كشفته وثائق أميركية سرية.. هكذا غذت إسرائيل حلم صدام بالنووي العراقي

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، إن وثائق سرية كشفت أن فرنسا عملت على عرقلة برنامج العراق النووي، ومنها امتلاكه لأسلحة نووية بالتنسيق مع واشنطن.

وأفادت "الإندبندنت" بأنه "قبل 4 عقود، تسلل سرب من الطائرات المقاتلة الإسرائيلية في مهمة سرية فوق الأجواء السعودية وانطلق لتدمير موقع مفاعل نووي عراقي كان يبنيه مهندسون فرنسيون وإيطاليون خارج بغداد".

وأشارت إلى أن "ذلك الهجوم كان مفاجئا وأشاد به المدافعون عن إسرائيل، واستشهد به كمثال على قدرة القوة العسكرية على أن تعمل كأداة للسيطرة على الأسلحة".

لكن مجموعة من الوثائق الأميركية التي كانت سرية في السابق والتي نشرتها "منظمة واشنطن" في 7 يونيو/حزيران 2021، تشير بقوة إلى أن الطموحات النووية العراقية قد تم احتواؤها سرا من قبل الأوروبيين الذين كانوا يبنون مفاعل الأبحاث الذي تم قصفه في "أوزيراك".

وعلاوة على ذلك، ربما شجع هجوم 7 يونيو/حزيران 1981 الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين على تصعيد سعيه للحصول على أسلحة الدمار الشامل.

شديدة الحساسية

وتشمل الوثائق، التي حصل عليها أرشيف الأمن القومي ومقره واشنطن من خلال طلبات قانون حرية المعلومات برقيات البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية التي تلخص الاتصالات الدبلوماسية والسياسية الرئيسة التي سبقت الهجوم، كما تظهر محاولات المسؤولين الأميركيين التصدي لتداعيات الهجوم.

وقد قتل ما لا يقل عن 10 جنود عراقيين ومدني فرنسي في الهجوم الإسرائيلي.

وقد تم الكشف عن الوثائق التي تم استردادها كجزء من مشروع الدعوة إلى الشفافية الذي استضافته جامعة جورج واشنطن، في وقت تحاول فيه إسرائيل حشد الدعم الدولي والإقليمي ضد البرنامج النووي الإيراني.

وعلى مدى أسابيع في فيينا، كانت الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى تحاول إحياء اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية مع إيران التي انسحب منها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتعارض إسرائيل العودة إلى الصفقة.

وبالعودة إلى الهجوم على المفاعل العراقي، أشار التقرير إلى أنه "لطالما أصرت فرنسا على أن تصميم المحطة النووية التي كانت تبنيها في العراق، يجعل من المستحيل تعديلها لإنتاج مواد انشطارية لصنع قنبلة". 

لكن "الإندبندنت" أوضحت أن هناك وثيقة أخرى شديدة الحساسية تفيد بأن باريس ذهبت إلى أبعد من ذلك.

وتكشف الوثيقة لأول مرة تفاصيل اجتماع باريس في 25 يوليو/تموز 1980 بين دبلوماسيين أميركيين ومسؤول فرنسي رفيع المستوى في مجال حظر الانتشار النووي، حول شحنات اليورانيوم المتجهة إلى العراق.

وقال المسؤول: إن "المواد تم تعديلها كيميائيا سرا لجعلها عديمة الفائدة لاستخدام الأسلحة".

وقالت برقية وزارة الخارجية الأميركية: ".. العراقيون أنفسهم لم يكونوا على دراية ببعض الإجراءات الوقائية التي يتخذها الفرنسيون".

وجاء في الوثيقة أن "الخطوة الرئيسة التي اتخذها الفرنسيون كانت تتعلق بالإشعاع المسبق لأي يورانيوم مخصب سيرسله إلى العراق، مما يجعله غير صالح للاستخدام كمواد لإنتاج أسلحة نووية".

إهانة للسعودية

وتضمنت الاحتياطات الأخرى الأقل إثارة للجدل، السماح بدخول شحنة يورانيوم واحدة فقط إلى المفاعل في كل مرة، والحفاظ على الوجود الفرنسي بأوزيراك في جميع الأوقات، والتأكد من قيام الفنيين الفرنسيين بمراقبة اليورانيوم المخصب أثناء نقلهم.

لكن إحدى الوثائق التي تم اعتبارها سرية، تشير إلى وجود مخاوف من تنافس المتعاقدين الإيطاليين والفرنسيين لبيع أسلحة للعراق.

وكانت هناك مخاوف من أن تحاول إيطاليا تضمين التكنولوجيا النووية المتقدمة كجزء من عروضها لبغداد.

وبعد أيام من بدء الحرب العراقية الإيرانية (في 1980)، توغلت القوات المسلحة العراقية في موقع أوزيراك، مما زاد المخاوف بشأن النوايا النهائية لبغداد.

وأظهرت وثيقة أخرى أن وزارة الخارجية الأميركية أرسلت برقية إلى باريس في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1980 تطلب فيها إجابات من الحكومة الفرنسية حول " هل لا يزال المسؤولون الفرنسيون في الموقع وهل يمكنهم الوصول إلى الوقود هناك؟ وما هي حالة الوقود؟" .

وتشير وثائق أخرى إلى مخاوف المسؤولين الأميركيين من أن العراق "كان يجوب العالم بحثا عن مواد نووية حساسة".

وفي 20 يناير/كانون الثاني 1981، تولت إدارة جديدة الحكم في واشنطن في عهد الرئيس رونالد ريغان، وكانت هناك فجوة في الوثائق تشير إلى أن الإدارة الجديدة "فشلت في فهم مدى إلحاح الأمر والمخاطر التي ينطوي عليها الأمر".

وتظهر الوثائق مدى قلق المسؤولين الأميركيين في ذلك الوقت ليس فقط بشأن مطاردة الأسلحة العراقية، ولكن أيضا احتمال قيام إسرائيل بإثارة حرب أوسع من خلال مهاجمة أوزيراك. وفي ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة تعتبر حكما حياديا بين إسرائيل والدول العربية أكثر مما هي عليه الآن. 

وقال مسؤولون سعوديون للأميركيين إنهم غاضبون من أن إسرائيل استخدمت أراضيها للوصول إلى العراق، حيث أشار الطيارون الإسرائيليون زورا إلى أنهم أردنيون.

وقال مسؤول سعودي شطب اسمه من الوثيقة لنظيره الأميركي: "هذه واحدة من أخطر المواقف التي واجهتها السعودية على الإطلاق، إنها إهانة لكل من المملكة والولايات المتحدة وتضع السعوديين في موقف محرج تجاه العرب الآخرين"، وفقا لمحضر اجتماع بالبيت الأبيض حصل عليه أرشيف الأمن القومي.

انتكاسة مؤقتة

وطالبت واشنطن إسرائيل بإجابات حول معلومات استخباراتية محددة لديها تفيد بأن العمل في مجال الأسلحة يجري في أوزيراك، لكن إسرائيل لم ترد إلا بإجابات غامضة، وفقا لوثيقة مجلس الأمن القومي. ولم يتمكن المسؤولون الأميركيون من العثور على دليل على مزاعم الإسرائيليين بوجود "مخبأ سري" تحت أوزيراك كان سيستخدم في تخصيب اليورانيوم.

ورد ريغان على الهجوم بقسوة في البداية، حيث علق بعض مبيعات الأسلحة لإسرائيل، وتعاون مع العراق في صياغة إدانة من الأمم المتحدة.

لكن مسؤولين آخرين رفضوا ذلك، حيث تشير مذكرات أحد المحافظين الجدد في البيت الأبيض دوغلاس فيث، الذي ظهر بعد 22 عاما كأحد المهندسين الأساسيين للغزو الأميركي للعراق عام 2003، أنه ألقى باللوم على سلف ريغان جيمي كارتر في الأزمة وحث الإدارة على عدم انتقاد رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن.

وأكد فيث لريغان "تصريحاتك العلنية يجب أن تكون مؤطرة مع الخلفية الدبلوماسية للغارة، خشية أن تؤدي إلى معارضة إسرائيل بشكل غير ملائم".

واضطر العراق، الموقع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، إلى فتح منشآته النووية للتفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

لكن الهجوم الإسرائيلي على أوزيراك، إلى جانب الحرب الدائرة في ذلك الوقت بين طهران وبغداد، أنهى التعاون العراقي مع الشركات النووية الأوروبية، مما دفع بالعراق للدخول بالبرنامج في مرحلة السرية.

وأفاد تقييم سري أجراه فرع المخابرات في وزارة الخارجية الأميركية أنه في حين أن الهجوم على أوزيراك ربما يكون قد أدى إلى انتكاسة للبرنامج النووي العراقي، فقد يكون ضرره أكثر مما ينفع، وتوقع بدقة محاولة العراق التي استمرت لسنوات للتهرب من المفتشين في السعي وراء أسلحة الدمار الشامل.

وأصيب المفتشون الدوليون بالصدمة بعد عقد من الزمان، من التقدم السري في الأسلحة النووية والكيماوية للعراق، في أعقاب حرب الخليج عام 1991 التي قادتها الولايات المتحدة.

وختمت "الإندبندنت" تقريرها بالقول: "جاء في التقييم الصادر في 17 أغسطس/آب 1981 أن القصف أدى إلى انتكاسة مؤقتة لبرنامج العراق للأبحاث النووية، بعد تقييد وصول المساعدات المادية والتكنولوجية.. ومع ذلك، ربما تكون الغارة قد زادت من اهتمام العراق بامتلاك قدرة أسلحة نووية في نهاية المطاف".