لحظة حرجة.. هل يعود كليتشدار أوغلو إلى رئاسة “الشعب الجمهوري” بتركيا؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

الساحة السياسية التركية، تشهد واحدة من أعقد أزماتها الداخلية داخل حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، وذلك بعد سلسلة تطورات كشفت عن صراع شرس على القيادة، وتشابكات من الاتهامات بالفساد، وانقسامات داخلية تهدد مستقبل الحزب وهويته التاريخية.

ولم تعد الأزمة مجرد خلافات سياسية بين أقطاب الحزب، بل تحوَّلت إلى مواجهة مفتوحة تُدار بخطابات حادة، ودعاوى قضائية، وتسريبات تنال أبرز رموزه.

أخطر انشقاق

ونشرت صحيفة "حرييت" التركية مقالا للكاتب نديم شينير، ذكر فيه أن "ملامح الانفجار الداخلي بدأت تظهر فور خسارة كمال كليتشدار أوغلو الانتخابات الرئاسية". 

وأوضح أنه "في مؤتمر الحزب خلال نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، استخدم كليتشدار أوغلو تعبيرا لافتا حين تحدث عن (الخناجر في ظهره)، وهذا في إشارة واضحة إلى انهيار الثقة داخل قيادة الحزب خلال الحملة الانتخابية".

ولفت إلى أن "(رئيس بلدية إسطنبول الموقوف) أكرم إمام أوغلو، الذي كان يتطلع منذ سنوات لأن يكون المرشح الرئاسي للحزب، بدأ سريعا في نسج شبكة من التحالفات داخل التنظيم، مستغلا الفراغ القيادي الذي خلفته الهزيمة". 

ورأى الكاتب التركي أن “فيديو (التغيير) الذي نشره صباح اليوم التالي للخسارة قد أظهر  بوضوح أن الرجل قرر فتح معركة مفتوحة مع القيادة التقليدية”.

وأشار إلى أن “هذه التحركات تطورت من نقاشات عامة حول ضرورة التغيير إلى اجتماعات سرية على تطبيق زووم، كان قد شارك فيها مستشارون بارزون وشخصيات كانت تُعدّ من الدائرة الأقرب إلى كيليتشدار أوغلو نفسه”. 

وفي وقت كانت القاعدة الحزبية تعتقد بوقوف أوزغور أوزيل إلى جانب رئيسه، تحوّل أوزيل تدريجيا إلى رأس حربة في مشروع إسقاطه، يقول شينير.

ولفت الكاتب النظر إلى أن "المفارقة هي أن أوزيل كان قد أعلن ولاءه العلني لكيليتشدار أوغلو، بل دافع عنه إعلاميا قائلا: إن من يطالب باستقالته ليس إلا حسابات إلكترونية". 

واستدرك: “لكن هذه الصورة انهارت لاحقا، بعد أن ظهر أوزيل في موقع المرشح المنافس في مؤتمر حزبي تشوبه اتهامات بوجود (بازار للمندوبين) قائم على المال والتأثير”.

وداخل المؤتمر قال كليتشدار أوغلو جملة ستصبح عنوانا للتاريخ: "دخلت الانتخابات والخيانات مغروسة في ظهري". 

وهكذا فقد كانت تلك اللحظة إشارة واضحة إلى أن الحزب الذي لطالما قدّم نفسه كحزب الدولة ومؤسس الجمهورية “بات يعيش أخطر انشقاق داخلي منذ عقود”.

انهيار المشروع

وأردف الكاتب: “بينما كان إمام أوغلو يحتفل بنجاحه في إيصال أوزغور أوزيل إلى رئاسة الحزب لضمان طريقه نحو انتخابات 2028، بدأت الأرض تهتز تحت قدميه”. 

وأوضح أن “القضية الأولى التي طفت على السطح كانت مسألة (الشهادة الجامعية)، التي أثارت جدلا واسعا حول مدى قانونية أهليته الوظيفية”. 

واستطرد: “لكن العاصفة الأكبر جاءت مع بدء عمليات ملاحقة قضائية في بلدية إسطنبول، شملت فريقه الإداري ومستشاريه وشبكة من المقاولين المتهمين بتقديم رشا مقابل نفوذ سياسي”.

ثم ظهرت لائحة الاتهام الهائلة التي تضمنت أربعة آلاف صفحة، والتي لم تتهم إمام أوغلو فقط بالفساد المالي واستغلال المنصب، بل ربطت بعض عمليات الفساد بمحاولات التأثير على مسار الحزب الداخلي.

وهذا الربط كان كارثيا على صورة إمام أوغلو، لأنه يعني أن المال العام لم يُستخدم فقط في إطار فساد إداري، بل في محاولة شراء النفوذ داخل أكبر حزب معارض في تركيا.

ومع توالي التحقيقات، بدا أن المشروع السياسي الذي بناه إمام أوغلو على مدى سنوات قد بدأ ينهار. 

وقال شينير: إن “الرجل الذي كان ينظر إلى نفسه بصفته وريثا محتملا لقيادة الجمهورية، وجد نفسه فجأة محاصرا بشبهات تهدد مستقبله السياسي وربما القانوني”. 

وأضاف “أما أوزغور أوزيل الذي راهن على تحالفه مع إمام أوغلو لضمان تثبيت شرعيته في قيادة الحزب، فقد وجد نفسه في موقف دفاعي صعب؛ إذ بات مضطرا لتبرير ارتباطه بشخصيات مدانة أو متهمة بالفساد، ومنذ تلك اللحظة، تحولت القيادة الجديدة إلى عبء بدلا من أن تكون نقطة انطلاق”.

ضربة كليتشدار أوغلو

ونبه الكاتب التركي إلى أنه "في لحظة حرجة تشهد فيها الساحة السياسية التركية تصاعدا غير مسبوق في الاتهامات الموجهة ضد قيادات داخل حزب الشعب الجمهوري، قرّر كمال كليتشدار أوغلو كسر صمته والخروج إلى العلن بخطاب صادم في حدّته ومضمونه". 

وهذا الخطاب لم يكن مجرد تعليق على التطورات، بل جاء بمثابة إعلان مواجهة مفتوحة مع أكرم إمام أوغلو والقيادة الحالية للحزب، وذلك في خطوة اعتبرها كثيرون نقطة تحول مفصلية داخل أكبر أحزاب المعارضة التركية.

ويرى الكاتب أن “ظهور كليتشدار أوغلو بدا وكأنه محاولة لاستعادة زمام المبادرة داخل الحزب، خاصة أنه استخدم لغة غير معهودة في أدبيات التنظيم”. 

وتحدّث كليتشدار أوغلو بصرامة عن "الرشوة" و"الفساد" و"التطهر"، مؤكدا أن الحزب الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك وحمله عبر عقود كهوية للدولة العلمانية الحديثة، لا يمكن أن يقبل أو يحتمل أي ارتباط بفضائح من هذا الحجم.

ويرى الكاتب أن “هذا الخطاب أعاد التذكير بأن كليتشدار أوغلو لا يزال رقما صعبا في المعادلة الداخلية، وأن نفوذه بين الكوادر القديمة لم يتراجع رغم خسارته رئاسة الحزب”.

وأضاف أن “ردود الفعل التي أعقبت البيان جاءت سريعة وواسعة، فقد بدأ عدد من النواب بإصدار بيانات تطالب بفتح تحقيقات داخلية شاملة، والإسراع في محاسبة كل من تثبت مسؤوليته في ملف الفساد”. 

في الوقت نفسه، عبّرت قيادات محلية ورؤساء بلديات سابقون عن استيائهم من تراجع المعايير الأخلاقية والسياسية داخل الحزب. مؤكدين أن الوضع الراهن يهدد تاريخه ومصداقيته أمام الرأي العام. 

ومع اتساع دائرة الجدل، لم يعد الصراع داخل الحزب مجرد منافسة بين جناحين، بل تحوّل إلى معركة حول هوية الحزب وروحه. 

والسؤال المطروح حاليا يتجاوز الأشخاص ليصل إلى جوهر الحزب نفسه: هل سيظل الشعب الجمهوري مؤسسة سياسية تستمد شرعيتها من إرث علماني ديمقراطي صارم؟ أم سينزلق إلى نموذج جديد يعتمد على شبكات النفوذ والتحالفات الشخصية، وربما المال السياسي؟

وأجاب الكاتب: “من منظور مراقبين سياسيين، فإن خطاب كليتشدار أوغلو مثّل ضربة قاسية للمشروع السياسي لإمام أوغلو، فالاتهامات التي تحيط بالأخير قد تُضعف حظوظه المستقبلية وتضعف كذلك قدرة أوزغور أوزيل على إدارة الحزب بثقة داخلية”. 

وتابع: “الرسالة كانت واضحة: الشرعية داخل الحزب لم تعد مسألة انتخابات داخلية فحسب، بل قضية أخلاقية تتعلق بنقاء القيادة ونزاهتها”.

ولفت إلى أنه “بين موجة الاتهامات وخطاب التصعيد، يبدو أن الحزب قد دخل مرحلة حساسة للغاية، فإما أن ينجح في إعادة ترتيب بنيته الداخلية عبر عملية إصلاح عميقة قد تعيد له توازنه وتماسكه، أو ينزلق نحو انقسام داخلي قد يهدد وحدته ويضعه أمام أخطر اختبار وجودي منذ تأسيسه”. 

وختم الكاتب بالقول: “في كلتا الحالتين، فإن التطورات القادمة ستحدد شكل المعارضة التركية ومستقبلها السياسي في السنوات المقبلة”.