التقارب الأوكراني التركي.. كيف يؤثر على العلاقات بين موسكو وأنقرة؟

12

طباعة

مشاركة

تحدثت صحيفة الإندبندنت البريطانية، عن إمكانية تدشين حلقة جديدة من سلسلة العقوبات الروسية على تركيا في ضوء عدة تطورات دولية. 

وتطرقت النسخة التركية للصحيفة في مقال للكاتب مايس علي زاده إلى إسقاط طائرة مقاتلة تركية قاذفة سوخوي 24 روسية كانت عائدة من غارة جوية في سوريا. وتم إطلاق النار على الطيار أثناء هبوطه بالمظلة فقتل وهو في الجو.

ردت روسيا بقطع كل العلاقات الاقتصادية والتجارية مع تركيا وفرضت التأشيرات على دخول الأتراك إلى روسيا وتراجعت الصادرات التركية لروسيا إلى 737 مليون دولار خلال عام 2016.

تحسنت العلاقات بين البلدين في أعقاب إرسال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسالة خطية إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين في27 يونيو/حزيران 2016 وقدم تعازيه لأسرة الطيار الروسي.

وقال الكاتب في المقال: "في 27 يونيو/حزيران 2016 كان وزير الثقافة والسياحة التركي نابي أفجي يستضيف أعضاء الصحافة الأجنبية على مائدة الإفطار".

وتابع: وقبل الإفطار الذي انضم له رئيس بلدية إسطنبول الكبرى آنذاك قدير طوبباش، قلت لأفجي: لقد نشرت الرسالة التي كتبها السيد الرئيس إلى الرئيس الروسي اليوم، وهذا تطور مهم للغاية بالنسبة لتركيا والمنطقة. 

وأضاف: ثم سألت الراحل قدير طوبباش: أنا أعلم بمعرفتكم القريبة من رئيس بلدية موسكو. وأنا متأكد من أن الرسالة ستكون نقطة تحول تاريخية. أود أن أطلب منكم الإدلاء ببيان حول الرسالة في سياق علاقاتكم مع (عمدة موسكو) سيرجي سوبيانين".

الحلقات الأولى

لم يكتف قدير وهو رجل نبيل آخر في السياسة التركية، بإعطاء الكاتب ردا بالإيجاب دون أدنى تردد، بل أضاف قائلا إنه مستعد للذهاب إلى موسكو على الفور للوفاء بالالتزامات التي تقتضيها رسالة الرئيس أردوغان، وقد حدث ما اتفقنا عليه بالفعل، يقول الكاتب.

فقد قال نابي أفجي: "لقد اتخذ رئيسنا خطوة صحيحة للغاية. لا يمكن أن يتم تقييد وحصر العلاقات التركية الروسية القائمة على التقاليد القديمة، بالشواطئ وحقائب السفر. نحن مستعدون للقيام بما هو ضروري في أسرع وقت ممكن".

فيما قال قدير طوبباش: "أنا أؤيد رسالة رئيسنا دون أي تردد. لقد استضفت سيرجي سوبيانين في إسطنبول لثلاثة أيام. أنا في انتظار دعوته للذهاب إلى موسكو. وأتمنى أن تأتي الدعوة في أسرع وقت بعد رسالة رئيسنا حتى أتمكن من الذهاب إلى هناك على الفور".

ويستدرك علي زاده: لكن، وبالعودة إلى 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تم إسقاط طائرة هليكوبتر روسية دخلت الحدود التركية من ناحية سوريا في انتهاك دام لـ 17 ثانية. 

وبينما كان يتم البحث عمن أعطى الأوامر، أدلى رئيس الوزراء وقتها أحمد داود أوغلو ببيان قال فيه: "أنا أعطيت هذه الأوامر، وفي حال تكرر الأمر فسأعطي الأوامر بذلك مرة أخرى".

وعلى ناحية أخرى، لم يكتف بوتين بإعطاء تعليمات بتجهيز المجال الجوي السوري بصواريخ "إس -400"، بل قام أيضا بتصريح كان يقول بلسان حاله أن "تعالوا الآن إذا كنتم تستطيعون"، إيذانا منه بأن العلاقات ستسوء للغاية.

وجاءت هذه التصريحات بعد أن اشتكى بوتين من "ذهاب تركيا المباشر إلى حلف شمال الأطلسي بدلا من الحديث والتشاور معه"، وفقا للكاتب التركي.

وأضاف: كان من الواضح أن العقوبات ستطال قطاع السياحة أولا. وقد كان هناك صحفيون وكتاب عارضوا بشدة خطط العقوبات المفروضة على تركيا منذ بداية ديسمبر /كانون الأول 2015.

 لكن الحكومة الروسية لم تلق لها بالا، بل وأوقفت حتى أصغر الأعمال التي يقوم بها الأشخاص من أصل تركي في أجزاء مختلفة من البلاد. 

فعلى سبيل المثال، تم إلغاء مناقصة بقيمة 3000 دولار لرجل أعمال تركي شاب في مدينة روستوف.

وتابع قائلا: وبينما تم إيقاف صفقة بقيمة 600 مليون دولار (ربح تركيا منها يساوي 200 مليون دولار) يجري فيها استيراد زيت دوار الشمس من روسيا في براميل وتعبئتها في تركيا لتصديرها إلى العراق، تم إيقاف عمليات الصيد في البحر الأسود وتصدير الطماطم إلى موسكو من أنقرة أو تم تقييدها لدرجة كبيرة. 

ووفقا للإحصاءات الرسمية التي نشرتها وزارة الاقتصاد الروسية، أسفرت العقوبات الروسية عن خسائر لحقت تركيا بقيمة 840 مليون دولار من قطاع السياحة فقط في الفترة بين ديسمبر/كانون الأول 2015 ويونيو/حزيران 2016، بحسب الكاتب التركي.

وأضاف: وفي الاجتماع الذي عقد في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2016 في إسطنبول حول حاضر العلاقات الروسية التركية ومستقبلها، تحدثت مع مدير معهد الدراسات الإستراتيجية الروسية التي تعد التقارير للكرملين واللواء المتقاعد من المخابرات العسكرية، والنائب السابق الذي عمل لعشر سنوات في الجمعية البرلمانية الروسية لحلف الناتو (لم يذكر اسمه).

وقال الرجل: "إن خسائر تركيا من قطاع السياحة فقط خلال سبعة أشهر تبلغ حوالي المليار دولار، فهل تفكر الحكومة الروسية في تعويض ذلك، وفي حال كانت الإجابة نعم كيف ستفعل ذلك؟"

روابط غير ثابتة

واستطرد علي زاده: كانت الإجابة التي حصلت عليها كما يلي: "إن أكثر قضية نهتم بها هي وجود السيد أردوغان في سدة الحكم في تركيا. تعتقد الولايات المتحدة أنها يجب أن تحكم العالم. والزعيم الوحيد في المنطقة الذي يقاوم الولايات المتحدة هو أردوغان. ونحن على استعداد للتعويض ما دام هو في منصبه". 

وهم في الحقيقة لم يخفوا نيتهم في ضرب عدة عصافير بحجر واحد، بهذه الإجابة، يقول الكاتب.

ولفت قائلا: وفي الوقت الذي كانت فيه العقوبات الروسية المفروضة على تركيا تستمر في قطاع الاقتصاد دون أي تراجع، حدثت محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016 من المتهمة بتنفيذها منظمة غولن بعد رسالة الرئيس أردوغان بوقت قصير. 

وبعد عشرين يوما من قمع محاولة الانقلاب وإعلان حالة الطوارئ، أي في 9 أغسطس/آب 2016، التقى أردوغان وبوتين في سانت بطرسبورغ.

وبينما لم يكن أمرا معتادا في العلاقات الدولية أن يلتقي رئيس الدولتين وجها لوجه بعد اللقاء التي تمت بين الوفود، فقد كان يشير عقد اجتماع ثان في نفس اليوم إلى تقدم الرئيس التركي بمطلب غير عادي وترحيب بوتين بالمحادثات، يقول الكاتب.

ويضيف: وعلى الرغم من أنهم لم يعرفوا ما دار في الاجتماع، لم يكن الذين توقعوا أن يفتح هذا الاجتماع الأبواب أمام تطورات غير عادية، مخطئين.

فقد تمكن الجيش التركي من إيقاف صواريخ إس ـ 400 نتيجة للاتفاق الذي تم التوصل إليه في ذلك الاجتماع، وعبر الحدود لتنفيذ عملية درع الفرات ضد التنظيمات المتمركزة في المنطقة الشمالية الغربية من سوريا في 24 أغسطس/آب 2016.

ليصرح وزير الدفاع التركي وقتها فكري إيشيك في أكتوبر/تشرين الأول أن "حدود البلاد عرضة للهجوم الجوي" وأن بإمكانهم شراء صواريخ إس -400 من روسيا.

 وقد كان يشير تمالك روسيا نفسها أمام مقتل سفيرها في أنقرة أندريه كارلوف أثناء افتتاح معرض في 19 ديسمبر/كانون الأول، إلى مدى عمق وأهمية الخطط المرسومة للعلاقات الثنائية بين الرئيس بوتين وتركيا. 

أما تركيا فقد أظهرت ذات القوة في تمالك نفسها بعد مقتل 57 جنديا تركيا في إدلب على يد القوات العسكرية الروسية في 27 فبراير/شباط 2020، بحسب الكاتب.

وأردف قائلا: وحيث انتهينا، لا بد أن الاتفاقات  الموقعة بين أنقرة وكييف تثير غضب الجانب الروسي في الوقت الذي اشتعلت فيه أزمة دونباس من جديد لنعود إلى العقوبات من جديد وتضاف حلقة أخرى إلى السلسة بحجة وباء كورونا.

وتصاعد التوتر في منطقة "دونباس" منذ أن أعلنت كييف في 26 مارس/آذار 2021 مقتل 4 من جنودها جراء إطلاق نار من قبل انفصاليين موالين لروسيا.

تبع تلك الخطوة بدء روسيا بحشد قواتها العسكرية إلى الحدود مع أوكرانيا خشية انزلاق الأوضاع بدفع أميركي أوروبي، وفق ما تقول موسكو.

يأتي هذا مع أن روسيا لا تملك الحق في الاعتراض على توقيع تركيا لاتفاقات مع أوكرانيا التي لقيت دعما بقيمة 400 مليون دولار من الأسلحة كمساعدة من الدول الغربية، وفق الكاتب.

ويختم علي زاده مقاله قائلا: إن محاولة تحويل هذا إلى عقوبات بشكل مباشر لأمر مثير للاهتمام حقا.

فعلى الرغم من أن أذربيجان كانت أكثر الدول بين بلدان رابطة الدول المستقلة شراء للأسلحة من روسيا في السنوات بين 2010 و2015، لم تنزعج تركيا أو تظهر أي ردة للفعل. إذا لماذا تنزعج موسكو عندما توقع أنقرة اتفاقية شاملة مع أي دولة؟

ويضيف: والآن يتم إعادة السياح الروس الموجودين حاليا في تركيا. ونظرا لأن أنقرة لن تلغي الاتفاقية التي وقعتها، فمن المرجح أن يتم فرض عقوبات اقتصادية جديدة.

 لكن السؤال، هل يمكن لموسكو أن تطرح مطالبها المضادة لتركيا في سوريا على الأجندة؟ سأقول "يمكن أن يحدث أي شيء".