجئين إلى ألمانيا.
ويستهدف هذا الإجراء فئة اللاجئين الذين لا يتمتعون بالحماية الكاملة بموجب اتفاقية جنيف، بل منحوا "الحماية الثانوية"، وهي شكل من أشكال الحماية المؤقتة تقدم للأشخاص المعرضين لمخاطر جسيمة في بلدانهم الأصلية، دون أن تنطبق عليهم شروط اللجوء الكامل.
في عام 2024 بلغ عدد الأشخاص الذين يتمتعون بوضع الحماية الفرعية في ألمانيا 350 ألف شخص، والغالبية العظمى منهم من السوريين، إضافة إلى الأفغان والعراقيين والإريتريين.

"محاولة إدماجهم"
ولم يكن اللاجئون في السنوات الأولى من وصولهم مستعدين للاندماج في سوق العمل، سواء مؤسسيا أو بسبب حاجز اللغة وغالبا ما كانت مؤهلاتهم غير قابلة للنقل بسهولة.
لكن برامج التدريب المهني والتي تصل لأربع سنوات وتفتح للحاصل عليها أبواب العمل بسبب امتلاك اللغة والمهارة معا في اختصاصات شتى جعلت من برلين تعيد النظر في الاستفادة من هؤلاء. وفي المناطق الألمانية التي يشعر فيها اللاجئون بالترحيب والقبول يجدون عملا أسرع.
وضمن هذا السياق، قال المستشار القانوني والإداري في ألمانيا عزام بدوي: إن "إدخال المزيد من اللاجئين من المستفيدين من المساعدات الاجتماعية في سوق العمل هي محاولة لإدماجهم عبر اتباع دورات معنية وتأهيلهم قبل الانخراط بسبب نقص الخبرات في ألمانيا".
وأضاف بدوي لـ “الاستقلال” أنه "بالنسبة للمرضى وكبار السن من اللاجئين فإنه سيطلب منهم تقرير طبي لإعفائهم وربما تحديد ساعات عمل معينة في اليوم الواحد للبعض منهم".
ولفت إلى أنه “في حال إجبار اللاجئ على العمل وهو مريض فإنه يمكنه اللجوء إلى القضاء”، منوها إلى أن "هناك مشكلة تعلم اللغة الألمانية التي يواجهها اللاجئون حيث تعمل بعض البلديات على مساعدتهم على اتباع دورات لغة من أجل تحقيق أولى الخطوات نحو العمل".
ورأى بدوي أن “هناك سعيا لإجبار اللاجئين الذين يتلقون المساعدات الاجتماعية على العمل في قطاعات معينة”.
وذكر أن "إجبار اللاجئ على العمل في ألمانيا يتم عبر مراحل عبر إرسال عروض عمل وفي حال عدم قبوله يتم الخصم من راتبه (الإعانة) 10 بالمئة لمدة شهر أو ثلاثة أشهر".
وبيّن بدوي أن "الحكومة الألمانية تعمل على معرفة طبيعة خبرات اللاجئين لتطويرها والاستفادة منها أو نقل البعض بناء على رغبتهم في قطاعات أخرى".
ويرى أن “الإقامة مستقبلا ستكون مشروطة بالالتزام بإجراءات الحكومة الألمانية”، مبينا أن "الحصول على شهادة من ألمانيا حتى ولو كانت ترتبط بتدريب مهني يزيد رصيد اللاجئ ويوفر له فرص عمل والمساهمة في تطوير الذات في وقت الحاجة لتدريب معين".

تجربة مع الأوكران
في الفترة الأخيرة، كان هناك خطة للحكومة الألمانية لوقف منح إعانة المواطنة للاجئين الأوكرانيين الوافدين حديثا بعد الحرب مع روسيا.
وطبقا لمشروع قانون صادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية في ألمانيا، لن يحصل الأوكرانيون الذين قدموا إلى ألمانيا بعد 1 أبريل/نيسان 2025، والذين سيصلون في المستقبل، على إعانة المواطن الحالية، بل على مزايا مخفضة مثل طالبي اللجوء.
وتبلغ قيمة إعانة طالب اللجوء 441 يورو للفرد، بينما تبلغ إعانة المواطن 563 يورو. كما سيتم تخفيض المزايا الصحية لطالبي اللجوء.
وقال إنزو ويبر أستاذ البحث الاقتصادي التجريبي في جامعة ريغنسبورغ: إنه "إذا أرادت الحكومة الألمانية توفير المال، فعليها توفير فرص عمل، هذا لا يقلل الإنفاق الاجتماعي فحسب، بل يولد أيضا ضرائب ورسوما إضافية على الحكومة".
وأضاف ويبر لموقع "ntv" الألماني في 7 أغسطس 2025 أنه “إذا انضم 100 ألف عاطل إلى سوق العمل في عام واحد، فسيوفر ذلك للحكومة ما مجموعه ثلاثة مليارات يورو من الإيرادات الجديدة”. مبينا أن خطة الحكومة الحالية لا توفر أي أموال.
فبينما ستوفر الحكومة الفيدرالية حوالي مليار يورو، ستتحمل الولايات والبلديات هذا المبلغ كتكاليف إضافية لإعانات طالبي اللجوء. وفق تقديره.
ويعمل ما يقارب 35 بالمئة من الأوكرانيين القادرين على العمل في ألمانيا، والبالغ عددهم حوالي 930 ألفا، حاليا، ويخضع غالبيتهم لاشتراكات التأمين الاجتماعي.
ووفقا للوكالة الاتحادية للتوظيف، فإن ما يقارب 40 بالمئة عاطلون عن العمل، ويتقاضى غالبيتهم دخلا من المواطنين.
ويحصل حوالي 57 بالمئة منهم على إعانات اجتماعية، بما في ذلك المستفيدون من "المساعدات الإضافية"، الذين يتلقون دخلًا من المواطنين بالإضافة إلى أجورهم.
كما أن ما يقرب من ربع الأوكرانيين في ألمانيا لا يعملون وليسوا عاطلين عن العمل؛ ويشارك عدد كبير منهم في دورات اللغة والاندماج والتأهيل.