قنن 1882 كنيسة.. لماذا يلعب السيسي الآن بورقة المسيحيين في مصر؟

إسماعيل يوسف | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع احتفال المسيحيين الأرثوذوكس في مصر بعيد القيامة 2 مايو/ أيار 2021، نشر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، فيديو أشبه بتقديم كشف حساب من نظام عبدالفتاح السيسي للأقباط عما فعله لأجلهم منذ انقلاب 2013.

القضية الأساسية التي ركز عليها مجلس الوزراء هي استمرار اللجنة الرئيسة لتقنين أوضاع الكنائس في توفيق أمورها التي بنيت بالمخالفة للقانون، "ترسيخا لمبادئ المواطنة والوحدة الوطنية"، حسبما قال.

الفيديو كشف عن تقنين أوضاع 1882 كنيسة ومبنى مخالف، مقسمة ما بين 1077 كنيسة و805 مبنى، على مدار 4 سنوات منذ تشكيل لجنة تقنين أوضاع الكنائس 26 يناير/ كانون الثاني 2017 وحتى أبريل/نيسان 2021.

ولجنة تقنين أوضاع الكنائس المصرية (المخالفة للقانون) برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية 6 وزراء، وممثلين عن المسيحيين وجهات سيادية.

واستعرض الفيديو التوزيع الجغرافي للكنائس والمباني التي تم تقنين وتوفيق أوضاعها، على مستوى محافظات الجمهورية.

وبرر كشف الحساب استمرار التقنين "ترسيخا لمبادئ المواطنة والوحدة الوطنية"، وتعزيز جهود الدولة بعد ثورة الثلاثين من يونيو/حزيران لإعلاء قيم المواطنة والتلاحم الوطني، وبناء دولة جديدة يشارك فيها جميع أبناء الوطن".

آخر قرارات اللجنة 12 أبريل/ نيسان 2021، كانت إجازة تقنين 82 كنيسة ومبنى تابعا، ليبلغ الإجمالي حتى الآن 1882 كنيسة ومبنى، وفقا لمجلس الوزراء.

قانون بناء الكنائس الصادر في 28 سبتمبر/ أيلول 2016 عالج مسألتين: الأولى بناء الكنائس، التي أصبحت في يد محافظ الإقليم، مع ربط مساحة الكنيسة بعدد السكان المسيحيين في المنطقة، وأقرب كنيسة إليها. 

والمسألة الثانية مرتبطة بتقنين أوضاع الكنائس الموجودة بالفعل، ولا تملك أية قرارات رسمية، وهذه عالجتها لجنة التقنين.

كشف حساب للغرب

كان ملفتا أن كشف الحساب الجديد هو لآخر سابق حول نفس القضية صدر في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، وقبل يوم واحد من احتفال أقباط مصر بعيد الميلاد، واقتبس الكشف الأخير بعض فقرات السابق.

لم يكتف كشف الحساب السابق برصد كل ما فعله رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي للأقباط منذ انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، من تقنين للكنائس المخالفة للقانون، وتوجيه أوامر للجيش ببناء غيرها، وتعيين الأقباط بأعداد أكبر في المناصب المختلفة، وغيره.

لكن كشف الحساب هذا تضمن، للغرابة، رصدا لآراء الإدارة الأميركية والفاتيكان والحكومات الأوروبية عن مدى رضاها عما فعله نظام السيسي من أجل "رعاية مصالح أقباط مصر".

البيان أشار إلى توفير كل مطالبهم السياسية والاجتماعية وإشادة الغرب بنظام السيسي لهذا الغرض، كأنه يقدم كشف حساب أيضا لهم، لإثنائه عن انتقاد ملف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وتلميع صورة النظام القمعية.

أشار البيان، الذي تضمن كشف حساب شامل في 3652 كلمة، لصدور أوامر من السيسي للهيئة الهندسية للقوات المسلحة والحكومة بضرورة وجود كنائس في المدن الجديدة لـ "حفظ حقوق أقباط مصر".

بموجب هذه التعليمات، تم إنشاء 40 كنيسة ويجري إنشاء 34 كنيسة أخرى بالمدن الجديدة خلال الفترة من يوليو/تموز 2014 حتى ديسمبر/كانون الأول 2020، بحسب مجلس الوزراء.

وتعليمات للجيش المصري بتوجيه ضربات جوية ضد معسكرات ومناطق تمركز وتدريب ومخازن أسلحة تنظيم الدولة بليبيا ردا على قتل 22 مسيحيا مصريا هناك.

وأيضا مشاركة السيسي للمسيحيين في احتفالاتهم، حيث كان "أول رئيس دولة مصري يحضر قداس عيد الميلاد عام 2015، ويحضر كل عام منذ ذلك الحين".

كما جرى تسليط الضوء على وضع السيسي حجر الأساس لكنيسة ميلاد المسيح، والتي تعد أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط، جنبا إلى جنب مع مسجد الفتاح العليم كأول منشآت عاصمة مصر الإدارية الجديدة.

استعرض التقرير أبرز ما رصدته الخارجية الأميركية حول تشكيل السيسي للجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية، وحذف النصوص المحرضة على "العنف والتطرف" من المناهج التعليمية.

نقل كشف الحساب عن تقرير اللجنة الأميركية للحريات الدينية، أن مصر شهدت انخفاضا في العنف بنسبة 29 بالمئة بين عامي 2018 و2019، وخروجها من تصنيف الدول المثيرة للقلق للعام الرابع على التوالي.

وأيضا استعرض إشادة السفارة الأميركية بالقاهرة "بالجهود التي بذلتها مصر لتعزيز بيئة شاملة ومتسامحة للمواطنين من جميع الأديان"، وتأكيد الحكومة البريطانية أن الهجمات التي يشنها "المتطرفون المناهضون للمسيحين" تتراجع منذ عام 2018.

كما نقل البيان تقدير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لجهود السيسي من أجل الاعتراف بكل الأديان، وضمان حرية العبادة والاعتقاد، وتأكيد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل، أن المسيحيين في مصر يعيشون أوضاعاً جيدة جداً فيما يتعلق بممارسة شعائرهم الدينية.

وتأكيد رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، أن مصر بقيادة السيسي "ترسي قيم التعايش وحرية العبادة واحترام الآخر وتحقيق التقارب والتفاهم بين أبناء كافة الأديان".

وتطرق أيضا إلى قول صحيفة الغارديان البريطانية إن المسيحيين في مصر "ينظرون إلى السيسي بأنه المنقذ"، وتأكيد موقع المونيتور الأميركي أن "المسيحيين يشعرون بأن حقوقهم محفوظة بشكل أكبر في عهد السيسي، وهناك زيادة نسبية في ترشيحهم للمناصب والبرلمان".

ويبدو هذا الرصد ككشف حساب للغرب أيضا ضمن محاولات نظام السيسي تسويق نفسه كحام للأقليات في مصر والمنطقة، وتبرير قصفه لليبيا بدعوى حماية أقباط مصر وحماية مصالح الغرب.

الكنائس و"المواطنة" 

تحدث كشف حساب "دولة 30 يونيو" عن تعزيز وتكريس قيم "المواطنة" سياسيا واجتماعيا وتشريعيا، باعتبارها أحد أهم عوامل استقرار الدولة ومقوما أصيلا من مقومات الأمن القومي.

و"تطبيق القوانين التي تضمن حقوق الأخوة المسيحيين على مختلف المستويات"، وحماية الآثار المسيحية المختلفة، عبر سلسلة إجراءات.

منها إنشاء هيئتي أوقاف الكنيسة الكاثوليكية والطائفة الإنجيلية، سبتمبر/ أيلول 2020، لإدارة الأصول والأموال الموقوفة لصالح الكنيسة الكاثوليكية والإنجيلية.

وإعداد قانون الأحوال الشخصية الموحد للمسيحيين (الأرثوذكس، الإنجيليين، الكاثوليك)، لأول مرة بعدما اقترحته الكنائس الثلاثة وتعده حاليا وزارة العدل.

وأيضا زيادة تمثيل المسيحيين بالمجالس النيابية والمناصب القيادية بصورة غير مسبوقة، حيث وصل عدد نواب البرلمان المسيحيين عام 2021 إلى 31 نائبا مسيحيا منتخبا، مقارنة بـ 5 نواب مسيحيين منتخبين عام 2012.

لأول مرة في تاريخ مجلس الشيوخ يصل عدد المقاعد المسيحية إلى 24 مقعدا في 2020، مقارنة بـ 15 مقعدا مسيحيا في 2012.

حركة المحافظين شملت أيضا لأول مرة تعيين اثنين من المسيحيين في منصب المحافظ عام 2018.

كشف الحساب تضمن قول السيسي: "الدولة لازم تبني كنائس لمواطنيها، لأن لهم الحق في العبادة كما يعبد الجميع، ولأن ده حق المواطن يعبد كما يشاء".

وتأكيده "أصدرنا قانونا لبناء الكنائس في مصر بعد أن ظل حلما لمدة 150 سنة؛ لأن الدولة معنية بكفالة حق العبادة لجميع مواطنيها".

رصد كشف الحساب كذلك "التطور الدستوري في الدساتير المصرية" بشأن "المواطنة والوحدة الوطنية".

من ذلك، إضافة المادة 3 للدستور التي تنص على أن "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيس للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشؤونهم الدينية".

ونصت المادة 53 على أن "المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة".

والمادة 64 والتي تنص على أن "حرية الاعتقاد مطلقة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون".

بحسب ما قال رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء السابق اللواء أبو بكر الجندي، في ديسمبر/ كانون الأول 2011، بلغ عدد الكنائس في مصر حينئذ 2869 كنيسة، بعدما كان عام 1972 يبلغ 1442.

قبيل تصريح الجندي، قدرت الكنيسة الأرثوذكسية فى كتاب "دليل الكنائس"، الذي نشرته صحيفة "البديل" الموقوفة، عدد الكنائس فى مصر بـ 1626 كنيسة قبل عام 2011، منها 1326 أرثوذكسية، و100 بروتستانتية، و200 كاثوليكية.

بحسب دراسة أعدها المستشار حسين أبو عيسى المحامي بالنقض، والمستشار السابق بالمحاكم العسكرية، يبلغ عدد الكنائس المقامة في مصر نحو 3126 كنيسة وفق صحيفة المصريون 12 يناير/ كانون الثاني 2011 

أعلنت الكنائس الثلاثة في مصر أن عدد الكنائس والمباني المخالفة يبلغ 3733 بحسب "إسحاق إبراهيم" مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لموقع "بي بي سي 13" أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

وهو ما يعني أن مصر وافقت على تقنين وترخيص نصف الكنائس المخالفة تقريبا حتى 2021.

لكن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أصدرت عدة تقارير آخرها في 6 يناير/ كانون الثاني 2020 تنتقد "بطء إجراءات تقنين الكنائس".

قالت إن ملف تقنين أوضاع الكنائس "لا يزال يسير ببطء شديد وبغياب للشفافية"، وأن "هذه الموافقات مبدئية ومشروطة بإجراءات الهدم وإعادة البناء واستيفاء حق الدولة والحماية المدنية".

وبينت أنها أحصت أن العدد الإجمالي للموافقات النهائية خلال 3 سنوات من 2017 حتى 2020 لا يزيد على 200 كنيسة ومبنى تابع، رغم موافقة اللجنة رسميا في هذه الفترة على توفق أوضاع 1412 كنيسة ومبنى.

أوضحت المبادرة أن "هذا العدد يمثل نحو 25 بالمئة من العدد الإجمالي للكنائس والمباني التي قدمت طلبات ويبلغ 5540، وذلك خلال 3 سنوات من صدور قانون الكنائس في سبتمبر/ أيلول 2016.

قالت: إن هذا يعني "الحاجة إلى تسع سنوات للانتهاء من الموافقات المشروطة لكل الطلبات المقدمة".

مكافأة أم حق؟

أغلب قرارات التقنين جاءت قبل الأعياد والمناسبات القبطية أو قبل سفر السيسي لواشنطن أو بالتزامن مع مناسبات سياسية دافعت فيها قيادة الكنيسة عن النظام المصري.

عقب مشاركة البابا تواضروس في دعم انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 بدأ التغاضي من قبل نظام السيسي عن بناء المزيد من الكنائس المخالفة ما تسبب في مصادمات طائفية.

بدا التقنين أشبه بـ "مكافأة" لقيادة الكنيسة لوقوفها مع السيسي منذ انقلاب 2013 والحشد في تمثيلية الانتخابات والاستفتاءات لتمرير مشاريع الانقلاب السياسية، ومقابل دعم الكنيسة للسيسي خلال زيارته لواشنطن بحشد الأقباط للهتاف له في مواجهة المعارضين، بحسب متابعين.

تقنين أوضاع آلاف الكنائس المخالفة، والتغاضي عن الكيان الاقتصادي لها وإلغاء مادة في دستور 2012 تسمح بمراجعة الجهات الرقابية للكنيسة، كانت مكافأة واضحة لتواضروس من السيسي.

تحقق للبابا تواضروس الهدف الأول بالموافقة على تقنين الكنائس المخالفة حتى بلغت 1882 كنيسة ومبنى تابع لها حتى أبريل/ نيسان 2021.

وتحقق الهدف الثاني بإلغاء السيسي المادة 212 من دستور 2012 التي اعترضت عليها الكنيسة عقب 30 يونيو/حزيران 2013 وتم حذف هذه المادة في وثيقة الخمسين وكذلك دستور 2014. 

هذه المادة التي وضعت عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011 كانت تخشى الكنيسة أن تخضع أديرتها وكنائسها لرقابة الدولة وتكشف عن حجم الممتلكات والأراضي الشاسعة التي تقوم عليها.

كان آخر هذه المكافآت وضع قوانين للكنيسة وأوقافها وعدم التدخل في مشاريعها الاقتصادية على عكس تدخل السيسي في أوقاف المسلمين وتوجيه وزيره للأوقاف لاستثمار أموال الوقف الإسلامي في مشاريع حكومية.

الباحث الحقوقي القبطي "إسحاق إبراهيم" أكد هذا في مقال بعنوان "الأقباط: اصطفاف المصلحة والطاعة والخوف" 27 سبتمبر/أيلول 2016، منتقدا مقايضة قيادات الكنيسة مصالح الطائفة وكنائسها بإرضاء السيسي والحشد السياسي له.

قال إبراهيم إن حشد الكنيسة ورجال الدين المسيحيين لمظاهرات أقباط المهجر للترحيب بالسيسي في واشنطن "تورط للكنيسة في لعب أدوار سياسية".

أشار إلى إستخدام الأنبا بيمن مسؤول لجنة الأزمات بالكنيسة، والأنبا يؤانس أسقف أسيوط "أسلوب العصا والجزرة، مع أقباط المهجر لحشدهم "بالحديث عن أرض الميعاد التي تفيض لبنا وعسلا وعطايا النظام الحاكم".

تساءل عن "الأسباب الحقيقية التي تجعل قيادات الكنيسة تتورط إما طواعية أو تنفيذا لتعليمات سياسية، باتخاذ مواقف تحسب عليها وتضعها في موضع النقد، باعتبارها داعما لنظام يرى قطاع من المصريين أنه يكرر نفس الممارسات القديمة بانتهاك حقوق الإنسان".

تحدث إبراهيم عن "اصطفاف المصلحة" حيث "خلقت العلاقة بين النظام الحاكم وقيادات كنسية وقبطية -ولا تزال- مصالح مشتركة تستفيد منها مؤسسات الحكم باستخدام الأقباط في الحشد السياسي ودعم النظام وتحسين صورته خارجيا".

وبالمقابل "يستفيد قطاع صغير من الأقباط بتحقيق مكاسب ضيقة أو شخصية، كبناء كنيسة هنا أو رضا أولي الأمر، ما يفتح لهم الأبواب المغلقة للوصول إلى المناصب العليا".

أشار إبراهيم إلى بيان صدر عن الشباب القبطي، وانضم إليه أكاديميون وكتاب ومهنيون، ووصل عدد الموقعين عليه 850، معظمهم من الأقباط يرفض أية أدوار سياسية للمؤسسات الدينية، ومنها الكنيسة.

حذر البيان من أن "نظام ما بعد 3 يوليو/تموز 2013 يستحسن الزج بالكنيسة في المعادلة السياسية، ويعتبرها الوكيل الحصري لتمثيل عموم مسيحيي مصر".