مستغلا أزمات لبنان.. هكذا يبني حزب الله إمبراطوريته الاقتصادية الخاصة

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يمر لبنان بأحد أشد الأزمات الاقتصادية في تاريخه الحديث، بعد وصول الدولار إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، بينما يعمل حزب الله على استغلال الأزمة لصالحه.

ووصل سعر الدولار إلى نحو 23 ألف ليرة لبنانية في السوق السوداء في 16 يوليو/تموز، لتفقد حوالي 95 بالمئة من قيمتها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، الأمر الذي يشير إلى مدى خطورة الوضع.

وبينما يرسم نقص الغذاء والماء والوقود في البلاد، إلى جانب انقطاع التيار الكهربائي، وتردي الرعاية الصحية صورة أكثر سوداوية للوضع، يحاول حزب الله، استغلال ظروف الأزمة وتنفيذ أنشطة من شأنها أن توسع نفوذه. 

انحدار سريع

وبحسب مرصد الأزمات التابع للجامعة الأميركية في بيروت، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في البلاد بنسبة تزيد عن 700 بالمئة في العامين الماضيين و50 بالمئة في الشهر الماضي.

ويعيش أكثر من نصف سكان البلاد تحت خط الفقر، والذي يقدر بـ 3.60 دولار في اليوم الواحد، وفق ما نشرت وكالة الأناضول التركية في مقال للباحثة شريفة أكينجي. 

وأضافت: "وفقا لأحدث التقارير الصادرة عن البنك الدولي، يواجه لبنان واحدة من أسوأ الأزمات المالية منذ خمسينيات القرن التاسع عشر".

وتحتل الأزمة الاقتصادية اللبنانية مكانها في المراكز الثلاثة الأولى من بين أكثر عشر أزمات عالمية حدة في الفترة ما بين 1857 و2013.

كذلك ووفقا لبيانات البنك الدولي، شهد الاقتصاد اللبناني انكماشا بنسبة 20.3 بالمئة في عام 2020 عقب الانكماش الذي شهده في عام 2019 بنسبة 6.7 بالمئة.

ويتوقع أن يشهد الاقتصاد انكماشا آخر بنسبة 10 بالمئة في عام 2021.

وعليه، انخفض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، الذي كان يبلغ 55 مليار دولار في 2018، إلى 33 مليار دولار في 2020. 

كما انخفض متوسط دخل الفرد بنحو 40 بالمئة بعملة الدولار. وأكد التقرير على "عدم وجود نقطة تحول جديدة لائحة في الأفق" بالنسبة للبنان، بحسب الكاتبة.

دور حزب الله

وأوضحت: "يعمل حزب الله على توفير الخدمات والمواد الأساسية التي لم تعد الدولة اللبنانية قادرة على توفيرها إلى جانب توسيع خدماته شبه المصرفية وتطوير مشاريع زراعية وتهريب السلع الرخيصة من العراق وإيران وسوريا مستغلا الانسداد السياسي في البلاد".

واستطردت أكينجي: "عندما أغلقت البنوك في لبنان في إطار الإجراءات الاحترازية في بداية الأزمة وجمدت الحسابات بالدولار، تدخلت جمعية القرض الحسن التابعة لحزب الله".

وكانت الجمعية تقدم خدمات شبه مصرفية، لتزويد الشعب بالنقد (الكاش) من خلال القروض وصناديق الضمان المتبادل التي يقال بأنها متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وفق قولها.

وعقبت: كذلك نفذت المؤسسة أنشطة مثل بيع وشراء الذهب بالدولار، وتخزين الذهب مقابل رسوم منخفضة، وزيادة عدد أجهزة الصرافة الآلية في المدن حتى يتمكن العملاء من سحب الدولار عند الحاجة إليها.

ونوهت إلى أن حزب الله كان يهدف إلى جذب الناس إلى مؤسساته بدلا من البنوك اللبنانية من خلال هذه الأنشطة غير الرسمية، وقد نجح.

فمع تدهور الوضع الاقتصادي وانعدام الاستقرار السياسي، اضطر المواطنون إلى اللجوء إلى مؤسسات حزب الله، حيث يباع الدولار بسعر أرخص من السوق السوداء.

إلى جانب ذلك، افتتح حزب الله سلسلة من المحال التجارية التعاونية في مدن معينة، لبيع مجموعة متنوعة من السلع مثل الأطعمة والمشروبات والملابس والأثاث. 

انتشرت هذه المحال التي أطلق عليها "النور" في العديد من المناطق التي ينشط فيها الحزب بعد افتتاح أولاها في جونية في جنوب لبنان، وفقا للكاتبة التركية.

ومن المعروف أن معظم هذه المنتجات التي تشمل مواد الغذاء الأساسية والأدوات المنزلية ومواد التنظيف والملابس، تأتي من العراق وإيران وسوريا عن طريق التهريب.

وبينما تباع هذه المنتجات بأسعار أقل مقارنة بالأسواق المنافسة بسبب عدم دفع الرسوم الجمركية عند إدخالها، يشترط حزب الله الحصول على بطاقات خاصة تسمى "السجاد" لشراء هذه المنتجات.

وقالت: بحسب اللبنانيين يجب أن يكون دخل الفرد أقل من مليون و500 ألف ليرة لبنانية شهريا (حوالي 75 دولارا في السوق السوداء) ليتمكن من الحصول على هذه البطاقة. 

أما الذين يتمكنون من الحصول على البطاقة فيمكنهم امتلاك بطاقات تسمح بشراء 300 ألف ليرة لبنانية. ويعني هذا المبلغ الشيء الكثير، خاصة بالنسبة للفقراء في لبنان. 

ويقال بأن هذه البطاقات ستوفر على المدى الطويل، فرصة الوصول إلى الخدمات الصحية التي سيقدمها حزب الله بأسعار مخفضة أيضا، وفق الكاتبة التركية.

وبهذه المبادرة، لم يوسع حزب الله القاعدة الشعبية الداعمة له فحسب، بل حصل أيضا على وصول سهل إلى الليرة اللبنانية أيضا.

من ناحية أخرى، بدأ حزب الله تنفيذ برامج زراعية مختلفة من أجل إنتاج أقل تكلفة في مواجهة مخاطر الأمن الغذائي المتفاقم في البلاد. 

وقد وصفت هذه المبادرة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في لبنان في يوليو/تموز 2020، للتعامل مع الصعوبات المالية الحالية، بـ "الجهاد الزراعي".

وجدير بالذكر أن مؤسسة "جهاد البناء" المعروفة بكونها من أهم الفروع التنفيذية للمنظمة والمكلفة بتأسيس وتشييد البنى التحتية المدنية والعسكرية لحزب الله، هي المسؤولة عن هذا المشروع الذي يوفر دعم العلف للماشية كذلك يخصص الأراضي ويعمل على توزيع الشتلات، تلفت الكاتبة.

نفوذ أكبر

ووفقا لممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في لبنان، فإن 71 بالمئة من الناس هناك يستهلكون أقل من 35 لترا في اليوم. 

وبالنظر إلى أنه كان ما يقرب من 1.7 مليون فرد يحصلون على 165 لترا من المياه يوميا قبل عام 2020، وأصبحوا لا يحصلون إلا على 35 لترا فقط من المياه اليوم، يلاحظ أن هناك انخفاضا بنسبة 80 بالمئة في كمية المياه التي يمكن الوصول إليها.

وتقول أكينجي: وبسبب تردي الخدمات العامة، هناك انقطاعات متكررة في المياه. 

غير أنه في حال تعذر تغطية تكاليف صيانة شبكات المياه، فإن نظام إمدادات المياه معرض لخطر الانهيار التام. 

وتشير التقديرات إلى أنه في حالة انهيار نظام إمدادات المياه، سترتفع التكاليف بنسبة 200 بالمئة.

وتضيف: وفي الوقت الذي يعجز فيه الشعب اللبناني عن تحمل هذه التكلفة، يقال بأن حزب الله يوزع مياه الشرب مجانا في مناطق معينة.

كما يقال: إنه حفر آبار مياه لاستخدامها عند الحاجة، وأنه سيوفر خدمة مياه بأسعار معقولة للشعب باشتراكات شهرية وفقا لمسار الاقتصاد.

وتستدرك قائلة: يحاول حزب الله أن يستغل الوضع المتأزم في لبنان والذي أصبح أكثر هشاشة مع الآثار المدمرة للوباء وتفاقم الأزمة الاقتصادية.

 وهو يهدف إلى إقامة نفسه بديلا عن الدولة من خلال بناء اقتصاد جديد خاص به، بما أنه اكتسب المزيد من القوة والشرعية مع نظام الخدمات والرفاهية الشاملة الذي وضعه.

غير أن اكتساب حزب الله للقوة والنفوذ يحمل معه مخاطر كبيرة من حيث حصر السلطة بيد الدولة في لبنان التي تعاني انسدادا سياسيا ناجما عن الاستقطاب السياسي، تلفت الكاتبة التركية.

وتختم أكينجي مقالها بالإشارة إلى أن الانقطاع بين الشعب اللبناني ودولته وضعف إدارة البلاد والفشل في تشكيل حكومة وانهيار النظام المالي كانت من أهم العوامل التي سمحت لحزب الله بالوصول إلى قاعدة أوسع. 

وتقول: "من يدري، لعل إستراتيجيته (حزب الله) الجديدة تمهد الطريق لمنح كل من الدولة اللبنانية وإيران استقلالية أكبر للحزب في لبنان".