بين هيكل وأقرانه.. دلالات معركة تكسير العظام في أروقة الإعلام المصري

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

معركة تكسير العظام الطاحنة المنصوبة حاليا بين أذرع نظام عبد الفتاح السيسي الإعلامية لها دلالات شتى وأوجه مختلفة، وتظهر طبيعة الخلافات والصراعات المتشابكة بين أقطاب النظام ومؤسساته ورجاله.

تصريح مقتضب أطلقه وزير الإعلام المصري أسامة هيكل كان كفيلا بإشعال حرب ضروس بينه وبين أقرانه الإعلاميين من رجال السيسي والمقربين له، فيما اعتبرها البعض رياحا تسبق عاصفة تغييرات قد يحدثها السيسي في بنية نظامه قريبا.

هيكل قال في تصريحه: "الأعمار أقل من 35 سنة، ويمثلوا حوالي 60 أو 65 % من المجتمع، لا يقرؤون الصحف ولا يشاهدون التلفزيون، وبالتالي من المهم التفكير في نمط حياة هذه الفئات". 

بمجرد إطلاق هيكل هذا التصريح، انطلقت سهام الهجوم والنقد والتشكيك في ولائه لنظام السيسي ورئيسه، بل وصلت إلى حد اتهامه بمحاباة جماعة الإخوان المسلمين المناهضة للسلطة القائمة والعمل لصالح أجندتهم.

تراشقات مريبة 

في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، نشر هيكل منشورا عبر فيسبوك حول طبيعة المعركة الشرسة التي تدور بينه وبين رؤساء تحرير الصحف، وعدد من الإعلاميين التابعين للنظام.

هيكل قال: "صدرت الأوامر بشن حملة جديدة على شخصي.. بعد حملة سابقة منذ شهرين. ففي توقيت واحد، وبنفس الكلمات، شنت أقلام معروف للكافة من يحركها بالتساؤلات نفسها حول ماذا فعلت منذ توليت المسؤولية؟ ولماذا لا أصمت؟ ولماذا لا أبحث عن وظيفة أخرى؟ وأحدهم يتهمني بأنني بتصريحاتي سأتسبب في عدم إقبال المعلنين على الإعلان في الصحف".

محمد الباز رئيس تحرير جريدة الدستور، كان أول من انبرى قلمه لشن هجوم حاد على هيكل قائلا: "هيكل يردد مقولات (إعلام الأعداء)، قاصدا الفضائيات المصرية المعارضة بالخارج، ويقدم لهم مادة خصبة للنيل من سمعة الإعلام المصري".

وأضاف: "سيادتك عاوز تشتغل منظراتي على خلق الله وسايبنا فى معركة وطنية كبيرة دفاعا عن وعي مصر والمصريين وقاعد ترمي الناس بالطوب".

صحف محلية تابعة لجهاز المخابرات العامة وصفت هيكل بأنه "أداة في يد جماعة الإخوان المسلمين"، ليخرج هيكل عن صمته ويضع صورة من تغريدات وتدوينات مهاجميه من أمثال خالد صلاح (رئيس تحرير اليوم السابع)، ومحمد الباز، ودندراوي الهواري (نائب رئيس تحرير اليوم السابع)، ويكتب "مرة أخرى لن أرد على هؤلاء جميعا.. ولكن أنتم الممنوعون من الكتابة عن وزارة الدولة للإعلام إلا نقدا".

وأضاف: "عندما يتم السماح لكم بالتواصل مع وزارة الدولة للإعلام ووزيرها ربما تعرفون ماذا فعلت الوزارة خلال 9 شهور مضت حينما يسمح لكم، أهلا وسهلا ومكتبي مفتوح للكافة. وحتى لو أردتم عدم النشر". 

ثم اختتم قائلا: "أما إذا اخترتم الاستمرار على نفس النهج، فمن حقي الرد وإيضاح الصورة، فلست مضطرا لتحمل أخطاء إعلامية يرتكبها آخرون".

 

ابن مبارك

سلسلة الهجوم الشامل على أسامة هيكل لم تتوقف عند التراشقات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو البرامج، بل امتدت إلى أروقة أخرى، حيث طالبت عضوة الهيئة الوطنية للصحافة فاطمة سيد أحمد، السيسي بإقالة الوزير، الذي "حنث بالقسم" حسب وصفها، وقدم مادة خصبة لـ "الإعلام المعادي".

كما اعتبر نقيب الإعلاميين طارق سعدة تصريحات هيكل بأنها "أداة لهدم الإعلام المصري"، كما تعرض الوزير إلى هجوم حاد على لسان المذيع وائل الإبراشي عبر برنامجه الرئيسي "البيت بيتك" بالقناة الأولى في التلفزيون الرسمي.

الإبراشي قال: "كنا في هذا البرنامج أول من هاجمهم أسامة هيكل، ولم يكن هجوما لمجرد الهجوم، ولكننا قلنا إنه أصبح وزير الكورونا ولم يعد يهتم إلا بالتلميع في المؤتمرات الصحفية التي تعقدها الحكومة، وقلنا إن هذا ليس مهمة وزير الإعلام كون الإعلام تحول إلى صناعة تواجه السوشيال ميديا ومنابر الإخوان".

المثير للغرابة هو أن هيكل الذي يتعرض الآن لحملة هجوم ضارية من أقرانه هو صاحب تاريخ طويل في خدمة الأنظمة الحاكمة في مصر، ومن المحسوبين بقوة على نظام الرئيس الراحل المخلوع حسني مبارك، والأهم منه المجلس العسكري.

اختير هيكل وزيرا للإعلام في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 لمدة 6 أشهر، خلال وزارة عصام شرف، وبعد انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، تولى رئاسة لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان، ثم تولى إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي منذ عام 2014، إلى أن أصبح وزيرا للإعلام في آخر وزارة شكلها السيسي.

 

حراك سبتمبر

لا يمكن فصل تعيين هيكل وزيرا للإعلام في عهد السيسي وتحديدا منذ 22 ديسمبر/ كانون الأول 2019، عن حراك 20 سبتمبر/ أيلول 2019، الذي قض مضاجع السيسي وأقلق نظامه، ودفعه إلى عمل تسويات على مستويات رفيعة داخل الدولة، لا سيما مع الجيش والدولة العميقة وأبناء دولة مبارك. 

صحيفة "الاستقلال" نشرت ورقة بحثية يوم 16 فبراير/ شباط 2020، تحت عنوان "المؤسسة العسكرية المصرية وحراك 20 سبتمبر.. سياقات الأزمة ومؤشرات التسوية"، وتناولت خلالها تداعيات حراك 20 سبتمبر على نظام السيسي.

الورقة ذكرت أنه "لا شك أن حراك الجماهير المصرية في 20 سبتمبر/ أيلول 2019، جعل السيسي، ومن يقف خلفه داخليا وإقليميا ودوليا، يدرك أن مسألة استمرار تماسك نظامه أصبحت في خطر، ومكمن الخطر ليس حراك الشارع فقط، بل حجم التململ الذي وصل إلى قطاعات عسكرية كبيرة، على خلفية السياسات المتبعة من رأس النظام المصري".

وفيما يخص هندسة الملف الإعلامي الذي قام به السيسي للتسوية مع بقية مكونات الدولة، أوردت أنه: "بحسب التقارير والتسريبات الغربية والعربية، التي كشفت خطط ومساعي نظام السيسي لهيكلة الإعلام، ومنع أي قناة أو وسيلة إعلامية تغرد خارج السرب أو تنقل رسالة ورؤية مغايرة لرؤية وإرادة رأس السلطة".

وقالت: "الملف الإعلامي ظل يمثل حالة قلق مستمرة داخل أروقة النظام، ويعبر عن حجم الخلافات في بنية السلطة، ومن الدلالات، ذلك الكم من التغييرات والإقالات للمسؤولين عن الملف، ومنهم العقيد أحمد شعبان الذي تم إبعاده، وضابط المخابرات ياسر سليم الذي قبض عليه في ظروف غامضة".

مصادر مقربة من الدوائر الأمنية، أوضحت أنه تمت الإطاحة بمسؤولي مكتب الإعلام في مكتب اللواء عباس كامل، وهما المقدم أحمد شعبان، مسؤول ملف الإعلام ومدير مكتب كامل، والمقدم محمد فايز أحد المسؤولين عن ملف الإعلام بالمخابرات.

هذه القرارات لم تكن بمعزل عن قرار إبعاد أو تحجيم نفوذ محمود نجل السيسي،  بعد أن وصلت سيطرته وهيمنته إلى مساحات بعيدة في الدولة، وتحديدا داخل جهاز المخابرات العامة، الذي يرأسه اللواء عباس كامل، أقرب المقربين إلى السيسي.

وفق متابعين، فإن عودة أسامة هيكل إلى وزارة الإعلام كانت بمثابة الإعلان عن تسوية ما مع أقطاب دولة مبارك، ورجال المجلس العسكري الذين حكموا الدولة بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

هجوم أذرع السيسي الإعلامية على هيكل بهذه الطريقة، يبعث بإشارات أن رئيس النظام أراد تقويض وتجاوز ما حققه من تسويات ما بعد حراك 20 سبتمبر/ أيلول 2019، وبدأ الانقلاب عليه بشكل فعلي، خاصة وأن هؤلاء الإعلاميين لا يتحركون بمعزل أو دون أوامر ضباط المخابرات وأجهزة الدولة، التي تأمرهم فيفعلون.

إعلاميو السامسونج 

الصحفي المصري المعارض قطب العربي، كتب عبر صفحته بفيسبوك قائلا: "المعركة الطاحنة بين أسامة هيكل وجوقة إعلاميي السامسونج هي في حقيقتها معركة بين جناحين في السلطة.

مضيفا: "الجوقة خرجت بتعليمات صدرت لها من صاحب هاتف السامسونج إياه (الضابط فلان) فانطلقوا ينهشون لحم أسامة هيكل بسبب تصريحه عن انفضاض الناس عن مشاهدة التلفزيون وقراءة الصحف الرسمية".

وتابع العربي: "عموما دعونا نستمتع بالمشاهدة، لنعرف أي الجهتين ستنتصر، وهل هي معركة للتخلص من هيكل بعد أن أدى دوره؟ أم سيستقوي هيكل بالسيسي مجددا".

بينما وصف أحمد مولانا، الباحث المصري المتخصص في الأمن السياسي، الأمر بأن "وزير الإعلام في نظام السيسي يرد على أجنحة مناهضة له داخل النظام".