أميركا وإسرائيل علمتا بضربة إيران قبل وقوعها.. إخطار أم اختراق؟

نشرت صحف أميركية تفاصيل عن موعد الضربة قبل وقوعها بساعات
رغم شنها ضربة غير مسبوقة بأكثر من 250 صاروخا باليستيا، أظهرت مؤشرات توقع الولايات المتحدة تنفيذ إيران الهجوم الأخير على إسرائيل قبل وقوعه بساعات.
وبعد شهور من “الصبر الإستراتيجي”، باغتت إيران الاحتلال الإسرائيلي، مساء الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024، بإطلاق وابل من الصواريخ بشكل غير مسبوق مستهدفة عددا من المناطق المحتلة.
وأعلن الحرس الثوري الإيراني أن العملية تمت بناء على قرار من المجلس الأعلى للأمن القومي ودعم الجيش.
وبين أنها جاءت ردا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية في 31 يوليو/تموز 2024 في طهران، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله والقائد بالحرس الثوري عباس نيلفروشان في 27 سبتمبر/أيلول من نفس العام.
وأظهرت مؤشرات عدة أن إيران ربما أبلغت إسرائيل وأميركا بالاستهداف مثلما فعلت في الضربة الأولى التي تمت في أبريل/نيسان 2024، أو أنها مخترقة أمنيا مثل حزب الله وعلم الطرفان بالهجوم قبل تنفيذه.

إذ نشرت صحف "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال" وشبكة "سي إن إن" وموقع "أكسيوس" الأميركي تفاصيل عن موعد الضربة ظهر الأول من أكتوبر، قبل أن يتم القصف الإيراني بالفعل، وحددت الأهداف والصواريخ.
كما أعلن البيت الأبيض ومسؤولون أميركيون تفاصيل حول الضربة الإيرانية التي لم تكن قد وقعت بعد، ما يشير إلى احتمالين، أولهما أن إيران أخطرت أميركا أو أن طهران مخترقة.
كيف علمت أميركا؟
وكشف مسؤول كبير في البيت الأبيض لصحيفة "وول ستريت جورنال" مطلع أكتوبر أن "إيران تستعد لشن هجوم صاروخي باليستي ضد إسرائيل، فيما قد يكون تصعيدا كبيرا قد يشعل حربا أوسع في الشرق الأوسط".
وقال إن الولايات المتحدة ستساعد إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الضربات المتوقعة، على غرار الطريقة التي أسقطت بها الصواريخ والطائرات بدون طيار عندما شنت إيران هجوما كبيرا في أبريل.
أيضا ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" مطلع أكتوبر، نقلا عن مسؤولين عرب، أن إيران أبلغت المسؤولين الإقليميين العرب بخططها لإطلاق رشقة صاروخية.
وأن هذا دفع إسرائيل إلى إرسال رسالة واضحة تفيد بأنها سترد على أي هجوم يستهدف أراضيها، بغض النظر عن حجمه أو عدد الضحايا.
أيضا قال مسؤول كبير في البيت الأبيض لشبكة سي إن إن مطلع أكتوبر، إن الولايات المتحدة تعتقد أن إيران تستعد "لشن هجوم صاروخي باليستي وشيك ضد إسرائيل".
وبين أن أميركا تتوقع أن يكون الهجوم القادم من إيران ضد إسرائيل "مماثلا في نطاقه للهجوم الذي وقع في أبريل"، بعد غارة إسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، أسفرت عن مقتل عناصر بالحرس الثوري الإيراني
ونقل المراسل الإسرائيلي لموقعي "أكسيوس" الأميركي و"واللا" الإسرائيلي "باراك ريفيد"، عن "مصدر مطلع" أنه "من المتوقع أن تهاجم إيران إسرائيل هذه المرة فقط بالصواريخ الباليستية التي تصل إلى إسرائيل في غضون 12 دقيقة".
"وليس بطائرات بدون طيار أو صواريخ كروز التي تسمح بوقت تحضير أطول بكثير للدفاع والاعتراض"، وهو ما حدث بالفعل.
لكنه أكد أن نطاق الهجوم الإيراني سيكون مماثلا للضربة المباشرة الأولى في أبريل والتى تصدت لها إسرائيل وشركاؤها بقيادة الولايات المتحدة إلى حد كبير، وفق المصادر الأميركية.
وقال مسؤولون أميركيون لشبكة "إن بي سي نيوز" إن الهجوم الإيراني قد يتضمن قوة نيرانية أكبر مما كانت عليه في أبريل، وإن إيران قد تحاول إطلاق العديد من الصواريخ في وقت واحد من أجل التغلب على الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
ما أثار الاستغراب أكثر أن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي قال إن أميركا أبلغتهم بهجوم محتمل من إيران بشكل مباشر خلال الـ 12 ساعة القادمة والمعلومات وصلت بشكل كامل، وهدد بأنه سيكون له تداعيات.
أيضا غرد الصحفي الإسرائيلي "إيدي كوهين" عدة مرات عن إبلاغ إيران لأميركا بموعد وحجم الضربة كي تبلغ إسرائيل، واصفا ما جرى بأنه "مسرحية إيرانية إسرائيلية".
هل أبلغوهم؟
كان كشف الصحف الأميركية والإسرائيلية معلومات – شبه صحيحة-عن موعد وتفاصيل الهجوم الإيراني قبل وقوعه بساعات، مثيرا للدهشة، رغم وصف إسرائيل الهجوم بأنه "غير مسبوق" وانزعاجها منه، ما قد يشير إلى أنه كان مؤثرا نسبيا.
كان السؤال المباشر المطروح حين وقع الهجوم بعد هذه المعلومات التي نشرتها صحف أميركية: هل أبلغ الإيرانيون واشنطن، ومن ثم إسرائيل، بموعد وتفاصيل الهجوم كي لا يتحول الأمر إلى سجال ورد متبادل ومن ثم حرب شاملة تشارك فيها أميركا؟
بعبارة أخرى، هل كانت العملية نوعا من رفع العتب، والاستعراض، أم أنها كانت عملا عسكريا جادا ومؤثرا، كما يتساءل الصحفي المصري جمال سلطان؟
وكالة "رويترز" البريطانية نقلت عن مسؤول إيراني، مطلع أكتوبر قوله: "أبلغنا الولايات المتحدة عبر القنوات الدبلوماسية بالهجوم قبل وقت قصير من انطلاقه"، كما "أبلغنا روسيا مسبقا بالضربة ضد إسرائيل".
وألمحت وسائل إعلام إيرانية لإبلاغ إسرائيل الدول الأوروبية والولايات المتحدة بأن الهجوم الإسرائيلي سيحدث خلال الساعات المقبلة.
وكان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان حديث وسائل الإعلام الأميركية بعد خطابه في الأمم المتحدة أواخر سبتمبر 2024 بسبب قوله إن بلاده ليست على خلاف مع أميركا وحديثه عن تفاهمات معها حول البرنامج النووي، ليفتح الباب أمام التساؤل عن تفاهمات أميركية إيرانية من وراء الكواليس.
ومع هذا، وبالمقابل، قال مسؤولون أميركيون إنهم "لم يتلقوا أي تحذير من الحكومة الإيرانية بأنهم سيشنون مثل هذا الهجوم"، بحسب وكالة "رويترز" 2 أكتوبر 2024.
وقالت البعثة الإيرانية في بيان "لم يتم إخطار الولايات المتحدة قبل ردنا، لكن تم إصدار تحذير خطير بعد ذلك".
وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي: "لم يتم إرسال أي رسالة قبل ردنا (على إسرائيل)، وبعد هذا الرد، تم نقل تحذير عبر سويسرا لإبلاغ الأميركيين بأن من حقنا الدفاع عن النفس وأننا لا ننوي الاستمرار (في الهجوم)".
ونقلت وكالة "تسنيم الإيرانية" شبه الرسمية للأنباء عن "عراقجي"، قوله في 2 أكتوبر إن "تبادل الرسائل لا يعني التنسيق"، أي أننا لم نبلغ أميركا وننسق معها بشأن الهجوم على إسرائيل.
طرح هذا النفي حول إمكانية إبلاغ طهران لواشنطن بموعد الضربة، وقصر الأمر على إبلاغها بعد الضربة كي تلجم إسرائيل عن الرد وإلا اشتعلت الحرب الشاملة، تساؤل آخر حول: كيف علمت أميركا إذن بموعد وتفاصيل الهجوم الإيراني؟

هنا ظهرت النظرية الثانية حول اختراق أميركا وإسرائيل لإيران مثلما فعلت مع حزب الله، وبهذا علمت بالتفاصيل عن جواسيسها، خاصة أن المعلومات التي بدأت تنشرها صحف غربية حول كيفية اغتيال نصر الله أشارت للوصول له عبر إيرانيين.
إذ نقلت صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية، في 28 سبتمبر 2024 عن مصدر أمني لبناني قوله إن "إسرائيل تلقت معلومات استخباراتية من مصدر إيراني، تفيد بوصول متوقع لنصر الله، إلى مقر الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت"، فتم قصفه.
وكانت تصريحات قائد الأركان الإيراني تشير ضمنا لعدم رغبة إيران في توسيع الحرب.
إذ أكد في 2 أكتوبر: "ضبطنا النفس منذ اغتيال هنية بطلب من أميركا وأوروبا لإحلال وقف إطلاق النار في غزة، ولكن الكيان الصهيوني ضاعف جرائمه باغتيال نصر الله ما جعلنا غير قادرين على التحمل".
أضاف أن "الهجوم حقق الردع المطلوب لإيران ونأمل أن يكون الكيان الصهيوني ومن يدعمه فهموا الرسالة، وضربنا أهدافاً عسكرية لكن قد نضرب البنى التحتية وندمرها إذا ردت إسرائيل".
وأعلنت بعثة إيران في الأمم المتحدة أنه "إذا تجرأ النظام الصهيوني على الرد أو ارتكب المزيد من الأعمال الشريرة، فسوف يتبع ذلك رد ساحق وننصح الدول الإقليمية وأنصار الصهاينة بالتخلي عن هذا النظام".
وهو ما يعني أن إيران أصبحت الآن جبهة تركيز أساسية لإسرائيل، تمامًا مثل غزة ولبنان والضفة الغربية.
ونقلت قناة 12 العبرية عن مصدر مطلع أن اسرائيل ستقرر الرد وبقوة على الهجوم الإيراني وهو ما هددت إيران بأنها سترد عليه.
وحذر بيان للحرس الثوري الإيراني بالقول: "إذا ردت إسرائيل على ردنا، فإنها ستواجه هجمات عنيفة".
حققوا أهدافهم
ومع هذا رأى محللون وناشطون أن إيران حققت أهدافها من الضربة ضد إسرائيل وأعادت الردع الذي انهار عقب اغتيال الاحتلال حسن نصر الله وقادة حزب الله وضربها لبنان واليمن وسوريا وغزة.
أرجعوا أهمية الضربة إلى أنها جاءت في توقيت قياسي، رفع الروح المعنوية وأعاد زمام المبادرة مرة أخرى لمحور المقاومة، وصدمت الاحتلال وأوقفت أحلام نتنياهو في فرض "شرق أوسطي جديد" بالقوة على المنطقة العربية، تهيمن فيه إسرائيل.
السياسي الكويتي "ناصر الدويلة" كتب عبر إكس أن إيران حققت أهدافها من الضربة، ما يشير ضمنا لأنها لم تكن منسقة مع أميركا أو إسرائيل.
أكد أن المؤشرات على ذلك كثيرة منها: أن الأهداف التي سددت لها إيران الضربة كلها أصيبت بالصواريخ فرط صوتية التي أظهرت دقتها.
كما أن إيران حققت هدفي "الصدمة والرعب" المهمة جدا في إعادة ضبط قواعد الاشتباك مع أميركا وإسرائيل".
أشار إلى أن جميع الأهداف التي أصابتها الصواريخ كانت عسكرية ومنها تعطيل الطائرات إف 35 بإصابة المطارات، والصواريخ التي سقطت على المدن محدودة جدا وكانت بدون رؤوس متفجرة وهي رسالة "إننا نستطيع تدمير المدن بسهولة".
وقال الكاتب المصري "سامح عسكر" إن أول رد فعل إسرائيلي تمثل في "جنون التهديد" بعبارات مثل: سنمسح، حرب شاملة، سننتقم، لن نصمت، سيندم العدو، كلها مؤشرات بأن الضربات الإيرانية كانت مؤثرة للغاية.
وبدليل أن المتحدث باسم جيش الاحتلال نشر نداء للإسرائيليين بعدم تصوير وتوثيق مواقع سقوط الصواريخ، وهدد بعقاب من يفعل ذلك.
كما رأى الكاتب المصري أن تحليل الضربة العسكرية الإيرانية لإسرائيل يشير إلى أنها كانت أكبر من السابقة في أبريل 2024، ونفذت هذه المرة بصواريخ فرط صوتية تصل من طهران لتل أبيب في 12 دقيقة.
وهذا ما يفسر عدم قدرة الدفاع الجوي الصهيوني على التصدي لها، ومرور معظمها من الحائط الأميركي الذي شكله حلف الناتو حول إسرائيل منذ الطوفان.
كما يعني الأمر أن منظومة الحلف الدفاعي الجوي الإقليمي، بقيادة الأميركي والإسرائيلي فشلت في أداء مهمتها.
ووصف المحلل الفلسطيني ساري عرابي، القصف الإيراني بأنه "استعادة نسبية للمبادرة، وتعديل في الموقف المعنوي" حتى ولو كانت إسرائيل لا تزال هي الأقوى والأكثر قدرة على الإيلام، مؤكدا أن المهم أن ما انفتح في 7 أكتوبر لم يغلق بعد.
وكان الحرس الثوري الإيراني أكد أن 90 بالمئة من الصواريخ أصابت أهدافها في إسرائيل بنجاح، وتحدث الجيش الأميركي عن إطلاق 12 صاروخا فقط من البحرية الأميركية لصد الصواريخ الإيرانية الـ 200 وهو مؤشر فشل لأنها أسرع من الصوت وتملك قدرة على المناورة.
وتحدثت القناة 12 الإسرائيلية عن تضرر 100 منزل على الأقل بمدينة "هود هشارون" وسط إسرائيل بسبب الهجوم الإيراني، دون الإشارة لنتائج الهجمات الأساسية على المطارات والقواعد العسكرية الإسرائيلية.
ومع أن نتائج الضربة ستظل مجهولة أيضا بسبب الحظر العسكري على النشر، ولأنها طالت موقع عسكرية بالأساس مثل قاعدة نيفاتيم الجوية بالنقب، ومقر الموساد ومول تجاري (أيلون)، تحدثت تقارير إسرائيلية وشهود عيان عن أضرار.
ورغم الحظر العسكري، تسربت فيديوهات تبين إصابة مواقع عسكرية مهمة، وربما تدمرت آليات وطائرات في المطارات المقصوفة، أو ربما قتل عناصر من جيش الاحتلال دون إعلان إسرائيلي رسمي.
وهو ما دفع محللون للحديث عن إما أن تدفع هذه الضربة الكبيرة، التي وصفتها صحف إسرائيل، بأنها "غير مسبوقة"، وشكلت "صدمة"، الاحتلال للتراجع خطوات للوراء في ملف السلام والهدنة، بدليل عدم اتخاذ مجلس الحرب قرار بالرد انتظارا للتنسيق مع أميركا.
أو أن يستمر الغرور والهروب الصهيوني للأمام والانتقال للرد بقوة على إيران كما توعد نتنياهو وقادة الاحتلال، خاصة لو كانت الضربة الإيرانية مؤثرة وموجهة وسببت خسائر كبيرة، وفي هذه الحالة ستتجه المنطقة لحرب شاملة وتتورط أميركا فيها.