حرب بالوكالة.. هل تدعم الجزائر البرهان ضد حميدتي المدعوم إماراتيا؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

مع استمرار الحرب السودانية وتعثر الجهود الإفريقية والعربية، دخل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون على خط الأزمة السودانية إثر زيارة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، الجزائر.

وأجرى تبون والبرهان محادثات بالعاصمة الجزائر في 29 يناير/كانون الثاني 2024، ركزت على تطورات الأزمة السودانية وخطوات وقف الحرب، والأوضاع الأمنية والعسكرية في السودان ومعاناة السودانيين بسبب استمرار الحرب التي تجاوزت 10 أشهر.

وتتواصل الحرب بين الجيش السوداني ومليشيا "الدعم السريع" شبه العسكرية، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) المدعوم إمارتيا، منذ أبريل/ نيسان 2023، مما خلف أكثر من 13 ألف قتيل ونحو 8 ملايين نازح، وفقا للأمم المتحدة.

قوى الشر 

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع البرهان، أكد الرئيس الجزائري، مساندة بلاده للسودان لتجاوز "الظروف الصعبة" في مواجهة ما أسماها "قوى الشر" التي تستهدفه، في إشارة إلى الإمارات التي تدعم "الدعم السريع". 

وحذر الرئيس الجزائري، من "التدخلات الأجنبية" في السودان، مؤكدا أن حل الأزمة "لن يكون إلا بين السودانيين".

 

من جهته، رحب البرهان "بكل عمل تبادر به الجزائر سواء على المستوى العربي أو الإفريقي" لحل الأزمة في السودان، محذرا من أن الأخير "يتعرض لمؤامرة بتواطؤ شركاء إقليميين ودوليين".

وعبر البرهان، عن سعادته بأن تكون الجزائر "حاضرة في أي طاولة نقاش أو مفاوضات عربية أو إقليمية" حول الأزمة السودانية.

وتأتي زيارة البرهان للجزائر، حسب مراقبين، بغية الاستفادة من إمكانياتها ومكانتها الإفريقية والدولية في دعم الحكومة والجيش في مواجهة "الدعم السريع"، خاصة أنها عضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي وتقود المجموعة الإفريقية في المجلس.

كما ستخوض الجزائر المنافسة على رئاسة الاتحاد الإفريقي لمدة عام، خلال الدورة 37 للقمة الإفريقية في أديس أبابا يومي 17 و18 فبراير/ شباط 2024، وهو المنصب الذي سيذهب لشمال إفريقيا هذه الدورة.

المحلل السياسي السوداني محمد لطيف، قال إن "البرهان يريد الاستفادة من تأثير الجزائر في الاتحاد الإفريقي والمحيط الإقليمي، ومن عضويتها الحالية في مجلس الأمن الدولي، من أجل إعادة تسويق سرديته الداعية إلى تصنيف الدعم السريع بقيادة حميدتي حركة إرهابية".

وأضاف لطيف لجريدة "الشرق الأوسط" في 29 يناير 2024، ، أن "البرهان يريد توظيف ثقل وتأثير الجزائر في الاتحاد الإفريقي لصالحه، وإعادة ترتيب الأوضاع في الاتحاد الإفريقي و(إيغاد)، وفك عزلته". 

وقطع البرهان علاقة بلاده بـ"الهيئة الدولية الحكومية المعنية بالتنمية" (إيغاد)، في 20 يناير 2024، ردا على "قمة كمبالا" بأوغندا التي جددت الدعوة للقاء مباشر بين طرفي الصراع، الجيش و"الدعم السريع"، وهو الأمر الذي رفضه البرهان.

ورأى لطيف، أنه يمكن أن يكون لهذه الزيارة هدف آخر يتجلى في "اعتقاد البرهان أن الحكومة الجزائرية يمكن أن تؤثر في مواقف المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى السودان الجزائري رمطان لعمامرة".

وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عين الأمين العام للأمم المتحدة، وزير الخارجية الجزائري السابق لعمامرة مبعوثا شخصيا له إلى السودان.

لطيف، لم يستبعد أن يكون "من بين أهداف زيارة البرهان إلى الجزائر محاولة الحصول على سلاح جزائري"، لكنه استدرك قائلا إن "ذلك لن يحدث في ظل الإفادات المعلنة من المسؤولين الجزائريين بضرورة وقف الحرب والتفاوض، والشروع في عملية سياسية تُنهي أسباب الحرب".

دعم عسكري

وهو ما أكده أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة، بقوله إن "الجزائر لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تقدم أي دعم عسكري لأي طرف من أطراف الصراع المسلح بالسودان، لأن ذلك يتنافى مع المبادئ ومع تاريخها في التعامل مع الأزمات الدبلوماسية".

وشدد بوقاعدة خلال حديث لقناة "الحرة" الأميركية في 29 يناير 2024، على أن "ما هو أساسي للجزائر هو دعم الشعب السوداني لإيجاد الحلول السلمية للأزمة"، مبينا أن "قدوم البرهان لا يعني أن الجزائر تعطيه شيكا على بياض لكل الأعمال التي سيقوم بها".

ولفت إلى أن زيارة البرهان "لا تعني أن الجزائر تقف مع البرهان أو تقف مع حميدتي، بل هي تقف من أجل الحلول السلمية لحل الأزمة الدائرة في السودان".

وأوضح بوقاعدة أن "تبون أكد خلال استقباله البرهان بأن الجزائر تقف مع الشعب السوداني ولا تقف مع أحد الطرفين ضد الطرف الآخر". 

وأفاد بأن "الرئيس الجزائري يسعى إلى أن يكون طرفا في أي مسار تفاوضي من أجل السلام سواء عبر المنبر الإفريقي أو العربي".

ويرى بوقاعدة، أن "طرفي الصراع المسلح يسعيان نحو حشد الدعم الدبلوماسي وكذلك الدعم العسكري"، مشيرا إلى أن زيارة البرهان تأتي "في إطار مساعي حشد الدعم".

ورأى أن "طرفي الصراع عجزا عن حسم المعركة عسكريا، لذا تجرى تحركات دبلوماسية يسعى من خلالها الطرفان للتوصل إلى تفاهمات تفضي لوقف إطلاق النار والرجوع إلى طاولة المفاوضات".


 

أما الباحث السياسي مبارك عثمان، فرأى أن زيارة البرهان إلى الجزائر استهدفت خلق توازن، بعدما استطاعت قيادة الدعم السريع عبر القوى الإقليمية التي تقف خلفها من كسب مساندة بعض زعماء دول "إيغاد" وقيادات إفريقية أخرى.

وفي 27 ديسمبر/كانون الأول 2023، بدأ حميدتي جولة إقليمية ماراثونية غير مسبوقة قادته إلى أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا وجنوب إفريقيا ورواندا.

وأشار عثمان، في حديث لموقع "الجزيرة نت"، إلى أن "الجزائر عبر عضويتها في مجلس الأمن يمكن أن تدعم منبر جدة، كما أنها تتمتع بنفوذ قديم في الاتحاد الإفريقي يمكّنها من لعب دور إيجابي، ومنع استخدام الاتحاد لصالح أي طرف".

ومنذ مايو/ أيار 2023، رعت السعودية والولايات المتحدة، مفاوضات بين الجيش و"الدعم السريع" بمدينة جدة نجحت في البداية للوصول لهدنة بين الجانبين، غير أنه تم تعليق المفاوضات بين الجانبين عبر منبر جدة، منذ أوائل ديسمبر/كانون الأول 2023، بعد وصول الطرفين إلى طريق مسدود.

وأوضح عثمان، أن "الجزائر لديها علاقات جيدة مع المكونات الاجتماعية في دول الساحل الإفريقي، التي يقاتل بعض أبنائها مع الدعم السريع، حيث يمكن أن تقنع رموزها بعدم الانخراط في الصراع السوداني، حتى لا يكون ثمة ارتدادات سياسية أو أمنية تهدد استقرار دولهم".

ورجح أن "لا تطرح الجزائر مبادرة جديدة بشأن الأزمة السودانية، بل تعزز الجهود الجارية"، مبينا أنها "تنتهج الدبلوماسية الهادئة والتواصل عبر القنوات الخلفية، وتحظى باحترام في المنطقة، مما يجعل تحركاتها واتصالاتها الدبلوماسية فاعلة ومنتجة".

بهرجة دبلوماسية

وإذا كان أغلب المحللين السياسيين والأكاديميين يرجحون أن زيارة البرهان تأتي في إطار حشد الدعم ومحاولة للاستفادة من مكانة الجزائر الإفريقية والدولية، فإن هناك من يرى بأن استقبال رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني "يأتي كرد فعل ضد الإمارات" الداعمة لمليشيا الدعم السريع.

الباحث السياسي الجزائري ورئيس الجمعية المغاربية للسلام والتعاون والتنمية، وليد كبير، رأى أن دخول تبون على خط الأزمة السودانية يدخل في إطار الخلاف الذي يوجد بين الجزائر والإمارات التي تلعب دورا في ما يحدث في الأزمة السودانية من خلال دعمها للدعم السريع. 

واعتبر كبير، في حديث لـ"الاستقلال"، أن النظام الجزائري حاول من خلال تقديم دعوة للبرهان لزيارة الجزائر "التعبير عن موقف ضد ما تقوم به الإمارات في الأزمة السودانية".

وتابع أنه يمكن ملاحظة ذلك من خلال كلمة تبون خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع البرهان حيث وصف الدولة التي تتدخل في الشأن السوداني بـ"محور الشر"، مسجلا أن "هذا تصريح خطير جدا يؤكد عمق الأزمة بين الإمارات والجزائر".

وتتعرض الإمارات لهجوم سياسي وإعلامي جزائري حاد، رغم أنه لا يوجد على المستوى الرسمي من الجانبين أي تصريحات أو مواقف معلنة يُفهم منها وجود توترات بين البلدين.
 

 

وعد كبير، دخول النظام الجزائري على خط الأزمة السودانية، "محاولة لاستغلال الأزمة السودانية، لإظهار الندية في وجه الإمارات التي تحولت إلى قوة إقليمية تؤثر في العديد من الملفات".  

وعن إمكانية نجاح الجزائر في الإسهام في حل الأزمة السودانية، قال كبير: "أعتقد أن هذه الخطوة غير محسوبة من قبل النظام الحاكم حيث يبقى السودان بلدا بعيدا عن الجزائر إضافة إلى أنه ليس لها علاقات قوية مع الطبقة السياسية بالسودان".

ورأى أن "الجزائر لا تمتلك أي تأثير في هذا الملف، وليست لها دراية بعمق الأزمة السودانية، رغم تعيين وزير خارجية الجزائر السابق لعمامرة مبعوثا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان بغية إيجاد حل لهذه الأزمة".

وخلص كبير، إلى أن "هذه المحاولة الفاشلة للتدخل في الملف السوداني لا تخرج عن البهرجة الدبلوماسية التي يمارسها نظام تبون"، وفق وصفه.