وضع جديد.. مركز تركي: الإمارات أكبر الخاسرين من انتفاضة فلسطين

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سلط مركز تركي الضوء على "انتصار" الفلسطينيين بعد 11 يوما من العدوان الإسرائيلي، الذي شمل قصفا جويا وبريا وبحريا على قطاع غزة، استمر من 11 وحتى 21 مايو/أيار 2021، وأسفر عن عشرات الشهداء وآلاف المصابين.

ونشر مركز "دراسات الشرق الأوسط" مقالا لرئيسه والباحث أحمد أويصال قال فيه: "بعد أن حاولت إسرائيل طرد 12 عائلة فلسطينية من حي الشيخ جراح بالقدس في الأيام الأخيرة من شهر رمضان بدأت الفوضى".

ومع تصعيد الأحداث، حدثت اعتداءات على المصلين في المسجد الأقصى، لتنتشر المقاومة التي بدأت في القدس إلى جميع أنحاء فلسطين كالنار في الهشيم.

وتابع أويصال: وبالطبع كانت المفاجأة الكبرى في مقاومة غزة التي تحولت إلى سجن مفتوح، وانتفاضة عرب الـ48 الذين كان يفترض بأنهم فقدوا عزيمتهم، فلم تستسلم غزة حتى بعد 11 يوما من القصف وأجبرت إسرائيل على وقف إطلاق النار.

هزيمة نكراء

وقال أويصال: "إعلان إسرائيل وقف إطلاق النار، يؤكد أن هذا جاء نتيجة ضغط الولايات المتحدة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كاد يقسم على تدمير حماس والقضاء عليها".

ورغم أن مصر، التي كانت قلقة من تصاعد الموقف بين الطرفين، قامت بالوساطة، إلا أن وقف النار جاء نتيجة الضغط الهائل من الرأي العام في الداخل والخارج على الرئيس الأميركي جو بايدن.

وتابع: "ورغم دعم بايدن الكبير لإسرائيل، إلا أن نتنياهو لم يتمكن من الحصول على الشيك المفتوح الذي اعتاد عليه في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب".

وشدد أويصال على أن اضطرار إسرائيل لوقف إطلاق النار يعني الاعتراف الضمني بـ"الهزيمة"، لكن الصحافة والحكومة الإسرائيلية تحاولان تصويره على أنه انتصار، بينما من الطبيعي أن تقبل "حماس" التي تناضل أصلا في ظل ظروف صعبة، وقف إطلاق النار.

وأوضح ذلك قائلا: "فخلال القصف الإسرائيلي الذي استمر 11 يوما، أصيب سكان غزة، الذين يئنون تحت وطأة الحصار، بأضرار جسيمة، فقد تجاوز عدد الشهداء 200 وجرح الآلاف، ودمرت البنية التحتية في غزة، التي كانت بالفعل في وضع صعب، بسبب الدمار الذي لحق بمرافق البنية التحتية للكهرباء ومياه الشرب".

وبالمثل، قتل وجرح المتظاهرون الذين خرجوا إلى الشوارع في المدن الفلسطينية الأخرى للتنديد بالاحتلال الإسرائيلي.

لكن كل هذا لم يكن كافيا لكسر عزيمة ومقاومة الفلسطينيين رغم صمت الحكومات الغربية "الديمقراطية"، إلا أنه في ظل الضغط الشعبي المتزايد، قامت هذه الحكومات أيضا بالضغط على إسرائيل وبايدن، بحسب الكاتب التركي.

وأضاف: "وعلى الناحية الأخرى لم تتمكن إسرائيل من إسكات حماس والجهاد الإسلامي اللذين قاوما الاحتلال، الذي وصفهما بأنهما (إرهابيين) طوال هذه المدة".

وعلى العكس من ذلك، سقطت المدافع والصواريخ على المدن والمطارات والمنشآت العسكرية الإسرائيلية، كما وتم اختراق "القبة الحديدية" التي أنفقت إسرائيل عليها مليارات من الدولارات.

وتابع أويصال: "وفي ظل كل هذا تم إلغاء جميع الرحلات الجوية تقريبا إلى إسرائيل، وتكبدت الأخيرة خسائر اقتصادية كبيرة، فيما لم يتمكن الإسرائيليون من مغادرة الملاجئ، وربما شعروا للمرة الأولى بخوف شديد".

وقد حصلت المنشآت الإعلامية على نصيبها من العدوان الإسرائيلي والذي يمكن تصنيفها كـ"جرائم حرب". وبينما دمر الجيش الإسرائيلي مئات البيوت، فقد دمر أيضا ما يقرب من 10 أبراج سكنية عالية، كان من بينها برج "سيلا"، حيث توجد مكاتب قناة "الجزيرة" ووكالة "أسوشيتد برس". 

وغير قادرة على وقف الإعلام الداخلي من البث، حاولت إسرائيل ترهيب سكان غزة من خلال استهداف المباني الكبيرة، لكن استهدافها وسائل الإعلام أغضب حتى أصدقاءها في الغرب بسبب تضامن الإعلاميين فيما بينهم وكون حرية الإعلام مقدسة في الولايات المتحدة تماما كما حدث حين مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وفقا للباحث.

سقوط بطيء

واستدرك أويصال: "رغم من أن اللوبي الإسرائيلي عادة ما ينتصر في الحرب الإعلامية، إلا أن منصات التواصل الاجتماعي التي تدخل حياتنا أكثر فأكثر كان لها تأثير كبير، ومع أن اللوبي الإسرائيلي حاول أيضا فرض رقابة على هذه المنصات، إلا أنه لم يستطع السيطرة على بركان الرسائل".

وعلى صعيد آخر، يمكن القول إن وقف إطلاق النار "قادر على أن يؤثر بعمق على السياسة الداخلية لإسرائيل، فقد يؤدي التزام نتنياهو بوقف النار إلى تدمير حياته السياسية، لأنه تسبب في تهديد حياة الإسرائيليين أثناء محاولته التقدم في حياته السياسية من خلال سلب حياة ودماء الفلسطينيين"، بحسب ما يراه الكاتب.

وأضاف: "من الواضح أن هذا الفشل يهز من مصداقية نتنياهو (خاصة عند الراديكاليين الذين يدعمونه)، لفشله في تحقيق هدفه، ورغم أنه يحاول تسويق ذلك كنجاح وانتصار، إلا أنه لم يستطع القضاء، كما يزعم، على حماس أو الجهاد الإسلامي أو كسر شوكتها وحماية الشعب الإسرائيلي".

ولفت أويصال قائلا: "على الناحية الأخرى كانت دول الخليج (خاصة الإمارات) التي سارعت إلى التطبيع مع إسرائيل وتكوين صداقة معها من أكبر الخاسرين في هذه المعركة والتي كانت بمثابة انتفاضة ثالثة".

وبما أن هذه الأزمة الأخيرة تظهر أن إسرائيل لن تكون قادرة على أن تصبح دولة طبيعية، فمن الواضح أن الدول العربية المعنية "لن تكون قادرة على مقاومة الموجة القومية القوية التي ترفض التطبيع". 

ونتيجة لذلك، ستتوقف موجة التطبيع لفترة من الزمن في ظل انعدام وجود قوة تجبر هذه الدول على التقارب مع إسرائيل، أما نتنياهو فهو يقف أما خطر فقدان المكاسب التي كان يعتقد أنه حققها في السابق، يقول الكاتب.

مكاسب إقليمية

من ناحية أخرى، يرى أويصال أن إدارة الضفة الغربية في رام الله بقيادة الرئيس محمود عباس، الذي ألغى الانتخابات التي تقرر إجراؤها في فلسطين بعد توقف طويل قائلا: "لا يمكن إجراء انتخابات دون القدس الشرقية"، كانت فاعلا تأكد فشله في هذه الأزمة.

وشرح ذلك بالقول: "فلم تكن حكومة عباس قادرة حتى على زيارة عواصم الدول الكبرى والمهمة لنقل ما فعلته إسرائيل، كما لم تستطع الرد على الهجمات الوحشية".

لذا أخذ الشعب الفلسطيني زمام المبادرة وتولى إدارة الأمور ودافع عن حقوقه "يائسا" من الحكومة التي يحمل رئيسها لقب "رئيس الدولة" ولو كان ذلك حبرا على ورق.

وبالطبع سيكون من المرغوب فيه إعطاء دور لحكومة عباس في عملية إعادة إعمار غزة خلال فترة السلام، وذلك حتى "لا تتعزز قوة حماس".

فمن الواضح أن إسرائيل، التي تضررت بشدة من الحرب التي انتهت للتو، لن تفسح المجال أمام "حماس" التي يتوقع أن تفوز بالانتخابات في الضفة الغربية.

جدير بالذكر أنه يشتبه في وجود "اتفاق سري" بين إسرائيل وعباس، وفق الكاتب التركي.

وأضاف: "أما على صعيد الشرق الأوسط، فإن نجاح حماس في المقاومة الفلسطينية سيخفف أيضا من الضغوط على الإخوان المسلمين، ذلك لأن نجاح المقاومة تعني نجاح الحركات الإسلامية أيضا".

وتابع: "كما قد يعني الوضع الجديد أن مصر، التي لا تريد أن تكون تحت هيمنة الخليج (الإمارات)، ستعود إلى تولي دورها الإقليمي بشكل بناء أكثر".

وقد شكر بايدن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي على التوسط في وقف إطلاق النار الفلسطيني. (وبالطبع لم يكن من المتوقع أن يشكر الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي كان يقوم بالضغط الأكبر على الولايات المتحدة لإيقاف إسرائيل).

ونوه قائلا: "وهنا فإن حقيقة اتخاذ مصر، التي تملك أهمية إقليمية كبيرة، موقفا محايدا أو مناهضا لإسرائيل بدلا من الوقوف إلى جانبها، يشكل أهمية حيوية بالنسبة للمنطقة. وبالطبع فإن هذا الموقف المستقل نسبيا هو ما تفضله تركيا أيضا، ولهذا يمكن توقع انخفاض الضغط المصري على حماس وغزة بشكل جزئي".

وقال أويصال: لكن الموضوع الأهم بعد الآن يكمن في ربط الجراح ومداواتها تحت قيادة الدول الإسلامية مثل مصر وتركيا، إذ سيتزايد الضغط، وسيفرض على إسرائيل التي سقطت هيبتها، رفع الحصار عن غزة وإعادة الهدايا الدبلوماسية التي تلقتها من ترامب بلا مقابل، حيث إن ثمن إصلاح وإعادة بناء البنية التحتية المنهارة سيكون باهظا".

وتابع موضحا: "فقد انهار حوالي 500 مبنى، وتشرد ما يقرب من 50 ألف شخص، ودمرت حوالي 10 عيادات ومستشفيات وبعض المساجد و40 مدرسة".

وهكذا سيتعين على الولايات المتحدة ودول الخليج اتخاذ خطوات لإعادة بنائها، فيما ستلعب الدول التي تتبنى القضية الفلسطينية (مثل تركيا وقطر والكويت وعمان) بالفعل دورا في عملية إعادة البناء والإعمار. 

وختم أويصال مقاله قائلا: "سيكون لهذه الهزيمة غير المتوقعة عواقب وخيمة سواء كان ذلك في الداخل أو الخارج بالنسبة لإسرائيل، التي خسرت الحرب الميدانية والإعلامية، فبينما لم تتمكن من صد صواريخ الثوار الفلسطينيين بالقبة الحديدية، لم تتمكن إسرائيل من منع وحظر الرسائل على منصات التواصل الاجتماعي والسيطرة على بركانها".

إن إدراك الدول أن إسرائيل، التي تحاول الاستحواذ على حقوق تركيا في شرق المتوسط -تماما مثلما تأكل حقوق الفلسطينيين- ليست قوية كما تبدو، يمكن أن يقلل من زخم وتأثير الجهود المناهضة لتركيا، لذلك، نحن أمام وضع جديد تماما - مع وقف إطلاق النار - من شأنه أن يغير جميع الموازين في المنطقة بمعنى الكلمة، بحسب ما يراه الباحث التركي.