التطبيع مع إسرائيل.. هل يمنع بايدن من سحب الاعتراف بـ"مغربية الصحراء"؟
.jpg)
استثنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المملكة المغربية من "قمة المناخ" الافتراضية، التي عقدت في 22-23 أبريل/ نيسان 2021، والتي استدعي لها 40 زعيما لمناقشة سبل مكافحة تغيرات المناخ.
وتهدف إدارة بايدن من خلال هذه القمة إلى التأكيد على عودة الالتزام الأميركي فيما يخص محاربة تغير المناخ، والذي تراجع عنه الرئيس السابق دونالد ترامب.
يعتبر المغرب واحدا من الدول الملتزمة بمكافحة تغيرات المناخ، وقد احتضن في سنة 2016 مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب 22) بمدينة مراكش (جنوب)، بمشاركة عدد من قادة العالم.
إقصاء المملكة من قمة المناخ، هو واحد من بين سلسلة من المواقف انتهجتها إدارة بايدن منذ تولي الرئيس الجديد الحكم في يناير/كانون الأول، وسط علاقات ثنائية بين البلدين يلفها الغموض.
التطبيع حاجز
شهدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تقاربا في الأسابيع الأخيرة من حكم دونالد ترامب، أحرزت معه الدبلوماسية المغربية تقدما سخرت لأجله جهودها منذ سنوات.
ففي ديسمبر/ كانون الأول 2020 اعترف الرئيس الأميركي السابق بسيادة المغرب على الصحراء الغربية بإعلانه افتتاح قنصلية بمدينة الداخلة، لتصطف واشنطن بذلك مع الرباط في صراعها مع جبهة "البوليساريو" -المدعومة من الجزائر- على المنطقة المتنازع عليها منذ سنة 1975.
فتح الاعتراف الباب أمام توقعات ذهب جلها في ذلك الوقت إلى أن الرئيس بايدن، الذي لم تفصله سوى أسابيع قليلة عن تولي المنصب، سيتراجع عن قرار سلفه، وهو ما فعله مع العديد من القرارات الأخرى.
في حين أشرف مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ديفيد شينكر، والسفير الأميركي في المغرب، دافيد فيشر، في 10 يناير/كانون الثاني 2021، على افتتاح قنصلية في مدينة الداخلة في إقليم الصحراء المتنازع عليه.
دعم بايدن لجبهة البوليساريو عندما كان عضوا في الكونغرس عزز أيضا هذه التوقعات.
وفي فبراير/شباط 2021، وجه السيناتور الأميركي، جيم إنهوف، إلى جانب 26 عضوا من مجلس الشيوخ، رسالة مكتوبة إلى بايدن لمطالبته بالتراجع عن قرار ترامب بشأن الاعتراف بمغربية الصحراء.
وطالب الموقعون على الرسالة، الرئيس جو بايدن بـ "إعادة التزام الولايات المتحدة الأميركية بإجراء استفتاء تقرير المصير في الصحراء".
وفي الشهر نفسه راسلت جبهة البوليساريو إدارة بايدن، لحثها على "التراجع عن القرار وتصحيح الخطأ الجسيم الذي ارتكبه الرئيس السابق ترامب".
لكن الجبهة لم تتلق أية ردود صريحة وواضحة سوى "إشارات بأن الولايات المتحدة ستنحاز للقانون الدولي، وتعزيز دور المنظمات الدولية، ولعب دور كوسيط نزيه في حل النزاعات، ومنع التهديدات للأمن والاستقرار"، بحسب ما صرح به البشير ولد السيد الوزير المستشار المكلف بالشؤون السياسية بالرئاسة في الجبهة لشبكة "سبوتنيك" الإخبارية الروسية.
في الرابع من فبراير/شباط 2021، بعث أعضاء البرلمان الجزائري، رسالة إلى بايدن يدعونه فيها إلى مراجعة قرار سلفه. ولفت النواب في رسالتهم إلى أن "حق الشعوب في تقرير المصير يشكل مبدأ راسخا في تاريخ الولايات المتحدة، وقاعدة أساسية في القانون الدولي".
مصالح قائمة
بعد أيام من طلب أعضاء مجلس الشيوخ، أكد الرئيس الأميركي في أول مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، "التزامه التاريخي الثابت بأمن إسرائيل".
وشدد على دعم الولايات المتحدة في تطبيع العلاقات، بين إسرائيل ودول من العالم العربي والإسلامي، في إشارته إلى المغرب والإمارات والبحرين والسودان.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 زار بايدن -برفقة وفد رفيع المستوى- المغرب من أجل المشاركة في القمة العالمية الخامسة للمقاولات في مراكش، وكان حينها نائبا للرئيس السابق باراك أوباما.
حينها استقبل بايدن في مطار مراكش المنارة الدولي، رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، وبالنظر لكون القمة اقتصادية عالمية بامتياز، ركز نائب الرئيس آنذاك في كلمته على العلاقات الاقتصادية التي تربط بين المغرب وأميركا، كاتفاقية التبادل الحر، والاستثمارات الأميركية في المغرب وبرامج التنمية.
واعتبر الرئيس الأميركي، آنذاك، المغرب شريكا اقتصاديا مهما للولايات المتحدة وأنه بمثابة البوابة نحو القارة الإفريقية مشيدا بريادته في عدد من القطاعات الاقتصادية والطاقية.
في 25 مارس/ آذار 2021، قالت وكالة "رويترز"، نقلا عن مصادر خاصة، إن الإدارة الأميركية ستبقي على سياسة الرئيس السابق المرتبطة ببيع الأسلحة، خاصة الطائرات بدون طيار "الدرون" التي أدت إلى ارتفاع المبيعات الأميركية منها خلال فترة ترامب.
وحسب ذات المصدر، فإن إبقاء بايدن على سياسة ترامب في مجال بيع الأسلحة، سيؤدي إلى الموافقة على العديد من الصفقات التي تم تعليقها من طرف الكونغرس، مع دول مثل المغرب والإمارات العربية المتحدة وتايوان والهند.
في تقرير نشره مركز السياسة العالمية الأميركي، في سبتمبر/ أيلول 2020، حول دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأكثر اقتناء للأسلحة خلال الفترة الممتدة بين 2015 و 2019، قال إن الولايات المتحدة الأميركية هي المزود الرئيس للمغرب بالأسلحة خلال هذه الفترة.
ووفق التقرير الذي نشره المركز المذكور في الأيام الأخيرة، فإن 91 بالمائة من الأسلحة التي اقتناها المغرب من 2015 إلى غاية العام 2019، مصدرها الولايات المتحدة، في حين لم يقتن من فرنسا سوى 9 بالمائة، و0,3 من بريطانيا من مجموع الأسلحة التي اشتراها المغرب خلال 5 سنوات الأخيرة.
اختلافات في الأسلوب
هشام برجاوي، الأستاذ بجامعة القاضي عياض، بمدينة مراكش بالمغرب، قال: إن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء، الصادر عن الرئيس السابق دونالد ترامب، قابل للسحب من قبل الرئيس الحالي جو بايدن.
قبل أن يستطرد: لكن، من المهم أن نلاحظ أن الشكليات القانونية لا تجسد، تلقائيا على الأقل، نقطة الارتكاز في السياسات الخارجية للدول.
وأوضح برجاوي في حديث مع "الاستقلال"، أن الولايات المتحدة العضو الدائم في مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، قوة اقتصادية وعسكرية كبرى، ولها تأثير وازن وحاسم في العلاقات الدولية".
لذلك، من الصعب، إن لم يكن من غير الممكن، أن تصدر عنها قرارات انفعالية أو لحظية، خصوصا في المجال الدبلوماسي الذي يتطلب الحذر والدقة، سواء على صعيد الخطاب أو الممارسة.
ومضى خبير العلاقات الدولية قائلا: "عليه، إن كان سحب الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء ممكنا من الناحية القانونية المحضة والمعزولة، فإن العديد من المعطيات الجيو-بوليتيكية لا تتيح ذلك".
من أبرزها الرصيد التاريخي للعلاقات بين الرباط وواشنطن، وقضايا الأمن والهجرة التي تطرحها منطقة شمال إفريقيا، فضلا عن الاصطفافات التنافسية التي تفرزها فرص الاستثمار في المنطقة المذكورة، بين عدة فاعلين جيو-سياسيين من الطراز البارز كالولايات المتحدة نفسها، والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا وتركيا والهند وغيرها.
وزاد الأستاذ الجامعي: أيضا، تجدر الإشارة إلى أن السياسة الخارجية الأميركية شهدت خلال رئاسة دونالد ترامب، تحررا من القيود والشكليات الخطابية، حيث جرى إعطاء الأسبقية، بوضوح خطابي وتطبيقي حارق، للمصالح الاقتصادية مقارنة مع الديمقراطية وحقوق الإنسان.
أما الرئيس جو بايدن فقد خبر دهاليز صناعة القرار في الكونغرس، وشارك في المسارات الصعبة والشائكة، لإنتاج التوافقات الهشة، خصوصا عندما تتصادم الأولويات.
لذلك يرى برجاوي أنه من غير المفاجئ أن يميل نحو ممارسة وخطاب دبلوماسيين لا يخلخلان، بعنف، التوازنات التقليدية، بيد أنه يتعامل، بانتقاء، مع الملفات الخارجية المعروضة عليه.
وأضاف المتحدث: "هنا، يمكن أن نقارن بين موقفه الصارم من ملف الصحفي جمال خاشقجي وولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان وملف حقوق الإنسان في الصين من ناحية، وموقفه المتوازن من ملف الصحراء من ناحية أخرى".
تأسيسا على كل ما سبق، يعتقد خبير العلاقات الدولية أن التوظيف السياسي والاقتصادي والحقوقي للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء يتسم بالتباين بين دونالد ترامب وجو بايدن.
لكن هذا التباين يترجم، فقط، اختلافات في الأسلوب والاستثمار الإعلامي والسياسي والاقتصادي، ولن يفضي، بالنتيجة، إلى سحب الاعتراف، وفق تقديره.
المصادر
- بايدن يوافق على تزويد المغرب ب 4 طائرات “درون” عسكرية
- بين 2015 و2019.. أمريكا المزود الرئيسي للمغرب بالأسلحة بنسبة 91 بالمائة
- هذا ما قاله أعضاء البرلمان الجزائري في رسالتهم إلى بايدن
- "جبهة البوليساريو": مخاطبة الإدارة الأمريكية لتصحيح الخطأ الجسيم الذي ارتكبه ترامب
- إدارة بايدن تستثني المغرب من قمّة "المناخ الافتراضية".. فما هي دَوافع إقصاء المملكة؟