مظاهرات الذكرى الثانية.. هل فشلت قرارات تبون في تطويق حراك الجزائريين؟

وهران - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

استأنف الجزائريون الخروج إلى الشارع في 22 فبراير/شباط 2021، لإحياء الذكرى الثانية للحراك الشعبي، الذي انطلق في اليوم نفسه من عام 2019، وقُدّر عدد المتظاهرين بالآلاف في العديد من مدن الجمهورية.

وفي حين اعتبرت صحف أجنبية أن الحراك عاد أقوى، لا سيما في مظاهرات الجمعة 26 فبراير/شباط 2021، ذهبت قوى سياسية إلى التحذير منه، فيما اعتبرت أخرى أنه لم يحقق زخم 2019 لأسباب سياسية وأخرى أمنية.

خروج المتظاهرين وبداية الجدل، استبقه النظام بحل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة وعفو عن العشرات من المعتقلين أثناء الحراك، وتعديل حكومي، فهل نجح الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في تطويق الموجة الثانية؟

"الجمعة 106"

تظاهر آلاف الجزائريين بعدة مدن بالبلاد وفي مقدمتها العاصمة، لتجديد مطالب التغيير في أول جمعة بعد الذكرى الثانية للحراك الشعبي الذي أطاح بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

خرج متظاهرون إلى الساحات والشوارع بعدة مدن شمالية، في مقدمتها العاصمة وبجاية وقسنطينة، وفق وكالة "الأناضول"، استجابة لدعوات من ناشطين لاستئناف المسيرات المطالبة بالتغيير.

وأثناء مظاهرات الإثنين 22 فبراير/شباط 2021، و"الجمعة 106 للحراك"، تجددت الشعارات المطالبة بالتغيير الجذري للنظام والقطيعة مع الممارسات السابقة، حسبما نقلت شبكة "دوتشي فيله" عن الصحافة الألمانية.

صحيفة "يونغه فيلت" الألمانية قالت إن "الاحتجاجات أصبحت أكثر حيوية من أي وقت مضى"، فيما رأى موقع "نويس دويتشلاند"، أن التغيير الديمقراطي الجذري لم يحدث بعد، وأن عدم ثقة الجزائريين في التغييرات التي أعلن عنها النظام واضح.

وتساءل مركز "العلوم والسياسة" في برلين، عن "من سينتصر في الجزائر، الحراك أم النظام؟"، قبل أن يعتبر أن أهم إنجازات الحراك هو التعبئة الجماهيرية وإعادة تسييس المجتمع الذي ظل بعيدا عن المشاركة السياسية لسنوات عديدة بسبب حظر التظاهر وقمع الأجهزة الأمنية، إضافة إلى صدمة الحرب الأهلية في التسعينيات وسياسة الريع التي اتبعتها الدولة بسبب الطفرة النفطية.

خطوات استباقية

فور عودته من رحلته العلاجية الثانية بألمانيا، التقى الرئيس عبد المجيد تبون في أول يوم عمل له في 13 فبراير/شباط 2021، الأمناء العامين لبعض الأحزاب السياسية لمناقشة تفاصيل الانتخابات المقررة، في إشارة إلى أنه الحدث الأهم على أجندة الرئيس.

في 19 فبراير/ شباط 2021، أعلنت الوزارة الإفراج عن 33 من نشطاء الحراك، أبرزهم الصحفي خالد درارني والمعارض رشيد نكاز، كدفعة أولى غداة إعلان تبون عفوا رئاسيا عن موقوفين محكوم عليهم بصفة نهائية وآخرين لم تصدر بحقهم أحكام.

في 27 فبراير/شباط 2021، أعلنت وزارة العدل ارتفاع عدد من أطلق سراحهم من نشطاء الحراك الشعبي إلى 59، بموجب عفو رئاسي أعلن عنه الرئيس تبون قبل أيام.

صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، قالت في تقرير لها، إن إطلاق سراح سجناء الرأي، لم يكن له أي تأثير على ميول الجزائريين للخروج من جديد، إذ أعربوا عن نفس المطالب من أجل قيام دولة القانون: "الجنرالات في القمامة" و"تبون مزور جابوه العسكر"، و"دولة مدنية لا عسكرية".

قبلها بأيام، وتحديدا في 21 فبراير/شباط 2021، أجرى تبون تعديلا وزاريا طفيفا على حكومة عبد العزيز جراد، تضمن تعيين 6 وزراء جدد، من دون مساس بالوزارات السيادية، وفي 22 من الشهر نفسه وقع تبون مرسوما رئاسيا يتعلق بحل المجلس الشعبي الوطني.

اتهام بالتآمر

رأى الإعلامي والمحلل السياسي الجزائري، محمد وعراب، فرقا كبيرا بين الدعوات التي انتشرت غداة انطلاق الحراك، ودعوات الذكرى، وأرجع السبب إلى "وجود انقسام إذ لا يتعامل الجميع مع هذه الدعوات بنفس العفوية التي كانت في السابق"، ولفت وعراب إلى "وجود تخوف حقيقي لدى البعض وشعور بنوع من التطرف داخل الحراك".

ويعتقد المحلل السياسي، في حديث سابق مع "الاستقلال"، أن العودة إلى ذلك "الحراك الجامع" الذي انطلق في 2019، "صعبة جدا"، مشددا على أنه سيكون "حراكا غاضبا"، لكن الكثير من الفعاليات "لن تنخرط منذ البداية".

توقع وعراب، عززته تصريحات رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، الذي ذهب إلى التحذير من "مؤامرة يقودها التيار العلماني المتطرف لمنع الانتخابات وفرض مرحلة انتقالية تتوافق مع أجندتهم التي تتقاطع مع مصالح جهات أجنبية".

مقري انتقد، في ندوة صحفية في 27 فبراير/شباط 2021، "الأطراف التي تتحدث باسم الحراك الشعبي، وتحاول استغلال ذلك لخدمة أجندتها وفرض مرحلة انتقالية".

ورأى مقري أن الحراك الذي انطلقت مسيراته في فبراير/شباط 2019، إلى جانب كسر مشروع العهدة الخامسة "فضح الصراعات التي كانت موجودة داخل النظام السياسي وقتها".

وشدد رئيس "حمس" على أن مناضلي وقيادات حزبه كانوا أول الدعاة والمشاركين في مسيرات الحراك، مضيفا: "لا يوجد أي حزب نزل الشارع غيرنا وقتها في الجمعة الأولى للحراك، ولا يمكن لأي كان المزايدة علينا أو تحييدنا".

وقال مقري، إن الحوار الذي جمعه برئيس الجمهورية كان "من أجل مصلحة البلاد وليس لمصلحة حزبية"، مضيفا بأنه "حصل على التزام من الرئيس تبون، بضمان نزاهة الانتخابات التشريعية المقبلة".

إيجابية منقوصة

أستاذ العلوم السياسية بجامعة عنابة بالجزائر، فؤاد منصوري، رأى أن الحراك عاد بقوة لأنه غاب لفترة طويلة، واصفا إياه بـ"القوة الملهمة"، وشدد على أنه حركة اجتماعية عرفت مشاركة جميع التوجهات والأيديولوجيات، ما جعله يعرف النجاح والاستمرارية، وليس سياسيا.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية في حديثه مع "الاستقلال" أن "الشارع الجزائري كره الحياة السياسية السابقة والدور الذي تلعبه الأحزاب بالتمويه والبحث عن المكاسب الشخصية والمناصب".

وأكد منصوري، أنه من الضروري أن يترجم الحراك إلى أحزاب سياسية وجمعيات ونقابات مستقلة على أرض الواقع، وأوضح، أن الحراك لو ذهب في اتجاه اختيار ممثلين له، فسيذهب في سيناريو ما سماه منصوري بـ"دكتاتورية الحراك"، أي احتكاره وهو ما سيؤدي لا محالة إلى وأده.

الأستاذ الجامعي، يرى أن مشاركة الأحزاب السياسية في الحراك لم تأت بشكل ظاهر، قائلا: "داخل الحراك ذابت الأحزاب"، وشدد على أنه كانت هناك محاولات من طرف الأحزاب للركوب على الموجة باءت بالفشل، إذ كانت قوة الحراك أشد، ومحركه الأساسي كان هو التنمية لا السياسة.

لمس منصوري في إطلاق سراح عشرات المعتقلين، "استجابة قوية من طرف السلطة لمطلب شعبي واجتماعي قبل أن يكون سياسيا"، واصفا إياها بـ"الإيجابية"، قبل أن ينتقل إلى التعليق على التعديل الحكومي قائلا: "ليس بالدرجة التي كان الجزائريون ينتظرونها".

وخصّ الأستاذ الجامعي، بالذكر محمد علي بوغازي، الذي تولى حقيبة السياحة في الحكومة الجديدة، والذي يطلق عليه الجزائريون "قارئ رسائل بوتفليقة" بعد أن أطل عليهم لسنوات ليتلو رسائل الرئيس السابق.

وشدد المتحدث، على أن تعيين بوغازي "إساءة للحراك وللشعب الجزائري عامة"، واصفا توليه للمنصب بـ"عودة ديناصور منهك القوى"، متسائلا عن قصد النظام من هذه الخطوة "التي لا تنم عن ذكاء"، وفق تعبيره، دون أن ينفي أن تغيير بعض الأسماء "كان خطوة حسنة، وإن كانت منقوصة".

أما عن التوقيت الذي جاء فيه التعديل الحكومي والإفراج عن المعتقلين، والذي استقرأ من خلاله البعض أن النظام كان يسارع الزمن لكبح الموجة الثانية من الحراك، قال دكتور العلوم السياسية: "الأمر مرتبط بالحالة الصحية للرئيس وعودته إلى البلاد"، معتبرا أنه "طبيعي".

وحسب قراءته للأحداث، يرى منصوري أن "الحراك سيستمر، وسيكون بمثابة الرقيب على الحكومة والسلطة".

حلول سطحية

ووفق الناطق الرسمي باسم حركة "عزم" (تأسست من رحم الحراك)، الدكتور حمزة حسام، فإن مظاهرات الذكرى الثانية، لم تحقق الزخم الذي حققه الحراك في بدايته، وعزا الأسباب إلى "الظرف السياسي المختلف، ثم عودة التيار والخطاب الاستئصالي الذي كان في بداية التسعينات، والذي تبناه النظام أيضا قبل مسيرات فبراير/شباط 2019".

يعتقد الدكتور، أن "الخطاب خلف خوفا ورهبة وشكا لدى الجزائريين، في رد الفعل المتوقع من النظام والقمع المحتمل، زيادة على القبضة الأمنية المشددة في العاصمة والكثير من الولايات البعيدة، ما حال دون انطلاق المسيرات".

وعن الأيادي المشاركة في الموجة الثانية من الحراك، قال حسام لـ "الاستقلال": "من بين المشاركين جهات وراءها النظام، وأخرى تحركها جهات أخرى قد تكون أجنبية، باعتبار أن الحراك غير مؤطر وأنه حركة شعبية فيها زخم يذهب حد الفوضى في بعض الأحيان، فمن المؤكد أنها معرضة للاختراق، وهو احتمال يظل قائما".

ورأى الناشط السياسي في حل البرلمان والتعديل الحكومي "حلولا سطحية، لا تعالج أصل المشكل المتمثل في فقدان الثقة في السلطة وكل الإجراءات التي تقوم بها".

وتابع المتحدث قائلا: "العودة إلى الشارع حتمية بالنسبة للجزائريين، بل هي أمر اضطراري باعتبار القنوات الأخرى المؤسساتية والدستورية والديمقراطية التي يمكن أن يمارس بها الشعب الجزائري سلطته على مؤسسات الدولة، مغلقة في وجهه أو فقد الثقة فيها".

ويرى الدكتور، أن مثل هذه التحركات -التي أقبلت عليها السلطة- لا تعيد الثقة، بل "قد تؤدي إلى فشل الانتخابات التشريعية المقبلة، بمشاركة هزيلة قد لا تفرز برلمانا ممثلا للشعب الجزائري".