رغم التهديد والسلاح.. هل ينجح العراق في إجراء انتخابات برلمانية مبكرة؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

على وقع قرار الرئيس العراقي برهم صالح تثبيت موعد الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أثيرت تساؤلات عن مدى توفر الظروف الآمنة لإجراء استحقاقات "حرة نزيهة" يتمكن الناخب من خلالها الإدلاء بصوته بكل حرية.

وفي 12 أبريل/نيسان 2021، أصدر صالح مرسوما جمهوريا بإجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، مؤكدا أنها "مهمة ومفصلية وتأسيسية" وتأتي بعد حراك شعبي يطالب بـ"الإصلاح وتصحيح المسارات"، ومشددا على أن تأمين حق العراقيين باختيار ممثليهم "بعيدا عن الضغوط والابتزاز وسرقة أصواتهم" ضرورة قصوى.

وأضاف أن مؤسسات الدولة المعنية وبعد إصدار المرسوم الجمهوري، مدعوة إلى الإسراع في تحقيق متطلبات إجراء انتخابات نزيهة في مختلف مراحلها، وبما يزيل الهواجس والشكوك التي كانت سببا رئيسا في عزوف قطاع ليس بالقليل من المواطنين عن الانتخابات السابقة.

ودعا الرئيس العراقي إلى ضرورة العمل والتنسيق الفاعل والجاد بين الأمم المتحدة ومفوضية الانتخابات لتأمين الرقابة الأممية وضمان نزاهة العملية الانتخابية بما يساهم في نجاحها، وبما يضمن السيادة واحترام القرار المستقل للعراقيين.

جملة معوقات

وحسب مراقبين، فإن أبرز ما يهدد وضع الانتخابات هو السلاح المنفلت وسطوة المليشيات، إذ كان تدخلهم واضحا في الانتخابات السابقة عام 2018، بمنع وصول الناخبين إلى مراكز الانتخاب لإفشال فوز قوى سياسية بعينها، فضلا عن ترهيب الناخب وإجباره على انتخاب مرشحين محددين.

وتعليقا على ذلك، يقول النائب السابق حامد المطلك لـ"الاستقلال": "إذا كانت هناك نية حقيقية من الحكومة باعتبارها السلطة التنفيذية، المسؤولة عن القيادة العامة للقوات المسلحة بكل فروعها الأمنية والاستخبارية، وكانت هناك جدية وتعاون مع القوى السياسية، تستطيع الحكومة أن تنفذ ما تصبو إليه من إجراء انتخابات نزيهة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل".

ورأى المطلك أن "إجراء انتخابات عادلة ونزيهة، يحصل في حال اعتمدت الحكومة النظام البايومتري (بطاقة الناخب) في الانتخابات وليس غيره، وأن تؤكد على الإشراف والمراقبة الدولية، وأن تضع جل اهتمامها على السلاح المنفلت، وتحجيم بعض عناصر السلطة والمال الفاسد من السيطرة على إرادات المواطن".

وأضاف أن "من يسعى لتأخير الانتخابات فإنه يزيد في هيمنته وسيطرته وسرقته للمال العام وتأثيره التبوء في موقع معين بالسلطة، لكن من يريد أن تكون هناك انتخابات عادلة حقيقية عليه أن يتعاون في موضوع حصر السلاح في يد الدولة، والنظام البايومتري، والإشراف الدولي على الانتخابات".

وأكد البرلماني السابق أنه من "الممكن توفير شروط الأمن والبيئة المناسبة لإقامة الانتخابات البرلمانية النزيهة والعادلة، خلال المدة المتبقية ولا يوجد صعوبة في ذلك على الإطلاق لو كانت هناك نوايا حقيقية وجادة من الحكومة والقوى السياسية في توفير ما ذكرته آنفا".

من جهته، قال الكاتب العراقي يحيى الكبيسي في مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" في 14 يناير/كانون الثاني 2021، إن "البرلمان حرص، كالعادة، على ضمان التزوير (بدلا من الحرص على منعه)".

"الحرص البرلماني"، وفق الكبيسي- يتجلى في "الإصرار على شرط استخدام البطاقة الإلكترونية القابلة للتزوير وليس البايومترية التي تمنع التزوير والمنصوص عليها في متن قانون الانتخابات لعام 2019، ومن خلال تقسيم الدوائر الانتخابية وفقا لمصالح الأحزاب السياسية والفاعلين السياسيين المهيمنين على هذا المجلس".

وخلص الكاتب إلى أنه "عندما يرتهن البلد بيد طبقة سياسية تقفز على القوانين والدستور حسب المصالح الشخصية والاتفاقات السياسية التي تحقق هذه المصالح، فمن الطبيعي أن تنتج مفوضيات انتخابات مسيسة وتابعة للأحزاب، ومن المنطق أن يكون الحديث عن انتخابات نزيهة وشفافة وعادلة محض خرافة أخرى من خرافات السياسة في العراق".

استهداف المرشحين

عقب إصدار الرئيس العراقي، مرسوما يقضي بإجراء الانتخابات في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، تعالت أصوات من قوى سياسية تنادي بـ"ضرورة تأجيل إعلان أسماء المرشحين حرصا على حياتهم من التصفية قبل بدء مرحلة التصويت".

وأكد البرلماني عباس صروط، خلال تصريحات صحفية في 13 أبريل/نيسان الجاري، خشية الكتل السياسية من إعلان أسماء مرشحيها لخوض الانتخابات البرلمانية المبكرة.

وأوضح صروط أن "هناك خشية على المرشحين، خصوصا أن الانتخابات المقبلة ستكون عبر الدائرة المتعددة، على أن يكون لكل كتلة مرشح واحد في الدائرة الواحدة".

وتبعا لذلك، اعتبر النائب أنه "إذا تعرض أي مرشح لاستهداف ما، فستخسر الكتلة التي رشحته مقعدا محتملا لها"، مشيرا إلى أن "الكشف عن مرشحي القوى السياسية سيتم في وقت قريب جدا من موعد الانتخابات" لهذا السبب.

ولفت صروط إلى أن "بعض القوى السياسية لم تحسم بعد اختيار مرشحيها لبعض الدوائر الانتخابية، خصوصا مع استمرار المفاوضات حول تشكيل التحالفات".

وفي مقال للكاتب العراقي حميد الكفائي نشره عبر موقع "سكاي نيوز" في 10 يناير/كانون الثاني 2021، قال إن "الأمر الخطير الذي لم تلجأ إليه الجماعات المسلحة سابقا، لأن المنافسات كانت محصورة بينها، هو تصفية المرشحين المنافسين جسديا، وقد قتلت شخصيات لها مكانة اجتماعية وقدرة سياسية، لمجرد أنها أعلنت نيتها الترشح في الانتخابات".

وأضاف أن "الحكومة الحالية لم تتخذ إجراء معلوما حول الجرائم اليومية التي ترتكب بحق المرشحين، ولم تقدم أحدا للمحاكمة بخصوص الاغتيالات الأخيرة للمرشحين والناشطين، أو عشرات المخطوفين، وبعضهم شخصيات ثقافية معروفة مثل توفيق التميمي ومازن لطيف".

وتابع الكفائي: "كل الذي نسمعه من المسؤولين هو الحديث عن الانتخابات المبكرة، وكأن هذا هو الإنجاز الأعظم، بينما تهمل الحكومة أهم واجباتها وهو حماية حياة المواطنين وتوفير الأمن لهم، ناهيك عن إقامة العدل وتوفير الوظائف والإيفاء بالتزامات الدولة تجاه الفقراء".

ورأى أن "قتل المرشحين من الأحزاب والتوجهات الجديدة عمل ممنهج ومنظم، والذين يقفون وراءه معروفون، وقد أعلنت الحكومة أنها تمكنت من القبض على قتلة أحد المرشحين في بغداد، المحامي عبد المنعم رشيد السلماني، الذي اغتيل في عملية غادرة أمام باب منزله في ديسمبر/ كانون الأول 2020".

وأشار الكفائي إلى أن "كاميرا منزل السلماني وثقت العملية الإجرامية بتفاصيلها، لكننا لم نسمع عن نتائج التحقيق في مقتله، ومن هي الجهة التي أمرت بقتله، ومن هم الأشخاص الذين نفذوا هذه العملية الإجرامية، التي يجب أن تكشف تفاصيلها للرأي العام".

وتابع: "مرشحون محتملون آخرون قتلوا في محافظات أخرى، وهذا يعني أن أي حزب جديد لا يمتلك مليشيا لحماية أعضائه ومرشحيه، لن يكون قادرا على التنافس، بل لن يجرؤ أحد على الترشح من خارج المنظومة الحالية التي تمتلك مليشيات مسلحة لحماية قادتها وأعضائها".

ولفت إلى أن "العراقيين الغاضبين من الفساد والفشل والتبعية لإيران، لم يقتلوا أيا من المسؤولين الحاليين المتهمين بالسرقة والفساد والقتل وانتهاك القوانين".

وأشار الكفائي إلى أن "الحكومة تحمي أفرادها ومرشحي الحزب الذي يعكف مقربون من رئيس الحكومة على تشكيله، أما الأحزاب الجديدة فهي تخاطر بأعضائها وقادتها، لذلك فإن نتائج الانتخابات المقبلة معروفة سلفا".

مرحلة حساسة

في المقابل، فإنه يسود اعتقاد في الأوساط السياسية بتخوف جدي من خسارة متوقعة كلية أو جزئية للكتل والأحزاب السياسية المتنفذة- التي تمسك بالسلطة منذ عام 2003- في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وفي هذه النقطة، توقع الكاتب رائد الحامد خلال مقال نشرته وكالة "الأناضول" التركية في 8 فبراير/شباط 2021، أن "يكون للمشاركة الشعبية الواسعة والشباب منهم بشكل خاص، أثرها الواقعي على نتائج الانتخابات لصالح المرشحين المستقلين عن الأحزاب والكتل السياسية، أو لصالح أحزاب ينتظر الإعلان عنها من أوساط المحتجين أو بدعم منهم".

ورأى أنه "من غير المستبعد أن تلجأ الجهات المعنية بالانتخابات -الحكومة والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات- إلى تأجيلها مرة أخرى لموعد لاحق غير الموعد المحدد في التأجيل الأول، ما يرجح احتمالات إلغائها والذهاب إلى إكمال الدورة التشريعية الرابعة للبرلمان التي تنتهي في سبتمبر/أيلول 2022".

وتابع الحامد قائلا: "كما أن تأجيلها عن موعدها الجديد، سيؤدي إلى إلغائها بضغط من المحتجين المتوقع عودتهم إلى ساحات الاعتصام للمطالبة بحل البرلمان وإسقاط رئيس الوزراء الذي ينظر إليه بأنه جاء بضغط منهم، لإجراء انتخابات مبكرة، وبالتالي هم قادرون على إسقاطه".

ويبلغ عدد سكان العراق 40 مليونا و150 ألف نسمة، حسب إحصائية أصدرتها وزارة التخطيط أوائل يناير/كانون الثاني 2021.

وتشير تقديرات مراكز بحثية محلية مهتمة، أن ما يزيد عن 25 مليون عراقي يحق لهم التصويت بعد إضافة مواليد أعوام 2001 و2002 و2003 لبلوغهم السن القانونية للمشاركة بالاقتراع، أي 18 عاما وفق مواد الدستور لسنة 2005.

ويشكل الشباب النسبة الأكبر من الذين يحق لهم التصويت، ومعظمهم ممن شاركوا في الاحتجاجات، ما يمثل تهديدا جديا لمستقبل الأحزاب السياسية المهيمنة على القرار طيلة 18 عاما.

ووفقا لبيانات رسمية صادرة عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فإن هناك 231 حزبا مرخصا له رسميا حتى الأول من فبراير/شباط 2021، ستشارك في الانتخابات البرلمانية المقبلة.