النمسا تحظر رموز "الإخوان".. محاولة لاضطهاد الجماعة أم الإسلام؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

نهج عنصري مقيت، بحق مسلمي أوروبا مع تصاعد أصوات اليمين المتطرف في فرنسا والنمسا وبلغاريا، بحجة تقليم أظافر الإسلام السياسي ومحاربة الإرهاب، إلا أن الحد من وجود الإسلام المنتشر سريعا بالقارة العجوز يبدو أنه الهدف الأساسي.

سبق وأن وصف المستشار النمساوي سيباستيان كورتس، المعروف بمواقفه المتطرفة ضد المسلمين، "الأيديولوجية الإسلامية" بأنها تشكل خطرا على نموذج العيش الأوروبي.

مزاعم كورتس، تتحول من آن لآخر إلى حملات منظمة يشنها ضد المسلمين، تحد من أنشطتهم وتقوض وجودهم. 

فيينا أعلنت في 8 يوليو/ تموز 2021، توسيع العقوبات ضد جماعة "الإخوان المسلمين"، بإصدار قانون يحظر استخدام رموز الجماعة.

ذلك القانون وضع الجماعة في بوتقة واحدة مع "تنظيم الدولة" و"القاعدة"، و"حزب العمال الكردستاني"، وحركة "أوستاشا" الكرواتية الفاشية. 

القرار محاولة لحظر وتقليل دور منظمات المجتمع المدني المرتبطة بجماعة الإخوان وعموم المراكز الإسلامية، في الحياة السياسية والاجتماعية داخل النمسا.

وأيضا يسعى لتنفيذ أجندة قوى إقليمية مناهضة على رأسها الإمارات التي تنشط بقوة في محاربة الأنشطة الإسلامية بالنمسا وعموم أوروبا.

ضربات متتالية

في مطلع مارس/ آذار 2021، لأول مرة في دولة غربية وأوروبية، يصدر تشريع بحظر شعار جماعة الإخوان المسلمين، ويضاف إلى شعارات المنظمات المحظورة وقائمة الرموز الممنوعة في النمسا.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، ففي مايو/ أيار 2021، نشرت الحكومة النمساوية عناوين أكثر من 620 مسجدا وجمعية إسلامية.

إذ وحدت أنشطتهم ووضعتهم تحت الرقابة الصارمة، بحسب قرار وزارة الاندماج، فيما اعتبرته في سياق "محاربة الإسلام السياسي المتطرف". 

وفي سياق إستراتيجية السلطات النمساوية في استهداف جماعة الإخوان المسلمين، إذ تعتبرها مصدرا لتهديد  الأمن القومي. 

الشرطة النمساوية شنت في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، حملة مداهمة شرسة بمناطق مختلفة من البلاد، شملت أكثر من 60 موقعا ومؤسسة على ارتباط بجماعة الإخوان المسلمين، وألقت القبض على 30 شخصا.

مكتب المدعين العامين في منطقة "شتايرمارك" بالعاصمة النمساوية فيينا، أفاد أن "التحقيق يستهدف أكثر من 70 مشتبها به وعددا من الجمعيات التي يشتبه بأنها تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين".

"الهيئة الدينية الإسلامية في النمسا"، أكبر منظمة تمثل المسلمين وتدير 360 مسجدا، انتقدت توجهات حكومة كورتس بشأن أماكن العبادة والجالية الإسلامية.

رئيسها أوميت فورال قال يوم 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: "إن الحكومة أغلقت مكانا للعبادة، وإن الحرية رصيد ثمين في بلدنا، يجب علينا حمايته من الانتهاكات".

كورتس و"قانون الإسلام"

وشهد عام 2015 على وجه الخصوص بداية التحول تجاه المسلمين في النمسا، إذ تم إصدار "قانون الإسلام".

وهو قانون تمييزي، ولد على يد وزير الخارجية والاندماج (آنذاك) سيباستيان كورتز، المستشار النمساوي الحالي.

القانون تزامن مع موجة لجوء كبيرة، بنزوح الآلاف من سوريا والعراق بسبب الحروب.

وهو ما استغله اليمين المتطرف في التحريض ضد الأجانب وخاصة المسلمين، باستخدام بروباغندا معادية للإسلام تعزز الإسلاموفوبيا.

في تلك الفترة كانت تجري انتخابات، ظن المسلمون أن تلك الحملات المعادية ستنتهي بعدها، لكن حصل العكس، خاصة وأن ائتلافا جرى في 2017.

ذلك الائتلاف بين الحزب الأسود، "يمين وسط"، يمثله سيباستيان كورتس، وحزب الأحرار (الحزب الأزرق)، "شديد التطرف"، ويعد نسبيا في "أقصى اليمين"، وله علاقة بالنازيين الجدد.

وكان كل الهدف اكتساب الأصوات المتطرفة والمعادية للأجانب والمسلمين، لتدفع الجالية الإسلامية بعمومها الثمن فادحا.

 

وحدة استخباراتية 

تدشين "مرصد الإسلام السياسي" على يد الحكومة النمساوية في 16 يوليو/ تموز 2020، يعد أكبر دلالة على استهدافها تلك الفئة دون غيرها من فئات مجتمع النمسا العريض.

المرصد اعتبره المسلمون رأس الحربة التي اعتمدها حزب الشعب اليميني (الحاكم) لمحاربة الجالية الإسلامية الممتدة في طول البلاد.

افتتحته وزيرة الاندماج النمساوية سوزاني راب، بحضور البروفيسور مهند خورشيد عميد المعهد العالي للدراسات الإسلامية في جامعة مونستر الألمانية، والناشط في محاربة الإسلام السياسي، والتشريعات الإسلامية.

ويعد وحدة علمية معنية بدراسة مفهوم الإسلام السياسي وما أطلقوا عليه "أبعاده الخطيرة على المجتمعات الأوروبية والمجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية".

المرصد هو الأول من نوعه في أوروبا، إذ رصدت الحكومة النمساوية اليمينية، مبلغ "نصف مليون يورو" لأعماله عام 2020.

أما حزب الشعب اليميني، الذي يمثل الطرف الأقوى في الحكومة، برر الخطوة بأن اتفاق تشكيل الحكومة نص على فصل "الأمن الداخلي".

وتحت عنوان "تدابير مكافحة التطرف والإرهاب" أكد على "إنشاء مركز توثيق مستقل معتمد من الدولة، للتطرف السياسي المدفوع دينيا (الإسلام السياسي)".

هدف المركز تولى "مهمة البحث العلمي وتوثيق وإعداد المعلومات حول التطرف السياسي ذي الدوافع الدينية".

"الإسلام السياسي"

الحزب الحاكم النمساوي الذي يقوده رئيس الوزراء سيباستيان كوريتس أشار إلى أن "الاتفاق كان واضحا، ونص على مكافحة الإسلام السياسي".

ويعزز المركز تضييق كورتس على المسلمين، وتشديد الرقابة على المساجد والمنظمات الخيرية، ومدارس رياض الأطفال والثانويات وحظر التمويل الخارجي للمنظمات والمراكز الإسلامية.

إضافة إلى إغلاق كافة الكيانات التي تتعارض مع القوانين الجديدة التي تستهدف الملتزمين من المسلمين.

وتستهدف وحدة رصد الإسلام السياسي، أن تكون ذراع حكومة الشعب اليمينية، لعزل الجالية المسلمة عن الجمعيات التي تقوم باحتوائهم وخدمتهم وحمايتهم، من خلال التضييق على تلك المؤسسات وتحجيمها، وصولا إلى إغلاقها.

أبرز المؤسسات المستهدفة، هي الهيئة الدينية الإسلامية فى النمسا، والتي تخدم مقاطعات (فيينا والنمسا المنخفضة وبورغنلاند).

دائرة الرقابة المالية النمساوية طالبت فحص السجلات المالية للهيئة، وهي المرة الأولى التي تقوم فيها هذه الدائرة التي يطلق عليها (ريشنونكهوف) باتخاذ مثل هذا الإجراء نحو هيئة دينية فى النمسا. 

وكذلك جماعة الإخوان المسلمين، ولها وجود قديم في النمسا، عندما بدأت مع هجرة العديد من كوادر الجماعة إلى البلاد، خلال ستينيات القرن الـ20.

إذ جرى التأسيس لوجودهم على يد بعض المهاجرين، أمثال يوسف ندا وسعيد رمضان، ومع مرور الزمن أصبحوا مندمجين مع المجتمع النمساوي، ولهم العديد من الأنشطة.

واستطاعوا صنع شبكة من العلاقات القوية مع النخب، وإقامة الأكاديميات التعليمية، والأعمال التجارية، والكيانات والشركات والجمعيات الخيرية والإنسانية، ويتمتعون بدرجة كبيرة من العلاقات.

ازدواجية معايير 

الدكتور أحمد زيدان، إمام أحد المراكز الإسلامية في أيرلندا الشمالية، والناشط دعويا في أوروبا، يقول: إنه "نظام عنصري فج، أشبه ما يكون بدول أوروبا الشرقية في الثمانينيات والتسعينيات".

ويضيف لـ"الاستقلال": أقول ذلك الكلام "بصفتي مقيما في أوروبا لأكثر من 20 سنة، وقمت بزيارات لمعظم دولها، ومنها النمسا".

 ويوضح أن "ما يحدث ضد المسلمين في النمسا يجري بشكل خاص منذ صعود اليمين المتطرف وسباستيان كورتس".

ويؤكد أن "الشكاوى والعنصرية الموجهة من قبل الحكومة النمساوية ضد الجالية الإسلامية، لا تقارب إلا ببلغاريا وفرنسا اللتين تسيران على نفس النهج العنصري المقيت". 

المثير للاستغراب وفق زيدان أن "جميع أنشطة الجمعيات الإسلامية والمساجد والمراكز الدعوية، خاضعة للرقابة المباشرة من الحكومات، ولا تعمل بشكل منفصل أو انعزالي عن المجتمع والدولة".

ويتابع: "ويتم تقديم تقارير دورية بالأنشطة والتعاملات المالية الخاصة بالتبرعات والنفقات، فكل شيء كما يقول المثل الدارج (على المكشوف)". 

ويبين أن "الأنظمة الصاعدة حديثا في أوروبا، أصبحت تعتمد فزاعة (الإسلام) لمداعبة شعوبها، وهي الورقة الأهم لدى اليمين المتطرف ليغازل الجماهير، ويصعد إلى الحكم".

ويجزم بأن "هذا ما حدث نصا في النمسا، مع تحالف كورتس واليمين المتطرف، الذي استغل موجات الهجرة، وخوف الشعوب من المهاجرين، وعلى رأسهم المسلمين تحديدا".

"ليقوض النشاط الإسلامي الدعوي والعام، ويضطهد المسلمين عموما مهاجرين أو لاجئين أو حتى لو كانوا مواطنين عاديين من أبناء البلد نفسها"، وفق الإمام. 

ويعتقد أنه "لا يمكن إغفال دور الإمارات الرئيس في محاربة الأنشطة الإسلامية داخل أوروبا، فهي التي تمد الأحزاب اليمينية بالأموال والمعلومات، كما تدعم أشخاصا وأكاديميين بعينهم لمهاجمة المسلمين والمهاجرين".

وشدد على أن أبوظبي "تحاول أن تدشن نظام الإسلام الصوفي القائم على الخزعبلات والدروشة، وبسبب ذلك تم حظر العديد من الجمعيات والمراكز الإسلامية، والبقية الباقية تناضل للبقاء".