إقالته مسألة وقت.. كيف دخل وزير إعلام السيسي إلى "عش الدبابير"؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن نهاية وزير الإعلام المصري أسامة هيكل قد اقتربت بعد أن دخل إلى عش الدبابير فأصابته لدغة المقدم أحمد شعبان الذي يدير الملف الإعلامي مدعوما من نائب رئيس جهاز المخابرات العامة محمود السيسي، نجل رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.

في 30 مارس/ آذار 2021، وافق مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) بغالبية أعضائه، على تفويض رئيس المجلس حنفي جبالي، ووكيليه، في تحديد موعد لمناقشة استجواب لسحب الثقة من وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل، واتهامه بالفساد المالي والإداري.

الصراع بين الوزير وضابط المخابرات أحمد شعبان ليس وليد اليوم بل بدأ قبل نحو 5 سنوات تقريبا، وكان السبب الرئيس لهذا الصراع هو عدم رغبة شعبان في مشاركة ملف الإعلام مع آخرين، حسب ما نشرت صحف ومواقع محلية ودولية.

اختير هيكل وزيرا للإعلام في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 لمدة 6 أشهر، خلال حكومة عصام شرف، وبعد انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، تولى رئاسة لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان، ثم تولى إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي منذ عام 2014، إلى أن أصبح وزيرا للإعلام في آخر وزارة شكلها السيسي.

مسألة وقت

حسب موقع "مدى مصر" فإن "الإطاحة بهيكل وإلغاء وزارته أصبحت مسألة وقت. وأجهزة الدولة أمامها خياران أولهما، وهو الأكثر ترجيحا، إجراء السيسي تعديلا وزاريا يطيح بعدد محدود من الوزراء بينهم هيكل، وعرض الأمر على البرلمان قبل إعلانه موعد مناقشة الاستجواب".

أما الخيار الثاني، وفق "مدى مصر" فهو ترك الأمر للنواب بتحديد رئيسه موعدا لمناقشة الاستجواب خلال الأيام المقبلة. مشددا على أن "المتعارف عليه أن الحكومة لا تعطي للبرلمان فرصة سحب الثقة من أي من وزرائها".

ودلل الموقع أن "الاستجواب الوحيد الذي قبله البرلمان السابق من حيث الشكل وحدد موعدا لمناقشته كان لسحب الثقة من وزير التموين خالد حنفي بسبب إهدار المال العام في صفقات لاستيراد القمح، والذي استبقته الحكومة بإعلانها قبول استقالة حنفي، قبل 3 أيام من موعد مناقشة الاستجواب".

وفي 13 فبراير/ شباط 2021، أعلنت لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، برئاسة درية شرف الدين، اعتراضها على أداء وزير الدولة للإعلام، وأوصت في تقرير لها بإلغاء الوزارة ومساءلة هيكل ماليا وإداريا عما ارتكبه من مخالفات وإهدار للمال العام.

واستدل التقرير بتصريحات هيكل بشأن تفوق الإعلام الإثيوبي على نظيره المصري أثناء المفاوضات بشأن سد النهضة في الولايات المتحدة الأميركية، فضلا عن حديثه حول فشل الإعلام الرسمي في الوصول لفئة الشباب.

تحت المقصلة 

بوادر المعركة بين شعبان والأذرع الإعلامية من جهة، وهيكل من جهة أخرى، بدأت تظهر يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2020، عندما قال هيكل في تصريح: "الأعمار أقل من 35 سنة، ويمثلون حوالي 60 أو 65 بالمئة من المجتمع، لا يقرؤون الصحف ولا يشاهدون التلفزيون، وبالتالي من المهم التفكير في نمط حياة هذه الفئات".

في نفس اليوم انطلقت سهام الهجوم والنقد والتشكيك في ولاء الوزير، لنظام السيسي، بل وصلت إلى حد اتهامه بمحاباة جماعة الإخوان المسلمين المناهضة للسلطة القائمة والعمل لصالح أجندتهم.

هيكل رد على موجة الهجوم عليه قائلا: "صدرت الأوامر بشن حملة جديدة على شخصي.. بعد حملة سابقة منذ شهرين. ففي توقيت واحد، وبنفس الكلمات، شنت أقلام معروف للكافة من يحركها بالتساؤلات نفسها حول ماذا فعلت منذ توليت المسؤولية؟ ولماذا لا أصمت؟ ولماذا لا أبحث عن وظيفة أخرى؟ وأحدهم يتهمني بأنني بتصريحاتي سأتسبب في عدم إقبال المعلنين على الإعلان في الصحف".

وقتها انبرت صحف محلية تابعة لجهاز المخابرات العامة ووصفت هيكل بأنه "أداة في يد جماعة الإخوان المسلمين".

مسلسل الهجوم الشامل على هيكل لم يتوقف عند التراشقات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو البرامج، بل امتد إلى أروقة أخرى، حيث طالبت عضوة الهيئة الوطنية للصحافة فاطمة سيد أحمد، السيسي بإقالة الوزير، الذي "حنث بالقسم" حسب وصفها، وقدم مادة خصبة لـ "الإعلام المعادي".

كما اعتبر نقيب الإعلاميين طارق سعدة تصريحات هيكل بأنها "أداة لهدم الإعلام المصري"، كما تعرض الوزير إلى هجوم حاد على لسان المذيع وائل الإبراشي عبر برنامجه الرئيس "البيت بيتك" بالقناة الأولى في التلفزيون الرسمي.

البعض وصف المعركة الطاحنة بين أسامة هيكل وجوقة إعلاميي النظام، أنها في حقيقتها تدخل ضمن دائرة الصراع بين جناحين في السلطة، ما أكدته مجموعة من الأحداث في الفترات الأخيرة.

المغضوب عليه

مصدر داخل ماسبيرو (مبنى الإذاعة والتليفزيون) قال لـ"الاستقلال": "الوضع داخل ماسبيرو ومدينة الإنتاج الإعلامي لا يخضع تماما لوزير الإعلام من حيث إدارة المحتوى أو المشاركة في وضع الخريطة البرامجية أو حتى السيطرة الإدارية البيروقراطية المتعارف عليها، وإنما يخضع بشكل مباشر لسيطرة جهاز المخابرات، وبعض اللواءات المتقاعدين الذين يعملون كمستشارين في ماسبيرو أو داخل وزارة الإعلام نفسها". 

وأضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته لدواع أمنية: "هناك وحدة مراقبة كاملة من خارج ماسبيرو مكونة من ضباط ورجال قانون ومترجمين للإنجليزية والفرنسية، مقيمة بشكل كامل داخل المبنى منذ قرابة عامين، وتعمل بشكل خاص بعيدا عن الإدارة والوحدات العاملة، ولا يعرف حتى الآن طبيعة عملها ولا المهام المنوطة بها".

وتابع: "المقدم أحمد شعبان هو أقوى رجال جهاز الإعلام الحكومي والمتخصص، وكل فرد يعمل داخل الجهاز يعرف هذه الحقيقة جيدا، فهو المتحكم الرئيس في المحتوى وشركات الإنتاج والإعلانات، وفي المقدمين والمذيعين، بالإضافة إلى المناصب الإدارية كلها لا تخرج عن سيطرته وسيطرة رجاله".

وأردف: "يظهر هذا جليا في القرارات الصادرة بشكل دوري، بداية من استبعاد بعض الإعلاميين وإظهار البعض الآخر، كما حدث مع تامر أمين مؤخرا، ونقل بعض المخرجين ومديري قطاع الإنتاج من القنوات أو إحالتهم للتقاعد أو انتدابهم إلى أماكن ودرجات أقل، كل ذلك بعلم وأمر المقدم شعبان". 

المصدر أكد أن "أسامة هيكل لا يملك القدرة لإحداث تغيير أو حتى زحزحة مذيع من مكانه، فضلا عن وضع خطط المحتوى أو هيكلة قنوات أو إصدار أوامر لأي جهة إعلامية عاملة في زمام الوزارة".

وختم حديثه بالقول: "هيكل كانت وضعيته أفضل ونفوذه أكثر عندما كان رئيسا لمدينة الإنتاج الإعلامي، أما الآن فهو من المغضوب عليهم وستتم الإطاحة به قريبا".

ضربات أخرى

لا ينفصل التنكيل بوزير الإعلام، عن ضربات أخرى وجهت لأكاديميين إعلاميين عملوا تحت مظلة النظام أيضا، ففي 30 مارس/ آذار 2021، نفس يوم إعلان مجلس النواب مناقشة سحب الثقة من هيكل، أعلنت كلية الإعلام بجامعة القاهرة، إيقاف أستاذ جامعي عن العمل.

الكلية أشارت في بيانها أن الدكتور أيمن منصور ندا رئيس قسم الإذاعة والتليفزيون، بانتظار استكمال التحقيق الداخلي معه حول واقعة تعديه على وكيل الكلية الأسبق، وخروجه عن التقاليد والأعراف الجامعية.

كان ندا قد بدأ في 20 فبراير/ شباط 2021، نشر سلسلة مقالات على فيسبوك، وجه فيها انتقادات شديدة لأشهر الشخصيات الإعلامية التي تعمل في عدد من القنوات الخاصة، مثل عمرو أديب وأحمد موسى ونشأت الديهي، كما انتقد دور الأجهزة الرسمية في السيطرة وتوجيه الصحفيين والإعلاميين، خاصة المقدم أحمد شعبان.

الأكاديمي تحدث عن دور شعبان قائلا: "هناك من يحرك كل العرائس، كل الدلائل تشير إلى رجل واحد، وكل الإشارات تتجه إليه، هو صاحب لقب رئيس تحرير إعلام مصر، والرئيس التنفيذي لمصر، في المجال الإعلامي: المقدم أحمد شعبان".

وأضاف: "في المجال الإعلامي، أحمد شعبان لا شريك له، أحد، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، يهب الملك والنفوذ لمن يشاء، وينزعه ممن يشاء، وهو على كل شيء قدير، بأوامره تدار المنظومة الإعلامية، وبرؤيته تتم معالجة كل القضايا، علاقاته ممتدة، ونفوذه متسع، وسلطانه قوي، وله شخصية قائدة تفرض سطوتها على الجميع".

وتابع: "كل المستبعدين من العمل الإعلامي يكرهون الرجل، ويعرفون أنه وراء ذلك، ولا أحد غيره، وكل العاملين في المجال يخشون غضبته، ويرقبون إشاراته، وينفذون حرفيا تعليماته، وكثير منهم يتطوع، ويجود في تنفيذها ويضيف لها، في محاولة لكسب وده، أو على الأقل اتقاء شره". 

مقالات ندا أثارت حفيظة النظام، وانطلق إعلاميو السيسي الذين تعرضوا للنقد في الهجوم على أستاذ الإعلام، مستخدمين عبارات وصفات قاسية ضد أستاذ الإعلام، بالإضافة إلى مؤسسات وهيئات إعلامية تقدمت ببلاغات إلى النائب العام ضد ما أسموه "تجاوزات ندا في حق الإعلام والإعلاميين".