"حركة سياسية جديدة ودعم دولي".. كيف يمكن استعادة الديمقراطية في تونس؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

قبل فترة ليست بالبعيدة، كانت تونس واحدة من أكبر قصص النجاح في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

فعلى النقيض من الدول العربية المجاورة التي شهدت انتفاضات شعبية ضخمة في عام 2011، لم ترتد تونس على الفور إلى الاستبداد أو تنحدر إلى حرب أهلية.

وبدلا من ذلك، بعد فرار دكتاتورها، زين العابدين بن علي، عقدت حكومة مؤقتة انتخابات حرة ونزيهة، وتبنى النظام الجديد المنتخب ديمقراطيا دستورا ليبراليا وأعطى مساحات واسعة للمجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة.

لكن حاليا، انهار هذا النجاح إلى حد كبير، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، وللمرة الأولى منذ 14 عاما، عقدت تونس انتخابات رئاسية صورية، اتسمت بالتلاعب والقمع على نطاق واسع، أُعلن فيها فوز الرئيس الحالي، قيس سعيد، بنسبة 90 بالمئة.

في هذا السياق، نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية مقالا مشتركا استعرض فرص عودة الديمقراطية في تونس، ودور المجتمع المدني التونسي والمجتمع الدولي للوصول لهذا الهدف.

وشارك في كتابة هذا المقال سارة يركس، وهي زميلة بارزة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وسابينا هينبرغ، زميلة "سوريف" في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

انهيار متوقع

وأوضح المقال أن "انهيار الديمقراطية التونسية الصاعدة كان متوقعا منذ فترة طويلة، وكانت المشاكل التي واجهتها نتيجة لانتصاراتها المبكرة".

وأضاف أنه "مع مرور الوقت، فإن السمات التي ساعدت حراك الربيع العربي في تونس على التميز وتحقيق إصلاح حقيقي- وأبرزها استعداد القادة التونسيين لتقاسم السلطة- أصبحت عائقا أمام الحكومة وأدت إلى حالة من الشلل".

وأردف أن "الديمقراطية الجديدة لم تتمكن من تحقيق إصلاحات جوهرية؛ لأن عجز القوى السياسية في تونس بعد عام 2014 عن إصلاح الاقتصاد، إلى جانب تزايد شعور الناخبين بأن النخب تركز فقط على تعزيز ثرواتها، مهّد الطريق لعودة الحكم السلطوي".

وفي عام 2019، انتُخِب سعيد، وهو باحث في القانون الدستوري، رئيسا ديمقراطيا، لكنه سرعان ما بدأ في تعزيز سلطته من خلال حل البرلمان وتعليق الدستور وسجن المعارضين.

وأشارت الباحثتان إلى مقال نشرته "فورين أفيرز" في عام 2022، أكد أن النموذج التونسي للانتقال الديمقراطي كان "على وشك الاحتضار".

وشدد حينها المقال على أن هذا النموذج لن يُنقَذ إلا إذا زادت الحكومات الأجنبية دعمها للمعارضة والمجتمع المدني التونسي، وقُدمت لتونس ما يكفي من الأموال لتجاوز "الآثار الجانبية المؤلمة للإصلاحات الاقتصادية اللازمة لتحقيق نمو مستدام طويل الأجل".

واستدركت الباحثتان: "لكن للأسف، لم تكن هناك مساعدات بالقدر اللازم، والآن فات الأوان على هذا النوع من الإصلاحات لإحداث فارق كبير".

وأشارتا إلى أنه "بدون الدعم الخارجي، واجه الناشطون الديمقراطيون داخل البلاد قمعا متزايدا، ولم يتمكنوا من إقناع الجمهور المنهك بأن الديمقراطية تستحق القتال من أجلها".

ويرى المقال أن "اليوم، ماتت موجة الديمقراطية في تونس التي بدأت مع الربيع العربي، وأنه ولبدء حركة جديدة، يتعين على المجتمع المدني التونسي وساسته إعادة بناء الثقة مع الشعب".

كما أن عليهم "إقناعه بأن الديمقراطية قادرة أكثر من الحكم الاستبدادي على تحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار الذي تحتاجه البلاد".

وألمح المقال إلى أنه "على الرغم من خيبة أملهم في التجربة الديمقراطية في بلادهم، فقد نشأ الشباب التونسي في مناخ من الحرية لا يرغب كثيرون في التخلي عنه".

غير أنهم لم يعودوا يعتقدون أن التصويت الانتخابي سيكون وسيلة لتحسين حياتهم، ولذلك ظل الشباب على وجه الخصوص في ديارهم خلال الانتخابات، وفق المقال.

ووفقا للحكومة التونسية، فقد أدلى 28 بالمئة فقط من الناخبين بأصواتهم في أكتوبر، مقارنة بـ 49 بالمئة في عام 2019.

وبدلا من ذلك، يرى العديد من الشباب التونسيين أن الهجرة إلى مكان آخر هي الحل الأفضل.

طبقة سياسية جديدة

لكن استدرك المقال بأنه "لا يزال هناك أمل في أن يتمكن التونسيون من إصلاح مشاكل بلادهم من خلال العملية السياسية".

فوفقا لدستور سعيد نفسه، يقتصر الرئيس على فترتين في المنصب، مما يعني أنه لا يمكن لسعيد الترشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2029.

وبالتالي، فإن التونسيين لديهم الفرصة -والالتزام- لبناء طبقة سياسية جديدة وأكثر جدارة بالثقة وفعالية على مدى السنوات الخمس المقبلة، وفق المقال.

وأضاف: "على الرغم من أن العديد من الناشطين التونسيين المؤيدين للديمقراطية يعيشون الآن في المنفى بأوروبا أو أميركا الشمالية، إلا أنهم قادرون على خلق الأساس لأحزاب وحركات سياسية جديدة وحيوية تقدم حلولا للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي ابتليت بها البلاد منذ ما قبل عام 2011".

وبحسب المقال، فإن الإجراءات القوية من جانب شركاء تونس الدوليين هي العنصر المفقود الذي يمكن أن يحفز مثل هذه الحركة.

وعلى هذا، أكدت الكاتبتان على أنه "يتعين على الحكومات الغربية أن تُظهر للأصوات المؤيدة للديمقراطية المتبقية في البلاد أنها لا تزال تحظى بدعم خارجي، وذلك عبر إدانة القمع الشديد الذي ميز الحملة الانتخابية".

وشدد المقال على أنه "حتى الإشارات الصغيرة مهمة"، مشيرا إلى أن "القادة الغربيين كانوا محقين في عدم تهنئة سعيد على فوزه الصوري، في الوقت الذي أرسل فيه زعماء الصين ومصر وإيران أطيب تمنياتهم".

وتابع: "يجب على الولايات المتحدة والدول الأوروبية تمويل شبكات حقوق الإنسان داخل البلاد وخارجها، والاستعداد لاحتمال تجاوز سعيد لخطوط حمراء معينة، مثل إعدام سجين سياسي أو إصدار أوامر للشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين".

على سبيل المثال، يمكن للدول الغربية إعداد قائمة بالأشخاص في الدائرة الداخلية لسعيد الذين ستُفرض عليهم عقوبات إذا تجاوز سعيد خطا أحمر، بحسب المقال.

وأشار المقال إلى أن "سعيد رفع بالفعل الرهان بشكل كبير على قمعه خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ اعتقل تقريبا كل مَن حاول الترشح ضده في الانتخابات الرئاسية".

وأكد أنه "ليس من السهل مواجهة حقيقة مفادها أن النموذج التونسي للانتقال الديمقراطي -الذي كان يُعَد ذات يوم النقطة المضيئة الوحيدة في المصائر المحبطة للربيع العربي- قد فشل".

وأردف: "لقد ألهمت ثورة تونس الملايين من الناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط للثورة ضد المستبدين في بلادهم".

واستدرك: "لكن أولئك الذين يطمحون إلى استدامة ديمقراطية تونس يجب أن يواجهوا الحقيقة، لأنه يتعين عليهم أن يدركوا أن الجهود المستقبلية لمكافحة الاستبداد يجب أن تتجاوز ذلك بكثير، وأن تركز على معالجة أعقد أنواع الظلم الاقتصادي والاجتماعي الذي يعاني منه التونسيون".

وختم: "قضى سعيد على تجربة البلاد الديمقراطية -مؤقتا- ولكن ينبغي ألا يطمئن، فرغم أن التونسيين المثقلين قد يشعرون بالإرهاق جراء قمعه، إلا أن عليهم وعلى الغرب ألا يستسلموا لليأس".