مجلة فرنسية: هذه أسباب احتجاز ناقلتي النفط الإيرانية والبريطانية

رُفع علم إيران أعلى الناقلة البريطانية "ستينا امبيرو"، ومن خلال الصور التي بثها التلفزيون الحكومي ب"فخر"، بحسب مجلة "لو بوان" الفرنسية، أراد الحرس الثوري -الجيش الإيديولوجي للنظام- أن يبعث برسالة إلى الدول الغربية والسكان الإيرانيين مفادها، أنهم لا يزالون أسياد مياه الخليج الفارسي.
وفي بيان نُشر على موقع "صفا نيوز" على الإنترنت، قال الباسدران (الحرس الثوري) إنهم اعترضوا السفينة البريطانية بناءً على طلب من هيئة ميناء هرمزجان البحرية بسبب عدم امتثالها للقانون البحري الدولي، وفي اليوم التالي، قال المدير العام للميناء، مراد الله عفيفي بور، إن السفينة "ستينا امبيرو" اصطدمت بقارب صيد في طريقها، وأنه بعد القبض عليها من قبل الحرس الثوري، تم سحبها إلى ميناء بندر عباس الإيراني (جنوب) حتى تتمكن السلطات الإيرانية من إجراء تحقيق.
وقال التقرير إن هذه النسخة من الرواية تختلف عن تلك التي قدمتها المملكة المتحدة، فعلى تويتر، قال وزير الخارجية جيريمي هانت، إن "ستينا امبيرو" احتُجزت "في انتهاك واضح للقانون الدولي" أثناء وجودها في المياه الإقليمية لسلطنة عمان، وسلمت البعثة الدبلوماسية البريطانية خطابًا إلى مجلس الأمن الدولي يوم السبت تدين فيه "التدخل غير المشروع" من قبل إيران، ومن جانبها، طلبت السلطنة، التي تقيم علاقات جيدة مع كلا البلدين، من إيران السماح للناقلة بالعودة إلى البحر.
التحجج بسوريا
وأوضح الكاتب والصحفي أرمين أرفي، المتخصص في الشأن الإيراني في تقريره، أنه في ظل هذه الأحداث يجب أن نتذكر حادثا بحريا آخر، وقع قبل أسبوعين، ووفقًا لما قاله رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، فإن احتجاز الناقلة البريطانية "ستينا امبيرو" جاء ردًا على احتجاز ناقلة إيرانية في أوائل يوليو/ تموز قبالة جبل طارق. وقال: "إن حراس الثورة ردوا على اختطاف ناقلة النفط الإيرانية من قبل البريطانيين".
وذكر كاتب رواية "ربيع في طهران"، أنه في 4 يوليو/ تموز، احتجز 30 من مشاة البحرية الملكية البريطانية (قوات مختصة في العمليات البحرية الخاصة) ناقلة ترفع علم بنما تحمل النفط الخام الإيراني قبالة شبه جزيرة جبل طارق -باسم "جريس 1"- وهي أراضي بريطانية صغيرة في أقصى جنوب إسبانيا.
وفي بيان له، قال رئيس حكومة جبل طارق (البريطانية)، فابيان بيكاردو، إن لديه "سببًا للاعتقاد بأن شركة جريس 1 كانت تنقل شحنتها من النفط الخام إلى مصفاة بانياس في سوريا، وهي دولة نظامها يخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي"، وزاد التقرير، بسبب تورط بشار الأسد في قمع المظاهرات منذ 2011.
وأوضح الكاتب أنه رغم ذلك، شكك العديد من الخبراء في شرعية هذا الاحتجاز، بمن فيهم الرئيس السابق للدبلوماسية السويدية، كارل بيلت، وهو الآن رئيس المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، إذ غرد على موقع "تويتر" قائلا: "نحن نشير إلى العقوبات الأوروبية ضد سوريا، لكن إيران ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي، وهو، من حيث المبدأ، لا يفرض عقوبات على الآخرين، هذا ما تفعله الولايات المتحدة".
ورأى الصحفي الفرنسي أنه من المثير للدهشة، أن خارجية الاتحاد الأوروبي، المهتمة في المقام الأول بهذه القضية، كانت حريصة على عدم التعليق على هذا الانتهاك للعقوبات الأوروبية على سوريا، بل على العكس من ذلك، في يوم احتجاز ناقلة النفط الإيرانية، صرح وزير الخارجية الإسباني والرئيس المقبل للدبلوماسية الأوروبية، جوزيف بوريل -الذي لا تعترف بلاده بالسيادة البريطانية على شبه جزيرة جبل طارق- للصحافة أن شركة النفط الإيرانية "جريس 1" قد احتُجزت بعد "طلب قدمته الولايات المتحدة إلى المملكة المتحدة".
سياسة الردع
ولفت تقرير المجلة إلى أنه منذ انسحابها في مايو/ أيار 2018 من الصفقة النووية الإيرانية، التي احترمتها طهران، فرضت الولايات المتحدة "أقصى قدر من الضغط" على إيران من خلال معاقبة قطاعها المصرفي وصادراتها النفطية.
وبيّن أرفي أن هدف دونالد ترامب كان خنق الاقتصاد الإيراني لإجبارها على التفاوض حول صفقة شاملة بشروطها، لكن مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، الأمريكيين، يريدان عكس ذلك ويمضيان في إستراتيجية الإطاحة بالنظام الإيراني.
وفي أعقاب إلغاء واشنطن لتدابير الإعفاء التي سمحت لبعض الدول حتى مايو/ أيار بمواصلة شراء النفط من طهران، يشتبه بقوة في أن إيران زادت من الهجمات في الخليج الفارسي ضد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها (الضربات والهجمات على الناقلات والسفن التجارية)، بالإضافة إلى إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، حمزة صفوي، لمجلة "لو بوان": "من خلال الرد على الهجمات الأمريكية، فإن إيران تُثني الولايات المتحدة عن الذهاب للحرب بإظهارها أن الثمن الذي يتعين دفعه سيكون مرتفعًا في حالة حدوث نزاع".
ولفتت المجلة إلى أنه في ظل هذا السياق المتفجر، تم الترحيب على الفور باحتجاز بريطانيا "جريس 1" باعتبارها "أخبارًا ممتازة" من قبل مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، إذ قال على موقع "تويتر": "لقد اعترضت بريطانيا ناقلة النفط الإيرانية جريس 1 محملة بالنفط الإيراني لصالح سوريا في انتهاك لعقوبات الاتحاد الأوروبي، ستواصل أمريكا وحلفاؤها منع الأنظمة في طهران ودمشق من الاستفادة من هذه التجارة غير القانونية".
الضغط على بريطانيا
وأشار التقرير إلى أن فكرة احتجاز السفينة بناء على طلب واشنطن، رفضتها بشدة حكومة جبل طارق (البريطانية)، وقالت في بيان لها: "لم يكن هناك طلب سياسي في أي وقت من أي حكومة" وأنه تم احتجاز "جريس 1" في المياه الإقليمية البريطانية لجبل طارق، بعد مغادرة المياه الدولية.
ووفقا لصحيفة "إل باييس" الإسبانية، فإن الولايات المتحدة هي التي حذّرت المملكة المتحدة من دخول الناقلة الإيرانية مضيق جبل طارق، وقالت الصحيفة نقلاً عن مصادر حكومية: "جريس 1، التي تحمل علم بنما، كانت تحت المراقبة الأمريكية منذ أبريل/ نيسان عندما كانت راسية قبالة إيران".
وتابعت الصحيفة: "وبسبب كبر حجمها لم تأخذ ممر قناة السويس -طولها 330 مترًا وتحمل مليوني لتر من النفط- ولذلك اضطرت إلى المرور من رأس الرجاء الصالح كي تدخل إفريقيا من أوروبا. وكانت أبلغت واشنطن بوصول الناقلة الإيرانية قبل 48 ساعة من دخولها مضيق جبل طارق للوصول إلى المياه الدولية للبحر الأبيض المتوسط.
وأكدت الصحيفة الإسبانية أن الناقلة الإيرانية انحرفت عن طريقها واقتربت أكثر من ساحل جبل طارق، في المياه التي تتنازعها كل من إسبانيا والمملكة المتحدة، لطلب إمدادات، لكن بمساعدة 30 من مشاة البحرية البريطانية، اغتنمت شرطة جبل طارق الفرصة وصعدت إلى الناقلة، وتوجّه قارب دوري من الحرس المدني الإسباني إلى السفينة، لكن البحرية الملكية (البريطانية) قطعت الطريق".
وتساءل كاتب العمود في صحيفة "إندبندنت" البريطانية، باتريك كوكبورن، كيف كان يفكر السياسيون والمسؤولون البريطانيون الذين أعطوا الضوء الأخضر للناقلة؟ هل اعتقدوا حقًا أن الإيرانيين لن ينتقموا لما يعتبرونه تصعيدًا خطيرًا في الحرب الاقتصادية الأمريكية ضدهم؟
على العكس من ذلك، أنكر رئيس الدبلوماسية البريطانية جيريمي هانت أي صلة بين ناقلتي النفط، وقال: "تم احتجاز جريس1 بشكل قانوني في مياه جبل طارق لأنها كانت تحمل النفط إلى سوريا، في انتهاك لعقوبات الاتحاد الأوروبي، بينما تم الاستيلاء على ستينا امبيرو في المياه العمانية في انتهاك صارخ للقانون الدولي، ثم أجبرت على الإبحار إلى إيران".
وذكّر تقرير المجلة الفرنسية، بأن قرار الإبقاء على احتجاز ناقلة النفط الإيرانية لمدة 30 يومًا، صدر من المحكمة العليا لجبل طارق يوم الجمعة الماضي، بعد ساعات قليلة فقط، من احتجاز الحرس الثوري الناقلة البريطانية "ستينا امبيرو".