مركز تركي يشرح العلاقات السياسية والاقتصادية بين المغرب والصين

12

طباعة

مشاركة

قال مركز تركي إن "الصين عززت وجودها في شمال إفريقيا من حيث التجارة والاستثمار في العقدين الماضيين بشكل كبير، وكان المغرب الذي يتمتع بأهمية كبيرة من حيث الموقع الجغرافي الإستراتيجي، أحد البلدان الذي طورت إدارة بكين العلاقات معه في شمال إفريقيا".

وأضاف مركز "أنقرة لدراسة السياسات والأزمات" في مقال للكاتب غوكتوغ تشاليشكان أنه "انطلاقا من هذا، قد يكون مصطلح البراغماتية أفضل كلمة يمكن استخدامها لوصف العلاقات الصينية المغربية؛ ذلك لأن كلا الجانبين يدرك أهمية الآخر ويحاول كل منهما تطوير العلاقات الثنائية بناء على المنفعة المتبادلة".

ويرى تشاليشكان أن "الصين عازمة على مواصلة جهودها لإقامة علاقات جيدة مع المغرب رغم أنها تعلم أن المملكة دولة قريبة من الغرب، لما تتميز به من موقع جيوسياسي".

وأضاف أن "الصين ترحب بعلاقات المغرب مع الدول العربية في الخليج وعضويتها في الاتحاد الإفريقي وعلاقاتها الدبلوماسية مع إفريقيا جنوب الصحراء، الأمر الذي يزيد في أهميتها".

استقطاب وجذب

وقال تشاليشكان: "لقد حافظت العلاقات الصينية المغربية على استقرارها بشكل عام، فكان هناك العديد من الزيارات الرسمية رفيعة المستوى بين البلدين، وكان من الملاحظ أن الصين والمغرب تتبعان سياسة حذرة ولا تتدخلان في شؤون بعضهما البعض الداخلية".

وتابع: "وهذا ما دفع الصين إلى دعم الاستقرار السياسي للمغرب، فمثلا أدلت إدارة بكين بتصريحات تدعم إدارة الرباط خلال احتجاجات 2011".

وأشار تشاليشكان إلى أنه "وفي انعكاس مباشر لهذا، كان المغرب أول دولة في المنطقة يوقع اتفاقا مع الصين في سياق مشروع الحزام والطريق، ويمكن القول إن هذا قد حسن الاقتصاد المغربي بشكل كبير".

وتابع: "فقد بدأت العديد من الشركات الصينية تستثمر في المغرب، إضافة إلى أن موقع المغرب الجغرافي والذي يعتبر بمثابة جسر، يؤدي إلى تزايد عدد الشركات الصينية في المنطقة بشكل مطرد يوما بعد يوم".

وكما هو معروف يحاول ملك المغرب محمد السادس إعادة تشكيل السياسة الخارجية لبلاده، لذلك يعمل على استقطاب وجذب الاستثمارات التجارية من الشرق أيضا رغم أن المغرب يقع قرب الغرب، وعليه، بدأ في استقبال الاستثمارات الصينية لتزداد بشكل ملحوظ بين عامي 2011 و2015، وفقا للكاتب التركي.

وأوضح قائلا: "زاد إجمالي استثمارات الصين بنسبة 195 بالمائة خلال 4 سنوات مع الاستثمار الذي قامت به في مشروع محطة نور للطاقة الشمسية عام 2014، تبعه إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ والملك محمد  السادس عن شراكة إستراتيجية بين البلدين عام 2016.

وتابع: "تم توقيع العديد من الاتفاقيات بين الرئيسين حول التعاون بين البلدين في مختلف القطاعات، ليصل حجم التجارة بين بكين والرباط إلى 5.3 مليارات دولار في 2018، بعد أن كان يبلغ 4 مليارات دولار عام 2016".

جدير بالذكر أن صادرات الصين إلى المغرب تشكل الجزء الأكبر من حجم التجارة، حيث بلغت حصتها في إجمالي واردات المغرب 10.4 بالمائة عام 2019 بعد أن كانت 7.5 بالمائة عام 2014، في الوقت الذي بقيت فيه صادرات المغرب إلى الصين في مستوى منخفض، يقول الكاتب.

وبحسب تقارير إعلامية دولية، شاركت أكثر من 30 شركة صينية في المشاريع التي تم تنفيذها في المغرب بين عامي 2000 و2012، شملت توقيع اتفاقية بقيمة 248 مليون دولار مع بنك "إكزيم" الصيني من أجل بناء طريق سريع عام 2011.

وأيضا مشاريع مستشفيات سيتم تنفيذها في مناطق مختلفة من المغرب، واتفاقية قرض بقيمة 150 مليون يوان لثمانية مشاريع بناء سيتم تنفيذها في العاصمة الرباط.

كما أعلن المغرب عن صفقة بقيمة 10 مليارات دولار لإقامة مركز اقتصادي جديد في الشمال بمساعدة مؤسسات التنمية والشركات الصينية، بما في ذلك البنك المغربي للتجارة الخارجية لإفريقيا في عام 2016.

وينوه الكاتب التركي إلى أنه "تم إنشاء 3 معاهد (كونفوشيوس) في المغرب مع تقدم العلاقات الصينية المغربية، تم افتتاح أولها في جامعة محمد الخامس في 2008، أما ثانيها فقد افتتح في جامعة الحسن الثاني عام 2012 فيما كان ثالثها في جامعة عبد الملك السعدي عام 2016". 

وأضاف أن "المغرب قرر في نفس العام إلغاء التأشيرة المطبقة على الصينيين ليتزايد عدد السياح القادمين من الصين ويصل إلى 6 أضعاف ما كان عليه في غضون عامين، إلى جانب أن المغرب شارك في تجارب المرحلة الثالثة للقاح الصيني سينوفارم المضاد لوباء كوفيدـ19، وبدأت في استخدام اللقاح بعد شرائه عقب نجاح هذه الدراسات". 

مصالح مشتركة

واستدرك تشاليشكان: "أما في قضية الصحراء الغربية التي تهم المغرب بشكل كبير، فتحافظ الصين على موقف الحياد حيالها، وفي هذا السياق، لا تعترف الصين بسيادة أي من الجهتين على الأرض المعنية؛ لا جبهة البوليساريو ولا المغرب".

ووفقا لقرارات الأمم المتحدة التي تدعمها الصين، يجب الوصول إلى حل سياسي عملي واقعي دائم وقائم على التوافق في مشكلة الصحراء الغربية، وهكذا وبما أن للصين علاقات طيبة مع الجزائر، التي تدعم حركة الاستقلال لجبهة البوليساريو ولا تريد إفسادها، فهي لا تبالي أو تتخذ موقفا تجاه قضية الصحراء الغربية، بحسب الكاتب.

وأضاف: "وكما هو متوقع، تحاول الصين تحسين علاقاتها مع دول المغرب من أجل تنفيذ مشروع الحزام والطريق، ولهذا تريد التوسط بين المغرب والجزائر من أجل تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين".

وشرح ذلك بالقول: "ذلك لأن المشاكل بين الجزائر والمغرب يمكن أن تهدد المصالح الاقتصادية والجيوسياسية للصين في المنطقة، وهكذا تعتقد الصين أنه من الضروري أن يتوصل هذان البلدان إلى حل وسط حتى يتم تنفيذ وتشغيل مشروع الحزام والطريق في شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط ​​بشكل صحيح".

واعتبر الكاتب أن "تطوير العلاقات الاقتصادية مع الصين يشكل أحد ملامح رؤية المغرب العالمية لجذب الاستثمار الأجنبي، بما أن إقامة شراكة إستراتيجية وتنويع الاقتصاد وزيادة الاستثمارات في البلاد وجذب أكبر عدد من البلدان إلى المغرب من أجل القيام بأعمال تجارية تمثل الأولويات الرئيسة لإدارة الرباط".

وأكد قائلا: "لكن هذا لا يعني أن المغرب قد أضعف من علاقاته مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة... بل يواصل العمل مع الغرب أيضا؛ حيث يغطي الاتحاد الأوروبي أكثر من نصف واردات المغرب وما يقرب من ثلثي صادراته، وهو لا يزال الشريك التجاري الرئيس للمغرب". 

وقد قال الملك محمد السادس حول هذا الموضوع: "المغرب حر في قراراته وخياراته وليس محمية تابعة لأي بلد وسيواصل الوفاء بالتزاماته تجاه شركائه".

وعلق تشاليشكان: "وهكذا وبينما تحاول إدارة الرباط تطوير علاقاتها مع الصين من أجل جذب الاستثمارات إلى البلاد وزيادة تأثيرها الجيوسياسي من خلال مشروع الحزام والطريق، تحاول إدارة بكين تحسين علاقاتها مع المغرب والجزائر".

وأرجع ذلك إلى "هدف بكين كسب نفوذ في المنطقة من خلال زيادة مكاسبها في شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط ​​وتنفيذ الاستثمارات التي يتطلبها مشروع الحزام والطريق في هذه المنطقة".

وختم تشاليشكان مقاله بالقول: إن "العلاقة البراغماتية بين الطرفين تظهر أن التطبيع الذي سيتم في ظروف جائحة كورونا سينعكس على علاقات بكين والرباط أيضا رغم أن حجم التجارة بين البلدين قد انخفض بسبب الظروف الوبائية". 


المصادر