بلا حزب أو دعم.. قيس سعيّد هل يصنع المفاجأة ويدخل قرطاج؟

زياد المزغني | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بلغة عربية فصيحة منمّقة، وبإلقاء بطيء يشبه نشرات الأخبار القديمة على الراديو ترانزيت من إذاعات القاهرة أو صوت العرب، اشتهر أستاذ القانون الدستوري في كليّة الحقوق بجامعة سوسة قيس سعيّد، بعد ظهوره لمرات ليست بالكثيرة مقارنة بغيره على عدد من شاشات القنوات التونسية بعد الثورة للحديث عن آرائه في عدد من القضايا، أو للإفتاء في خلافات قانونية ودستورية أثارت جدلا بين التونسيين.

ورغم أن الرجل لم يعلن انتماءه لأي حزب سياسي ولم يُعرف عنه الانتماء لعائلة فكرية أو سياسية في أيام شبابه بالجامعة، إلا أنّه سجّل صعودا في آخر استطلاعات الرأي بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة، ما يجعل منه مرشّحا جدّيا لخوضها وسط ساحة سياسية متحرّكة لا يزال يكسوها الغموض والصراعات المتتالية.

الرجل الرصين

قد يذكر التونسيون المرة الأولى التي شاهدوا فيها أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد، وهم يتعجّبون برصانة الرجل وقدرته على فكّ الشفرات القانونية لوضع الانتقال السياسي في تونس بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011، مع عدد من الأساتذة الآخرين العارفين بخبايا القانون التونسي.

هذا الظهور لرجل القانون والأستاذ الجامعي البالغ من العمر 61 عاما كان قليلا إن لم يقل نادرا، وسط صخب سياسي شديد شهدته تونس منذ العام 2011، لم يحرمه بعد 8 سنوات من الثورة من الحصول على موقع متقدّم من بين أكثر الشخصيات شعبية في تونس.

فمنذ إعلان سعيّد عن نيته خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة المزمع إجراءها يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لم يغب اسمه عن متصدّري نتائج استطلاعات الرأي التي أجرتها عدة مؤسسات مختصة في تونس، مسجّلا مفاجأة لجلّ المتابعين للشأن السياسي في تونس، والسياسيين على حدّ سواء خاصّة أولئك الذين يراهنون على خوض المنافسة على كرسي قرطاج.

ففي الوقت الذي تصدّرت فيه حركة النهضة نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية بـ24.3% وفق استطلاع أبريل/نيسان الجاري الذي أجرته مؤسسة سيغما كونساي بالتعاون مع جريدة المغرب التونسية، تصدّر رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد والمنشق عن حركة نداء تونس الترتيب في نوايا التصويت للرئاسية.

لكن الشاهد نزل هذه المرة تحت سقف %20 (.3) بما لا يجعله في منأى عن مفاجأة غير سارة لأنه فقد تقدمه الكبير على منافسيه الذي ارتفع في الشهر الفارط إلى حوالي 20 نقطة، بينما نزل هذه المرة إلى حدود 7 نقاط فقط حيث سجّل الأستاذ الجامعي قيس سعيد تقدّما ملحوظا ليحصل على المرتبة الثانية بـ.1 متقدّما على الرئيس السابق المنصف المرزوقي الحاصل على .7 والرئيس الحالي الباجي قائد السبسي الحاصل على 6.7 % فقط من أصوات المستطلع آراءهم.

هذا الاستطلاع أكّده استطلاع ثاني قامت به مؤسسة "إمرود كونسلتينغ"، ونشرته جريدة الصباح في عددها الصادر الثلاثاء 2 أبريل/ نيسان 2019، حيث أظهر الاستطلاع أن 14.6 % من التونسيين سيصوّتون للشاهد في الانتخابات الرئاسية، يليه قيس سعيّد بـ13.3 في المائة متقدّما على رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي وأحد أبرز فلول النظام البائد والتي احتلت المرتبة الثالثة بـ5.7 %.

المرشح المستقل

في آخر لقاءاته التلفزيونية على قناة "حنبعل" الخاصّة ليلة 24 مارس/آذار 2019، أكّد قيس سعيّد أنّه ليس بالقريب لا من حزب ولا زعيم سياسي أو رجل أعمال، وأنّ أي لقاء جمعه بأحدهم هو من باب الصّدفة فقط.

يصر سعيّد على الظهور بمظهر المستقل البعيد عن الأحزاب السياسية التي يحمّلها التونسيون الجزء الأكبر من مشاكل البلاد السياسية والاقتصاديّة، كما أكّد في لقاء إذاعي آخر أنّه سيكون مرشحًا مستقلًا للانتخابات الرئاسية، وسيعتمد على إمكانيات ذاتية مع رفض أي دعم من أي جهة كانت ولو بمليم واحد، على حد تعبيره، مشددًا على أنه لن يكون مرشحًا لأي حزب من الأحزاب.

هذه الاستقلاليّة ساعدت الأستاذ الجامعي المتقاعد منذ أقل من سنة في التعبير بشكل مبدئي وفق قناعاته على جملة من القضايا السياسية والقانونية التي تهمّ التونسيين، وكانت المساواة في الميراث بين الذكر والأنثى آخر هذه القضايا التي أثار موقفه منها جدلا واسعا بين التونسيين وهجوما لاذعا من عدد من النخب الإعلامية والسياسية.

فبعد تقديم رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مقترحا لتعديل مجلّة الأحوال الشخصيّة من أجل إقرار المساواة في الميراث بين الذكر والأنثى، قال سعيّد "النصّ القرآني واضح لا يقبل التأويل ومن أراد المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث عليه أن يقوم بذلك وهو على قيد الحياة".

واعتبر سعيّد أن هذا المقترح يأتي ضمن الإملاءات الخارجية على التونسيين حيث سبق له أن تحدث عن تدخل الاتحاد الأوروبي بتقديمه جملة من التوصيات، وهي بمثابة الأوامر لإدخال تعديلات على التشريعات التونسية ومن بينها  المساواة في الميراث قائلا: "هل تدخلنا في تشريعاتهم واختياراتهم؟ أم يعتبروننا ضيعة وبستانا وهم من يقرر مكان الشعب التونسي.

مواقف متباينة

هذا الصعود الهام والمفاجأ لأسهم قيس سعيّد في نوايا التصويت لدى التونسيين جعله يدخل دائرة اهتمام الأحزاب السياسية التونسية باعتباره إما منافسا محتملا لمرشحيهم للرئاسيات أو حليفا ممكنا في ظل ساحة سياسية مليئة بالتحركات.

أولى المواقف الرافضة لترشّح سعيّد لرئاسيات 2019 جاءت من داخل حركة نداء تونس حزب الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي، حيث اعتبر النائب عن الحزب المنجي الحرباوي أنّ "تونس لا تحكم بمنطق العشوائيات والظواهر الصوتية والفيسبوكية" في إشارة لقيس سعيّد.

وأضاف الحرباوي في حديثه لـصحيفة الشروق التونسية أن "قيس سعيد هو مرشح حركة النهضة ليكون بمثابة مرزوقي جديد. النهضة دأبت على التقاط الشخصيات الغوغائية التي تستفيد من صراع الهوية والسياقات الثورية لتزكية ترشحها بغية الإجهاض على ماتبقى من دولة الاستقلال".

وخلص الحرباوي الى أن "تونس في حاجة إلى عقلنة الترشحات في رئاسة البلاد خاصة في الظرف الحالي الذي يحتاج شخصيات لديهم كفاءة وحنكة سياسية لإخراج البلاد من أزمتها".

في المقابل قال النائب بالبرلمان وأحد مؤسّسي حركة "أمل"، ياسين العياري في حوار إذاعي يوم 9 أبريل/نيسان 2019، إن "قيس سعيد الأقرب له لأنه خارج جميع التنظيمات والتجارب، وبالنسبة للمنصف المرزوقي قال إنه خاض تجربته، ومن الضروري اليوم ضخّ دماء جديدة في الحكم".

وتابع قائلا: "أتمنى يوم الانتخابات أن أضع بطاقة اقتراعي لشخص عمره أقل من 50 سنة؛ لأنّ تغيير الطبقة السياسية أصبح أمرا مستعجلا في تونس".

وفي تعليقه عما راج في الكواليس السياسية بشأن إمكانية ترشيحها لسعيد أكّد القيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي أن "الحركة لم تدرس بعد ملف الترشحات للانتخابات الرئاسية"، إلا أنّه قال: "كل شيء وارد إذ أن قيس سعيد عرف بنزاهته وتكوينه الأكاديمي المميز، لكن هذه المميزات لا يمكن اعتبارها لوحدها محددات رئيسية في اختيار مرشح الرئاسة".

واعتبر المكي أن "تجربة الخمس سنوات الماضية بينت أن مكانة رئيس الجمهورية لا يمكن حصرها في مجال الصلاحيات الدستورية الضيقة بل تمتد في رأيه إلى المكانة الرمزية الاعتبارية للمنصب في بعث رسائل إيجابية أو سلبية إلى المشهد السياسي".