مشاهد إباحية وقتل وبلطجة.. هكذا أصبحت الدراما الرمضانية في زمن السيسي

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مشاهد عنف، انفلات أخلاقي، علاقات مشبوهة، هذه هي القيم التي باتت تقدمها الدراما الرمضانية المصرية، في السنوات الأخيرة منذ وصول الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم في يونيو/حزيران 2014 إثر انقلاب يوليو/تموز 2013.

سابقا اعتادت الأسرة في رمضان على متابعة برامج دينية شهيرة ذاع صيتها، على رأسها حلقات تفسير القرآن الكريم للشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، وابتهالات الشيخ نصر الدين طوبار، والنقشبندي.

لكن في زمن السيسي، تبدلت الأحوال واختلفت المعايير، أصبح القتل والعنف والإباحية، هو المشهد السائد حاليا، وبات مشهد "البلطجي" هو المسيطر على معظم الأعمال الفنية، التي تنتجها شركات خاصة، أهمها "سينرجي" التابعة لجهاز المخابرات.

دراما "الفساد" 

في رمضان الحالي الموافق للعام 2021، عجت شاشات التلفزيون والفضائيات المصرية بنحو 30 مسلسلا، أنتجت معظمهم شركة "سينرجي" التابعة لجهاز المخابرات، بالإضافة إلى شركات الإنتاج الأخرى التي تدور في فلك النظام.

"نسل الأغراب"، "موسى"، "لعبة نيوتن" كلها أعمال على نفس الشاكلة، من دراما العنف والقتل والانفلات الأخلاقي مع اختلافات طفيفة في الشخصيات والحيثيات وطريقة كتابة السيناريو، لكن تبقى كينونة المعالجة الدرامية واحدة ومتشابهة.

الفنان المصري جاسر الأنور، رصد تلك الحالة، ودون عبر حسابه بموقع "فيسبوك" يوم 18 أبريل/ نيسان 2021، مستشهدا بمواقف من تلك المسلسلات، ليعبر عن حجم التردي الأخلاقي، قائلا: "سلمى اتصدمت عشان اختها حامل ومن حد غير خطيبها (ضد الكسر).. شهد بنت كابتن جلال طلعت حامل من الحرام (ضل راجل)..  فرح يوسف ماشية مع محمد صفوت، وأمها بتزني مع أخو سرية (ملوك الجدعنة)..  نجلاء بدر الغجرية مرافقة ابن كبير الغجر ومش راضي يتجوزها (نسل الأغراب).. 

ابن الشيمي ضرب ورقه عرفي على بنت أحمد حلاوة وحملت منه (النمر)"، وأضاف: "خمس مسلسلات بخمس مؤلفين حشروا (الوساخة) دي في قصصهم".

الكاتب الصحفي عبد العظيم الباسل، نشر مقالة عبر صحيفة "الأهرام" الحكومية، 24 أبريل/ نيسان 2021، بعنوان "دراما العنف في رمضان"، قال فيه: "فى رمضان الحالى فوجئنا بأكثر من مسلسل يكرس للعنف، أو يستعرض الخيانة الزوجية، فضلا عن نقل البلطجة من البؤر المغمورة، إلى الشاشة الصغيرة بمنتهى الجرأة ودون مواربة".

وتساءل: "نريد أن نعرف ما الهدف من نشر لغة العشوائيات تحت اسم الجدعنة، فتنتشر مفرداتها الخارجة على ألسنة الشباب؟". وتعجب: "ما الفائدة من استعراض شهامة البلطجي، فى حماية زوجة مخطوفة فيصبح الكبير بين أبناء حيه فيتسابق الشباب على الانضمام لرجاله؟". 

وأضاف: "ما هو الغرض من ترويج تدخين المخدرات والسجائر فى معظم المشاهد المعروضة؟".

شبح رمضان 

موقع "مدى مصر" قدم تحليله للموسم الرمضاني 2021، تحت عنوان "تتعالج ولا تستحمل" في 23 أبريل/ نيسان 2021، وأورد: أن "شبح (الفنان) محمد رمضان، تناسل وولد أشباحا أخرى، يزعقون بالصوت ويجرون في باقي اللوكيشنات، والأوفر حظا هذا العام، الجمل والعبارات التي ستتحول إلى استيكرات على التكاتك والميكروباصات".

وقال "هذه الحالة، التي جذرتها حالة سوق الدراما من احتكارات ومطاردات وتعليمات، عززها حصار صناعها في مساحات ضيقة، أدت إلى ميكس (خلط) عجيب، استهبال على غرائبيات".

سوزان القلينى عضو المجلس القومي للمرأة (منظمة حكومية) ومقرر لجنة الإعلام، أكدت في بيان أن "عرض التفاصيل الدقيقة لمشاهد العنف ضد المرأة، في مسلسلات رمضان هذا العام، أضر بصورة كبيرة بالجهود المبذولة لمناهضة العنف ضد المرأة أكثر مما خدمها".

القليني أوضحت أن "ذلك قد يؤدي إلى محاكاته لدى بعض فئات المجتمع"، وطالبت "جميع القائمين على صناعة الدراما بعدم التركيز التفصيلي على مشاهد العنف، والتي يمكن أن تتم معالجتها ضمنيا في السياق الدرامي".

دراما الحرق والضرب لم تتأثر بها مصر وحدها، بل تأثرت بها الدول العربية، حتى أن الكاتب الصحفي التونسي حكيم مرزوقي، قال عن تلك الحالة: "شركات الإنتاج أعلنت موت المشاعر والعلاقات الإنسانية لتحل محلها عوالم الجريمة ضمن أوساط اجتماعية محرومة من كل ما تشاهده من رفاهية".

تهاوي المجتمع

الصحفي المصري محمد يوسف، وصف الحالة الدرامية الرمضانية في مصر بـ"القنبلة الموقوتة التي ستنفجر في المجتمع وتخلف أثرا لا يمكن تجاوزه لأجيال قادمة".

وقال لـ"الاستقلال": "نذكر جميعا قبل عامين أن الممثل محمد رمضان، عرض في مسلسل (الأسطورة) مشهدا لإحدى الاشتباكات، قام خلالها بإجبار رجل على ارتداء زي امرأة، بعدها مباشرة أصبح هذا المشهد دارجا في الواقع، وكثير من المناوشات في المناطق الشعبية انتهت بمثل هذه الواقعة، وحررت بها محاضر كثيرة في أقسام الشرطة". 

قبلها أيضا: "في أحد الأفلام قام رمضان بالرقص وهو ممسك بسكينة في فمه، ثم تحول هذا المشهد إلى أيقونة في الأفراح الشعبية، حتى وصل إلى الأطفال، وكان هناك مقطعا شهيرا لطفلة ترقص وفي فمها سكينة!".

وأضاف: "هذا تدمير واضح للأجيال، ولا يمكن أن يظل المحتوى في حل من الرقابة، وبهذه السيولة من الفساد والإفساد، فنحن نرى رقابة فقط على المحتوى الديني أو السياسي، أما ما يتعلق بالأخلاق والقيم فهناك تراخ مقصود وغير مفهوم". 

وأردف الصحفي المصري: "ما هي الرسالة المقصودة التي يريد صناع المسلسلات إيصالها للمجتمع في رمضان، فمسلسل (نسل الأغراب) على سبيل المثال، تناول أبناء عمومة يتقاتلون فيما بينهم، وكل منهم قد قتل (عمه)، ويحارب إخوته وأقاربه، فهذا تحريض على قطع ذات البين وإفساد صلة الرحم، وتصوير العائلات المصرية بطريقة لا تليق". 

وأضاف: "أما الخيانات الزوجية والعلاقات غير الشرعية، فأصبحت قصصا ثابتة ومتكررة بشكل ملحوظ في غالبية المسلسلات، وهذا تدمير واضح للأسرة، وإخراج للمرأة المصرية بأسوأ صورة ممكنة، بالإضافة إلى كونه تحريضا واضحا على الفسق والفجور".

الحصن الأخير

الداعية الإسلامي المصري، ماهر العلي، قال لـ"الاستقلال": "كان في الزمن السابق ما يقدم في التلفزيون والفضائيات شر فيه دخن من الخير، فكان يتم تمرير المسلسلات الدينية أو الاجتماعية بطريقة دس السم في العسل، وكانت تحتوي كثيرا من الأخطاء الشرعية والتاريخية، وبعض القيم المحمودة". 

واستطرد: "أما الآن فالوضع كله شر لا خير فيه، وكما قال العرب في أمثالهم (بلغ السيل الزبى)، حيث أن القتل والزنا وسوء الأخلاق أصبحت وجبة أساسية، يقدمها تجار السوء للصائمين والمسلمين في رمضان، ويجب على العلماء والدعاة أن يتكاتفوا لتدارك هذا الأمر، وأن يصدروا بيانات تحريم مشاهدة هذه المسلسلات".

وأضاف: "الواجب الآخر يقع على عاتق الأسرة والرقابة الأسرية، فكيف لأب وأم، أن يسمحوا لأبنائهم وخاصة الذين هم في سن المراهقة، أن يشاهدوا هذا الحجم من العبث والانفلات، ففي النهاية الأسرة هي الحصن الأخير، وإذا اخترقت هدم المجتمع من أساسه".

وختم حديثه قائلا: "حتى في الغرب ومعظم دول العالم هناك تقييد عمري لمشاهدة المحتوى، هناك ما هو دون سن 12 و16 و18 عاما، أما في مصر فيمكن للطفل الصغير أن يشاهد محتوى العنف والجنس بسهولة وتحت مرأى الأسرة، وهو أمر بالغ الخطورة على نفسيته وتكوينه النفسي والأخلاقي".