السيسي منع تظاهرات دعم فلسطين.. فلماذا حاول تحسين موقفه من غزة؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على امتداد عقود الصراع العربي الإسرائيلي لم تغب عن شوارع مصر وأروقة جامعاتها ومنابر أحزابها وميادين عاصمتها القاهرة التظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية.

لكن؛ ومنذ وقوع الانقلاب العسكري في البلاد منتصف العام 2013، اختفت مظاهر وفعاليات التضامن الشعبي مع الفلسطينيين من الشارع المصري بفعل بطش النظام العسكري الحاكم، الذي دأب على قمع أي محاولات في هذا الإطار.

مظاهرات حاشدة جابت العديد من العواصم العربية والإسلامية والأوروبية، دون القاهرة؛ منذ تفجر أزمة طرد إسرائيل لسكان حي "الشيخ جراح" في القدس المحتلة خلال شهر رمضان (12 أبريل/ نيسان).

كما خرج العرب والمسلمون الغاضبون من محاولات المستوطنين الإسرائيليين اقتحام المسجد الأقصى، واعتداء الشرطة الإسرائيلية على آلاف المصلين فيه 27 و28 رمضان (10 و11 مايو/ أيار 2021)، واستمرار القصف الإسرائيلي على غزة.

طقس تضامني

النظام المصري لم يترك فرصة للمصريين للتعبير عن دعمهم فلسطين؛ على الرغم من حالة التعاطي التي وصفت بـ"الجيدة" وغير المسبوقة من السلطات المصرية رسميا وإعلاميا مع أزمة القدس والأقصى ومع صواريخ المقاومة المنطلقة من قطاع غزة على الكيان الإسرائيلي، وبرغم التعاطف الشعبي المصري الكبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع فلسطين.

السلطات المصرية اعتقلت مساء 14 مايو/أيار 2021، الصحفية والإعلامية نور الهدى زكي والناشطة حياة الشيمي لعدة ساعات بعد رفعهما علم فلسطين في ميدان التحرير (وسط القاهرة)، وفق ناشطين.

تلك الحالة عبر عنها الكاتب الصحفي وائل قنديل، بالقول إن "السلطات المصرية، التي تحشد كل أبواقها لصناعة طقس تضامني مع فلسطين، ألقت القبض على الصحفية المصرية نور الهدى زكي لأنها حاولت رفع علم فلسطين في ميدان التحرير"، معلقا بأنه "غير مسموح بأي تضامن خارج نطاق السامسونج".

وفي نفس السياق، أكد مصدر شرطي لمراسل "الاستقلال" أن هناك مخاوف أمنية من أي تحرك في الشارع المصري لأجل فلسطين، وأنه جرى مد حالة الطوارئ والاستنفار الأمني بوزارة الداخلية حتى بعد انتهاء إجازة عيد الفطر، تحسبا لأي تظاهرات، وخاصة وسط القاهرة.

ولم تشهد أية ميادين مصرية تظاهرات تحمل العلم الفلسطيني أو تردد شعارات الدعم للمقاومة؛ ورغم إصدار العديد من النقابات العمالية وبينها نقابة الصحفيين وبعض الأحزاب بيانات تأييد لفلسطين وشجب لجرائم الاحتلال فإنه لم تخرج منها تظاهرة واحدة ولم تدع لأي فاعليات شعبية.

وأكد سياسي مصري وقيادي حزبي رفض ذكر اسمه في حديثه لـ"الاستقلال"، أن المسموح به فقط بيانات تأييد للفلسطينيين وإدانة لإسرائيل، ليس أكثر.

كما أنه ورغم أن الأزهر الشريف شهد خطبة جمعة قوية نقلها التلفزيون الرسمي 14 مايو/ أيار 2021، من الشيخ أحمد عمر هاشم، فإنه لم يصدر هتاف أو دعوة لتظاهرة واحدة من الأزهر.

 وقال هاشم: "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، ودعا العرب والمسلمين للتكاتف ودعم المقاومة وتشكيل "قوة ردع إسلامية"، كما طالب حكام العرب والمسلمين بـ"التخلي عن صمتهم".

وفي موقف مغاير لمواقف رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، السابقة من المقاومة الفلسطينية طالبت الخارجية المصرية 11 مايو/ أيار 2021، إسرائيل بوقف العدوان على أراضي فلسطين، وهددت تل أبيب بتجميد عدد من الملفات إن لم تقبل بالهدنة مع المقاومة.

 كما قال وزير الخارجية سامح شكري، إن أهل القدس يخوضون معركة دفاع عن الهوية ننظر لها بفخر واعتزاز.

ورغم حساسية معبر رفح بالنسبة للنظام المصري فإن السيسي، وجه بفتح المعبر أمام حالات الإصابات نتيجة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، وتكليف أطباء للعمل بمستشفيات شمال سيناء، ونقل حالات الإصابة الحرجة إلى مستشفيات القاهرة، وفق وسائل إعلام مصرية.

المواقف العدائية السابقة لنظام الانقلاب من المقاومة الفلسطينية وخاصة تصنيف محكمة مصرية حركة حماس كـ"منظمة إرهابية"، في 28 فبراير/ شباط 2015، وتصنيف كتائب عزالدين القسام، الذراع العسكري للحركة "تنظيما إرهابيا" في 31 يناير/ كانون الثاني 2015، تؤكد أن موقف النظام تغير في هذه المرحلة من المقاومة لكن دون السماح للتظاهرات، ما يثير الاستغراب والتكهنات.

تغييب متعمد

ورغم تواصل التظاهرات الداعمة للفلسطينيين في كثير من بقاع العالم فإن الحلم الفلسطيني في الدعم المصري يظل هو الأهم لديهم؛ وهو ما عبرت عنه سيدة فلسطينية عبر مقطع فيديو تداوله ناشطون وخاطبت فيه إسرائيل بقولها: "بكرة بيجيكم 100 مليون مصري لو عطسوا على إسرائيل بيطيروها".

ناشطون ومراقبون وسياسيون مصريون لم يقنعهم الدعم الرسمي المصري للفلسطينيين وخاصة المقاومة في غزة، وخاصة بعد منع التفاعل الشعبي، واعتبروا ذلك الدعم مناورة من السيسي لتحقيق مكاسب سياسية، وهو ما عبر عنه الأكاديمي المصري الدكتور خيري عمر بالقول: "في مصر تتجمع ملامح للحشد وراء توجه سياسي".

رئيس حزب الفضيلة محمود فتحي، طرح عبر "تويتر"، التساؤل: "هل يخدعكم السيسي بالتعاطف مع القدس؟"، وأضاف: "تسليط النظام للممثلين ولاعبي الكرة للتعاطف مع فلسطين؛ ثم دعمه لبيان الأزهر؛ ثم نقل خطبة عمر هاشم في جامع الأزهر على التلفزيون المصري؛ يؤكد أن النظام يريد سحب بساط التأييد الشعبي لفلسطين من الثوار لصالح أدوات تتحرك بالريموت".

من جانبه أشار الأكاديمي الفلسطيني براء نزار ريان إلى جانب آخر، وهو تغييب النظام في مصر لدور جماعة الإخوان المسلمين، وقال: "لولا ما جرى على الإخوان بمصر من الظلم والأسى، لكانت شوارع القاهرة والإسكندرية اليوم تهتف: (ع القدس رايحين.. شهداء بالملايين)".

الصحفي محمد مرسي، فسر الدعم الرسمي للنظام المصري لقضية فلسطين اليوم بأن القاهرة تحاول العودة لدورها القديم، خاصة وأن إدارة جو بايدن تتمنع على السيسي منذ قدومها.

وأضاف عبر "فيسبوك": "لذلك يجب النظر لخطابات الخارجية، وسامح شكري، وخطبة عمر هاشم في الأزهر؛ على أنها رسائل للخارج وليست للداخل"، مؤكدا  أنه "لو خرج شخص واحد يرفع علم فلسطين في مصر سيعتقل مباشرة".

ويرى أن نظرة النظام من الفصائل الفلسطينية "لا تعبر عن مواقف حقيقية داعمة للفلسطينيين، بمعنى أن النظام لن يسمح بمرور أي شيء يمكن أن يعين المقاومة في حربها". 

تظاهرات 2000 و2003

"الاستقلال"، توجهت إلى سياسيين وناشطين مصريين بالتساؤل: إذا كان النظام المصري سمح لمسؤوليه في الخارجية، وأذرعه الإعلامية، والدينية بدعم وتأييد الفلسطينيين، فلماذا لم يسمح بخروج تظاهرات ولو رمزية لأجل القدس والمقاومة وفلسطين؟

رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري الدكتور عمرو عادل، في إجابته قال: إن "النظام المصري العسكري يرى نفسه صاحب الحق الحصري في مصر فهو من له حق الرفض أو التأييد أو الاعتقال، ولا يسمح بأي حراك أو تحرك شعبي حتى لو كان متفقا مع مايراه".

وأضاف في حديثه لـ"الاستقلال"، أنه "لا بد أن يكون كل شيء تحت السيطرة المركزية وبقرار منه حتى التظاهر يكون فقط من داخل النظام ولأجله"، لافتا إلى أن النظام المصري لن ينسى أن مظاهرات فلسطين عام 2000 ومظاهرات العراق عام 2003، كانت بداية التحول بمصر"، في إشارة لمخاوف نظام السيسي من عدوى التظاهرات.

وفي تقديره لأسباب تأييد النظام المصري المقاومة في حماس على الرغم من شيطنته لها طوال 8 سنوات، جزم السياسي بأن "السيسي لم يؤيد حماسا، ولن يفعل؛ فهو يدرك أن هذا النموذج المقاوم خطر كبير جدا عليه".

واستدرك بقوله: "لكن التطور الإستراتيجي الكبير للمقاومة الفلسطينية بهذه الجولة، والمفاجأة الكبيرة بحجم وانتشار الاحتجاج داخل فلسطين يجعل من الصعب على أي نظام عربي عدم التفاعل معه.

حتى النظام السعودي فعل ذلك؛ وبالتأكيد هي مرحلة مؤقتة كما فعلت  المؤسسة العسكرية في 2011 مع موجة ثورة يناير 2011، وفق قوله.

وفي تعليقه على ما يثار حول أن الدعم المصري للمقاومة هو محاولة للضغط على إسرائيل وأميركا والتأكيد على أن تغييب القاهرة عن ملف فلسطين وتراجع دورها الإقليمي ليس في صالحهما، يرى عادل، أن "النظام المصري لا يمتلك أدوات للضغط عليهما".

وأكد أن "فكرة القفز في التحالفات بين القوى الدولية والتي كانت قد تصلح منذ خمسين عاما لم تعد تصلح الآن، ومن لا يمتلك أدواته لا يمكنه الضغط".

تخوفات الزحف الشعبي

البرلماني المصري السابق محمد عماد صابر، وفي تفسيره لتأييد السيسي المقاومة ومنعه التظاهرات في مصر لدعمها في نفس الوقت، قال إن "فلسطين  الآن  تعيد التوازن إلى معادلات الصراع، والزحف  الشعبي نحو حدودها من لبنان والأردن رسالة تأييد وتهديد بآن واحد ولأطراف عدة".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، يرى أن "الزحف نحو قصور حكم المستبد الفاسد الوجه الآخر للمحتل الغاصب أكثر فاعلية وأشد تأثيرا"، مؤكدا أن "هذا ما يخشاه النظام المصري؛ ورأس النظام تحديدا يعمل له ألف حساب ويبذل قصارى جهده لعدم إتاحة الظروف له".

ويعتقد أنه "لأن غزة كانت تحت الحماية المصرية حتى هزيمة 1967، حينما احتلها الكيان الصهيوني مع سيناء والضفة الغربية؛ فإن تحريرها مسؤولية الجيش الذي خسرها، فضلا عن أنها قضية أمن  قومي لمصر، مما يترتب عليه السماح لبعض مؤسسات الدولة بالتنسيق مع النظام للتنفيس وامتصاص الغضب الشعبي"، وفق تقديره.

ويرى السياسي المصري أن "الأهم هنا أن النظام يريد أن يبين حجم الجهد الذي يبذله لكبح جماح الشعب المصري ومنعه من التفاعل مع القضية الأم"، لافتا إلى أن السيسي" يريد أن يقول إنه إذا كان أبناء زايد (حكام الإمارات) يمكنهم تقديم المال فأنا أفعل ما هو أشد وأهم".

وأكد أن "تاريخه القريب يشهد له أنه كاذب، وموقفه من المقاومة الفلسطينية واضح ومعروف فهو يتهمها بالتخابر مع الرئيس الراحل محمد مرسي، وأنها إرهابية، وهو يتعامل معها حتى اللحظة بالشعارات فقط دون خطوات عملية على الأرض".

الناشط السياسي والباحث المصري عباس قباري، أكد أن "نظام السيسي يتعامل بعقلية المقاول حتى في الملفات المركزية المصرية والتي فقدها تباعا لصالح حلفائه الإقليميين الذين سارعوا لتطبيع كامل مع الصهاينة وذلك مقابل مصالح آنية ضيقة، والآن يعود سريعا وبشكل كوميدي لبيانات التضامن الناصري التي ترفع السقف بلا أي واقع".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، قال إن "المواطن المصري الذي تابع مسلسلات رمضان التي أنتجتها شركات المخابرات والتي حشدت قدراتها ضد حماس والمقاومة وتعتبرها إرهابية وعدوا إستراتيجي لمصر؛ يفاجأ بمواقف النظام المتهافتة التي تصف أعمالها بالبطولة وتسعى للتعامل معها بشكل مراهق".

وبشأن أهداف النظام المصري السياسية من هذا التوجه الجديد نحو المقاومة الفلسطينية، أكد أن الأخيرة "فرضت واقعا جديدا وحالة انتصار كبيرة على الكيان الصهيوني؛ وصنعت فرصة أمام الانقلاب لتحقيق بعض المكاسب في قضاياه التي يخسرها تباعا وفق تحركات مقاولي الهدم أو تجار الحرب".

ولفت قباري إلى أنه "وبمنتهى الانتهازية السياسية يتحدث بعض سياسييه وأذرعه الإعلامية وكتائبه الإلكترونية عن مكاسب قد تتحقق بقضية سد النهضة والذي يوحي أن النظام قد يبيع القضية الفلسطينية إذا وضعت بمساومة تحقق مكاسب بقضية السد".

وجزم بأن "النظام المصري وظيفي يؤدي خدمات بحدود الدور الذي اختاره لنفسه وما يصنعه بجانب كبير منه جاء للفت نظر أميركا ورئيسها الجديد الذي لم يتصل بالسيسي حتى اللحظة، واقتصرت التواصلات على مستوى منخفض بالخارجية والمخابرات".

وخلص الباحث المصري للقول إننا "أمام نظام خياني يؤدي أدوارا وظيفية مؤقتة ويسعى لتحقيق مصالح ضيقة مستغلا أدوار مصر التاريخية وموقعها الجغرافي، ويقدم نفسه مرة أخرى كطوق نجاة لإسرائيل بعدما تجاوزته بعدة ملفات واعتمدت فيها حليفها الإماراتي بمرتبة متقدمة عن حليفها العسكري المصري".