انتخابات 2021.. لماذا يعتبرها الجزائريون هروبا من وعود التغيير؟

مهدي القاسمي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فور عودته من ألمانيا من رحلته العلاجية الثانية، التقى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أول يوم عمل له، الأمناء العامين لبعض الأحزاب السياسية لمناقشة تفاصيل الانتخابات المقررة، في إشارة إلى أنه الحدث الأهم على أجندة الرئيس.

لقاء الرئيس بالأحزاب، الذي جرى في 13 فبراير/شباط 2021، تلته في 16 من الشهر نفسه، مسيرة خرج فيها مئات الجزائريين بولاية بجاية (شرق)، تزامنا مع اقتراب الذكرى الثانية لحراك 22 فبراير 2019، للمطالبة بـ"التغيير الجذري" وتحقيق "مطالب الحراك".

رسائل الرئيس

من بين السياسيين الذين التقاهم تبون، خرج جيلالي سفيان، رئيس حزب "جيل جديد" في حوار صحفي، أكد خلاله أن الرئيس أراد إعطاء إشارة قوية بعد رجوعه إلى أرض الوطن بأن "مرحلة التغيير بدأت".

سفيان قال في حواره مع وكالة الأناضول، إن "الانتخابات النيابية (التشريعية) المبكرة ستُجرى في يونيو/ حزيران 2021 على أقصى تقدير، وبعدها تُنظم الانتخابات المحلية (البلدية)".

ورأى رئيس "جيل جديد"، أن "اللقاء مع الأحزاب السياسية المعارضة يعني أنّ الحوار متواصل، وهذا إيجابي جدا"، ودعا الجزائريين "الذين لديهم رغبة في التغيير الحقيقي"، إلى "الالتزام والدخول في المعركة السياسية، لنقل روح الحراك من الشارع إلى داخل المؤسسات".

سفيان أقر بأن الهدف الأساسي المشروع للجزائريين يتعلق بالوصول إلى دولة الحق والقانون، والديمقراطية والعدالة المستقلة والمساواة، قبل أن يستطرد: "هذا الهدف لم نصل إليه، وربما يتطلب وقتا، لكن شروط النجاح تكمن في أن تبقى روح الحراك حيّة دائما في المنطق والذهنيات والمعاملات".

وحول رؤيته لشكل الحراك في ذكراه الثانية، رأى أن يكون "عبر وقفات رمزية في المدن".

في 13 فبراير/ شباط 2021، التقى تبون رؤساء أحزاب "جيل جديد (علماني)" جيلالي سفيان، و"حركة البناء الوطني (إسلامية)" عبد القادر بن قرينة، و"جبهة المستقبل (وسط)" عبد العزيز بلعيد.

وفي اليوم التالي استقبل، رئيس "حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي)" عبد الرزاق مقري، وأمين عام "حزب جبهة القوى الاشتراكية (يساري)" يوسف أوشيش، وأمين عام "حركة الإصلاح الوطني (إسلامية)" فيلالي غويني.

وفي تصريح لقناة "الشروق نيوز" الخاصة، أفاد رئيس "جبهة المستقبل" عبد العزيز بلعيد، بأن تبون "يتوجه لإصدار قرار بحل البرلمان (بغرفتيه المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) خلال الأيام المقبلة تمهيدا للانتخابات المبكرة".

رد الشارع

وتتوقع الأحزاب السياسية أن يجري الرئيس تغييرا جزئيا في الحكومة، إلى جانب تنظيم انتخابات نيابية ومحلية قبل نهاية 2021، في حين يرى الجزائريون أنهم بحاجة إلى إصلاحات في المجال الاقتصادي وإدارة شؤون الدولة والمنظومتين المصرفية والتربوية.

هذه المطالب دفعت مئات الجزائريين إلى الخروج للشارع بعد يومين فقط من لقاء تبون برؤساء الأحزاب، تزامنا مع اقتراب الذكرى الثانية لحراك 22 فبراير/ شباط 2019، للمطالبة بـ"التغيير الجذري" وتحقيق "مطالب الحراك".

وفي 16 فبراير/شباط 2021، خرج المحتجون مطالبين أيضا بإطلاق سراح "سجناء الرأي"، الموقوفين على خلفية مظاهرات الحراك الشعبي، فيما يحشد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي لاحتجاجات 22 فبراير.

ويردد الداعون إلى التظاهر مجددا مطالب بضرورة "تغيير النظام"، لأن ما حدث، بحسبهم، هو "تغيير واجهته فقط برحيل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة دون تغيير جوهري للحكم"، فيما يقول تبون، إنه "ملتزم بالتغيير ولا يمكن إصلاح سنوات من الفساد خلال أشهر‎".

هروب إلى الأمام

الإعلامي والمحلل السياسي الجزائري محمد وعراب يرى أن النظام يخشى قطعا موجة جديدة من الحراك، قائلا: "بدأت المؤشرات على ذلك، لأن الجزائريين يشعرون بأن لا شيء تغير، وإنما هي محاولة هروب إلى الأمام، فنفس المشاكل ما زالت مستمرة، وربما بشكل أفدح من مرحلة بوتفليقة".

وأضاف وعراب لـ"الاستقلال": "أيضا الشكوك التي حامت حول نتيجة الانتخابات الرئاسية السابقة، ما يطرح مجددا السؤال حول الشرعية، وأيضا نسبة المشاركة الضعيفة جدا التي تم تسجيلها في استفتاء الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني 2021".

تخطط السلطة باجتماعها بالأحزاب السياسية الفاعلة، وفق وعراب، "لتقديم ضمانات جديدة على أنها ماضية في الإصلاح، ومحاولة إثبات أن من عرقل ذلك هي الظروف التي ألمت بالعالم أجمع جراء جائحة كورونا، ثم الوضع الصحي للرئيس الذي غاب منذ أكتوبر/تشرين الأول 2020 ولم يعد إلا قبل أسبوع".

استدل وعراب على تحليله بالتصريحات التي أطلقها رؤساء الأحزاب الذين قابلوا الرئيس، وتشديده على وجود "نية حقيقية في الإصلاح"، وهي نفسها الوعود التي أطلقها تبون أثناء حملته الانتخابية وقبل وصوله لسدة الحكم.

وفي تعليق عن الاحتجاجات التي خرجت بمدينة خراطة في ولاية بجاية، ذكّر وعراب، بأنها كانت من أوائل المدن التي انتفضت في 2019، معتبرا المسيرة "تسخينا" للذكرى الثانية من 22 فبراير، مؤكدا أن الجزائريين عازمون على الخروج في هذا اليوم وإعادة الاعتبار للحراك الذي تم إيقافه بمبادرة ذاتية ضمن الإجراءات الاحترازية للحد من فيروس كورونا".

وتابع المحلل: "غير أن بقاء الأوضاع على حالها أدى إلى دعوات واسعة للنزول إلى الشارع، تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، والضغط على السلطة حتى تنفذ الوعود".

ويرى المتحدث، فرقا كبيرا بين الدعوات التي انتشرت غداة انطلاق الحراك، ودعوات الذكرى، وأرجع السبب إلى "وجود انقسام إذ لا يتعامل الجميع مع هذه الدعوات بنفس العفوية التي كانت في السابق"، ولفت وعراب إلى "وجود تخوف حقيقي لدى البعض وشعور بنوع من التطرف داخل الحراك".

واعتبر المحلل السياسي أن الأيام القليلة المقبلة كفيلة بإظهار إن كان الحراك سيعود بنفس الزخم السابق، ويعتقد وعراب أن العودة إلى ذلك "الحراك الجامع" الذي انطلق في 2019، "صعبة جدا"، مشددا على أنه سيكون "حراكا غاضبا"، لكن الكثير من الفعاليات "لن تنخرط منذ البداية".

مسارات خاطئة

الناطق الرسمي باسم حركة "عزم" (تأسست من رحم الحراك) حسام حمزة، رأى أن الأغلبية التي صوتت لصالح الرئيس تبون هي نفسها التي أصبحت اليوم تشعر بالخيبة والردة عن مطالب الحراك والوعود التي وعد بها الرئيس في الحملة الانتخابية.

وأضاف حمزة لـ"الاستقلال": "وهذا في حد ذاته جعل السلطة اليوم أمام نوعين من الضغط: ضغط الكتلة الناخبة، الأغلبية التي صوتت لصالحه، وضغط الفئة التي بقيت في الحراك إلى آخر أيام قبل الحجر الصحي الذي فرضته الجائحة".

وتابع المتحدث: "اليوم نعيش حالة من العزلة الحقيقية للسلطة، أمام الشعب، في ظل إفلاس سياسي واقتصادي، وأيضا تردي للظروف الاجتماعية بسبب الجائحة، وهو ما يجعل السلطة في ورطة".

وأردف حمزة قائلا: "هناك حديث عن إجراءات يراد بها التخفيف من هذه الضغوطات، والحديث هنا عن حل البرلمان وتغيير حكومي، لكن هذا في اعتقادي غير كاف، لأن أصل المعضلة مرتبط بشرعية النظام في حد ذاته، وأيضا بالخيارات الكبرى التي أقدم عليها الرئيس، سواء في تعديل الدستور أو قانون الانتخابات".

وزاد الباحث المختص في العلوم السياسية، والأستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بالجزائر العاصمة مشددا: "كلها مسارات خاطئة، لا تؤسس لشرعية جديدة، تعطي نوعا من الاستقرار في الجزائر يمكن أن نؤسس عليه مشروع تنمية".

وأرجع الناشط السياسي، عودة الاحتجاجات إلى أسباب كثيرة، أبرزها "عدم لمس تغيير حقيقي في أفعال السلطة وممارساتها السياسية، وهي نفس الممارسات التي كانت موجودة سابقا في فترة الرئيس المخلوع تتكرر اليوم، سواء تعلق الأمر بالإغلاق الإعلامي أو السياسي أو بالتضييق على الناشطين، كلها سلوكات ما زالت مستمرة وتكرر".

ولفت الدكتور حمزة الباحث الزائر بجامعة باريس، إلى "وجود خلل وصف بالكبير جدا، في السياسة المتبعة من طرف الرئيس، وهو تقييد النشاط السياسي، أي حتى الذين أرادوا ممارسة العمل السياسي بطريقة قانونية ويعرقلون إلى غاية اليوم".

وخلص المتحدث إلى أنه، مع كل هذه الممارسات "السلطة لا تدع مجالا للشعب غير الشارع، ويصبح هو الأداة الوحيدة للتعبير عن مطالبه وإيصالها للسلطة، إلى تحقيقها".

وقال عضو "عزم": "من الواضح أن كل العوامل المؤدية لانفجار شعبي آخر موجودة حاليا في الجزائر، لكن الأرجح أن التعامل هذه المرة من طرف الدولة مع الحراك والمظاهرات لن يكون بنفس الطريقة، قد تلجأ للقمع والتضييق الشديد حتى لا تمتد هذه المسيرات".

وختم حمزة قائلا: "الظرف أيضا يختلف عن 2019، بوجود رئيس منتخب في العام الثاني من عهدته الانتخابية، عكس ما حصل في بداية الحراك، عندما كان الرئيس في نهاية عهدته، وهو ما ساهم وأعطى شرعية أكبر للحراك، لم تجد السلطة أمامها أي وسيلة للوقوف في وجهه، لكن الآن الأمر مختلف".