مهددة بضعف المشاركة.. هل تخفف الانتخابات ضغط الشارع الجزائري؟ 

وهران - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وسط تحدي استمالة الناخبين للتصويت في صناديق الاقتراع، بدأت في الجزائر منذ 20 مايو/أيار 2021 وعلى مدار 3 أسابيع، حملة الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في 12 يونيو/حزيران 2021.

وقالت وكالة الأنباء الفرنسية، إن هذه الانتخابات جاءت قبل موعدها في 2022، كمحاولة من السلطة "لمد يدها" مجددا إلى الشارع؛ في مواجهة عودة مسيرات الحراك منذ نهاية شباط/فبراير 2021.

وفي 21 شباط/فبراير 2021، أعلن الرئيس عبد المجيد تبون، حل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، لـ"فتح المجال أكثر" للشباب والنساء للمشاركة وإبعاد "أصحاب المال الفاسد من الحياة السياسية".

ومنذ الإعلان عن الانتخابات، يعبر الحراك الشعبي عبر خروجه إلى الشارع كل جمعة وسط قمع متصاعد من السلطة، عن رفض المشاركة فيها سواء بالترشح أو التصويت، ومطالبا بتغيير جذري للنظام الحاكم منذ استقلال البلاد في 1962.

هروب للأمام

فور عودته من ألمانيا بعد رحلته العلاجية الثانية، التقى تبون في أول يوم عمل له، الأمناء العامين لبعض الأحزاب السياسية؛ لمناقشة تفاصيل الانتخابات المقررة، في إشارة إلى أنه "الحدث الأهم" على أجندة الرئيس.

لقاء الرئيس بالأحزاب، الذي جرى في 13 فبراير/شباط 2021، تلته في 16 من الشهر نفسه، مسيرة خرج فيها مئات الجزائريين بولاية بجاية (شرق)، تزامنا مع اقتراب الذكرى الثانية لحراك 22 فبراير/شباط 2019، للمطالبة بـ"التغيير الجذري" وتحقيق "مطالب الحراك".

ينادي الحراك بضرورة "تغيير النظام"، لأن ما حدث، بحسب المحتجين، هو "تغيير واجهته فقط برحيل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019)، دون تغيير جوهري للحكم"، فيما يقول تبون: إنه "ملتزم بالتغيير ولا يمكن إصلاح سنوات من الفساد خلال أشهر".

يستقرئ الرافضون في إعلان الرئيس بشأن الانتخابات المبكرة "محاولة هروب إلى الأمام"، ويستحضرون الشكوك التي حامت حول نتيجة الانتخابات الرئاسية السابقة، ما يطرح مجددا السؤال حول الشرعية، وأيضا نسبة المشاركة الضعيفة جدا التي تم تسجيلها في استفتاء الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وعن الانتخابات المبكرة، أفادت السلطات المعنية بأن 1483 قائمة، بينها 646 تمثل 28 حزبا سياسيا و837 مستقلة، تم قبولها للتنافس عبر 58 ولاية على 407 مقاعد في المجلس الشعبي الوطني، فيما تم رفض نحو 1200 قائمة بسبب "ارتباط" عدد من المرشحين بـ"المال الفاسد".

وينظم قانون الانتخابات الصادر في مارس/آذار 2021، تمويل الحملة الانتخابية، ويمنع الحصول على أموال أو دعم من دول أو أشخاص غير جزائريين.

كما ينص القانون على إلزامية المناصفة بين النساء والرجال في القوائم الانتخابية، مع ضرورة أن يكون سن نصف عدد المرشحين أقل من 40 سنة.

الحراك vs النظام

في فبراير/شباط 2021، قالت صحيفة "يونغه فيلت" الألمانية، إن "الاحتجاجات أصبحت أكثر حيوية من أي وقت مضى"، فيما يرى موقع "نويس دويتشلاند"، أن "التغيير الديمقراطي الجذري لم يحدث بعد، وأن عدم ثقة الجزائريين في التغييرات التي أعلن عنها النظام واضح".

وذهب مركز "العلوم والسياسة" في برلين، إلى التساؤل عن "من سينتصر في الجزائر، الحراك أم النظام؟"، قبل أن يعتبر أن أهم إنجازات الحراك هو التعبئة الجماهيرية وإعادة تسييس المجتمع الذي ظل بعيدا عن المشاركة السياسية لسنوات بسبب حظر التظاهر وقمع الأجهزة الأمنية، إضافة إلى صدمة الحرب الأهلية في التسعينيات وسياسة الريع التي اتبعتها الدولة بسبب الطفرة النفطية.

وفي 19 فبراير/شباط 2021، أعلنت الوزارة الإفراج عن 33 من نشطاء الحراك، أبرزهم الصحفي خالد درارني والمعارض رشيد نكاز، كدفعة أولى غداة إعلان تبون عفوا رئاسيا عن موقوفين محكوم عليهم بصفة نهائية وآخرين لم تصدر بحقهم أحكام.

وفي 27 فبراير/شباط 2021، أعلنت وزارة العدل ارتفاع عدد من أطلق سراحهم من نشطاء الحراك الشعبي إلى 59، بموجب عفو رئاسي أعلن عنه الرئيس تبون قبل أيام.

صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، قالت في تقرير لها، إن إطلاق سراح سجناء الرأي، "لم يكن له أي تأثير" على ميول الجزائريين للخروج من جديد، إذ أعربوا عن نفس المطالب من أجل قيام دولة القانون، وذهبت تحليلات إلى أن ورقة المعتقلين تخبئها السلطة لوقت الحاجة، مثل الانتخابات لـ"تخفف من حجم الاحتقان وتهدئ الأوضاع ظرفيا ريثما يمر الاستحقاق". 

وقد انطلق الحراك في شباط/فبراير 2019، بعد موجة رفض واسعة لترشيح بوتفليقة لولاية خامسة، ما أدى إلى استقالته.

وفي آخر انتخابات تشريعية سنة 2017 فاز بالأغلبية حزبا السلطة، "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" اللذان يحملهما الحراك حاليا المسؤولية عن أوضاع البلاد.

وفي الاستفتاء على التعديلات الدستورية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، التي أقرها البرلمان في سبتمبر/أيلول 2020، أعلنت السلطة المستقلة للانتخابات أن نسبة المشاركة في الاستفتاء بلغت 23.7 بالمئة.

اهتمامات النظام

المتحدث باسم حركة "عزم" (تأسست من رحم الحراك)، حسام حمزة، شدد على أن "نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة ستكون ضئيلة، باعتبار المزاج السياسي العام للشعب هو الرفض، وغير مهتم بالعملية السياسية بشكل عام".

وقد تقارب نسبة المشاركة في الانتخابات المبكرة تلك التي عرفها استفتاء الدستور أو ربما أكثر بقليل، يقول حمزة لـ"الاستقلال"، باعتبار حسابات أخرى تدخل في عملية التصويت يمكن أن تزيد من نسبة المصوتين، مثل "معيار الولاء الشخصي للمرشحين، وهذا قد يحفز بعض المواطنين على التصويت".

واستدرك قائلا: "لكن حتى وإن تجاوزت نسبة المصوتين في الانتخابات المقبلة نسبتهم في الاستفتاء، فلن تتجاوزها كثيرا". 

واعتبر حمزة أن "ضعف المشاركة سيفتح المجال أمام الطعن في مصداقية الانتخابات، وقد يذهب التوجه العام الشعبي إلى رفضها من الناحية الشكلية".

لكن الأمر المؤكد أنها ستمر، بحسب المتحدث باسم "عزم"، لأن "النظام لا تهمه نسبة المشاركة بقدر أن تتم العملية في حد ذاتها، وأن تستجيب للمعايير الشكلية للانتخابات عموما، وأن تكون لديه مؤسسة تشريعية جديدة حتى يحقق الوعد الذي قطعه رئيس الجمهورية على نفسه بأنه سيعيد بناء سلطة تشريعية جديدة".

ويرى حسام، أن "الانتخابات إذا أفرزت وجوها وكفاءات جديدة تعبر عن تطلعات الشعب وتعطي صورة مختلفة عن الأحزاب القديمة، قد يخفف ذلك من الضغط الموجود في الشارع، وقد يعيد بعضا من الأمل السياسي لدى المواطنين، الذي تستفيد منه السلطة أيضا".

واستدل عضو "عزم" على تحليله، بكون "بعض الناخبين غيروا موقفهم من المشاركة في الانتخابات بعد صدور القوائم المستقلة (الحرة)، التي بثت قليلا من الأمل لدى فئة من المواطنين". 

وأشار إلى أن "المقياس الآخر هو تنصيب البرلمان الجديد، حيث سيكتشف الشعب هل ستكون هناك ممارسة بالفعل جديدة داخل المؤسسة، أم سيتعلق الأمر بتكرار التجارب السابقة".

وخلص حمزة في حديثه مع "الاستقلال" إلى أن "الأمر برمته متعلق بتطور العملية والنتائج التي ستفرزها الانتخابات، ثم بسلوكات وممارسات من سيصلون إلى البرلمان الجديد".