عدد الأسرى يتضاعف.. هكذا تسبب اكتظاظ السجون بأزمة كبرى داخل إسرائيل

منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

يسلط الخلاف النادر من نوعه بين أكثر وزيرين إسرائيليين تطرفا، الضوء على تفاقم أزمة سجون الاحتلال التي تكاد تنفجر من حجم التكدس الذي يعد فوق طاقتها واستيعابها.

إذ قفز عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية إلى الضعف منذ بدء عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 التي أتبعتها سلطات الاحتلال بعمليات اعتقال مجنونة.

اكتظاظ السجون

وفي هذا السياق، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مشادة وقعت في 11 سبتمبر/ أيلول 2024، بمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بين وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش بشأن أزمة نقص الأماكن في السجون.

وأضافت الصحيفة العبرية في اليوم التالي أن المشادة انتهت بشجار وتلاوم، بعد أن عرض بن غفير خلال اللقاء خطة لبناء 5 آلاف مكان احتجاز جديد وطالب بميزانية خاصة للمشروع.

وهنا رد عليه سموتريتش صارخا، بأن عليه استخدام الأموال الموجودة في وزارته أولا قبل طلب ميزانية جديدة.

وأشارت الصحيفة إلى أن ذلك استفز بن غفير، ودفعه للرد على سموتريتش قائلا: “هل أنت طبيعي؟ لقد بنينا 3 آلاف مكان احتجاز وهو رقم لم يتم إنجازه منذ سنوات بمصلحة السجون، هل تريد أن نأخذ السجناء إلى بيوتنا على ظهورنا؟”

ونقلت عن مصادر مطلعة أن نتنياهو أمر بإيجاد حل للبناء الفوري لـ470 مكان احتجاز بالسجون، لكن مشكلة الميزانية لم تُحل.

وارتفعت أعداد الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان إلى 10600، بحسب آخر إحصائية نشرتها مؤسسات مختصة بالأسرى في 10 سبتمبر.

وقالت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني، في بيان مشترك إن هذا العدد لا يشمل أسرى الحرب من قطاع غزة المعتقلين في المعسكرات الإسرائيلية.

وبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين حتى 3 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أي قبل أيام قليلة من بدء العدوان، أكثر من 5250 أسيرا، بحسب المؤسسات الفلسطينية المختصة.

وهو ما يعني أن عدد الأسرى وصل إلى الضعف بعد طوفان الأقصى، ضمن إجراءات انتقامية بحق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس وصلت إلى حد الإخفاء القسري.

وبعد العدوان، أدخلت سلطات الاحتلال تعديلات على قانون “المقاتل غير الشرعي” الذي يُحتجز أسرى غزة تحت مظلته.

واستنادا لهذا القانون، يخضع أسرى غزة مباشرة للجيش وليس لإدارة السجون، ويمنع أي تواصل بينهم وبين الصليب الأحمر أو المحامين، ولا يصرح بأسمائهم أو ظروف احتجازهم.

ويتيح القانون المعدل اعتقال أي شخص دون عرضه على أي سلطة قانونية حتى 75 يومًا، من بداية الاعتقال، إضافة إلى عدم السماح بأي استشارة قانونية لفترة تصل إلى 6 أشهر.

كما أجرت سلطات الاحتلال عدة تعديلات على قانون “الاعتقالات 1996” الذي أتاح تمديد التوقيف كل مرة مدة 45 يوما لأغراض التحقيق الذي قد يصل إلى فترة 6 أشهر، دون أدنى رقابة قضائية حقيقية خلال هذه الفترة على ممارسات التعذيب.

إرهاق للميزانية

وأرهق العدوان المستمر على غزة منذ 7 أكتوبر 2023، الميزانية الإسرائيلية، التي سجلت عجزا غير مسبوق ما أثر على أوضاع السجون وخلق أزمة داخلية بسبب تكدسها.

إذ سجلت إسرائيل عجزا في الميزانية قدره 12.1 مليار شيكل (3.24 مليارات دولار) في أغسطس/آب 2024، بحسب أحدث بيان لوزارة المالية.

وأضافت الوزارة في 9 سبتمبر أن العجز نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي ارتفع خلال 12 شهرا حتى أغسطس إلى 8.3 بالمئة من 8 بالمئة في يوليو/تموز، ومقارنة بهدف يبلغ 6.6 بالمئة لعام 2024 بأكمله.

وبلغ الإنفاق على الحرب حتى الآن نحو 97 مليار شيكل (26 مليار دولار)، في وقت رجحت الوزارة أن يواصل العجز ارتفاعه خلال الربع الثالث.

ونمت الإيرادات الضريبية في إسرائيل بنسبة 8.1 بالمئة في أغسطس، و1.9 بالمئة خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024.

ولأول مرة في تاريخها، تعرضت إسرائيل لتخفيض تصنيفها الائتماني في أغسطس من "A+" إلى “A” من قبل وكالة فيتش.

وأشارت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني إلى تفاقم المخاطر الجيوسياسية على إسرائيل مع استمرار الحرب في غزة.

وأبقت على نظرتها المستقبلية للتصنيف عند مستوى سلبي، مما يعني إمكانية خفضه مرة أخرى.

وقالت الوكالة في بيان إن التوترات المتزايدة بين إسرائيل وإيران وحلفائها، "تعني إنفاقا عسكريا إضافيا كبيرا، وتدمير البنية التحتية، وإلحاق الضرر بالنشاط الاقتصادي والاستثمار".

وتتوقع أن تزيد الحكومة الإسرائيلية الإنفاق العسكري بشكل دائم بنحو 1.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمستويات ما قبل الحرب، مع تعزيز البلاد لدفاعاتها الحدودية.

وذكرت فيتش أن الدين قد يظل أعلى من 70 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في الأمد المتوسط، متوقعة استمراره حتى بعد عام 2025.

وإذا استمر هذا النمط، فإن الاقتراض لهذا العام سيحطم الرقم القياسي الذي سجل خلال جائحة كورونا عام 2020، وفقا لوكالة بلومبيرغ الأميركية في 26 أغسطس.

ويأتي الخلاف على تمويل بناء سجون جديدة في وقت يتفاقم الضرر على الاقتصاد الإسرائيلي بفعل تعثر إقرار الميزانية بسبب الحرب.

وأوقفت حكومة نتنياهو المناقشات أخيرا حول ميزانية العام 2025، والتي قد تكون الأكثر تحديا وأهمية منذ عقود.

وفي 17 أبريل/نيسان 2024، صدقت الحكومة الإسرائيلية على إضافة نحو ألف مكان احتجاز للأسرى الفلسطينيين في مصلحة السجون بكلفة نحو 450 مليون شيكل (119.21 مليون دولار).

وأوضح موقع واللا العبري وقتها أن تلك التكلفة ستمول بنسبة 50 بالمئة من موازنة وزارة الجيش و50 بالمئة من باقي الوزارات الأخرى.

إلى أين؟

وتقول صحيفة يديعوت أحرونوت إن "أزمة السجون هي واحدة من أكثر القضايا الأمنية حساسية منذ بدء الحرب ومازالت بدون حل".

ولفتت في تقريرها المشار إليه سابقا إلى أن "بن غفير حذر عدة مرات من الأزمة في السجون"، إلى درجة أنه طالب عدة مرات بإعدام العديد منهم.

ففي أبريل 2024، قال بن غفير إن تطبيق عقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين الذين وصفهم بالمخربين هو الحل الصحيح لمواجهة مشكلة اكتظاظ السجون.

وأضاف أنه سعيد بموافقة الحكومة الإسرائيلية على اقتراحه ببناء نحو ألف مكان إضافي لاحتجاز السجناء الفلسطينيين مما يحل أزمة الاكتظاظ.

وأعاد الوزير المتطرف نهاية يونيو/ حزيران طرح نفس المقترح قائلا إنه يجب إعدام الأسرى الفلسطينيين بإطلاق الرصاص على رؤوسهم، بدلا من إعطائهم المزيد من الطعام.

وتابع: "حظي سيئ أنني اضطررت للتعامل في الأيام الأخيرة مع موضوع سلة الفواكه للأسرى الفلسطينيين.. يجب قتلهم برصاصة في الرأس.. وتمرير قانون إعدامهم بالقراءة الثالثة في الكنيست (البرلمان).. وحتى ذلك الوقت سنعطيهم القليل من الطعام للعيش.. لا أكترث لذلك".

وبعد بدء العدوان على غزة، صادقت لجنة شؤون الأمن القومي بالكنيست على قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين ولكن بالقراءة التمهيدية.

وينص على "فرض عقوبة الإعدام على من يرتكب أي عمليات قتل لإسرائيليين لدوافع قومية، ومخالفات تهدف للمساس بإسرائيل، وحق الشعب اليهودي في أرضه".

ويشمل القانون "كل من يثبت ضلوعه بالمخالفات أو التخطيط لها أو دفَع أشخاصا لارتكابها".

وعادت مشكلة اكتظاظ السجون بقوة بعد الإفراج عن مدير مستشفى "الشفاء" بغزة الطبيب محمد أبو سلمية مطلع يوليو/تموز 2024، من ضمن 54 أسيرا من القطاع.

وبدأت بعدها الاتهامات والتراشقات بين بن غفير من جهة وبعض الوزراء الآخرين وبين الجيش وجهاز الأمن العام “الشاباك” من جهة أخرى.

وقال بن غفير إن حل مشكلة الاكتظاظ يكون بالإعدام وليس الإفراج، مطالبا نتنياهو بمنع وزير الجيش يوآف غالانت ورئيس الشاباك رونين بار من اتباع سياسة تتعارض مع سياسة الحكومة، كما دعا إلى إقالة المسؤول الأمني الأخير.

فيما ألقى الجيش والشاباك بالمسؤولية على وزارة الأمن القومي التي يقودها بن غفير بالقول إن مصلحة السجون لم تكن مستعدة لاستقبال أعداد كبيرة من المعتقلين.

كما قال وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو كارعي: “عدم توفر مكان في السجون حجّة حقيرة للإفراج عن أسرى غزة، إسرائيل بحاجة إلى قيادة أمنية جديدة”.

وأمر نتنياهو وقتها بإجراء تحقيق فوري في مسألة إطلاق سراح السجناء التي تقول صحيفة معاريف العبرية إن تحديد هويتهم يجرى بشكل مستقل من قبل مسؤولي الأمن بناءً على صفاتهم المهنية.

وفي 23 يونيو/حزيران 2024، أفادت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية)، بأن الجيش والشاباك اضطرا إلى إلغاء نحو 20 اعتقالا في الضفة الغربية بسبب الاكتظاظ في السجون.

وأضافت الهيئة أنه بالنظر إلى زيادة الضغوط على مراكز الاعتقال، تعمل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على تقييم مدى خطورة الأسرى، والإفراج عن بعض المعتقلين الإداريين بعد انتهاء مدة احتجازهم.

وأيضا في نهاية نفس الشهر، قالت القناة الـ13 العبرية إن إسرائيل تدرس إطلاق سراح 120 سجينا أمنيا من غزة لإفساح المجال في السجون لعدد مشابه.

ولكن بن غفير سارع إلى رفض اقتراح الجيش خلال منشور على منصة إكس، واعتبرها فكرة "مؤسفة وغير مقبولة"، ما يشير إلى استمرار الخلاف الداخلي بشأن الأمر.